خطابات السيد القائد تفتح باب إصلاح الأمة وتؤسس لمرحلة ما بعد استعادة فلسطين

الثورة / إبراهيم الوادعي

على امتداد الوطن اليمني وفي أكثر من مائة وستين ساحة أحيا اليمنيون مناسبة الغدير الثامن عشر من ذي الحجة يوم أعلن رسول الله محمد – صلى عليه وآله وسلم – بأمر من الله، الإمام عليا وصيا على المؤمنين من بعده ووليا وواليا عليهم.


تمر ذكرى الغدير في اليمن وفي أقطار إسلامية عادة وسط اهتمام محلي وإسلامي ينبع من جهود الإصلاح داخل الأمة والتي ترى تيارات فيها أهمية العودة إلى منابع الخطأ الذي قسم الأمة وأوجد الفروقات والشقوق داخلها وأين يكمن الخطأ من الصحيح، بعد أن فشلت نظريات الترميم والقفز على الماضي في إصلاح الحاضر لكون الخطأ مس بالأساس الذي ينبني عليه قناعة وعقيدة المسلم رغم تسليم مختلف التيارات الإسلامية بحقيقة الواقعة وما صدر عنها من نصوص نبوية، إلا أن التفسيرات ذهبت مناح شتى لمصالح هنا وهناك، وشكلت انقساما ثابتا تخف حدته بين طائفة وأخرى.
وتحت مرقاب دولي احتفل اليمنيون هذا العام بمناسبة الغدير التي يحيونها جيلا بعد جيل، فالبلد الذي يواجه العالم لأجل غزة، صارت كل أحداثه واهتماماته محل دراسة العالم ونظرياته، وهذا الشعب أعاد في أهم محطات العقيدة لدى شعبه تأكيد ثبات البوصلة نحو فلسطين، وهو يمنع بالتنسيق مع محور المقاومة بكل ما يستطيع هزيمة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس والتي قد لا تشاطره تفسيره للغدير.
ووسط متغيرات عصفت بالأمة الإسلامية بل والعالم، أمام ما يجري في غزة من أهوال ومجازر وإبادة يهودية للشعب الفلسطيني صاحب الأرض والحق والتاريخي، لم تعرف البشرية مثيلا لها أو سجلت ذاكرة التاريخ شبيها لما يحدث في غزة الجغرافية المصغرة والاكتظاظ السكاني الكبير، يتحدث اليمنيون على امتداد الساحات عن كون غزة برزخا بين الإيمان والنفاق داخل الأمة وعلى مستوى البشرية جمعاء، وبكونها “علي العصر” وقسيمة أهل الجنة والنار.
الصورة التي خرجت من طهران لقادة محور الجهاد والمقاومة غداة تشييع الرئيس الشهيد إبراهيم رئيسي ورفاقه، بما تحمله من تنوع فكري داخل الأمة تجمعهم وتوحدهم فلسطين، يؤدي إلى نتيجة مهمة، عجز عنها المسلمون منذ قرون.
حزب الله فتح معركة واسعة في شمال فلسطين المحتلة ويستعد كما اليمن لاحتمالية حرب شاملة مع العدو الصهيوني، نصرة لغزة دون مَنّ ولا انتظار مقابل، بل الإسلام الجامع هو ما حرك الجميع في محور الجهاد والمقاومة يؤكد قادته جميعا من اليمن إلى العراق إلى لبنان فطهران التي تحملت في سبيل فلسطين الكثير منذ الإمام الخميني وحتى اليوم ولم تحد عن تلك المبادئ قيد أنملة بشهادة قادة المقاومة الفلسطينية .
فرضت غزة بل نجحت في إعادة خلط المشهد وسحب البساط من أيدي تيارات تحكمت فكريا في اتجاهات الاقتراب والتباعد داخل طوائف الأمة الإسلامية، وهذه التيارات ظهر خذلانها جليا لفلسطين أمام هول المجازر التي يرتكبها الصهاينة ورغم كون تلك التيارات الفكرية على تماس جغرافي مع غزة والضفة.
