عندما يأتي الحديث عن الابتكار المجتمعي في الأعمال الخيرية يتجلى الإرث الخالد للسمت العماني الأصيل، فالجود وقيم العطاء والتكافل ليست جديدة على مجتمعنا، وهي بمثابة المحفزات لتجسيد هذا الإرث في ثقافات وممارسات ابتكارية تساهم في وضع حلول عصرية للتحديات الاجتماعية، وقد أوجدت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات آفاقًا رحبة لدعم جهود الأعمال الخيرية والتطوعية، وتمكين الابتكار المجتمعي القادر على إحداث آثار تحويلية إيجابية ومستدامة، وهذا يقودنا إلى منصة «جود» الخيرية الإلكترونية، التي أطلقتها وزارة التنمية الاجتماعية مؤخرًا كمظلة عمل وطنية داعمة للجهود المجتمعية التي تقوم بها الجمعيات والفرق الخـيرية التطوعية في سلطنة عُمان، وهذه المنصة تمثل قيمة مضافة لمنظومة العمل الخيري والتطوعي، وذلك من حيث إضفاء الصفة المؤسسية للشراكة المجتمعية في التنمية، وكذلك في مواكبة الاتجاهات الحديثة لتجويد رسالة مؤسسات المجتمع المدني بصفتهم شركاء التنمية الوطنية، وحجر الأساس في توظيف الابتكار المجتمعي في سياقه الأوسع والشامل.
في البدء لا بد من الإشارة إلى أن توظيف التقنيات الرقمية في إدارة ممارسات الأعمال الخيرية قد ظهر مع بداية الألفية، وبدأ يكتسب مساحة في الممارسات والعمليات بشكل تدريجي خلال العقدين الماضيين، ولكنه انتشر بشكل كبير خلال فترة وباء كوفيد -19 بسبب تدابير التباعد الاجتماعي للوقاية من الجائحة، حيث تعذر حينها إقامة فعاليات التوعية واستقطاب المانحين وجمع التبرعات بالطرق التقليدية، وبذلك أصبح لزامًا اللجوء إلى أنماط العمل عن بعد، وافتراضيًّا عبر مختلف التقنيات والمنصات الإلكترونية. وفي بداية التحول الرقمي ظهرت المخاوف بشأن إحجام المانحين عن التبرع إلكترونيًّا بسبب حداثة محور ضمان الثقة في قنوات الدفع الآمنة التي كانت تروج لها الجمعيات الخيرية، ولم تجد التقبل المجتمعي الواسع، ولكن واقع الحال جاء مغايرًا تمامًا، فالانتقال إلى جمع التبرعات إلكترونيًّا لم يكن مماثلا للحملات التقليدية وحسب، ولكنه فاقها في الأثر، فقد أتاحت المنصات الإلكترونية بأدواتها التفاعلية الفرصة للجمعيات الخيرية ببناء الشراكات الفاعلة مع جهات داعمة جديدة لم تكن موجودة في المشهد السابق، وتمكنت الجمعيات بمختلف مجالات عملها الخيري من الاستفادة من المشاركات المجتمعية من خارج الحدود الجغرافية التي تصلها الحملات التقليدية، كما أظهر استطلاع الرأي زيادة مستوى الوعي بين الفئات العمرية الشابة، مما يعكس تحولا إيجابيًّا في غرس قيم العطاء في النسيج المجتمعي.
وبذلك فإن التقنيات الحديثة أصبحت من أهم مكونات العمل في المجال الخيري والتطوعي، فدورها لا يقتصر على توليد مشاركة المانحين والحفاظ على استدامتها، وتسهيل الدفع الآمن للمساهمات النقدية، إذ يمكن للمؤسسات الخيرية الاستفادة كذلك من وسائل التواصل الاجتماعي كأداة تسويقية لاستهداف مختلف الشرائح المجتمعية، وعلى المستوى التقني فإن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يلعب دورًا كبيرًا في تحليل البيانات وتحديد الأنماط والاتجاهات، لدعم أولويات عمل مؤسسات الأعمال الخيرية التي أصبحت أكثر اعتمادًا على التكنولوجيا من أي وقت مضى، وهذا ما ساهم في تصدر الابتكار المجتمعي القائم على توظيف التقنيات المتقدمة.
