لجريدة عمان:
2024-06-29@22:37:46 GMT

شيراز وما بقي من شهادة التّأريخ

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

شيراز وما بقي من شهادة التّأريخ

شيراز خامس أكبر مدينة في إيران، وهي مدينة عريقة موغلة في القدم، ولها حضورها في الأدبيّات الإسلاميّة، وأخرجت الكثير من الفلاسفة والمحدّثين والأدباء والشّعراء والرّموز الدّينيّة والسّياسيّة، حتّى بات لقب «الشّيرازيّ» حاضرا في موسوعات التّراجم، وأهلها لهم انتماءاتهم القبليّة المترابطة إلى اليوم، وغالبهم مسلمون على المذهب الشّيعيّ الإماميّ الجعفريّ، ويوجد فيها أقليّة سنيّة، كما يوجد فيها أقليّة من الزّرادشت واليهود ويسمّونهم الكليميين نسبة إلى كليم الله موسى، والأرمن والبهائيين.

ومن أهم معالمها الدّينيّة: بوابة القرآن، وشاه جراغ، ومزار عليّ بن حمزة الهوليّ الذّي بني قبل الدّولة السّلجوفيّة، وقبر حافظ الشّاعر الشيرازيّ العظيم في الحبّ والمحبوب (1326 - 1390م)، وقبر السّعديّ (ت 691هـ/ 1292م) وهو شاعر فرّ من المغول، ووقع في أيدي الصّليبيين، خرج بفدية من رجل حلب ألزم بالزّواج من ابنته السّيئة كما يروى، كما توجد المعابد اليهوديّة القديمة، ومعبد النّار للزّرادشت، ومسجد نصير الملك الّذي يعود إلى عام 1876م.

ومن أهم معالم شيراز التّأريخيّة معلم مدينة باسارغاد، وهي مدينة فارس القديمة وأول عاصمة الأخمينيين أيام كورش الكبير، ومعلم برسبوليس أو جمشيد، وهي عاصمة الأخمينيين وقد أدرجت في اليونسكو، ومعلم متحف بارس في قصر ملوك الدّولة الزّنديّة، وفيه قبر کریم خان زند (ت 1193هـ/ 1779م)، ومعلم نقش رستم، وفيه معالم ملوك الدّولة الأخمينيّة والسّاسانيّة، ومعلم حديقة أرم، وفيها جميع أشجار العالم وقصر الشّاه، ومعلم حديقة عفيف آباد، وفيها مجمع الحدائق، والقصر الملكيّ ومتحف للأسلحة.

وفي زيارتي إلى شيراز عام 1444هـ/ 2023م زرتُ مسجد نصير الملك الّذي يعود إلى عام 1876م، أي إلى العهد القاجاريّ، وقد ذهبت إليه في العاشرة صباحا من يوم الجمعة 30 رمضان، يوافقه 21 أبريل، وهو من التّحف الشّيرازيّة الجميلة، ويسمّى مسجد الألوان السّبعة، ويسمّى أيضا بالمسجد الورديّ لوجود بلاط ورديّ اللّون فيه، حيث بني على زجاج يعكس جميع الألوان بعد شروق الشّمس، ويوجد فيه محرابان وملاحق، ورأيت في داخله نقشا لمبنى يشبه الكنيسة ويشبه المسجد أيضا، وهنا قال لي صاحبي الشّيرازيّ والعهدة له: أنّه تخليد للتّعايش الدّينيّ الّذي يعيشه الشّيرازيون خصوصا مع المسيحيين؛ فقد نقشت - فيما يبدو- صورة الكنيسة في أماكن مختلفة في بعض زواياه، وقيل لأنّه أخذ هندسة المسجد من أوروبا، ولكي تكون بيوت الله رمزا للجمال والحبّ والسّلام.