تحت راية طوفان الأقصى انتظمت تيارات كان يرى لها تباعدا وفقا لتفسيرات ما بعد واقعة الغدير، هي تقاتل جميعها سنة وشيعة كتفا بكتف في مواجهة إسرائيل بدءا من داخل غزة ووصولا إلى كل جبهات الإسناد.
صلابة غزة وصمودها اليوم كما يهزم عدو الأمة عسكريا ويفت في عضد بقائه، فهي تواصل توحيد الأمة الإسلامية وتذويب الحواجز الطائفية والفكرية التي عمقها الغرب حفاظا على إسرائيل ودعما لممالك وحكومات أظهرت جولة المواجهة في غزة بجلاء أنها في الحلف الأمريكي ولم ترمي بحجر عبر الحدود على إسرائيل.
ومن نافل القول: إن صمود غزة حتى اليوم يرجع في جزء كبير منه بعد الله سبحانه وشجاعة أبناء فلسطين إلى العمل الدؤوب الذي قدمه قادة كبار في محور الجهاد والمقاومة على رأسهم الحاج قاسم سليماني وعماد مغنية ” الشيعيان” وآخرون لم يكشف عنهم، سلحوا ودعموا ودربوا فصائل المقاومة الفلسطينية على اختلافها فكريا.
وسيذكر التاريخ أن يد عليّ التي رفعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم لم تخذل الإسلام يوما ولم تغب عن قضاياه حاضرا، ولم تنجر يوما إلى قضايا صغيرة لتجد فيها عذرا تتنصل فيها عن مسؤوليات كبرى وفي المقدمة فلسطين ونصرة المستضعفين من أبناء الإسلام والبشر أينما كانوا، حيث يقول الإمام علي “الإنسان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
إن محطة طوفان وما أحاط به من متغيرات يتطلب العودة الجادة وإقفال كافة الثغرات التي وجد فيها العدو اليهودي على امتداد التاريخ مدخلا لتفريق الأمة وتثبيطها عن الجهاد ونصرة المستضعفين فيها، حتى رأينا مشهد الفلسطيني يُقتل على جانب الحدود وأخاه المصري يحمل سلاحا ولا يحركه، يراه يواجه الدبابة ولا يرمي معه بحجر، يرى أخاه يموت من الجوع وهو لا يجرؤ أن يفتح معبرا دون إذن أمريكي ويدخل له الطعام، وذلك أمر من الأهمية بمكان متى وضعت المعركة أوزارها.
خطابات السيد القائد على امتداد المواجهة مع العدو الإسرائيلي في غزة كل أسبوع، يحمل ذلك البعد وهم إعادة الأمة إلى مجدها العالمي ولا يكتفي فقط باستعادة فلسطين، بما يعينه ذلك من معالجة يعالج تلك الظواهر الأليمة في تخلي الأمة عن غزة رغم جوار البعض وثراء البعض الآخر وقوة آخرين، وتسبب بذلك حكومات عميلة وفكراً مدسوساً استندت عليه للتضليل.
وبالعودة إلى اليمن فقد أثبت أنه محط الوفاء للإسلام المحمدي في كل الأزمنة والمراحل، وحين استنصرت غزة ذهب إلى المواجهة بدون أي حسابات ورفض كل المغريات رغم فاقته وألمه وفتك الحصار لـ10 سنوات به، وهو جدير ويملك المؤهلات للعب دور تصحيح وضع الأمة داخليا، إذ لا يمكن لأمة منقسمة على نفسها أن تتبوأ الصدارة بين الأمم .
لقد أطلق طوفان الأقصى بالتزامن مع المعركة العسكرية لتحرير فلسطين، معركة فكرية هي من الأهمية بمكان، فلن تنام الصهيونية عن فلسطين إن خسرتها، واستعادة الأقصى باتت قريبة بمعطيات مادية.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: على امتداد فی غزة