فإذا نظرنا إلى منصة «جود» الخيرية نجدها تتواكب مع هذه الاتجاهات العالمية من حيث المزايا التي تقدمها للمانحين والمستفيدين وهي تجربة ابتكارية ومجتمعية وليست مجرد منصة خدمية، فوجود هذه المنصة على خريطة العمل المؤسسي يعد مسرِّعًا في الاستثمار في قيمة العطاء، ونشر ثقافة العمل الخيري كمحفز لتحقيق أهداف تنموية وطنية في الرفاه الاجتماعي؛ لأن قوة العطاء تمتد إلى ما هو أبعد بكثير من إيصال التبرعات للمستحقين، وتحسين حياة الأفراد، فالمبادرات الخيرية تحدث تأثيرًا إيجابيًّا عميقًا ومضاعفًا للتغيير الإيجابي المنشود، وتعزز الشعور بالانتماء والمواطنة المسؤولة التي تؤدي دورًا محوريًّا في معالجة التحديات الاجتماعية المختلفة، كما أن وجود منصة «جود» الخيرية يجعل من التوعية بأهمية العمل التطوعي والخيري أكثر حضورًا وتأثيرًا وإلهامًا وخصوصًا لدى فئات اليافعين والشباب الذين هم أكثر انجذابًا للأدوات الإلكترونية، ومن خلال إشراك الشباب في الأنشطة الخيرية يمكن غرس السمت العُماني والشعور بالمسؤولية الاجتماعية منذ سن مبكرة، وذلك تعزيزًا للنسيج الاجتماعي ولرفع حس الانتماء والترابط، وبناء الثقة بأهمية العمل الخيري في الالتزام بإحداث الفرق حاليًّا وللأجيال المستقبلية.
أصبح الابتكار المجتمعي ضرورة ملحة لدعم التنمية الشاملة والمستدامة، ورعاية ثقافة العطاء وقيم التضامن تتجاوز إطار الأعمال الخيرية العرضية، فهي تتقاطع مع أهم المحاور الحاسمة لبناء مجتمعات متماسكة، وقادرة على تعزيز التعاون والحوار بين الأجيال، وتشمل هذه المحاور إتاحة الأدوات التي تُمكّن فئات المجتمع من الأخذ بزمام المبادرة في المشاركة في الأعمال الخيرية، ثم تعزيز الوعي بثقافة العطاء التي تمتد إلى ما هو أبعد من الأفعال الفردية، وهذا هو جوهر الابتكار في منصة «جود» الخيرية؛ لأنها تنسج هذه الخيوط معًا لإحداث تأثير إيجابي وبشكل تشاركي ومُلهم، وذلك من خلال تسخير التكنولوجيا، وإبراز القيمة التنافسية للسمات العُمانية القائمة على العطاء، وبما يخلق التأثير المضاعف لممارسات وثقافة العمل الخيري والتطوعي الذي يمكّن المجتمع من معالجة مجموعة واسعة من التحديات القضايا المجتمعية، إذ يسمح هذا التآزر بابتكار حلول أكثر شمولا واستدامة، وفي الوقت ذاته يساهم وجود هذه المنصة في دعم اتخاذ خطوات استباقية في العمل الخيري الممنهج، وهذا من شأنه أن يضفي عنصر المرونة والشمولية في الجهود الخيرية والتطوعية.
