لجريدة عمان:
2024-12-22@15:46:13 GMT

تيك توك ومعركة تكسير العظام في أمريكا

تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT

ربما تكون المعركة القانونية حول تطبيق الفيديو الصيني الشهير «تيك توك» في الولايات المتحدة الأمريكية، هي المعركة الأهم في تاريخ الحرب الرقمية -إن صحت التسمية- القائمة بين أمريكا والصين، والتحول الأهم في تاريخ شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، إذ أنه وفقا لقانون البيع أو الحظر الذي أصدرته إدارة بايدن، سيكون على شركة «بايت دانس» المالكة للتطبيق بيع أصولها وعملياتها في الولايات المتحدة خلال أقل من ستة أشهر من الآن لمشتر أمريكي، وذلك قبل التاسع عشر من يناير القادم، أو مواجهة حظر التطبيق -الذي يستخدمه 170 مليون أمريكي، نشروا عليه أكثر من 5 مليارات مقطع فيديو العام الماضي- في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

القانون الذي تم إقراره في نهاية أبريل الماضي، يمنح الإدارة الأمريكية فرصة أخرى لتفكيك تطبيق تقول إن الحكومة الصينية يُمكن أن تستخدمه لجمع بيانات الأمريكيين على نطاق واسع، وتشكيل آرائهم واتجاهاتهم ومعتقداتهم بطرق خفية، وهو ما يتوافق مع حجج منتقدي التطبيق في واشنطن التي تؤكد أن التطبيق يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي بسبب قابليته لجمع معلومات استخباراتية والعمل كمنصة مفتوحة للدعاية الصينية.

الجديد في هذا الصراع القانوني كان الموجز القانوني الأول الذي قدمه محامو الشركة الصينية الخميس الماضي للمحكمة، والذي طعن بعدم دستورية القانون الجديد وطالب بإبطاله، على أساس انه يتعارض مع التعديل الأول في الدستور الأمريكي الخاص بحرية الصحافة، وهو ما يفتح الباب أمام واحدة من أكثر المعارك القانونية أهمية في تاريخ الإنترنت في الولايات المتحدة.

واقع الأمر أنها قد تكون المرة الأولى التي يُقدم فيها الكونجرس على تحدي التعديل الأول في الدستور الذي يمنع الكونجرس من إصدار أي قانون يحد من حرية الكلام أو الصحافة، ويتدخل بالتشريع لإخماد صوت منصة إعلامية تخاطب أكثر من نصف سكان البلاد، وهو بذلك يشكل سابقة خطيرة من وجهة نظر المدافعين عن حرية التعبير تسمح للإدارة الأمريكية والكونجرس باستهداف منصات التعبير عن الرأي المملوكة لشركات أجنبية غير مرغوب فيها وإجبارها على البيع أو الإغلاق.

إن فهم حقيقة الصراع بين «تيك توك» والإدارة الأمريكية يتطلب عدم عزل هذا الصراع عن سياقه العام، وهو سياق الصراع بين الولايات المتحدة وبين الصين ومحاولة كل طرف من الطرفين المتنافسين استخدام كل الأسلحة الرقمية المتاحة لزيادة نفوذه الرقمي من جانب، والحد من نفوذ وحضور الطرف الآخر على الشبكة.

في إطار هذا السياق يمكن فهم أسباب القلق الأمريكي من «تيك توك» والتي تشمل وفق محللين كثر وضع بيانات المستخدمين الحساسة في أيدي الحكومة الصينية، خاصة وأن القوانين تسمح للحكومة الصينية بطلب البيانات سرا من الشركات والمواطنين الصينيين لجمع المعلومات الاستخباراتية. ويشعر الأمريكيون بالقلق من أن تستخدم الصين توصيات محتوى «تيك توك» لنشر المعلومات المضللة. وتزعم الحكومة الأمريكية أن المنصة قامت بذلك خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة وفي الانتخابات الرئاسية السابقة، بالإضافة لمزاعم أخرى لا دليل على صحتها تتعلق بتغذية التطبيق انتشار معاداة إسرائيل والسامية. ورغم أن «تيك توك» نفت كل هذه المزاعم، وأبدت استعدادها لمعالجة كل ما يتعلق بمخاوف الأمن القومي الأمريكي، فإن المشرعين الأمريكيين كانوا يريدون معاقبة التطبيق بأي شكل، بصرف النظر عن حقيقة التهديد الذي يمثله على الأمن القومي.

