نوال السعدي **

توجَّه الناخبُ الأوروبيُّ في الفترة الزمنية الواقعة ما بين السادس والتاسع من شهر يونيو 2024، لصناديق الاقتراع في 27 دولة هي الدول المكوِّنة للاتحاد الأوروبي، ليقولوا كلمتهم ويختاروا مُمثليهم في البرلمان الأوروبي، وجاءتْ هذه الانتخابات في ظل العديد من السياقات الإقليمية والدولية التي مر ويمر بها الاتحاد؛ ومنها: تداعيات جائحة كوفيد 19، والحرب الروسية الأوكرانية، وخروج بريطانيا من الاتحاد، واحتمالات عودة دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية، بمواقفه المعروفة سلفًا من الحلفاء الأوروبيين، وفي ظل هذه البيئة الجيوسياسية المضطربة، جاءتْ الانتخابات سعيًا نحو تشكيل المشهد السياسي؛ حيث الميل المتزايد نحو تيارات اليمين واضح لا لَبْس فيه.

 

دور البرلمان وقضايا انتخابات 2024

البرلمان الأوروبي هو إحدى المؤسسات السَّبع الرئيسة في الاتحاد الأوروبي، وباعتباره الهيئة التشريعية الوحيدة المنتخبة مباشرة في الاتحاد الأوروبي كل خمس سنوات، فقد زاد البرلمان من صلاحياته التشريعية بمرور الوقت، وأصبح الآن -جنبًا إلى جنب مع المجلس المُؤلَّف من حكومات الدول الأعضاء- هيئة تشريعية مشتركة حقيقية. وهذا يعنِي أنَّ مُعظم سياسات الاتحاد الأوروبي يجب أن تتمَّ الموافقة عليها من قبل البرلمان قبل أن تصبح قانونًا. وللبرلمان دورٌ رئيس في الموافقة على التشريعات أو رفضها، وإجراء الرقابة، وتأكيد ميزانية الكتلة لسبع سنوات. إضافة إلى ذلك، تُؤدي نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي إلى انتخاب الرئيس القادم للمفوضية الأوروبية (حاليًا: أورسولا فون دير لاين) وكذلك التصويت في هيئة المفوضين الكاملة، الذين يشغل بعضهم مناصب ذات تأثير كبير على الولايات المتحدة والعلاقات عبر الأطلسي.

وقد صوَّت ما يقرُب من نصف الناخبين المؤهلين البالغ عددهم 357 مليونًا في الدول الأعضاء لاختيار 720 عضوًا، بزيادة 15 عضوًا عن انتخابات 2019، بما يتناسب وتحولات عدد السكان في الاتحاد؛ حيث يكون عدد المشرعين المنتخبين من كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي على التناسب التدريجي. وهذا يعني أنَّ أعضاء البرلمان من الدول الكبرى يُمثلون عددًا أكبر من الأشخاص مقارنة بالمشرعين من الدول الأصغر. فقد انتخبت ألمانيا -على سبيل المثال- 96 عضواً في البرلمان، في حين انتخبتْ مالطا ستة أعضاء فقط.

وكما كان مُتوقَّعًا، جاءت النتيجة الأكثر إثارة للدهشة هي تصدُّر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان وحصوله على 31.3% من الأصوات، وحصل على أكثر من ضعف أصوات حزب الرئيس إيمانويل ماكرون؛ مما دفع ماكرون للدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في فرنسا، ومع اقتراب حصة التصويت لليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية في فرنسا من 40%، فإنَّ هناك احتمالًا حقيقيًّا لوجود رئيس وزراء فرنسي جديد مدعوم من اليمين المتطرف، يتعايش مع الرئيس الفرنسي.

كذلك حصلت التيارات اليمينية في ألمانيا على أكثر من 45% من مجمل الأصوات، وفي إيطاليا عززت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني موقف حزبها اليميني "إخوان إيطاليا" بنسبة 28.7% من الأصوات، وهو ما تكرَّر في النمسا مع انتصار حزب الحرية؛ مما يُمكن أن يُسهم في وصول اليمين لرأس السلطة في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في البلاد في 29 سبتمبر المقبل.

ومع إعلان نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، فقد حصل المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون، ومجموعة الهوية والديمقراطية، على 131 مقعداً في المجلس، وإذا شكل اليمين المتطرف مجموعة واحدة، فستكون ثاني أكبر قوة في البرلمان، خلف حزب الشعب الأوروبي المهيمن تقليديًّا، وإذا كانت المنافسات داخل صفوف اليمين تجعل هذا السيناريو غير مرجح، ولكن حجمه الهائل سوف يفرض ضغوطاً كبيرة على سياسة الاتحاد الأوروبي.

