مصلحة الجميع هل تلجم نيّات توسعة الحرب في لبنان؟
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
كتب مالك القعقور في"الشرق الاوسط": فقبل أيام زار الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، عراب الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي، تل أبيب وبيروت في مسعى لمنع تحول المواجهة من جبهة محدودة في جنوب لبنان إلى مواجهة مفتوحة. وظنّ المتابعون أن «خطورة» الوضع ستبقيه في المنطقة أياماً، لكنه أقفل عائداً إلى واشنطن، بعدما قال في بيروت: «لمصلحة الجميع حل الصراع بسرعة وسياسياً، وهذا ممكن وضروري وبمتناول اليد».
الحرب التي بدأها بها «حزب الله» في منطقة محددة جغرافياً، هي مزارع شبعا، تطوّرت على مدى 9 أشهر، لتشمل معظم مناطق الشريط الحدودي بين البلدين، مع عدم تردد الإسرائيلي عن اصطياد مسؤولين من «حزب الله» و«حماس» والتنظيمات الدائرة في فلكهما، في مناطق مختلفة من الأراضي اللبنانية. لكن لو كانت هذه الحرب ذاهبة إلى ما هو أوسع في لبنان، هل كان للموفد الأميركي أن يغادر بهذه السرعة؟ أغلب الظن أنه تأكد أن الطرفين لا يريدان الإضرار بالصفقة الكبرى التي أنجزاها، بعد أكثر من 20 عاماً من المفاوضات، ألا وهي ترسيم حدود الغاز في البحر المتوسط.
وهنا تماماً مكمن إشارة هوكشتاين إلى «مصلحة الجميع». والجميع هم كل المستفيدين، دولاً وشركات وجماعات، من اتفاق الحدود الغازية الذي أبرمه بالبلدان في عام 2022، وبرعاية أميركية ممثلة بهوكشتاين نفسه.
وهوكشتاين يعرف تماماً أن إسرائيل تعد الرابح الأكبر من غاز المتوسط منذ اكتشف أول حقل للغاز في بحر غزة وسُمي «غزة مارين» في عام 2000، حينها تغيّرت معطيات إسرائيل وأهدافها، فانسحبت من جنوب لبنان بلا اتفاق، وتوجّهت إلى السلطة الفلسطينية فدّمرت «اتفاق أوسلو» وكل ما بُني بموجبه، وراحت تغرف من غاز البحر حتى اكتفت ذاتياً، ثم راودتها أطماع التصدير. وكانت اكتشافات متتالية بمليارات الدولارات واتفاقات وشراكات مع دول الجوار، وبقي عائقان أمامها: بحر لبنان المسيطر عليه «حزب الله»، وبحر غزة المسيطرة عليه «حماس».
وبعد مفاوضات طويلة استغرقت قريباً من 20 عاماً، برعاية الأميركي وتدخله، تم الاتفاق مع لبنان. وبقيت المشكلة الأخيرة المتعلقة ببحر غزة. وقبل هجوم 7 أكتوبر، تردد بأن اتفاقاً مماثلاً للاتفاق اللبناني سيوّقع مع السلطة الفلسطينية في رام الله، ما يعني أن «حماس» لن يبقى لها سوى «خفي حنين»، وهي المسيطرة على القطاع منذ 2005، ويكاد يذهب هباءً كل ما فعلته تجاه الإسرائيلي، بما في ذلك عدم مشاركتها في المعركة التي خاضتها «الجهاد الإسلامي» ضد إسرائيل في 2022، وتحت عنوان «وحدة الساحات»، ولا ساحات ولا من يحزنون.
وفي 7 أكتوبر بدأ مخاض لأوضاع جديدة، سياسياً وأمنياً وغازياً، لكنه لم ينته بعد. تحضير «حماس» لعملية لم يكن مفاجئاً لإسرائيل، بل كانت تنتظر تنفيذها لتشن حربها الكبرى لتشطب كل من يقف في وجه مصالحها داخل غزة. لكن ما حصل فجر ذاك اليوم كان كبيراً جداً ومفاجئاً للطرفين: «حماس» التي لم تتوقع أن اختراق الجدار الفاصل سيمهد الطريق لعملية بهذا الحجم، وإسرائيل التي استيقظت على احتلال مساحات من أراضيها ووقوع نحو 240 من الأسرى من جيشها وشعبها في يد المهاجمين.
