غزة- ذهابا وإيابا يقطع أبو محمد ممر الانتظار أمام باب المنفذ المؤدي إلى غرف العمليات الجراحية بمستشفى الخدمة العامة في شمال غزة، وعيناه تجوسان في المكان ولا تنفكان تنظران إلى الساعة المعلقة على الحائط، يجلس برهة يناجي الله "والله ابني تعب وتحمّل كثيرا، لا تُضيّع صبره" ثم يعاود قيامه وسعيه.

أما في الداخل وعلى سرير العمليات فيلتف وفد طبي من جراحين عرب حول جسد ابنه محمد يسدون فتحة الستوما (فتحة في جدار البطن لإخراج الغائط) التي خرقتها شظية من صاروخ إسرائيلي استهدفه ورفاقه المنقذين في مقر الدفاع المدني خلال الأيام الأولى للحرب.

يقول أبو محمد خلال مقابلته مع الجزيرة نت "منذ 8 أشهر وولدي يعيش ويلات إصابته، فهو يتبرز في كيس خارجي يلتصق في جسده، ولم نجد له جراحا مختصا في شمال القطاع إلى أن سمعنا عن دخول الوفد الطبي وقدومه إلى مستشفى الخدمة العامة في غزة".

حال محمد كحال المئات من المرضى والجرحى الذين لم يتمكنوا من العلاج في الخارج، نظرا لإغلاق معبر رفح إضافة إلى تخوفهم من المرور عبر الحاجز الإسرائيلي الفاصل بين شطري القطاع.

وفد طبي يجري عمليات جراحية لمرضى وجرحى غزة الذين لم يتمكنوا من الخروج للعلاج في الخارج (الجزيرة) لن نترك غزة وحدها

أشاد أبو محمد بطاقم الوفد وباستقبالهم ابنه وجرحى غزة، وقال "هؤلاء ملائكة أتوا إلينا من البلاد البعيدة يحملون الفرج، كان ابني فريسة للأرق يتألم كل ليلة، وكان اليأس يتملكنا إلى أن أتى الوفد الذي بث فينا الأمل".

أمل قرأه الغزيون في الكلمات المطرزة على قبعات الجراحين "لن نترك غزة وحدها"، ورأوه عيانا في ترجمة عملية من خلال ساعات عملهم الجراحي المتواصل دون فتور.

يجمع أعضاء الوفد على أن ما يقومون به "واجب إنساني على كل حر وشريف، وحق شرعي للمظلومين والأبرياء لا يمكن التخلي عنه".

يقول رئيس الوفد الجراح الأردني أسامة حامد للجزيرة نت "نشعر أننا أقزام أمام عظمة ما قام به الكادر الطبي الذي بقي في غزة"، واصفا إياهم "بالأساطير التي قامت بالمعجزات لإفشال مخطط إسرائيل الرامي لتهجير الفلسطينيين من خلال جعل غزة خرابة لا تصلح للعيش وتدمير النظام الصحي فيها".

يرأس حامد وفد الأطباء الأول من نوعه الذي يدخل مدينة غزة بتنسيق أممي تابع لمنظمة الصحة العالمية، ويصف حياته قبل قدومه إلى غزة قائلا "أحداث الحرب أثرت على حياتي، بل شلّتها كليا، ولم أستعد طبيعتي إلا حين تنفست هواء غزة التي أحب".

ويصف حامد الواقع الصحي بالمأساوي، حيث يعملون بالحد الأدنى من الإمكانيات في ظل تدمير المستشفيات وحرق مخازن الأدوية وقتل الأطباء واستهداف سيارات الإسعاف والكوادر الطبية، ويضيف "هناك المئات من المرضى فقدوا حياتهم رغم إمكانية إنقاذهم لو توفرت الكوادر أو خرجوا للعلاج".

تعلمنا من أطباء غزة

في غرفة العمليات المجاورة وعلى أنغام الموسيقى التي تبدد رهبة الحالة كما يقول الموجودون يمسك الجراح العُماني هاني القاضي مبضعه ويستأصل وجع الفتى الذي أمامه، وكان تأثر الجراح هاني بالأطفال وإصاباتهم التي ستلازمهم طوال حياتهم جليا.

تحدثت الجزيرة نت إلى الجراح العماني خلال إجرائه العملية، حيث كان متفاجئا بأجساد المرضى ونحافة عضلاتهم من المجاعة التي يعيشونها منذ أشهر في غزة.

