هذا الذعر القادم من الذكريات البعيدة
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
لو قُيِّضَ لي أن أختار عبارة واحدة تختزل المجموعة القصصية «في الزاوية المعتمة» للقاص العُماني عبدالله خليفة عبدالله لاخترتُ هذه العبارة الواردة في قصة «عين وحيدة»: «هذا الذعرُ القادم من الذكريات البعيدة ينهش عقله وجسمه»؛ فما القصص العشر التي تتضمنها هذه المجموعة الصادرة عن الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء بالتعاون مع دار «الآن ناشرون وموزعون» الأردنية عام 2024م، إلا تنويعات على هذا الذعر من «الماضي الذي يرتطم بالحاضر فيختلطان».
هذه المراجعة للحياة الفائتة تفضي بأبطال «في الزاوية المعتمة» (هل أقول بطلها الوحيد؟) إلى الأخذ بنصيحة الشاعر الأمريكي ديلان جاريتي: «لا يمكنك قتل الوحش قبل أن تستعد لرؤيته في المرآة/ قبل أن تتعرف على شكله في جِلدكَ». لذا؛ فإن المرآة تحضر بكثافة في هذه القصص، سواء ذلك الحضور الفيزيقي المباشر، أو الحضور المعنوي الذي يشكّل فيه الماضي انعكاسًا مرآويًّا للحاضر المعيش. في القصة الأولى «أراه في المرآة للمرة الأخيرة» ينتاب القارئ شعور أن الشخص الواقف خلف بطل القصة ويراقبه في الوقت الراهن حيث ابنته تبكي في الغرفة المجاورة، وفي الماضي حيث يقف على حافة جرف ويطل على الهاوية السحيقة صوب الأسفل، هذا الشخص المراقِب ليس سوى انعكاس صورة المُراقَب في المرآة. أما في قصة «أربعون» فتحضر المرآة بالشكلين المادي والمعنوي معا؛ في المادي لا يكاد الرجل الذي توقف به العمر منذ سنوات عند التاسعة والثلاثين، يتحرك إلا وينظر في المرآة؛ مرآة البيت أولًا، ثم مرآة حمام مكتبة الجامعة، أما المرآة المعنوية فهي مايكل؛ صديق البطل، الذي يفاجئنا السارد في نهاية القصة أنه شخصية متوهّمة، أو لِنقُلْ: «مرآة» للبطل، في حين أنه «ليس ثمة مايكل».
أبطال هذه المجموعة غارقون في الأوهام والتهيؤات التي أساسها الأول الماضي البعيد؛ الطفولة تحديدًا. نتفرج على حيواتهم، ونتابع مصائرهم، متذكِّرين نصيحة كارل يونج -عالم النفس السويسري المعروف- بعدم إهمال الأوهام، حتى وإن كنا نعلم أنها ليست حقيقية، ذلك أن لها تأثيرًا كبيرًا في النهاية، فتَوهُّمُ شخصٍ ما أنك عدوه - وإن لم تكن كذلك - قد يدفعه لإيذائك. في قصة «في الزاوية المعتمة» التي حملت المجموعة اسمها يحاول الطبيب معالجة بطلها الشاب بأن يريه حياته الماضية في المرآة، حين انقض عليه طائر صغير في زاوية معتمة من السوق فأخافه وسبب له رهابًا استمر معه طوال سنوات تشكُّلِه صبيًّا ثم شابا، يحاول البطل التخلّص من هذا العبء النفسي بزيارة المكان نفسه، وتتبّع طفل آخر، معيدًا إيانا إلى ثيمة المرآة: «أراه الآن [أي الطفل] كما أرى مرآة تعكس صورتي...» (الكتاب ص36).
هذه الأوهام تستمر في قصة «التيس النحيل» التي يتخيّل بطلها الشابُّ، حارسَ مردم النفايات تيسًا بقوائم أربع، ويتصرف طوال القصة على هذا النحو، لكننا نعرف في نهايتها أنه مريض نفسي ومصاب بعقدة التآمر عليه، فيهرب من زميليه و«الرجل التيس» ليتحول هو نفسه -حسب سرده- إلى رجل بقوائم أربع! وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى فكرة المرآة في هذه المجموعة، فكأن «الرجل التيس» في بداية القصة ليس سوى ساردها الشاب في النهاية.