وجاء الرد بقرارين كبيرين: تفعيل إسرائيل قانون هنيبعل القاضي بقتل الخاطف والمخطوف لاستعادة الأرض، والقانون لا يزال معمولاً به حتى اللحظة. وإرسال الولايات المتحدة بعضاً من بوارجها وحاملات طائراتها لتقول لمن يتحمّس إن زوال إسرائيل ممنوع.
وظن الناس أن في مقدمة هؤلاء المتحمّسين «حزب الله»، خصوصاً أن بوتقته الإعلامية كانت تنشر ما مفاده أن لدى الحزب كتيبة اسمها «كتيبة الرضوان»، ومهمتها، في المعركة المقبلة مع إسرائيل، احتلال الجليل وخوض الاشتباكات على أرضها. لكن ما فعله الحزب على الأرض وبعد 24 ساعة، أن أطلق رشقات باتجاه مزارع شبعا، وفهم المعنيون الرسالة بأنه لن يفعل أكثر من ذلك.
وجاءت الأيام والأسابيع والأشهر ولم يبق حجرٌ على حجر في قطاع غزة وأكثر من 40 ألف ضحية وضعف هذا الرقم من الجرحى والمصابين، ولم يفعل الحزب مع إسرائيل أكثر من المناوشات وصراع الأدمغة الأمنية، ولم يقدّم، ولن، إلى إسرائيل السبب الوجيه لتوسعة الحرب لتشمل لبنان كله، فلا هو احتل متراً واحداً من أرضها، ولا أسر جندياً واحداً من جنودها، ولا استهدف مرفقاً واحداً من مرافقها الاقتصادية والسكنية. كل ما يفعله ضمن المسموح به، وهو استهداف مواقع عسكرية، ونشر فيديوهات من مسيرة نجحت في اختراق الحدود.
وما كاد هوكشتاين يقفل عائداً إلى واشنطن، حتى كان أول مستقبلي وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي أبلغه أن الانتقال إلى «المرحلة ج» (صراع منخفض الكثافة) في حرب غزة سيؤثر على جميع الجبهات.
وعلى الرغم من أن البيان مقتضب، فإنه يوحي بأن ثمة انتقالاً للمرحلة الثالثة في غزة، وبالتالي فإن هذا التأثير سيكون «إيجابياً» لتهدئة جبهة الجنوب اللبناني، وتبقى المصلحة الكبرى التي أبرمت في اتفاق الغاز قائمة في انتظار نهاية «مخاض غزة»... فعن أي توسعة للحرب تتحدثون؟
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
ركام الحرب معضلة تربك لبنان
خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، كان أحمد مهدي يعيش في نصف منزل، فقد أدت غارة جوية إسرائيلية على المبنى المجاور لمنزله في أحد أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، إلى تدمير المطبخ وغرفة المعيشة في شقته الواقعة بالطابق الخامس.
الحل الوحيد هو التخلص من الأنقاض من منطقة بيروت المجاورة لكوستا برافا
وعندما ينظر مهدي إلى ما تبقى من المبنى المجاور، يذهله حجم الدمار. ويقول لأرين بيكر من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنه : "لقد انهار 11 طابقاً، كل ما ترينه هو الصخور والأوساخ والفولاذ وقطع الحديد".
ومثل الكثير من اللبنانيين، الذين تعرضت منازلهم وأعمالهم لأضرار خلال أكثر من عام من الحرب بين إسرائيل وحزب الله، فإن مهدي (20 عاماً)، وعائلته حريصون على بدء الإصلاحات، لكنهم لا يستطيعون فعل الكثير قبل إزالة الأنقاض. وقال: "هذه هي مشكلتنا الكبرى: أين نضع الأنقاض؟"
وبينما يبدأ لبنان عملية إعادة البناء البطيئة بعد وقف هش للنار بين حزب الله وإسرائيل، فإنه يكافح من أجل معرفة كيفية تنظيف الكميات الهائلة من الأنقاض المنتشرة حول العاصمة بيروت.
وقال تقرير للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، إن التقدير الأولي للأضرار، أظهر أن نحو 3000 مبنى في منطقة الضاحية جنوب المدينة، قد دمرت أو لحقت بها أضرار جسيمة أو تضررت بشكل كبير.
Israel eliminated Hassan Khalil Yassin, who replaced Hassan Nasrallah hours ago.