وقال "حتى لو نجحت العملية بنسبة كاملة إلا أن سوء التغذية يؤثر سلبا على نتائج العمليات والتئام الجروح، ويزيد احتمالية الإصابة بالتهابات ويصعّب التشافي".

وعن كيفية التعامل مع المرضى في ظل انهيار القطاع الصحي وانعدام الموارد، قال القاضي "تعلمنا من أطباء غزة كيفية التعامل مع النقص في المستلزمات، وقدمنا اقتراحاتنا فيما يتعلق بذلك"، لكنه أشار إلى وجود ثغرات لا يمكن التعامل معها كنقص الاطباء والتخصصات، مطالبا "المنظمات القادرة على إمداد غزة بالمعدات والوفود المتخصصة بألا تتأخر عن ذلك لإنقاذ الأبرياء بشكل عاجل".

مطالبات لم تتوقف منذ اليوم الأول للحرب على غزة يلبيها الفلسطينيون أنفسهم اليوم من خلال الخطوة النوعية التي تقدموا بها، حيث سيفتتح مستشفى المقاصد فرعا له في مدينة غزة خلال الأسابيع القادمة.

كانت الجزيرة نت أول من عاين التجهيزات القائمة لافتتاح "المقاصد"، وظهر ذلك خلال تجولنا في مستشفى الخدمة العامة الذي قدم مبناه وكوادره المتبقية في غزة لمستشفى المقاصد، في حين سيتولى الأخير مهمة إعادة تشغيل المستشفى من خلال ضخ الأطباء والكوادر من التخصصات غير الموجودة في غزة وتوفير المستلزمات الطبية والمعدات اللازمة لذلك.

عمليات إصلاح الأضرار وترميم الطوابق المتضررة تجري على قدم وساق (الجزيرة) إنعاش القطاع الصحي

بدوره، يقول الدكتور خالد الشوا اختصاصي الجراحة في مستشفى المقاصد للجزيرة نت "أكبر مستشفى وطني فلسطيني سيرسل وفودا فلسطينية للعمل بشكل دائم في غزة بعدما نجحت جهود المؤسسات الدولية في الضغط لتنفيذ هذه الخطوة والبدء بإنعاش القطاع الصحي".

وتابع "الكوادر الموجودة قليلة ومنهكة جدا، عدا عن انعدام بعض التخصصات كالأوعية الدموية والقلب والمسالك البولية وتخصص الأطفال، مما سيجعل هذه الخطوة حلا منقذا للقطاع الصحي".

وبينما تجري عمليات إصلاح الأضرار وترميم الطوابق المتضررة على قدم وساق تتطلع إدارة المستشفى إلى تطوير المبنى وتوسيع الخدمات المقدمة بحيث تشمل الفلسطينيين في جنوب القطاع، وبما يضمن استمرار عملهم حتى بعد انتهاء الحرب وانتهاء حالة الطوارئ.

أثر من مدينة السلام سيحط قريبا على أرض مدينة الحرب تصديقا لشعار "لن نترك غزة وحدها" الذي نادى به العرب والفلسطينيون خارج حدود القطاع ممن أوصلوا رسائلهم مع الوفد العربي القادم إليها يقولون فيها للغزيين "لو فُتحت المنافذ للولوج إلى غزة لتدفقت كل الشعوب إليها لئلا تكون وحدها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات القطاع الصحی من خلال فی غزة

إقرأ أيضاً:

رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون

لم يجد رجل الأعمال مشعل محمود محمد مناصا من مغادرة الخرطوم بحري بعد اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل/نيسان 2023، متوجها إلى إثيوبيا.

كان مشعل يعمل في الخرطوم بالاتجار بقطع غيار آليات الورش، ونجح في تحقيق أرباح جيدة، وظل يعمل في هذا المجال حتى اندلاع الحرب، حيث خسر معارضه التجارية ومنزله وسياراته.

يقول مشعل لـ"الجزيرة نت" إنه خسر كل شيء، حيث سُرقت جميع محلاته ومعرضه في مدينة بحري (شمالي العاصمة)، مما دفعه إلى المغادرة في مايو/أيار 2023.

وبعد وصوله إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا برفقة أسرته، فكر على الفور في العودة إلى مجاله السابق، لكنه واجه واقعا تجاريا مختلفا تماما عن السودان من حيث رأس المال والإجراءات.