ولعل المراوغة الأمريكية هي ما دفعت الشركة الصينية المالكة للتطبيق إلى اتخاذ موقف هجومي في الموجز الذي قدمته للمحكمة، وكشفت فيه لأول مرة عن وثائق داخلية تعود إلى سنوات من المفاوضات الفاشلة مع الحكومة الفيدرالية الأمريكية تؤكد أن الإدارة الأمريكية لم تكن تعمل في هذا الملف بحسن نية. وكشفت الشركة مسودة اتفاق سبق أن عرضتها على الإدارة الأمريكية في أغسطس 2022 يتضمن منح المسؤولين الفيدراليين مفتاح إيقاف من شأنه أن يغلق التطبيق في الولايات المتحدة، إذا شعر هؤلاء المسؤولون أنه لا يزال يمثل تهديدًا للأمن القومي، بالإضافة إلى السماح لهم بالتدخل في اختيار أعضاء مجلس إدارة الشركة، ومنح الحكومة حق الاعتراض على كل موظف جديد يتم تعيينه في الشركة. ومع ذلك رفض الأمريكيون الاقتراح، وخسروا التأثير المحتمل على أحد التطبيقات الأكثر شعبية في العالم لصالح خيار أكثر قسوة وهو قانون البيع القسري الذي قد يؤدي إلى حظر «تيك توك» على مستوى البلاد، واختارت بدلاً من ذلك معركة دستورية محتملة طويلة يتوقع الكثيرون ألا تنتهي سوى أمام المحكمة العليا.

إن الخطورة في هذا الصراع القانوني تتمثل في تأثيراته العالمية على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة إذا انتهى الأمر ببيع التطبيق إلى شركة أمريكية أو إغلاقه، إذ سوف يكون أمام الدول المترددة في التعامل الخشن مع هذه المنصات بدعاوى الحفاظ على الأمن القومي فرصة تاريخية ليس فقط لحجب «تيك توك» ولكن أيضا لحجب الشبكات والتطبيقات الأخرى الأكثر أهمية وتأثيرا مثل فيسبوك واكس ويوتيوب وغيرها. صحيح أن هناك دولا بادرت إلى هذا الحجب مبكرا وحظرت التطبيق بشكل كامل مثل أفغانستان والهند والنيبال والباكستان والصومال والصين، بالإضافة إلى إيران وقيرغيزستان وأوزبكستان، أو بشكل جزئي بحظر تنزيله على أجهزة العاملين في الإدارات الحكومية ووزارات الدفاع أو الخارجية في أستراليا، وبلجيكا، وكندا، والبرلمان والمفوضية والمجلس الأوروبي، وفرنسا، وإندونيسيا، ولاتفيا، وليذرلاند، ونيوزيلاندا، والنرويج، وتايوان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. ومع هذا فإن بيع التطبيق أو إغلاقه في الولايات المتحدة سيمثل سابقة عالمية لمطاردة حرية التعبير التي وفرتها المنصات الرقمية خاصة في الدول الديكتاتورية، بمزاعم حماية مواطنيها من العواقب السلبية مثل إساءة استخدام البيانات والمعلومات الكاذبة وحماية النظام والآداب العامة.