This breaks the shortest tenure as 'caliph' in the tenure in the 1400 history of Islam.
The whole Hezbollah chain of command are now a bunch of people that a week ago were not important enough to… pic.twitter.com/blOMExc71Q
وقُتل أكثر من 3700 شخص في لبنان خلال الحرب، التي اندلعت عندما بدأ حزب الله إطلاق النار على المواقع الإسرائيلية بعد الهجمات التي قادتها حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وأدى الصراع إلى نزوح نحو 1.3 مليون شخص. وفي لبنان، ألحق أضراراً بمليارات الدولارات من الاقتصاد، ودمر أجزاءً كبيرة من جنوب لبنان قرب الحدود مع إسرائيل، فضلاً عن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في جنوب بيروت حيث يسيطر حزب الله.
وقالت تمارا الزين، التي أعدت التقرير، إن التقارير الأولية أظهرت أن الهجمات الإسرائيلية على المباني والمنازل والمصانع والطرق وغيرها من البنية التحتية في أنحاء البلاد، قد أسفرت عن نحو 350 مليون قدم مكعب من الركام. ولا يمكن أن تبدأ عملية إعادة الإعمار بشكل كبير إلا بعد تنظيف كل ذلك.
وفي غزة، حيث تخوض إسرائيل حرباً للقضاء على نشطاء حماس، تعرض ما يقرب من 60% من المباني لأضرار أو دمرت في القطاع المحاصر. كما أدت هجمات حزب الله الصاروخية على إسرائيل، إلى تدمير أو إتلاف المنازل في المجتمعات الحدودية، وتسببت بحرائق في الأراضي الزراعية.
مكبات النفاياتوأفاد أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في الجامعة الأمريكية في بيروت عصام سرور، إن مكبات النفايات في لبنان تكافح فعلاً للتعامل مع نفايات البناء الخطرة في كثير من الأحيان. وقال إن الكثير منها يتم التخلص منه في الطبيعة.
وفي عام 2006، بعد الحرب بين حزب الله وإسرائيل، تم إلقاء الحطام من المناطق التي تعرضت لقصف شديد جنوب بيروت، والتي تضمنت ذخائر غير منفجرة، والأسبستوس، والمفروشات الاصطناعية، والأجهزة الإلكترونية المحطمة والنفايات العضوية، على طول الشاطئ بالقرب من المطار، كما يقول خبراء البيئة.
Lebanon Faces a Colossal Disposal Task: Clearing War Debris https://t.co/YnrbqrQf9w
— Rachel Gemayel (@RachelGraciano) January 28, 2025ويضيفون إن ذلك تطور إلى مكب دائم للنفايات، من دون حواجز كافية لحماية البيئة البحرية من المواد الكيميائية السامة المتسربة من الحطام. وباتت المنطقة المعروفة باسم كوستا برافا، مرادفاً للكارثة البيئية في لبنان.
وقال سرور إن تأثير الصراع الأخير، يمكن أن يكون أكبر بكثير وأكثر ضرراً.
وعلى مدى العقد الماضي، شهد لبنان ارتفاعاً هائلاً في استخدام الألواح الشمسية وتخزين البطاريات، للتعويض عن الشبكة الكهربائية المتعثرة في البلاد. ويمكن أن يؤدي التخلص غير السليم من الألواح والبطاريات إلى تحلل الرصاص والزئبق والعناصر الخطرة الأخرى في البيئة.
وقال وزير البيئة ناصر ياسين، إن التعامل مع الأنقاض من المناطق المحيطة ببيروت، كان أكثر صعوبة بسبب حجمها الكبير، واحتمال وجود مواد خطرة، وعدم وجود مساحة على مسافة معقولة لنقلها بالشاحنات.
ورأى وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني علي حمية، إن الحل الوحيد هو التخلص من الأنقاض من منطقة بيروت المجاورة لكوستا برافا.
لكن رئيس إحدى نقابات صيد الأسماك إدريس عتريس، حذر من تهديد الحياة البرية المهددة أصلاً بالإنقراض قائلاً :"هنا تضع السلاحف بيوضها. ولن نقبل بذلك".
وقالت النائبة اللبنانية نجاة عون صليبا، العضو في لجنة البيئة البرلمانية: "نحن في حاجة إلى التفكير بشكل مختلف في شأن الأنقاض...إنها ليست نفايات. إنها مورد".