نقرأ في رواية «الطيار» للكاتب الروسي يفجيني فودولازكين (ترجمة تحسين رزاق عزيز): «سيكون من المملّ أن تعكس الذكريات الحياة كما في المرآة، إنها تفعل ذلك بشكل انتقائي، وهذا ما يجعلها أقرب إلى الفنّ». أسوق هذا الاستشهاد لأقول إن هذه الانتقائية التي تمارسها الذاكرة الخؤون هي التي تجعل أبطال عبدالله خليفة عبدالله في هذه المجموعة يُعانون في معظم الأحيان من صعوبة التذكّر؛ يحاول بطل قصة «الحصن» مثلًا تذكر لماذا هو لا يحب مهنة حارس الحصن فلا يستطيع، ويحاول بطل قصة «عين وحيدة» تذكّر لماذا يخاف من القمر المكتمل فلا يتمكن، والأمر نفسه لدى بطل قصة «في الزاوية المعتمة» الذي تعِب وأتعب طبيبه لأن ذاكرته تتوقف عند نقطة معينة: «تتوقف الذكرى هنا. أعرف أنني حين صرت أبكي رأيتُ شيئًا أفزعني، ولكن عقلي يرفض أن يتذّكر الباقي» (الكتاب ص 36)، أما في قصة «طعم الدم» فإن البطل نفسه يهرب من الذكريات و«لا يريد أن يتذكّر شيئا». ويجرب الأبطال طُرُقًا شتّى لاستعادة ذكرياتهم الأليمة بغرض الشفاء منها، ينجحون أحيانا ويخفقون أحايين، لكن أكثر ما يشد المرء في هذه الطُرُق، ما يمكن أن أسميه «استعادة الذاكرة بالكرسي»؛ ففي قصة «عين وحيدة» جلس البطل إلى الكرسي ذي المخمل الأحمر «يراجع حياته»، وفي قصة «البالون الأصفر» ينتهز بطل القصة فرصة الانقطاع المؤقت لحضور المعزّين له بوفاة أبيه ليسترخي على ظهر الكرسي ويغفو، ويتذكر، الأمر عينه تكرر في قصة «في الزاوية المعتمة»، حيث يسرد المريض، وهو جالس على الكرسي (أو هكذا أَفترِض) ما استعاده من ذاكرته للطبيب الذي «ظل جالسًا على كرسيه صامتًا ينظر إلى الطاولة».
ليست كل النظرات الموجهة إلى أبطال هذه القصص نظرات عادية ومريحة كنظرة الطبيب لمريضه؛ بل إن مما يُميِّز هذه المجموعةَ القصصية النظرات المخيفة والغريبة التي تسددها في العادة شخصية من الماضي إلى وجه بطل القصة الذي كان سيعيش حاضره بسلام لولا تلك النظرة. في قصة «في الزاوية المعتمة»، وبينما كان الطفل واقفًا ينظر في اتجاه مدخل إحدى السكك وجّه له «جنيّ» نظرة غريبة لثوانٍ ثم اختفى، هكذا تخيله وهو يسرد الحكاية للطبيب الذي يعالجه من هذه النظرة بعد سنين. ذلك «الجنيّ» سيظهر في قصة أخرى هي «الحصن»، وسيُرعِب طفلًا آخر عمره أربع سنوات، إذْ «ينظر في وجهه ويخيفه»، ولعله سيكون السبب الرئيس في رفض هذا الطفل حين يكبر مهنة حارس الحصن. وفي قصة «مطر حامض» لا يجد بطل القصة ما يبرر به قتله أخاه إلا «نظرة الطمع في عينيه»: «لا يمكنك أن تختصر سنوات كثيرة في أسطر، ولكن النظرة في عينيه في ذلك المساء الشاحب اختصرت كل شيء، وقادتني إلى كل شيء» (الكتاب ص50)، وفي قصة «البالون الأصفر» يبرر البطل كراهيته لأبيه بــ»نظرة غامضة من زاوية عينه» وخزت الولد حين رأى أباه يقترف فعلًا سيئًا: «وامتلأ قلبي بتلك النظرة الهائلة التي ملأت العالم خلال ثانية واحدة» (الكتاب ص73).