من المؤكد أن الصراع القانوني المشتعل في واشنطن بين الإدارة الأمريكية وبين «تيك توك» سيكون له تأثير ذلك على مستقبل حرية التعبير عبر الإنترنت. فالتمسك بقانون البيع أو الحظر يمكن أن يقضي ليس فقط على منصة عالمية للأخبار والترفيه يستخدمها نحو ملياري شخص على مستوى العالم، ولكن أيضا على التعددية الرقمية التي أتاحها الإنترنت، وقد يفتح بابا لمزيد من الصراع التجاري بين الولايات المتحدة وبين الصين التي تنظر إلى الإجراءات الأمريكية بحق «تيك توك» على أنها تشبه تصرفات قطاع الطرق، وتوعدت في تصريحات رسمية سابقة للناطق باسم وزارة الخارجية باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية مصالح شركاتها في الخارج على أساس إن القانون الأمريكي الجديد يضع الولايات المتحدة على الجانب المعاكس من مبادئ المنافسة العادلة والقواعد الاقتصادية والتجارية الدولية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة الإدارة الأمریکیة تیک توک

إقرأ أيضاً:

سيارتو يوضح سبب استثناء الولايات المتحدة لـ "غازبروم بنك" من العقوبات



أوضح وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو اليوم الخميس، سبب استثناء الولايات المتحدة لـ "غازبروم بنك" من العقوبات.

وقال سيارتو في مقابلة مع قناة "M1": "الولايات المتحدة استثنت "غازبروم بنك" من العقوبات لمعاملات دفع تكاليف الغاز، لكنها أبقت على العقوبات على المعاملات المالية الأخرى من خلال البنك".

ولم يحدد سيارتو ما إذا كان هذا الاستثناء منح فقط لهنغاريا أم لجميع دول وسط وشرق أوروبا التي لا تزال تستورد الغاز الروسي.

وفي وقت سابق، أفاد سيارتو أن هنغاريا، بعد فرض العقوبات على شركة غازبروم، لجأت إلى الإدارة الأمريكية لطلب استثناء المدفوعات مقابل إمدادات الطاقة من روسيا.

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات جديدة على ثلاث شركات روسية، كما أصدرت ترخيصا يسمح بإجراء معاملات مع مصرف "غازبروم بنك" الروسي حتى 30 يونيو المقبل.

وتسعى الدول الغربية من خلال الدعم المادي والعسكري والسياسي الذي تقدمه لكييف، إلى عرقلة أهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، إلا أن موسكو أكدت في أكثر من مناسبة أن العمليات العسكرية في دونباس لن تتوقف إلا بعد تحقيق جميع المهام الموكلة إليها.

كما ارتدت آثار تلك العقوبات سلبا على الدول التي فرضتها، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والمواد الغذائية في أوروبا والولايات المتحدة.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق، أن سياسة احتواء روسيا وإضعافها هي استراتيجية طويلة المدى للغرب، ولن تكون ناجعة، لافتا إلى أن العقوبات وجهت ضربة خطيرة للاقتصاد العالمي بأكمله، وأن الغرب يتطلع إلى تدمير حياة الملايين من الناس.

مقالات مشابهة

  • الحروب وتغير المناخ خلال 2024| الأوزون تتضرر من حرب الإبادة في غزة.. الولايات المتحدة الأمريكية الملوث الأكبر على مدى التاريخ.. أمريكا الشمالية سبب الإشعاع الحرارى المؤخر على الكوكب
  • الحرب بين الولايات المتحدة والصين تتجه نحو التوسع
  • QNB: التضخم في الولايات المتحدة الأميركية يتباطأ في عام 2025
  • معركة تكسير العظام.. برشلونة ضد أتلتيكو مدريد | التشكيل والقنوات الناقلة والمعلق
  • استخدموا مواردكم لتخفيف معاناة السودان وليس تعميقها.. بلينكن يعلن هذا الإجراء الذي ستتخذه الولايات المتحدة حيال الأمر
  • الولايات المتحدة تقدم حوالي 200 مليون دولار من المساعدات الإنسانية الإضافية للشعب السوداني
  • الحكومة الأمريكية تقترب من الإغلاق بعد رفض الجمهوريون مشروع قانون الإنفاق الذي يدعمه ترامب
  • أمريكا: باكستان تطور صاروخا يستطيع ضرب الولايات المتحدة
  • سيارتو يوضح سبب استثناء الولايات المتحدة لـ "غازبروم بنك" من العقوبات
  • فريق بايدن يدفع بقوة نحو تحقيق السلام في السودان