هل تحوز إيران قريبًا قنبلة نووية؟
تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT
د. هيثم مزاحم *
صَوَّتَ مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قبل ثلاثة أسابيع، على توجيه اللَّوْم إلى إيران "لفشلها في التعاون بشكل كامل في نظام التفتيش"، والذي تمَّ وضعه بموجب الاتفاق النووي للعام 2015، لجعل برنامج إيران أكثر شفافية ووضع حدود من شأنها منع إعادة توجيه المواد النووية لصنع أسلحة نووية.
وألغتْ الإدارة الأمريكية اجتماعًا للمُنتدى الإستراتيجي الأمريكي-الإسرائيلي الذي كان يُفترض أنْ يُعقد الخميس الماضي لبحث مسألة الملف النووي الإيراني؛ وذلك ردًّا على تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن التأخير الأمريكي لبعض شحنات الأسلحة الأمريكية الموجَّهة إلى الكيان. وكانت غاية الاجتماع: بحث معلومات استخبارية حول نمذجة حاسوبية قام بها عُلماء إيرانيون يُمكن استخدامها للبحث وتطوير الأسلحة النووية.
ورغم زعم بعض المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين بأنَّ هذه المعلومات الاستخباراتية هي إشارة مُثيرة للقلق بشأن طموحات إيران في مجال الأسلحة النووية، إلَّا أنَّ مسؤولين آخرين من كلا الجانبين قالوا إنها مجرد "نقطة" لا تمثل تحوُّلًا في سياسة إيران وإستراتيجيتها تجاه التسلح النووي.
ومعلومٌ أنَّ المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي يُحرِّم تطوير واستخدام الأسلحة النووية، بينما أجرى مجتمع الاستخبارات الأمريكي تقييمًا في العام 2007 مفاده أنَّ إيران ليس لديها برنامج نووي عسكري نشط منذ العام 2003. وقال مسؤولون أمريكيون أخيرًا إنَّه "لا يوجد تغيير في تقييمنا بأنَّ إيران لا تقوم حاليًا بالأنشطة الرئيسية لتطوير الأسلحة النووية اللازمة لإنتاج جهاز نووي قابل للاختبار".
وذَكَر تقريرٌ للوكالة الدولية للطاقة الذرية -صدر في أواخر مايو الماضي- أنَّ إيران تمتلك نحو 142 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 60%؛ وهي زيادة بأكثر من 20 كيلوجرامًا منذ التقرير السابق الصادر في فبراير. ولن تحتاج إيران سوى أسابيع لتخصيب هذه الكمية من اليورانيوم إلى نسبة 90%، وهو المستوى المطلوب لصنع سلاح نووي، وفقًا لتقييمات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية. وستحتاج إيران إلى نحو 42 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 90% لصنع قنبلة نووية واحدة.
ويذهَب الخبراءُ إلى أنَّ إيران قد تكون اليوم على بُعْد أسابيع فقط من الحصول على المواد اللازمة لصنع العديد من الأسلحة النووية. لذلك؛ ينبغي أن تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التفاوض على اتفاق نووي جديد مع الإدارة الإيرانية الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية المقرَّرة يوم الجمعة المقبل.
وفي اجتماع مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أَصْدَرت الصين وإيران وروسيا بيانًا مُشتركًا لامت فيه الولايات المتحدة على "انسحابها غير القانوني والأحادي" من الاتفاق النووي الإيراني للعام 2015، والمعروف رسميًّا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وفرض العقوبات "الأحادية وغير القانونية" ضد إيران. وكتبت الدول الثلاث أنه "لو تم التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة اليوم، لكان ذلك قد خفف الغالبية العظمى من التساؤلات القائمة بشأن برنامج إيران النووي السلمي، وكان من الممكن أن يكون لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسائل تحقق ورصد أوسع نطاقًا".
وأكَّدت الدول الثلاث "استعدادها لاستعادة الاتفاق بناءً على نص مسودة اتفاق وزَّعها في البداية منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في أغسطس 2022، وألقت باللوم على الولايات المتحدة والموقِّعِين الأوروبيِّين على اتفاق 2015: "في عرقلة مشروع الاتفاق لاعتبارات سياسية خاصة بهم".