 

الخاسرون في انتخابات 2024

ينتمي معظم الخاسرين إلى يسار الوسط، خاصة مجموعة التجديد الليبرالية؛ حيث يوجد حزب ماكرون، وحزب الخضر الذي كانت نتائجه سيئة في كلٍّ من فرنسا وألمانيا وبلجيكا، مع بقاء حزب الاشتراكيين والديمقراطيين من يسار الوسط مستقرًا نسبيًّا. كما تعرَّض عدد من أبرز زعماء أوروبا لانتكاسات على سبيل المثال أحزاب الوسط في ألمانيا، حيث احتل حزب المستشار الألماني أولاف شولتس "الديمقراطي الاشتراكي" المركز الثالث خلف الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا".

 

الكتل الرئيسية وبناء التحالفات السياسية

لم تتمكَّن أيُّ كتلة من الفوز بأغلبية شاملة في البرلمان الأوروبي، ونتيجة لذلك، ينخرط الزعماء الآن في مفاوضات لتشكيل ائتلافات لتحقيق التوازن، وتشكل الائتلافات جزءًا ضروريًّا من السياسة البرلمانية الأوروبية نظراً للعدد الكبير من الأحزاب من الدول الأعضاء؛ حيث تتكون كتلة حزب الشعب الأوروبي من أعضاء ينتمون إلى أحزاب يمين الوسط المتشابهة أيديولوجيًّا من جميع أنحاء أوروبا. ويجب أن تضم المجموعة السياسية في البرلمان الأوروبي 25 عضوًا في البرلمان من سبع دول في الاتحاد الأوروبي على الأقل.

وقد حقَّقت كتلة حزب الشعب الأوروبي انتصارًا واضحًا في انتخابات البرلمان الأوروبي، وهو في وضع أفضل لتحديد سياسة الاتحاد الأوروبي من جهة، ومن جهة أخرى قد ينضمُّ مرة أخرى إلى ائتلاف كبير مع الاشتراكيين والليبراليين، أو يُمكنه التفاوض على علاقة عمل بشأن بعض القضايا مع الأحزاب الأكثر يمينية، إذا كان بإمكانه القيام بذلك دون تنفير حلفائه الوسطيين.

وبذلك؛ فإنَّ التيارات الوسطية المؤيدة لوحدة أوروبا واستمرارها لا تزال مُتماسكة، لكن إلى أي مدى ستتحول الأغلبية إلى اليسار أو اليمين في محادثات الائتلاف الرامية إلى التصويت من خلال المفوضية الأوروبية الجديدة لتحديد الأجندة الأوروبية للسنوات الخمس المقبلة.

 

خطر الاستقطاب

إنَّ نجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات الأوروبية هو انعكاسٌ إضافيٌّ للاستقطاب السياسي والاجتماعي الذي نَراه في أماكن أخرى من العالم، ومن المرجَّح أن يكون البرلمان الأوروبي القادم أكثر انقسامًا واستقطابًا؛ ممَّا كان عليه في الماضي. وسيكون من الصعب أيضاً التوصُّل للتوازنات التي أسهمت تقليديًّا في تسوية الخلافات السياسية بين المجموعات البرلمانية. ومع وجود هيئة تشريعية أكثر ميلاً إلى اليمين؛ فمن المرجَّح أن يتحرك المركز السياسي الإجمالي للاتحاد الأوروبي نحو اليمين. وقد يؤدي هذا إلى التحول نحو مشاركة أقل للاتحاد الأوروبي والمزيد من السيطرة الوطنية على السياسات الرئيسية أو تشديد موقف الكتلة بشأن القضايا الحاسمة؛ مثل: التحول الأخضر، أو أوكرانيا، أو الهجرة.

ونظراً لالتزام العديد من هذه الأحزاب غير المُؤكد بالمبادئ الديمقراطية، فإنَّ سياسات تعزيز الجوهر الديمقراطي للكتلة وسيادة القانون قد تصبح أيضاً أكثر فوضوية.

وأمام الاعتبارات السابقة، يمكن القول إنَّ انتخابات البرلمان الأوروبي لا تُشكل أهمية على المستوى الأوروبي فحسب، بل وأيضاً على المستوى السياسي في الدول الأعضاء. فقد وفَّرت هذه الانتخابات خلال العقود الثلاثة الماضية منصة مُهمَّة للأحزاب المتنافسة التي أثبتت قدرتها على تحسين فرصها في الانتخابات الوطنية اللاحقة. ويمكن أن تؤدي الهزائم التي تتعرض لها الحكومات في الانتخابات الأوروبية إلى تحولات في مواقف وتوجهات الناخبين في الانتخابات الوطنية وفي سياسة الأحزاب الرئيسية نحو القضايا الكبرى على مستوى الاتحاد أو على مستوى الدول الأعضاء.