كما يوجد فيه مرقد سيّد الحرمين، ويقولون هو أحد أبناء الأئمّة، جاء إلى شيراز هروبا من الاضطهاد العبّاسيّ، ولكون مرقده بين مرقد أحمد ومحمّد أبناء موسى الكاظم -كما سيأتي بيانه-، وبين مرقد السيد علاء الدّين حسين (ت في القرن 12هـ) فسميّ سيّد الحرمين، ويطلقون على سيّد الحرمين أيضا اسم السّيّد أو الإمام المكبل، ويطلقون عليه أيضا إمام زاده زنجيري أو إمام زنجير أو إمام السّلسلة؛ لأنّ زنجير بالعربيّ معناها السّلسلة، وسميّ بذلك لأنّ جدّه أي الإمام زين العابدين - رابع الأئمّة عند الشّيعة والمتوفى 95هـ - كبّل بالسّلاسل، بينما «أهالي شيراز يقولون إنّ سبب تسمية هذا السّيّد المرحوم بـالسّيّد المكبل هو أنّ نصير الملك كان لديه إيمان واعتقاد راسخ به، وكان يجلب الأشخاص الّذين تُوجه لهم تهم معينة، ويربطون بالسّلسلة بمرقده، فإن انفتحت اعتبروه بريئا من التّهمة الموجهة إليه» [مقالة نصير الملك في شيراز على موقع الكوثر على الشّبكة العالميّة]، وذكر لي - شخصيّا- بعض أهل شيراز رواية أخرى، وهي أنّ سجينا حكم عليه بالإعدام، فهرب من الشّرطة وهو مكبّل بالسّلاسل، وذهب مستغيثا بهذا الضّريح، فرأى الحاكم رؤيا أنّ الإمام جاءه في المنام يطلب منه أن يعفو عن هذا السّجين، فعفا عنه، وما زالت السّلسلة موجودة قرب المرقد حتّى اليوم.

وقريب من هذا المسجد أيضا يقع مسجد أو جامع شاه جراغ، فذهبنا إليه مشيا، ووجدنا في الطّريق خريطة كاملة تدلّك على المعالم السّياحيّة في شيراز، ومسجد شاه جراغ من المساجد القديمة والعريقة في شيراز، وفيه ضريح أحمد ومحمّد أبناء موسى الكاظم المتوفى 183هـ، الإمام السّابع عند الإماميّة، وشقيقي عليّ الرضا المتوفى 203هـ، الإمام الثّامن عندهم، ويعتبر مزاره من أكبر المزارات في إيران، ويقع في أرض طوس أو مشهد حاليا، وهؤلاء الثّلاثة أحمد ومحمّد وعليّ هربوا إلى بلاد فارس بعدا من اضطهاد العبّاسيين في عهد المأمون (ت 218هـ/ 883م) كما يذكر الرّواة، بجانب أختهم المعصومة، ومزار ضريحها في قم.

وشاه جراغ تعني الملك المضيء، وهو لقب أطلق على السّيّد أحمد ابن الإمام الكاظم، وأثناء زيارتي للضّريح ذكر لي أحدهم قصّة، وهي أنّ إحدى النّساء الصّالحات المتنسكات العابدات، كانت قد أعدّت لها مكانا تتنسك فيه، وفي ليلة شاهدت نورا يخرج من الأرض، وتكرّر الأمر ليالي أخرى، فأخبرت الحكومة بذلك، وكان في عهد الأمير مقرّب الدّين مسعود بن بدر (658هـ)، فحفروا الأرض، فوجدوا جثة لم تتغير مكتوب فيها خاتم منقوش عليه «العزّة لله أحمد بن موسى بن جعفر»، فبنت مرقدا لها بجواره، بيد أنّ الرّواية التّأريخيّة تقول إنّ المرأة هذه هي الخاتون تاشي، وكانت من الصّالحات المتنسكات، وأتت بعد اكتشاف القبر بما يقارب مائة سنة، حيث اكتشف قبر السّيد صدفة أثناء الحفر في عهد الأمير مقرّب الدّين، وفد بنت لها مرقدا ومدرسة قرب القبر عام 750هـ، وأوقفت له وقفا لازال باقيا حتّى اليوم، وذلك في العهد الصّفويّ، ثمّ بني المسجد، وطوّر في العهد القاجاريّ ولا زال يلقى اهتماما حتّى اليوم.

ومسجد شاه جراغ هو المسجد الوحيد الّذي يقام فيه صلاة الجمعة في شيراز، وصلاة الجمعة في إيران لا تقام في كلّ مكان، ولا يقيمها غير الممثل الخاصّ للوليّ الفقيه، والأصل عندهم يسقط وجوبها في الغيبة الكبرى؛ لأنّ شرط وجوبها وجود الإمام المعصوم، وبما أنّ الإمام المعصوم غائب عن الأنظار؛ فتقوم نظريّة ولاية الفقيه على فكرة النّيابة المطلقة عن الإمام الغائب أي المهديّ المنتظر محمّد بن الحسن العسكريّ، ولهذا يقيمها في إيران نائب الإمام الغائب أو الولي الفقيه الّذي هو اليوم المرشد عليّ خامنائيّ، وينوب عنه ممثلوه في العواصم الكبرى، وتكون في مكان واحد، ويغلب عليها الجانب السّياسيّ.

