لفت نظر الشيخ محمد الغزالى يومًا صياد بسيط كان يجلس إلى شاطئ البحر فى مدينة الجزائر العاصمة. رمى الصياد سنارته، وانتظر صابرًا، ساعة أو أكثر حتى غمزت سنارته، فسحب الخيط ليجد سمكة كبيرة مُبهرة. لم يكد الرجل يراها حتى تهللت أساريره فرحًا، ثم فك وثاقها وألقى بها فى سلته، وحمل حقيبته، وغادر راضيًا. لحقه الشيخ الغزالى وفق روايته – وسأله عما يدفعه للمغادرة.
هذه الحكاية التى حكاها الشيخ الغزالى- رحمه الله- نموذج شائع لتصورات عامة بين الناس، بأنهم حازوا رزقهم، وأنه لا سبيل للمزيد من العمل والإنتاج للحصول على المزيد والمزيد. وهؤلاء يتدثرون بنصوص عديدة من التراث تحض على القناعة وتُحرض على الزُهد وتُحفّز على الرضا بالقليل. وهى نصوص نقية وطيبة وجميلة، لكن ترسيخها وتكريسها فى مجتمعات تنشد النو مثل مجتمعاتنا يُفتت طموحات البشر، ويصُب فى خانة الكسل والاتكال ويسهم فى ضعف الإنتاج.
يبقى الزُهد قيمة عظيمة، إذ يؤمن الصالحون دومًا بأن كل شىء إلى زوال. الدنيا ممر وليست مقرًا، وكل نعمها مؤقتة. والأعظم والأحكم أن نعمل للآخرة. لا جدال فى ذلك بين مَن آتاهم الله الحكمة. لكن ما يمنع أن تكون ممراتنا إلى الآخرة رحبة، ومفروشة بالورود؟ من قال إن الإنسان مُخيرّ بين نعيم الدنيا والآخرة؟ أوَ ليست نعم الله مكفولة لعباده فى الدنيا ما دامت دون جور أو أذى؟
لقد كانت حكايات الزهاد والمتصوفين مثيرة وشيقة وهى تسرى بين الناس قرونًا وقرونًا، لكن مردودها الفعلى كان مزيدًا من السلبية والسكون والجمود، ووصل الأمر للبعض أنهم تركوا كل شىء وتفرغوا للعبادة وعاشوا عالة على الآخرين. وهكذا فترت الهمم، وخمدت الآمال، ووهنت السواعد، ولم يحاول مَن يُفترض حراكهم تغيير أوضاع حياتهم، فلم يجتهدوا ولم يُغيروا، ولم يسعوا السعى اللازم لتغيير الحياة.
فى حقيقة الأمر لم يكن الدين أبدًا حجر عثرة أمام تقدم الشعوب وتحضرها وتنميتها، لكن الفهم المغلوط للدين كان سببًا فى الترويج للزهد، والرضا بالفقر، وعدم السعى وراء الرزق أينما كان. أقول ذلك والتراث العربى ملىء بفخاخ من التواكل، والكسل، وتقييد النجاح بدعاوى القناعة. اقرأوا إذا أردتم ما شاع وذاع عن دخول الفقراء للجنة قبل الأغنياء، وتمنى بعض السلف أن يبعثوا مع زمرة المساكين، والحديث الضعيف المنتشر عن كون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
كل هذا فى ظنى لا علاقة له لا بالإسلام ولا بالمسيحية ولا بغيرهما من الأديان السماوية التى جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الفقر إلى العيش الهانئ. تذكروا قوله تعالى: «وقال استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموالٍ وبنين، ويجعل لكم جناتٍ، ويجعل لكم أنهارًا».
تحت لافتات الزهد المتطرف توقفت كثير من الأيدى عن العمل، وباسم التوكل على الله سكنت كثير من النفوس عن السعى نحو الرزق، وبعبارات الإرهاب والتخويف من الثراء رضت عقول عدة بما لديها من مال ولم تسع لمضاعفته وتنميته. وكان النتاج المر أن شعوبنا العربية والإسلامية لم تبتكر ولم تتطور ولم تقدم ما يفيد البشرية علمًا أو اقتصادًا أو فكرًا.
سبات فى سبات وسكون طاغ تملكنا فصرنا نرى كل صاحب مال شريرًا، وكل ثرى جشعًا، وكل ملياردير سفاحًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: والله أعلم مصطفى عبيد
إقرأ أيضاً:
الجيش الإسرائيلي: عثرنا على منصات إطلاق صواريخ إيرانية في جبل الشيخ ومزارع شبعا
زعم الجيش الإسرائيلي أنه عثر على منصات إطلاق صواريخ إيرانية الصنع كانت موجهة إلى إسرائيل في جبل الشيخ ومزارع شبعا، وفق ما ذكرت وسائل إعلام متفرقة.
أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن هناك أضرار في منازل بالمطلة بالجليل الأعلى إثر سقوط صواريخ أطلقت من لبنان.
وذكر الجيش الإسرائيلي انه قصف المواقع في الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم استهدف مراكز قيادة وبنى تحتية لحزب الله.
بينما قال حزب الله انه قد اشتبكنا مع قوة للعدو وأوقعنا أفرادها بين قتيل وجريح عند الأطراف الشرقية لبلدة البياضة.
وأضاف حزب الله انه ما زالت الاشتباكات مستمرة مع قوة العدو التي حاولت التقدم باتجاه بلدة البياضة.