بدأتْ الأزمة النووية مع إيران في العام 2003، عندما اكتشف العالم أنَّ إيران تقوم ببناء محطة لتخصيب اليورانيوم. وبعد عَقْدٍ من المفاوضات الفاشلة بين إيران والقوى العالمية بين عامي 2003 و2013، بشأن برنامج التخصيب الإيراني، حوَّلت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران من "صفر تخصيب" إلى "صفر أسلحة نووية"؛ مما أدَّى لإبرام خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015 بين إيران والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا (5+1). وتمَّ التصديق على الاتفاق بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231.
وبموجب هذا الاتفاق، قبلت إيران والتزمت بأعلى مستوى من الشفافية وعمليات التفتيش النووي وبالقيود في برنامجها النووي التي تجاوزت متطلبات معاهدة حظر الانتشار النووي.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أقرت بأن إيران ممثلة لجميع التزاماتها، سَحَب الرئيسُ الأمريكيُّ السابق دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاقية عام 2018، وأعاد العقوبات الأمريكية على إيران وأضاف 1500 عقوبة جديدة. وللأسف، امتثلت أوروبا بدورها للعقوبات الأمريكية.
وبعد أنْ تولى الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن منصبه في العام 2021، حاول هو والاتحاد الأوروبي إحياء الاتفاق النووي، لكنَّهم فرضوا في النهاية مئات العقوبات الجديدة على إيران التي ردَّت بتوسيع أنشطة التخصيب لتشمل تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60% من اليورانيوم 235، وهو مستوى قريب من درجة صنع الأسلحة.
وعلى الرغم من أنَّ الاتفاق النووي للعام 2015 قد أبعَد إيران لمدة عام على الأقل عن إنتاج ما يكفي من المواد اللازمة لصنع سلاح نووي أول، إلَّا أنه من المُقدَّر الآن أن طهران على بُعد أسبوعيْن فقط من إنتاج هذه الكمية من المواد الانشطارية، لتصبح "دولة عتبة نووية" مثل اليابان، بحسب ما ذَكَر المفاوِض الإيراني الأسبق سيد حسين موسويان في مقالةٍ بنشرة ِالعلماء النوويين.
لقد تسبَّبتْ العقوبات النووية الغربية على مدى السنوات الخمس والأربعين الماضية في أضرار تُقدَّر بمئات المليارات، وربَّما تريليونات الدولارات، للاقتصاد الإيراني. وفي الوقت نفسه، لم يُحقِّق الغرب هدفَه الأساسي، وهو منع إيران من اكتساب القدرة على صنع سلاح نووي بسرعة.
ويرَى موسويان أنَّ لعبة الضغط المُستمرة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني كانت بمثابة إستراتيجية خاسرة لكل من إيران والغرب. فالغرب غير راغب في التعويض عن خسائر إيران الاقتصادية، ولن تتخلَّى إيران مجانًا عن النفوذ الذي يوفره لها كمونها النووي.
ووفقًا للقرار رقم 2231، فإنَّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سوف يغلق ملف إيران النووي بحلول أكتوبر 2025. وبوسع أوروبا أن تستخدم -قبل ذلك التاريخ- آلية إعادة فرض العقوبات لإعادة فرض جميع قرارات مجلس الأمن ضد إيران. ومع ذلك، فإنَّ رد إيران الأكثر ترجيحًا سيكون الانسحاب الكامل من الاتفاق النووي وتعليق عضويتها في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية كدولة غير حائزة للأسلحة النووية.
وإذا قامت إسرائيل و/أو الولايات المتحدة بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، فمن الممكن أن ترد إيران بالتسلح النووي.
وبناءً عليه، يرى موسويان أن أمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نافذة مدتها نحو 15 شهرًا للاختيار بين خيارين: إمَّا أنْ تصبح إيران دولة مسلحة نوويًّا مثل كوريا الشمالية، أو أن تصبح إيران دولة على عتبة السلاح النووي مثل اليابان.