والنّائب عن الوليّ الفقيه في إقامة صلاة الجمعة في شيراز هو آیة الله دژکام، وبالفارسيّ لطف الله دژکام، وهو ممثل الفقيه في محافظة فارس، وممثل فارس في مجلس خبراء القيادة، وهو من تلاميذ المرجع وحيد الخراسانيّ، والمرجع ناصر مكارم الشّيرازيّ، والثّاني أصله من شيراز، ويسكن حاليا قم، وهو من المرجعيّات الدّينيّة المهمّة في إيران والعالم الشّيعيّ حاليا، ومن أهم القيادات في الثّورة الإيرانيّة، ولكبر سنّه أصبحت زيارته صعبة.

وخطبة الجمعة لديهم خطبتان يفصل بينهما بجلسة خفيفة، وكما أسلفت هي أقرب إلى السّياسة، يفتتحها بالعربيّة ثمّ تكون بالفارسيّة، ويأتي المصلّون فيها بشعار «الموت لإسرائيل الموت لأمريكا» بصوت مرتفع، كما لم أجد عندهم التّقيّد بعدم الحديث أثناء الخطبة، والإمام يخطب في مساحة في المسجد، يجلس في مكان مرتفع قليلا أثناء الخطبة في صالة أو مساحة واسعة أقرب إلى صالة الاحتفالات عندنا، وليس في محراب كمحراب المساجد، كما تجد من الطّبيعي لديهم أن توضع لوحة خلف الخطيب وفيها تصاوير، كصورة الإمام الخمينيّ أو الخامنائيّ أو بعض الشّهداء والرّموز القياديّة والدّينيّة لديهم، وأحيانا يصلّي الإمام في مكان منخفض؛ لأنّ من شروط إمام الجماعة عندهم أن يكون مساويا للمصلّين أو منخفضا عنهم، فيخشى إذا كانت فيه أماكن منخفضة للمصلّين أن يكون الإمام مرتفعا عنهم، لهذا يصلّي في مكان منخفض ليكون مساويا أو نازلا عنهم.

وفي صباح يوم السّبت، وقد وافق عيد الفطر في إيران حسب رؤية المرشد الأعلى عليّ خامنائيّ، ذهبتُ بعد صلاة عيد الفطر إلى زيارة ضريح علاء الدّين بن الحسين، وبالفارسيّ «مزار إمام زاده سيّد عليّ بن حسين»، ويعود إلى القرن الرّابع عشر الهجريّ، ويقولون هو من إخوة الإمام الرّضا، ومن أبناء موسى بن جعفر، هرب إلى شيراز هربا من الاضطهاد العبّاسيّ، والحكاية الشّيرازيّة أنّه في «عهد الصّفويين اتّسعت مدينة شيراز حتّى وصلت البيوت إلى الأرض الّتي ضمّت جسد علاء الدّين، فعندما كانوا يحفرون فيها لوضع أساس للبناء، عثروا على جثة شاب جميل كأنّه قتل من ساعته، واضعا يده على قبضة سيفه، والمصحف الكريم على صدره، فعرفوا ممّا لديهم من العلائم والشّواهد أنّه علاء الدّين حسين بن الإمام موسى بن جعفر، فقيل: إنّهم وجدوا اسمه مكتوبا على جلد المصحف الكريم، فدفنوه بعد الصّلاة عليه في محلّه، وأمر حاكم شيراز أن يبنوا على قبره مكانا عاليا، وبناء رفيعا... وبعد ذلك جاء رجل من المدينة المنورة يدعى الميرزا عليّ المدنيّ، وكان ثريّا، فقام بتوسيع البناء على مرقد علاء الدّين، وشيّد عليه قبّة جميلة، واشترى أملاكا كثيرة، فجعلها وقفا على ذلك المرقد، وأمر بصرف وارداتها بشؤونه، كما أوصى بأن يدفن بعد موته في جوار علاء الدّين، فلمّا مات دفنوه هناك، وقبره اليوم في تلك البقعة معروف، وقد كتب عليه اسمه، وهو: ميرزا عليّ المدنيّ» [ترجمة الأمير علاء الدّين حسين على موقع مؤسّسة السّبطين في الشّبكة العالميّة]، وتطوّر بناؤه في عهد الشّاه إسماعيل الصّفويّ الثّانيّ (ت 985هـ/ 1577م)، ولا زال المزار يحمل العمارة الصّفويّة حتّى اليوم.