إقرأ أيضاً:

في ذكرى الشهيد الصدر

 

وأنا أتابع الضجة الكبيرة التي أحدثتها قرارات الرئيس الأمريكي “ترامب” استغربت كثيراً ممن يسمون أنفسهم محللين سياسيين واقتصاديين، فقد اعتبروها من أعمال ترامب نفسه أو زلاته الجنونية، غير مُدركين أن الأمر يخضع للسياسة الأمريكية الشاملة، عندها فقط تذكرت الشهيد العلامة محمد باقر الصدر “طيب الله ثراه” فلقد حذر من هذه الأعمال التي ستقدم عليها أمريكا قبل حوالي نصف قرن من الزمان، وقال إن أمريكا تسير في اتجاهين، الاتجاه الأول الزيادة في امتلاك القوة العسكرية، والثاني محاولة السيطرة على حركة النقد العالمية والهيمنة الكُلية على العملات من خلال فرض الدولار على كل العملات.

هكذا قال الشهيد الصدر الرجل الحجة الذي استطاع أن يقتحم عقبة كأدا، ظلت كذلك على مدى قرون من الزمن وكان العلماء المسلمون يعتبرون حتى مجرد الحديث عنها مروقاً عن الدين، ألا وهي الاقتصاد والفلسفة، فمن كان يقتحم أو يتحدث عن هاتين القضيتين كان يُتهم بالردة، إلى أن جاء الشهيد الصدر وكانت الظروف المحيطة صعبة، فالاتحاد السوفييتي في أوج عظمته، والشيوعية تحاول فرض منهجها الوجودي الإلحادي وتعتبره هو المنهج الصالح للحياة، وأمريكا ودول الغرب تحاول أن تجعل من الرأسمالية خياراً وحيداً لا بديل عنه، واتهام الإسلام بالجهل وعدم الإلمام بهذه القضايا، فتصدى للأمر بقوة ودراية ومعرفة كاملة بأحكام الدين، قال عنها في ذلك الوقت شيخ الأزهر علي جاد الحق بأنها أفضل رؤية أكسبت الإسلام القدرة على التحدي والصمود أمام المناهج الأخرى، فكتاب “فلسفتنا” مثلاً وضح الصورة الحقيقية لمعنى الفلسفة في الإسلام وارتباطها بسياسة الحكم وبناء الدولة، وكتاب “اقتصادنا” أيضاً قدم رؤية حقيقية عن الاقتصاد في الإسلام وأسقط تماماً الرؤيتين المقابلتين الممثلة في الشيوعية والرأسمالية، باعتبارهما رؤى بشرية غير قابلة للاستمرار، كما هو حال المنهج الإسلامي الصالح لكل زمان ومكان، وتحدث طويلاً في هذا الجانب عن الأشياء التي لا يزال المسلمون عالقين في فهم أبعادها واتباع طريقة التعامل معها، مثل الربا وما يرتبط به وحدد صيغة المعاملات التي يمكن أن تنافس ما يجري في الغرب والشرق برؤية إسلامية حقيقية بعيدة عن التزمت والتطرف أو التعصب لأفكار ضيقة، كما هو حال بعض علماء الإسلام للأسف الذين يتعاطون مع آيات القرآن الكريم بنقص في الفهم وعدم إدراك لما تحتويه النصوص من معانٍ ومفاهيم أزلية تؤكد الصلاحية الزمانية والمكانية، وكل ذلك لأن الشهيد الصدر كان على دراية كاملة بأحكام الشرع ولديه أسلوباً جيداً في استنباط الأحكام بعيداً عن التأويل أو الأفكار الضالة من منطلق رؤيته الحقيقية لما ذهب إليه المفسرون، فلقد جزم منذ بداية الأمر أن مشكلة الإسلام والمسلمين تكمن في كون التفاسير التي تولت تفسير الإسلام تمت برؤية الحُكام والدول، لا على ما تشتمل عليه النصوص والمنهج الرسالي.

وهنا اتضحت المشكلة الأساسية لأن الحُكام كانوا يحاولون توظيف النصوص لخدمة بقائهم واستمرارهم في الحكم كيفما كان الأمر ومهما كانت النتائج مخلة ومجحفة بالعقيدة والمنهج، ومن هذا المنطلق عالج أهم مشكلتين، كما قُلنا، الفلسفة التي كان يحرم مجرد الحديث عنها في نظر العُلماء المنغلقون على ذاتهم غير القادرين على فهم شمولية الدين وقوة أحكامه وقدرتها على معالجة شؤون البشر حتى قيام الساعة .

وهكذا الأمر بالنسبة للاقتصاد فقد حدد ما هو الربا وكيف يمكن التعاطي معه برؤية حديثة تعكس حضارة الإسلام واتساع نطاق فهمه لجوانب الحياة المختلفة، وكما قال في إحدى محاضراته فإن من المسلمين من أساء إلى الدين وإلى العقيدة من خلال ضيق أفقه ومحدودية فهمه للنصوص .

أخيراً وهو الأهم، حذر الصدر من استمرار الانصياع للإرادة الأمريكية والغربية معاً، وقال إن الغرب المخدوع سيصبح ضحية الرؤية الأمريكية الشمولية التي تحاول من خلال الهيمنة المادية أن تُسيطر على العالم وعلى عملاته وتجارته ويصبح كل شيء بيدها، وهُنا أطلب ممن تعاملوا بسذاجة وفهم قاصر مع قرارات ترامب أن يعودوا إلى ما كتبه الشهيد الصدر وسيعرفون أن الأمر ليس ابن اللحظة وإنما تمت دراسته ووضعه في رفوف خاصة إلى اللحظة المناسبة التي تمكنهم من إخراجه إلى الوجود .

الموضوع يطول ولكن نقول رحم الله الشهيد الصدر، وكم أتمنى لو أن أطروحاته تلك أخذت حقها من الاهتمام، وتحولت إلى مناهج تُدرس في الجامعات الإسلامية بشكل عام، وإن شاء الله لنا عودة إلى الموضوع لتوضيح رؤية هذا العالم الجليل، نسأل الله له الرحمة والمغفرة، والله من وراء القصد ..

 

مقالات مشابهة

  • موقف الإيمان والتحدي.. اليمن وقضية فلسطين في خطاب السيد القائد
  • المراكز الصيفية.. حيث تصاغ الأمـة التي كسرت هيبة أمريكا
  • اعلام عبري يكشف المدة التي سيبقى فيها جيش الاحتلال بجنين وطولكرم
  • في ذكرى الشهيد الصدر
  • مجلة أمريكية: علينا ان نستذكر “المرة الوحيدة” التي أوقف فيها “الحوثيون” هجماتهم في البحر 
  • قناة اسرائيلية تكشف المدة التي سيبقى فيها الجيش الاسرائيلي بجنين وطولكرم
  • ‎الباقات الأساسية التي توفرها منصة نسك
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: الشبكة التي نتخبط فيها
  • العراق ثالث أعلى الدول التي نفذت فيها مشاريع من قبل مقاولين أتراك
  • إيران: لا نؤمن بالمفاوضات التي يفرض فيها الطرف الآخر مطالبه عبر التهديد