وبعد تفكير، يقول مشعل إنه اتخذ قرار افتتاح مطعم لإعداد الوجبات السودانية، خاصة أن الفترة تلك شهدت وصول أعداد كبيرة من السودانيين إلى إثيوبيا لاستكمال إجراءات السفر إلى دول أخرى.

وخلال شهر رمضان من العام الماضي، كان مطعم مشعل يلبي طلبات مواطني بلاده على الإفطار والعشاء بأطباق سودانية ذائعة الصيت، لاقت رواجا كبيرا، خاصة مع تقديم المشروبات الرمضانية السودانية المعروفة، ومنها "الحلومر".

إعلان

ويوضح مشعل لـ"الجزيرة نت" أن طبيعة العمل كانت في البداية صعبة للغاية في ظل الحاجة إلى تحضيرات متواصلة من دون توقف أو إجازات، حيث كان لزوجته الدور الأكبر في إدارة العمل وتحريكه بشكل رئيسي، ولذلك قرر تسمية المطعم بـ"البيت السوداني"، لأن زوجته تعدّ الطعام كما تفعل في المنزل.

وبالعودة إلى بداية العمل، يرى مشعل أنه كان مزدهرا، حيث كان عدد السودانيين كبيرا، لكنه تراجع حاليا مع تناقص الأعداد وتراجع أرقام العابرين إلى دول أخرى. ومع ذلك، يقول رجل الأعمال الشاب إن الأمور لا تزال تسير على ما يرام، إذ يستعد خلال شهر رمضان الحالي بتحضيرات نوعية، كما يسعى إلى جذب الإثيوبيين وغيرهم لتجربة الطعام السوداني.

الحرب دفعت رواد الأعمال إلى مواجهة خسائر قاسية والتكيف مع واقع اقتصادي صعب (الفرنسية) خير رمضان وكرمه

ويقول رجل الأعمال خالد بيرم، الذي يشغل أيضا منصب أمين مكتب الشؤون الخارجية للغرفة التجارية بمحلية عطبرة بولاية نهر النيل شمال السودان، إن رمضان هو شهر الخير والبركة، وينعكس كرمه على الجميع.

ويؤكد لـ"الجزيرة نت" أن الحركة التجارية في الشهر الفضيل تُعرف بـ"الموسم"، حيث تزدهر بشكل ملحوظ ويتعاظم الطلب على سلع ومنتجات مختلفة.

ويضيف: "الأعمال والتجارة بشكل عام في السودان خلال الشهر الفضيل تكون في حالة انتعاش ونمو، وتبدأ دائما قبل حلول شهر رمضان بـ10 أيام تقريبا، أو حتى اليوم الذي يسبق بدايته، حيث تشهد الأسواق حركة مكثفة ونشطة".

ويوضح أنه عندما يتعلق الأمر بالمواد الغذائية، فإن الناس يكونون على استعداد لشرائها، وغالبا ما ترتفع أسعارها.

أما فيما يتعلق بالغرفة التجارية في عطبرة، فيشير بيرم إلى أن التجار يقومون بتجهيز سلال للصائمين، تحتوي على المواد الغذائية الأساسية للصائم، كما يقوم بعض التجار بإخراج سلال إضافية لرمضان من أموالهم الخاصة.

إعلان

ويؤكد بيرم أن هناك حركة واسعة للأموال والتجارة والبضائع، وهذا يزيد الأرباح والدخل، مشيرا إلى أنه كلما زاد الدخل، زاد الإنفاق على الفئات الضعيفة من خلال الصدقات والإكراميات والسلال الغذائية وزكاة الفطر والتبرعات.

ويستطرد قائلا: "اسم رمضان كريم لم يأتِ من العدم، الله يوفّر احتياجات الناس، وهناك حالة من السعادة بين الجميع، بما في ذلك التجار ورجال الأعمال".

صعوبات جمة

لمجموعة "أبو الفاضل بلازا" في السودان صيت خاص، خصوصا عند حلول شهر رمضان المبارك، إذ يُعتبر الموسم الذي ينتظره آلاف السودانيين للاستفادة من التخفيضات وشراء المستلزمات المنزلية، حيث تتميز المجموعة بالاستيراد الراقي والأسعار المناسبة.

مجموعة أبو الفاضل بلازا خسرت الكثير بسبب الحرب (الجزيرة)

لكن الحرب ألقت بظلالها القاتمة على المجموعة في كل فروعها المنتشرة في مدن الخرطوم الثلاث (الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري)، كما يقول هاشم أبو الفاضل لـ"الجزيرة نت"، حيث خسرت الشركة بضائعها بالكامل إما بالاحتراق أو السرقة أو النهب والتخريب، ولم يتمكنوا من إنقاذ أي شيء باستثناء البضائع التي كانت تحت التخليص الجمركي بالميناء.