هذا الغوص المتعمق في نفسيات الأبطال المأزومين هو واحد من نقاط القوة في هذه المجموعة، إضافة إلى لغتها الجميلة ونقلاتها السردية السلسة بين ماضي الأبطال وحاضرهم. لكن ذلك لا ينفي وقوعها في بعض الهنات الفنية التي تنبغي الإشارة إليها، ومنها مثلًا لجوء القاص إلى قتل أبطاله أحيانًا عندما تصل الأحداث إلى نقطة متأزمة، حتى وإن لم يكون موت الشخصية مبرَّرًا من الناحية الفنية، وأضرب هنا مثلًا بقصتين؛ الأولى هي قصة «الحصن» عندما ينحني الطفل الصغير في نهاية القصة على الرجل الكبير الذي صار إليه، في إشارة إلى أنهما اتحدا وباتا شخصًا واحدًا (وهذا يعيدنا من جديد إلى ثيمة المرآة)، ورغم أن هذه نهاية جميلة ومقنعة للقصة إلا أن القاص أبى إلا أن يقتل البطل بإضافته هذه العبارة: «كلاهما اختفيا حين سقطت الدمعة الأخيرة من الصغير على الكبير الذي أغمض عينيه على العالم إلى الأبد» (الكتاب ص56). الأمر نفسه تكرر في قصة «طعم الدم» التي تسرد حكاية أب يعاني من الحزن وتأنيب الضمير لفقده ابنه في حادث سير بينما كانا في الطريق إلى كشك لبيع الآيسكريم، وفي الذكرى الأولى للحادثة (أي بعد عام) يتوجه إلى هذا الكشك ويهشم زجاجه وهو يصرخ. ويختم الكاتب قصته بهذين السطرين: «أخذ يضرب رأسه بجنون أكبر على جدران الكشك المتهشمة، وحين رأى دمه يسيل على الجدران المتحطمة مثل الأفاعي، حينها بدأ في الترنّح وسقط جثة هامدة» (الكتاب ص47)، هذا القتل مع سبق إصرار الكاتب وترصُّدِه يغلق على القارئ آفاق تأويل واسعة للقصة، وقد تكرر هذا الإغلاق لأبواب التأويل أيضًا في نهاية قصة «أربعون»؛ إذْ أن نظر البطل في المرآة دون رؤيته صديقه مايكل كافٍ للإيحاء للقارئ أن مايكل ليس سوى شخصية متوهمة من نسج خيال البطل، دون الحاجة إلى عبارة «لم يكن ثمة مايكل».
رغم هذه الملاحظات البسيطة، يمكن القول باطمئنان: إن «في الزاوية المعتمة» هي إضافة تُسجّل في تجربة عبدالله خليفة عبدالله القصصية، تلك التجربة التي افتتحها قبل عشر سنوات حين أصدر عن مؤسسة الانتشار العربي في بيروت مجموعتين قصصيتين لافتتين في عام واحد (2014) هما «هسهسة الوحشة»، و«أصوات وروائح»، وكما يتبدى من العنوانين فقد احتفت تانك المجموعتان بحاستَي السمع والشمّ، في حين احتفت «في الزاوية المعتمة» بحاسة البصر، ليست فقط من خلال ثيمة المرآة التي تحدثنا عنها هنا بإسهاب، بل حتى عناوين القصص من قبيل «أراه في المرآة للمرة الأخيرة»، و«عين وحيدة»، و«في الزاوية المعتمة»، و«النظارة الشمسية على الطريق». وفي هذه القصة الأخيرة عبارة رددها بطلها الشاب حين رأى وجهه وهو في حمام بيته بعد أن استيقظ، بلا عينين! تصلح تلك العبارة ليرددها قارئ ممتلئ بقصص هذه المجموعة ومراياها: «ما هذا الذي أراه في المرآة؟».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه المجموعة بطل القصة فی المرآة فی قصة فی هذه
إقرأ أيضاً:
المشهد القادم لصناعة النكسة
في عام 1917، كانت التجريدة الثالثة بقيادة الجنرال البريطاني إدموند اللنبي هي المفتاح الذي فتح أبواب فلسطين للاحتلال الإنجليزي، والمسمار الأخير في نعش أُدخلت فيه المنطقة برمتها، نصارع كي نخرج من ذلك النعش كي نعود للحياة ونعود للسيطرة على مقدراتنا فنقود ذاك العالم الهمجي الذي تآمر علينا منذ قرون ليسرقنا ويئدنا.