يضمُّ الاتفاق النووي مجموعتيْن من الركائز: الأولى هي التزامات إيران الدائمة بقبول إجراءات التفتيش الشامل والشفافية التي تتخذها الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ بما في ذلك البروتوكول الإضافي، الذي يسمح للوكالة بتفتيش أي منشأة مشبوهة. أما المجموعة الثانية من الركائز، فهي ما يُعرف بـ"قيود الغروب" -بما في ذلك الحظر المفروض على تخصيب إيران لليورانيوم إلى ما يزيد على خمسة بالمائة من اليورانيوم 235، والتي سينتهي معظمها -أي هذه القيود- في العام 2030.
الخلاصة.. أنَّه لا تزال الفرصة سانحة أمام القوى العالمية لإشراك إيران في اتفاق نووي جديد يتمثَّل في رفع العقوبات النووية عن إيران في مقابل التزامها الكامل والدائم بتنفيذ تدابير الشفافية الشاملة في خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي من شأنها أن تمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية الرؤية الكاملة لأنشطة إيران النووية، ولعل ذلك هو الخيار الأفضل لتجنب القنبلة النووية الإيرانية.
* رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مستشار سابق لبوتين: قرار أمريكا الأخير يدفع لحرب نووية قريبة
أكد الدكتور سيرجي ماركوف، أستاذ العلوم السياسية، والمستشار السابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن قرار الإدارة الأمريكية برفع حظر استخدام أوكرانيا للأسحلة طويلة المدى الأمريكية لضرب روسيا في الحرب الدائرة الآن لن يغير شيئا على أرض المعركة، موضحًا أن هذا القرار ليس قرار قادة أمريكا فقط ولكن أيضًا بريطانيا وفرنسا ويؤدي إلى أخطاء كبيرة، مضيفًا «هذا القرار يدفعنا نحو الحرب النووية في وقت قريب وسيكون هذا ممكنا».
الجيش الأوكراني لديه الكثير من الأسلحة الممولة من دول غربيةوأشار «ماركوف»، خلال مداخلة عبر الإنترنت ببرنامج «مطروح للنقاش»، مع الإعلامية داليا أبو عميرة، المٌذاع عبر شاشة «القاهرة الإخبارية»، إلى أن الجيش الأوكراني لديه الكثير من الأسلحة التي تم تمويله بها من دول غربية مختلفة، مؤكدًا أن الأسلحة كانت تستخدم من ملازمين وضباط لجيوش الغرب وليس الجنود الأوكرانيين.
وشدد على أن أوكرانيا ليس لديها فرصة لاستخدام هذه الأسلحة طويلة المدى على الأراضي المعترف بها دوليًا لروسيا؛ لأن هناك نوعين من هذه الصواريخ وهي صواريخ كروز التي جاءت من بريطانيا وفرنسا لتستهدف بعض الأراضي الروسية تحتاج إلى خريطة دقيقة للأراضي الروسية التي يحصلون عليها من قبل الأقمار الصناعية لذلك فأن هذه الصواريخ سوف تستهدف روسيا بعد الحصول على خريطة ومشاركة مختصون من أمريكا، بينما الصواريخ من النوع الثاني؛ الباليستية، تستخدم بالاعتماد على المعلومات الاستخباراتية من الأقمار الصناعية، وأوكرانيا ليس لديها هذه الأقمار الصناعية؛ لذلك نؤكد أنها حرب أمريكية ضد روسيا.
وتابع «إذا ردت روسيا على هذا الهجوم بالصواريخ الروسية ضد القواعد الأمريكية في بولندا أو دول أخرى يعني أنه ستكون هناك حرب بين الناتو وروسيا وسوف تكون هذه الحرب بين ثلاث دول كبرى وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكلها دول لديها أسلحة نووية، ما يجعلنا نذهب نحو حرب نووية، وهذا ربما يحدث في نهاية العام، وهذه الكارثة النووية تدمر الكيان البشري كله».