وبذلك؛ يُمكن فهم انتخابات البرلمان الأوروبي على أنَّها كانت بمثابة 27 استفتاءً وطنيًّا على سياسة الحكومات في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في عام يشهد انتخابات داخلية مهمة في عدد كبير من هذه الدول.

** كاتبة فلسطينية وباحثة دكتوراة في العلاقات الدولية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصر تتحدث عن موعد تشغيل معبر رفح بعد تفعيل المراقبة الأوروبية

تحدث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، عن موعد تشغيل معبر رفح البري، بعد اتفاق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على استئناف مهمة "المراقبة" في المعبر الحدودي بين قطاع غزة ومصر.

وقال الوزير عبد العاطي في مقابلة مسجلة مع قناة "القاهرة الإخبارية": "سيبدأ تشغيل المعبر قريبا، حينما تستكمل الاستعدادات من الجانب الفلسطيني بوجود مراقبين أوروبيين".

وأضاف أن "المساعدات الإنسانية والطبية تتم بمعدلات طيبة حتى الآن، ونتجاوز العدد الذي تم التوافق عليه بواقع 600 شاحنة يوميا"، مؤكدا أن "مصر تقدم كل التسهيلات الممكنة، والمساعدات تدخل من معبر كرم أبو سالم، وقريبا سيبدأ تشغيل معبر رفح، حينما تستكمل الاستعدادات من الجانب الفلسطيني".

وتابع قائلا: "الجانب المصري مستعد، ولكن الجانب الإسرائيلي دمر العديد من المنشآت على الجانب الفلسطيني من المعبر، وسيكون هناك مراقبون من جانب الاتحاد الأوروبي".

وقبل نحو أسبوع، قال اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء (شرق)، الذي يقع في نطاق محافظته معبر رفح البري، إن "هناك بعض الإصلاحات تجري في محيط المعبر من الجانب الفلسطيني بعد تعرضه للتدمير في الفترة الماضية، وسيتم فتحه مباشرة فور انتهاء الإصلاحات".


ومنذ 24 أيار/ مايو الماضي تدخل المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم الواقع تحت سيطرة الاحتلال، بعدما احتل الجيش الإسرائيلي معبر رفح ودمر وأحرق أجزاء منه ضمن عملية بدأها بالمدينة في السابع من ذات الشهر.

وينص اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة "حماس" وإسرائيل الذي بدأ تنفيذ مرحلته الأولى في 19 يناير/ كانون الثاني/ يناير الجاري على دخول 600 شاحنة من المساعدات الإنسانية للقطاع بشكل يومي، وفتح معبر رفح بعد 7 أيام من تطبيق الاتفاق.

ويتضمن اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوما.

وفي وقت سابق، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية، أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اتفقوا على استئناف مهمة المراقبة في معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر.

وقالت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، التي تشغل أيضا منصب نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، عبر منصة "إكس" إنّ "هذا سيسمح لعدد من المصابين بمغادرة غزة وتلقي الرعاية الطبية".

كما يعتزم الاتحاد الأوروبي نشر بعثة مدنية في معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، اعتبارا من شباط/ فبراير المقبل.

وأعلنت كالاس أن الوزراء اتفقوا بخصوص نشر بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية، مؤكدة أنهم تلقوا الدعوة من فلسطين وإسرائيل وموافقة من مصر بشأن هذه المسألة.

ومن المقرر أن يتم تشغيل معبر رفح استنادا إلى مشاورات آب/ أغسطس 2024 مع مصر، التي تستند في جزء كبير منها على اتفاقية المعابر المبرمة عام 2005، لا سيما بوجود دور للأوروبيين في إدارة المعبر والتزام الأطراف بآلية العمل.

مقالات مشابهة

  • العراق على أعتاب انتخابات 2025… بداية جديدة أم تكرار للتجارب السابقة؟
  • الأسواق الأوروبية ترتفع مع ترقب قرار بنك الفيدرالي الأوروبي وبيانات النمو الإقليمية
  • نائب:تعديل قانون الانتخابات يعتمد على “الإتفاق بين كهنة المعبد”
  • المفوضية الأوروبية: الاتحاد الأوروبي عاجز عن مواكبة الاقتصادات الأخرى
  • الجزائر تتهم الاتحاد الأوروبي بممارسة التضليل السياسي في قضية الكاتب بوعلام صنصال
  • فريدريش ميرز.. المرشح الأوفر حظا في الانتخابات الألمانية يخاطر بالتعاون مع اليمين المتطرف
  • الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش متهم بخداع الدول الأوروبية بملايين اليوروهات.. ما القصة؟
  • هل تؤثر قضية صنصال على اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي؟
  • هل يتأخر تشكيل حكومة لـإقليم كردستان لما بعد انتخابات العراق؟
  • مصر تتحدث عن موعد تشغيل معبر رفح بعد تفعيل المراقبة الأوروبية