التجريدة الثالثة تلك الحملة العسكرية، التي بدت وكأنها تحرير من الاستعمار العثماني، الذي ما زال العملاء والخونة يتحدثون عليه، كانت في حقيقتها بداية لفصل جديد من المأساة الفلسطينية والعربية.
فالجنود الذين سقطوا في تلك المعارك، من العرب والمسلمين، لم يكونوا يعلمون أن دماءهم ستكون وقودا لاحتلال أرض الاقصى وتحويلها إلى ساحة لصراع استعماري صهيوني.
واليوم، وبعد أكثر من قرن، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذه المرة بوجوه جديدة وأدوات مختلفة. فهل ستكون مصر وجنودها هذه المرة أيضا الوسيلة التي تُستخدم لإنهاء القضية الفلسطينية تحت مسمى "صفقة القرن"؟
ففي ظل التصريحات الحنجورية المتكررة لعبد الفتاح السيسي حول رفضه القاطع لتهجير أهالي غزة إلى سيناء، يظهر على الساحة دخان أسود لمؤامرة أكثر سوادا تشير إلى أن المعلن عكس ما يُخفى ويدبر، فنجد تصريحات أمريكية وعبرية عن تحركات للجيش المصري في سيناء، وهي بالمناسبة تصريحات حقيقية وليست ادعاءات كاذبة، وهو ما يخالف أي منطق لأن أمريكا لن تسمح بنشوب حرب حقيقية بين مخلبيها في المنطقة (جيش الاحتلال طفلها المدلل وجيش مصر الذي اشترت قياداته وليس الجيش بأكمله).
لذا تبرز التساؤلات حول ما يحدث خلف الكواليس. فبينما يُعلن ويصرح السيسي وإعلامه أمام العالم أن مصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين، بالرغم من أنه هو أول من تحدث عن صفقة القرن معلنا لترامب في رئاسته الأولى أنه داعم لها، ورغم تكرار رفضه، يظهر ترامب مؤكدا أن السيسي وملك الأردن سيوافقان حتما على الصفقة لأنه كما قال "يقدم لهما المساعدات"، بل وقدم ترامب دعوة للبيت الأبيض مفتوحه للسيسي.
نجد أن كل تلك الوقائع تشير إلى شيء واحد مؤكد، وهو أن السيسي جزء من لعبة كبرى تُحاك بين واشنطن وتل أبيب.
خطة تبدو وكأنها مأخوذة من سيناريو قديم تم تنفيذه سابقا في نشرين الأول/ أكتوبر 1973 حرب مُفتعلة بين مصر وإسرائيل، ولكن هذه المرة لن تكون مصر هي المنتصرة، يجب وضع بعض التوابل المختلفة حتى ينطلي على الشعب المصري أنه يتناول وجبة طازجة، معتقدا أنها قد تعيد لجسده الذي أنهكه الفقر والجوع والذل قوته وقليل من كرامته المهدرة على يد السيسي.
ففي السيناريو الجديد تظهر مصر كدولة تدافع عن القضية الفلسطينية، وعن سيناء التي يسعى ترامب لإهدائها للصهاينة كمكافأة على خسارتهم الحرب أمام حماس، وتشجيعا وتكريما لهم على ما ارتكبوه من إبادة بحق العرب من أهل غزة.
وبالطبع ستنتهي تلك المسرحية الحربية بهزيمة مصرية مُدبرة، وقصف إسرائيلي مكثف وعنيف لغزة، يدفع أهاليها إلى النزوح القسري نحو سيناء.
هذه الحرب، إذا ما حدثت، ستكون بمثابة الذريعة المثالية لتحقيق أهداف "صفقة القرن"، التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين من أرضهم قسرا بشكل طوعي.
