لماذا يتخلف اقتصاد أوروبا كثيرا وراء الاقتصاد الأمريكي؟
تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT
الأمريكي الذي يزور أوروبا هذه الأيام قد يجد نفسه في وضع غريب، أو على الأقل تلك هي تجربتي بعد قضائي أسبوعا هناك مسافرا من ألمانيا إلى النرويج ومنها إلى إسبانيا. نحن في الولايات المتحدة نتحدث عن مشاكلنا الاقتصادية، وفي أوروبا يدور الحديث كله حول سبب عجز أوروبا عن مجاراة القوة الاقتصادية للولايات المتحدة.
الحقائق صارخة، ففي عام 2008 كان اقتصاد الولايات المتحدة واقتصاد منطقة اليورو بنفس الحجم تقريبا، واليوم يقترب الاقتصاد الأمريكي من ضعف حجم اقتصاد منطقة اليورو. هذا التفاوت بينهما لا يوجد بمقياس واحد فقط، فمتوسط الدخل الأوروبي الآن أقل بنسبة 27% من متوسط الدخل في الولايات المتحدة، ومتوسط الأجور أقل بنسبة 37%.
وعندما ترك البريطانيون الاتحاد الأوروبي توهموا بأن تأسيس علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة ستجعلهم الولاية الأمريكية رقم 51 تقريبا، وإذا كان قد حدث ذلك، فمن المؤكد أن وهم البريطانيين سيزول عندما يدركون أنهم يعيشون في أفقر الولايات الـ51 وبناتج بريطاني إجمالي للفرد أقل من ناتج ولاية المسيسيبي.
اقتصاد الولايات المتحدة أفضل كثيرا من اقتصاد أوروبا هذه الأيام، فشركات التقنية الأمريكية تهيمن على القارة الأوروبية، والبنوك الأمريكية أوفر أرباحا إلى حد بعيد مقارنة بالبنوك الأوروبية، والإنتاج الأمريكي من الطاقة أوجد ازدهارا في الصناعة التحويلية يُغري العديد من الشركات الأوروبية بالمجيء إلى الولايات المتحدة. فأمريكا كما ذكر لي رئيس تنفيذي لإحدى الشركات «مكان تسهل فيه ممارسة الأعمال وتقلُّ فيه الإجراءات التنظيمية، والآن تنخفض فيه كثيرا تكاليف الطاقة، كيف يعقل أن استثمر في أوروبا؟»
كما فكرت اثنتان من أكبر شركات النفط الأوروبية هما شل وتوتال انيرجيز في الفرار من أوروبا وتعويم أسهمها في بورصة نيويورك.
يدرك القادة الأوروبيون المشكلة واقترحوا سلسلة من الحلول. لقد كُلِّف اثنان من رؤساء الوزارة السابقين في إيطاليا هما انريكو ليتا وماريو دراجي بإعداد تقريرين يتضمنان أفكارا حول السياسات الوافية لمواجهة هذا الانحدار. صدر تقرير ليتا، ولدى العديد من الناس الذين تحدثوا إلى دراجي تصور عن مقترحاته كذلك، إنها تتمحور حول القضية المركزية وهي انقسام أوروبا الذي تجاوز الحد.
التقنية «موشور» جيدة يمكن من خلالها فهم التحدي، ولإيجاد شركات رقمية قوية أنت تحتاج إلى ثلاثة عوامل هي مواهب هندسية عظيمة وسهولة الحصول على رأس المال وسوق كبيرة يمكن أن تطرح فيها المنتجات الجديدة بسرعة وبكميات كبيرة.
الولايات المتحدة تتوافر فيها كل هذه العوامل، أما أوروبا فلديها بعض أفضل المهندسين الموهوبين في العالم، ولديها إمكانية الحصول على رأس المال، لكنها ليست سوقا موحدة على الرغم من أنها كثيرا ما تعتبر كذلك. فرواد الأعمال في حقل التقنية يصارعون للتعامل مع 27 سوقا مختلفة تحكمها ضوابط إجرائية وسلطات ومعايير ومتطلبات مختلفة.
وهذا هو السبب، كما أشار تقرير انريكو ليتا، في أن أوروبا بها مدخرات خاصة تصل إلى 33 تريليون يورو لكن في كل عام يتم تحويل 300 بليون يورو إلى أسواق خارجية بحثا عن استثمارات أفضل معظمها في الولايات المتحدة.
تنعكس هذه التحديات الاقتصادية في الميدان الجيوسياسي، فأوروبا تظل كتلة من البلدان التي تتظاهر بأنها تملك سياسة دفاعية وخارجية موحدة.
الإنفاق الدفاعي يزداد لكنه يظل متدنيا بعد أن تراجع إلى وضع «عاديّ جديد» منذ نهاية الحرب الباردة وألمانيا أفضل مثال على ذلك، ففي الثمانينيات كان لدى ألمانيا الغربية أكثر من نصف مليون جندي في جيشها على أهبة الاستعداد لمواجهة أي غزو سوفييتي عبر «فجوة فولدا»، أما اليوم فألمانيا الموحدة لديها أقل من 200 ألف جندي نظامي ومستويات استعداد أدنى من ذلك، كما أن الأسطول البريطاني الذي ساد البحار في يوم ما هو الآن أصغر من حجمه في القرن السابع عشر، وعلى الرغم من الجهود الحالية لتعزيز الإنفاق، إلا أن اثنتين من سفنه الحربية خرجتا مؤخرا من الخدمة ببساطة لعدم وجود عدد كاف من البحارة.