ومع وجود المنصة الوطنية «جود» فإنه من الأهمية بمكان تعزيز الوعي لخلق تأثير دائم ومضاعف لمفهوم العمل الخيري التطوعي، وإدماج الشباب في قيادة ابتكارات اجتماعية مدفوعة بالتكنولوجيا لإضافة مكاسب إضافية لممارسات وثقافة العطاء، وتشجيع العمل المشترك والفعّال لجميع أطياف المجتمع، وتأصيل الشعور بالملكية لهذا العمل الوطني الذي يمتد تأثيره ليشمل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقيمية، وكذلك يعبر الحدود الزمنية ليترك إرثًا دائمًا للأجيال القادمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأعمال الخیریة العمل الخیری تعزیز ا
إقرأ أيضاً:
الرصاص يتفقد مستوى الخدمات الطبية في مركز الغسيل الكلوي الخيري بالبيضاء
الثورة نت| محمد المشخر
تفقد مدير مديرية مدينة البيضاء أحمد أبوبكر الرصاص، اليوم، احوال مرضى الفشل الكلوي ومستوى الخدمات الطبية في مركز الغسيل الكلوي الخيري المجاني بمدينة البيضاء.
واستمع الرصاص، من مسؤول مركز الغسيل الكلوي الدكتور عبدالله باصهي، إلى شرح عن الخدمات الطبية والعلاجية لمرضى الفشل الكلوى ومدى توفر مواد الغسيل بالمركز واحتياجاته من الأدوية والمستلزمات الطبية.. مشيرا إلى أن المركز أجرى 4800 جلسة غسيل خلال الفترة من أبريل وحتى ديسمبر من العام الحالي 2024م.
وخلال الزيارة اطلع الرصاص على مدى الاهتمام بالمرضى في تقديم جلسات الغسيل اليومية من خلال سبع صالات مزودة بأحدث الأجهزة ومحطة تحلية وتنقية الغسيل المتكاملة ومختبرات تحتوي على جميع المتطلبات التي يحتاجها مريض الفشل الكلوي(جهاز فحص الدم العام -جهاز فحص وظائف الكبد والكلى- جهاز فحص الفيروسات-جهاز فحص السكر التراكمي)وصيدلية وحدائق عامة..
وأوضح الدكتور باصهي، أن كل غرفه مزودة بكاميرات المراقبة لضمان جودة تعامل الكادر التمريضي مع المرضى، وكذلك هناك شاشات توعويه حول النظام الغذائي وطريقة التعامل مع المرض و الممنوعات التي يجب تجنبها وبالاضافة إلى أن جميع غرف الغسيل مفروشه بطبقة الايبوكسي والتي تمنع انتشار الفيروسات والبكتيريا.
وفي الزيارة أكد مدير مديرية مدينة البيضاء أحمد الرصاص، ضرورة استشعار الجميع المسؤولية في النهوض بواقع الخدمات في المركز والاهتمام بتوفير الرعاية الصحية للمرضى.
وثمن الرصاص، الجهود المجتمعية في تجهيز مركز الغسيل الكلوي، الذي يستقبل المرضى من أبناء المحافظة والمحافظات المجاورة.. معبرا عن الاعتزاز بجهود الداعمين والمساهمين والقائمين على إنجاز المشروع الخيري، و استشعارهم للمسؤولية الدينية والإنسانية في تخفيف معاناة المرضى من مدينة البيضاء والوافدين إليها من المديريات المجاورة..
ووجه، بضرورة تضافر مختلف الجهود من أجل توفير احتياجات ومتطلبات مركز الغسيل الكلوي بمدينة البيضاء بما يلبي احتياجات المرضى و المترددين على المركز.. مثمنا جهود الداعمين و الخيرين في إنشاء المركز النموذجي وتوفير الأجهزة وتأثيث المركز وتوفير الاحتياجات اللازمة لتشغيله بمدينة البيضاء والتفاعل الشعبي مع المبادرات المجتمعية في ظل الظروف الصعبة التي فرضها العدوان والحصار.
وأشاد، بجهود القائمين على المركز وما يبذلونه في إطار مواكبة جلسات الغسيل المقدمة للمرضى مؤكدا حرص قيادة السلطة المحلية بالمدينة على تحسين الخدمات لتخفيف معاناة المرضى والاهتمام بمرضى الكلى وتلبية الاحتياجات التي تساعد على علاجهم.. داعيا الى الإسهام الفاعل من القطاع الخاص في دعم جهود القطاع الصحي بما يسهم في رفده بالاحتياجات للنهوض بمستوى الخدمات الطبية والعلاجية بمدينة البيضاء..