وفي الوقت نفسه، ستُستخدم هذه الحرب لتحويل غضب الشعب المصري من الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية والتي تنذر بانفجار شعبي إلى تأييد للسيسي، الذي سيُظهر نفسه كقائد وطني يدافع عن القضية الفلسطينية وعن سيناء والأمن القومي المصري.
ولكن الحقيقة ستكون مريرة: فالجنود المصريون، هؤلاء البيادق الذين قد يُرسلون إلى جبهة وهمية، سيكونون وقودا لخدعة كبرى تُحاك على حساب شعبين..
الشعب المصري الذي سيُجبر على تحمل المزيد من القمع والفقر، والشعب الفلسطيني الذي سيُجبر على ترك أرضه تحت قصف من آلاف القنابل الامريكية.
سيناء: الفصل القديم الجديد من المأساة
سيناء، التي شهدت على مر التاريخ معارك وحروبا لا تُحصى، ستكون هذه المرة أيضا مسرحا لفصل جديد من المأساة. تحت وطأة القصف الإسرائيلي وربما الرد المصري سيسحق كثيرا من الفلسطينيين فأمام نيران المتحاربين سيموت من يموت، وسيُجبر آلاف آخرون من الفلسطينيين على عبور معبر رفح إلى سيناء، حيث سيتم إيواؤهم في مخيمات مؤقتة ثم تذويبهم في محافظات مصر وذلك وفقا لمخطط نشره معهد "ميسجاف" الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي، والذي ذكر بدقة عدد الشقق الخالية بمحافظات مختلفة في مصر ومساحتها وإمكانية دفع ثمنها وبصورة أعلى من سعرها الحقيقي، مستغلين الديون التي أسقط السيسي فيها مصر ونهمه للأموال وذلك لتسكين أهل غزة بأماكن متفرقة لإمكانية تذويبهم في المجتمع المصري. وبالطبع إن نجحوا في ذلك ستكون هذه الخطوة بمثابة الضربة القاضية للقضية الفلسطينية، مما يسهل على إسرائيل السيطرة الكاملة على المنطقة.
فهل ستكون رمال سيناء هي مقبرة أحلام الفلسطينيين بالتحرر من الاحتلال الصهيوني، أم أنها ستكون المقبرة لأحلام الغزاة والخونة الجُدد وبداية لفصل جديد من المقاومة؟
ففي الوقت الذي تتوالى فيه الأسئلة والسيناريوهات، وخطط العمالة والخيانة، يكون الشعب المصري الغارق بهمومه ووهم القائد "الدكر" الوطني؛ هو الضحية الأكبر لهذه الخدعة. فبعد سنوات من المعاناة الاقتصادية والسياسية، ستتفاقم الأوضاع بشكل كبير.
الحرب المفتعلة ستؤدي إلى زيادة الديون وتدهور الاقتصاد، مما سيزيد من معاناة المواطنين. بالإضافة إلى ذلك، ستُستخدم الهزيمة العسكرية كذريعة لتشديد القبضة الأمنية وقمع أي محاولات للثورة أو الاحتجاج. وهكذا، سيظل الشعب المصري مرغما على تحمل السيسي والأوضاع الاقتصادية المتردية، تحت ستار "الحفاظ على الأمن القومي".
هل سيُستخدم الجنود المصريون، كما استُخدموا في التجريدة الثالثة، كأدوات لتحقيق أهداف القوى الكبرى السياسية، فقديما كان نفس الجنود وسيلة لاحتلال فلسطين واليوم وسيلة لاحتلال سيناء باسم صفقة القرن، أم ستكون هذه المرة مختلفة؟ هل الشعب المصري سيستيقظ على الحقيقة قبل فوات الأوان؟
في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل سنسمح للتاريخ أن يتكرر بدماء جديدة، أم أننا سنتعلم من دروس الماضي ونرفض أن نكون وقودا لخدع السياسيين والخونة؟
الجواب لن يكون في الكلمات، بل في الأفعال، فإما أن نستيقظ الآن، أو نستسلم لمصير مظلم يُحاك أمام أعيننا.