أهلاً برؤوت .. وداعاً بورتسودان
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
لم يكن السودان مستعمرة مثل بقية الدول التي احتلتها الإمبراطورية البريطانية وحكمتها واستغلت خيراتها في آسيا وأفريقيا وإنما كان له وضع مختلف وفق اتفاقية الحكم الثنائي بين مصر وبريطانيا. مكثت بريطانيا أقل من ستة عقود فقط وخرجت على عجل لأسباب كثيرة ومختلفة.
خرج الإنجليز بسرعة من السودان فيما تباطأوا في الخروج من بقية دول أفريقيا حتى الثمانينيات من القرن الماضي تاركين الكثير من العلامات والأسماء والإرث الثقيل.
صاحب خروج الاستعمار من غالب الدول الأفريقية والآسيوية إحساساً متعاظماً بالكبرياء والهوية الوطنية في البلدان التي نالت استقلالها حديثاً وبدأت النخب السياسية والثقافية مشروعات هائلة لاستعادة التاريخ والجغرافية من التشوهات التي اصابتها حتى بلغ الأمر بالبعض أن امتنعوا عن استخدام لغة المستعمر كوسيط في الكتابة والتخاطب.
ضمن تلك العملية ألغت الحكومة الوطنية الجديدة فور الاستقلال الاسم الاستعماري روديسيا الشمالية واتخذت اسم زامبيا عام ١٩٦٤م، وأسقطت جارتها اسم روديسيا الجنوبية واتخذت اسم زيمبابوي عام ١٩٨٠م ثم غيرت اسم العاصمة سالزبوري إلى هراري ثم انطلقت في حملة ماجدة لتغيير أسماء المدن والشوارع محواً لإرث الاستعمار والتفرقة العنصرية البغيض.
في الهند استعادت مدينة مومباي الساحرة اسمها وتناقش الدولة الكبرى هذه الأيام فكرة استعادة اسمها التاريخي بْهارات، وفي الغرب الأفريقي استعادت بنين اسمها من داهومي وساحل العبيد، وبوركينا فاسو اسمها من فولتا العليا، وناميبيا من جنوب غرب افريقيا الألمانية، وهكذا تعبر الشعوب عن اعتزازها بتراثها وثقافتها.
ستحل العام المقبل الذكري ال١٢٠ لتأسيس الميناء وبناء مدينة (برؤوت) الجديدة في العهد الإنجليزي المصري تحت اسم بورتسودان ولعل في هذه المناسبة فرصة تاريخية لاستعادة الاسم التاريخي للمدينة تخلصاً من إرث الاستعمار وافتخاراً بأحد الملامح الرمزية للهوية الوطنية.
لقد ظلت المدينة منذ تأسيسها موطناً رحباً تقاسم فيه سكان الشرق الأسبق حضوراً من بداوييت وتقراييت وسواكنية المكان المبارك مع شركائهم في تأسيس المدينة وصناعة هويتها من حضارمة ويمانية في طردونا وشايقية وتناقسة في أبوحشيش وسلبونا وترب هدل، ودناقلة وجعليين ورباطاب في ديم مدينة وسكة حديد، وهوسا وبرنو وفلاتة في دار السلام، ونوبة في فيليب، وفور وزغاوة في الرياض ودار النعيم، وعموم أهل السودان في جميع أحياء المدينة.
لقد ظلت مدينة (برؤوت) منذ بنائها عاصمة اقتصادية وتجارية وسياحية مهمة للسودان، وبعد هذه الحرب اللعينة التي تستهدف الأرض والوحدة والتراب الوطني والتاريخ والثقافة والحضارة صارت عاصمة سياسية، وليس أفضل من الحفاوة بها، بشكل رمزي معبر، وطنياً وقومياً في ذكرى تأسيسها من التخلص من الإرث الاستعماري البغيض وإلباسها هويتها الوطنية.
محمد عثمان إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
البدري: قضية الحدود بين ليبيا وتونس انتهت بقرار المحكمة الدولية
ليبيا – صرح الدبلوماسي الليبي السابق عثمان البدري بأن الحدود بين الدول العربية، وخاصة في شمال أفريقيا، رسمها الاستعمار الأوروبي خلال القرن الماضي، حيث كانت معظم المنطقة تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية قبل أن تخضع للنفوذ الاستعماري.
وفي تصريحات خاصة لموقع “العين الإخبارية“, أوضح البدري أن الحدود في الحقبة العثمانية لم تُحدد بشكل دقيق باستخدام خطوط الطول والعرض، نظرًا لسيطرة الإمبراطورية على المنطقة بأكملها. وأضاف أن الاستعمار الغربي هو من رسم الحدود وفقًا لمصالحه بعد إنهاء السيطرة العثمانية.
وأكد البدري أن مسألة الحدود تم حسمها منذ زمن الاستعمار، مشيرًا إلى أن الحدود الليبية-التونسية مرسمة منذ ذلك الوقت، متسائلًا عن سبب إثارة هذا الموضوع في الوقت الحالي. كما أشار إلى أن قضية الجرف القاري بين تونس وليبيا قد تم حلها بقرار من المحكمة الدولية.
وأعرب البدري عن استغرابه من التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع التونسي حول هذه القضية، معتبرًا أن الحدود رسمت وانتهت بما يخدم مصالح الدول، ومشيرًا إلى أن القضية قد أغلقت بشكل نهائي في رأيه.