البلدان الأوروبية بحاجة لإنفاق المزيد وهي تنفق قدرا ليس يسيرا من المال حتى الآن، والمؤسف أن الكثير منه يُهدر لعدم وجود تنسيق يذكر وأيضا استراتيجية كبرى لتفعيله. ولا تزال هنالك بلدان عديدة في غرب أوروبا تنفق على الدفاع عن أراضيها في حين أنه ينبغي عليها التركيز على قدرات تحريك القوات والمعدات العسكرية للدفاع عن التخوم الشرقية لأوروبا وهي التي يأتي منها التهديد. فمن هو ذلك الذي سيغزو بلجيكا؟
مرة أخرى، لأن المنتجين الأوروبيين لا يغطُّون احتياجات القارة بأكملها فإن جزءا كبيرا من الإنفاق الدفاعي يذهب إلى الشركات الأمريكية.
يمكن تلخيص حل متاعب أوروبا بعبارة واحدة هي «مزيد من التكامل ومزيد من الوحدة ومزيد من المقاربة الاستراتيجية». لكن ذلك الحل يعني حتما منح المزيد من السلطات للاتحاد الأوروبي. وهذا بدوره يغذي ردود أفعال شعبوية كانت واضحة في انتخابات هذا الشهر.
شرح لي سياسي أوروبي معضلة القارة بقوله: «نحن نعرف ما يجب عمله، نحن فقط لا نعرف كيف نفوز في الانتخابات بعد أن نفعل ذلك».
ربما أفضل ردٍّ سيكون اقتباسَ قولٍ مأثور لأوروبي آخر هو جان مونيه أحد مؤسسي الاتحاد الأوروبي بأن أوروبا «ستتشكل في أتُّون الأزمات وستكون حاصل جمع كل الحلول التي يتم تبنيها لمعالجة تلك الأزمات»، نحن لدينا الأزمة، فدعونا نأمل في أن تقود إلى حلول.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
أوروبا أمام اختبار تاريخي لتعزيز وحدتها وسط الفوضى الأمريكية
الثورة/ متابعات
قالت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية، إنّ الفوضى التي تشهدها الولايات المتحدة، نتيجة السياسات التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تمثّل فرصة استراتيجية أمام الاتحاد الأوروبي لتعزيز وحدته واستقلاله الاقتصادي والسياسي.
وأشارت الوكالة إلى أنّ الحرب التجارية التي أطلقها ترامب، وهجماته على سيادة القانون، دفعت الأوروبيين إلى التقارب في مواجهة التهديدات المشتركة، ودفعت المستثمرين إلى اعتبار اليورو ملاذاً آمناً وسط تراجع قيمة الدولار.
وفي هذا السياق، يشهد الاتحاد الأوروبي نشاطاً متزايداً في أوساط قادته، حيث تعمل الحكومات الأوروبية على كسر المحرّمات الوطنية، وتوحيد الجهود تحت مظلة المصالح الجماعية.
ففي ألمانيا، خرج الائتلاف الحاكم من التقشّف بحزمة إنفاق ضخمة تتجاوز 500 مليار يورو لدعم البنية التحتية والدفاع، في وقتٍ تبدي فيه فرنسا استعداداً لإعادة هيكلة الدفاع القاري وتوسيع الردع النووي، ما يلقى ترحيباً من دول مثل بولندا في ظلّ تقرّب الولايات المتحدة من روسيا.
وتأتي هذه التحرّكات في ظلّ صمود السوق الأوروبية الموحّدة، التي تضمّ 440 مليون نسمة، في وجه التحديات، مما يجعل الدول الأعضاء أكثر استعداداً لتعزيز استقرارها وقدرتها على التنبّؤ ومساواتها مقارنةً بأمريكا.
ورغم هذه التحرّكات، حذّرت “بلومبرغ” من أن الاتحاد الأوروبي لا يزال عرضة لهزّات اقتصادية كبيرة، خصوصاً أنّ اقتصاده يعتمد على التجارة الخارجية بشكل مضاعف مقارنةً بالاقتصاد الأمريكي، مما يجعل ألمانيا، التي تصدّر ما يفوق 10% من منتجاتها إلى الولايات المتحدة، في موقع هشّ، وفقاً لتقارير “بلومبرغ إيكونوميكس”.
وأوضحت الوكالة أنّ اختبار صيف المعاناة التجارية المقبل، ليس ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادراً على الإسراع في إبرام صفقة مع ترامب في غضون 90 يوماً، بل ما إذا كان سيبدأ في تعزيز الصناعات المحلية المجزّأة، وإنشاء سوق واحدة حقيقية للبنوك، ودمج أسواق رأس المال المتباينة.