ويروي هاشم لـ"الجزيرة نت" سلسلة معاناة صعبة عاشها رواد الأعمال في القطاع الخاص السوداني، بسبب الحرب التي اندلعت فجأة من دون أن يتمكن أصحاب الشركات، خاصة وسط العاصمة الخرطوم، من تدارك الأمر وإنقاذ ما يمكن من رأس المال.

ويشير إلى أن 90% من أصحاب الأعمال عادوا إلى نقطة الصفر، وفقدوا كل شيء تقريبا، ليصبح القطاع الخاص أكبر المتضررين من الحرب المستمرة منذ نحو عامين.

ومع ذلك، يقول هاشم إنهم حاولوا النهوض مجددا والعودة إلى العمل، ورفضوا الخروج بما تبقى من رأس المال إلى خارج البلاد، فقرروا افتتاح فروع جديدة للمجموعة في بورتسودان والعودة للعمل في أم درمان بعد تحسن الأوضاع الأمنية جزئيا.

إعلان

لكنه يشكو من تعامل السلطات الحكومية، مشيرا إلى أنها تفرض رسوم جمارك وغيرها من الجبايات بأرقام فلكية، لا تراعي الخسائر الفادحة التي تكبدها القطاع الخاص، ولا تضع في اعتبارها حرص رجال الأعمال على المساهمة في إعادة الإعمار.

ويشبه هاشم أوضاعهم الحالية بمن يمشي على النار، لكنه رغم ذلك يؤكد أنهم حريصون على مواصلة العمل وتجاوز الصعاب الحالية.

خسائر كبيرة

وإزاء الأوضاع الاقتصادية في السودان، يقول الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد العظيم المهل للجزيرة نت إن القطاع الخاص السوداني خسر الكثير في هذه الحرب قدرت في القطاعين الصناعي والخدمي في الخرطوم بـ90%، وفي ولاية الجزيرة تصل نسبة الخسائر إلى 88% ، أما في ولايات دارفور عدا الفاشر فتقدر الخسائر بـ80% في القطاعين.

ويشير إلى أن تقديرات جملة خسائر القطاع الخاص في كل القطاعات بحوالي 130 مليار دولار 90% منها لا تخضع للتأمين.

ويرى أن القطاع الخاص بحاجة لوقت كي يعود للعمل لكنه يتوقع عودته بنحو أسرع من القطاع العام.

ويأسف المهل لخروج بعض رواد الأعمال في القطاع الخاص من السودان والهجرة للخارج بينما نزح آخرون داخليا وهو ما قد يؤدي إلى تشتت الصناعة والخدمات بعيدا عن العاصمة.

ويرى المهل أن الفجوات تطال كل القطاعات التي ستبدأ من نقطة الصفر ويردف إذا تم ذلك فسوف ينهض الاقتصاد السوداني خلال نحو 3 أعوام، مؤكدا إمكانية التعافي والنهضة في حال وجدت السياسات المستقرة والإدارة الواعية والتكنولوجيا الحديثة في كل المجالات متبوعة بالقبضة الأمنية القوية والاستقرار السياسي.

مقالات مشابهة

  • القطاع الصحي بحماة يبدأ خطوات التعافي لتحسين الخدمات الطبية للمواطنين
  • الصحة تبحث مع منظمتي uk-med‏ و ‏cadus البريطانيتين سبل دعم ‏القطاع الصحي في سوريا ‏
  • عبد الإله مول الحوت.. الشجرة التي تخفي غابة لوبيات البحار
  • «أبوجناح» يبحث مع العراق سبل تعزيز التعاون الصحي
  • مستشفى الرنتيسي بغزة.. صراع من أجل الحياة لأطفال غسل الكلى
  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
  • تمهيدًا لافتتاحه قريباً.. الانتهاء من أعمال تطوير مبنى الجراحة بالمستشفى الجامعي ببنها
  • رئيس جامعة بنها: الانتهاء من أعمال تطوير مستشفى الجراحة وافتتاحها قريبا
  • القطاع الصحي في تركيا يضرب عن العمل يوم 14 مارس!
  • محافظ قنا يشيد بدور المركز الطبى للجمعية الشرعية فى دعم القطاع الصحي