وفي عصر اليوم ذاته ذهبنا إلى حديقة «چهل تنان»، وفي الطّريق مررنا على بوابة القرآن، وهي من المعالم القديمة الّتي تعود إلى العصر البويهيّ، وكانت في مدخل شيراز القديمة، حيث وضع المصحف فيها تبركا به، واستلهاما للأمن والسّلام ببركته، وتسمّى بالفارسيّ «دروازه قرآن»، ويقال هذه النّسخة من المصحف موجودة في متحف بارس، أي فارس، والبوابة دمرت عام 1936م، وبنيت من جديد على ذات معماريّتها عام 1950م، ثمّ ذهبنا إلى حديقة «چهل تنان»، وهي من الحدائق الجميلة في إيران، أسّسها کریم خان زند (ت 1193هـ/ 1779م)، مؤسّس الدّولة الزّنديّة، وتتميز بالأشجار، وفيها أربعون قبرا للمتصوّفة المتنسكين، مرتبة بشكل منظّم، وكانت مزدحمة بشكل كبير من النّاس، ولا يكاد تجد موقفا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة فی إیران ة فی شیراز فی مکان الد ولة الس ی د فی عهد

إقرأ أيضاً:

نصر الله يوجه رسالة هامة عن إسرائيل و"الشيطان الأكبر" ويتحدث عن "فرصة إلهية عظيمة"

قال أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله في رسالة: إن "إنجازات الشهداء وما حققته دماؤهم وما قدموه من انتصارات وتحرير حاضر أمامنا دوما في كل يوم"، مؤكدا على مواصلة العمل.

وأكد حسن نصر الله، في رسالة له خلال "المؤتمر الدولي لشهداء الدفاع عن الحرم وجبهة المقاومة في مشهد المقدسة"، قائلا: "إننا أمام الدماء المنتصرة على سيوف الطغاة والجبابرة وشهداؤنا الكرام حققوا كلتا الحسنيين النصر والشهادة معا.. نفخر بالشهداء وما قدموا وأيضا نفخر بعوائل الشهداء الذين واجهوا فقد أحبتهم وأعزائهم بالصبر الجميل والتسليم الكامل لمشيئة الله تعالى والافتخار باصطفاء الله تعالى لهؤلاء الأحبة".

إقرأ المزيد نائب أمين عام حزب الله اللبناني: تهديدات إسرائيل فارغة ولن تؤثر علينا سلبا

وأضاف: "يا أكرم الناس ويا أشرف الناس في كل ساحات وبلدان جبهة المقاومة يجب أن ندرك حجم الانجازات والانتصارات التي تحققت حتى الآن والتي تراكمت على مدى عشرات السنين وخصوصا منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قده)".

وأشار إلى أن "ما يقدمه اليوم أهلنا في قطاع غزة وفلسطين المحتلة من عشرات آلاف الشهداء والجرحى مع التهجير والجوع والحصار وأعمال الإبادة وتساندها جبهات المقاومة خصوصا في لبنان واليمن والعراق".

وأكد أن "هذه الانجازات والانتصارات وضعت أمتنا على طريق الانتصار الكبير والنهائي والذي يعني تحرير فلسطين من الإحتلال الصهيوني وتحرير منطقتنا كلها من الهيمنة والتسلط الأمريكي باذن الله".

ولفت إلى أن "هذا الانتصار النهائي يحتاج إلى مواصلة العمل والجهاد دون كلل أو ملل ويحتاج إلى المزيد من الوقت بطبيعة الحال وأن نكون واثقين جدا وعلى يقين بوعد الله تعالى للمؤمنين الصادقين بالنصر والغلبة، كما يحتاج إلى وحدتنا وتكاملنا ولا يجوز لأحد بعد هذه التضحيات أن يتردد أو أن يضعف أو يتوقف".

وأوضح: "نحن الشعوب المظلومة في هذه المنطقة والمعتدى عليها من قبل الشيطان الأكبر والصهاينة ونحن في هذا الزمن ننعم بوجود فرصة إلهية عظيمة والا وهي الجمهورية الإسلامية المباركة في إيران بنظامها المقدس وشعبها المضحي وبوجود هذا القائد الحكيم والشجاع والمسدد الإمام علي خامنئي".

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • الاثنين المقبل.. فتح باب القبول في كلية التمريض بجامعة الإمام محمد بن سعود 
  • نصر الله يوجه رسالة هامة عن إسرائيل و"الشيطان الأكبر" ويتحدث عن "فرصة إلهية عظيمة"
  • فتح باب القبول في كلية التمريض بجامعة الإمام.. الاثنين المقبل
  • يبدأ غدا.. خطوات التقديم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لعام 1446
  • عضو بـ "الأعلى للشئون الإسلامية": الإخوان أرادوا عزل شيخ الأزهر في عهد مرسي
  • شيخ الأزهر يهنئ السيسي والشعب المصري بالذكرى الـ11 لثورة 30 يونيه
  • أسامة الأزهري ينفى تصريح نسب اليه بشأن قطع الكهرباء
  • الإفتاء توضح مفهوم الحسد وبيان خطورته
  • رئيس قطاع المعاهد الأزهرية يزور الطلاب الممتحنين بمستشفى 57357
  • شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لدى القاهرة بمقر المشيخة