المعرفة بالكيان الإسرائيلي تفيد بأنّه لا يمكن له أن يسمح بتحويل وضعه الاستراتيجي إلى وضع هشّ، أو بأن يفقد الردع الكامل بما يغري القوى المعادية له في الإمعان في كشفه استراتيجيّا، أو بخلق وعي جديد عامّ بأنّ هزيمته ممكنة، ولكنّ الحاصل الآن، ولا سيما في التحدّي القائم في شماليّ فلسطين المحتلة في المواجهة مع حزب الله، لا يبدو وكأنّه يجري وفق هذه المعرفة.



يمكن القول إنّ هناك اتجاهين في الكيان الإسرائيلي لمعالجة المعضلة التي وجد نفسه فيها، وبعدما دخلت حربه العدوانية على غزّة في مرحلة تتسم بقدر من الجمود، بحيث بات لحوحا البحث في التحدي الشمالي والإجابة السريعة عليه، وبالتحديد فيما يتعلق بعودة النازحين الإسرائيليين إلى مستوطناتهم في شماليّ فلسطين المحتلة.

التوجه الأوّل هو الذي يلاحظ الارتباط العضوي بين الجبهتين الشمالية والجنوبية، وهو ارتباط أكّده الأمين العام لحزب الله منذ خطابه الأوّل المتعلّق بالحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة. إدراك الإسرائيلي لذلك متأخّر جدّا، ولكنّ هذا التأخر ناجم عن جملة عوامل يمكن فهمها: اندفاعة بدايات الحرب المحمولة على غريزة الثأر وإرادة الانتقام وحشد المجتمع الإسرائيلي على ذلك، ورهانات إمكان تصفية حماس أو فرض الاستسلام عليها سريعا، لكن مع طول الحرب التي بلغت شهرها التاسع صار حضور التحدي الشماليّ أكثر إلحاحا.

الارتباط العضوي بين الجبهتين الشمالية والجنوبية، وهو ارتباط أكّده الأمين العام لحزب الله منذ خطابه الأوّل المتعلّق بالحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة. إدراك الإسرائيلي لذلك متأخّر جدّا، ولكنّ هذا التأخر ناجم عن جملة عوامل يمكن فهمها
يرى أصحاب هذه التوجه أفضلية عقد صفقة مع حركة حماس تنتهي بموجبها الحرب في غزّة، وبعضهم يذهب إلى أنّ هذه الصفقة ضرورية حتى لو لم يكن لدى حماس أيّ أسير إسرائيليّ، بمعنى أنّ الصفقة مع حماس لا بدّ منها لوقف الحرب في الشمال والسماح بعودة النازحين الإسرائيليين إلى مستوطناتهم الشمالية في إطار دبلوماسي.

أصحاب هذا التوجه لا يعنون الامتناع الأبدي عن تصفية الحساب مع أعداء "إسرائيل" في الجنوب والشمال، ولكنّهم يرون ضرورة التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق ومراجعة التجربة برمّتها؛ كي يتمكن الاحتلال لاحقا من معالجة هذا التحدّي الذي فرض عليه وضعا هشّا غير مسبوق، بالرغم من قوّته الهائلة، فهو يقصف لأوّل مرّة من أكثر من مكان في الإقليم، وتُفرض عليه مناطق عازلة داخله بقوّة النّار، ويُدفع عشرات الآلاف من مستوطنيه نحو النزوح، ويفشل جيشه في حسم حربه سريعا؛ مما يضع مجتمعه في حالة مفتوحة من القلق والإنهاك، وذلك بالإضافة إلى الخسائر الحاصلة في الرأي العامّ العالمي.

هذا تفكير بعقل بارد يحاول التخلّص من تشويش الوضع الراهن على التفكير الاستراتيجي، ويتوخى الخروج من المراوحة من المكان بقدر أقلّ من الخسائر، في انتظار الترتيب الذي يسمح للاحتلال تاليا باستكمال تصفية التحدّي في غزّة، ومعالجة التحديات الإقليمية وعلى رأسها حزب الله. فقط في حال لو عُقدت هذه الصفقة وعاد النازحون لمستوطناتهم في الشمال في إطار دبلوماسي، ولم يتمكن الاحتلال خلال السنوات القادمة من تصفية حساباته مع أعدائه، يمكننا القول حينها إنّ "إسرائيل" دخلت مرحلة الضمور، ومن ثمّ يُفترض بحسب المعرفة بالشخصية الإسرائيلية أن تكون الحرب الأوسع في هذه الحالة على حزب الله مؤجّلة لا ملغاة.

يبقى توجه المراوحة في المكان، أي الاحتفاظ بالوتيرة القائمة في الشمال، مع الانتقال لما يسميه الاحتلال المرحلة (ج) في غزة، وهي مرحلة ينتقل فيها الاحتلال إلى إنهاء الحملة البرية مع تركيز القصف على أهداف حيوية في القطاع، بحيث يخلّص نفسه من الاستنزاف، وينتقل هو لاستنزاف حماس، بالاغتيال المتنامي لكوادرها بما من شأن أن يوسّع من مساحة الفراغ التي يمكن ملؤها حينئذ بإدارة محلية تقبل أن تكون موالية للاحتلال
التوجّه الثاني، يدعو لتوجيه ضربة أكبر للحزب، ليس بالضرورة أن تكون حربا شاملة وإن كان يصعب ضمان ما قد تدفع نحوه من تدحرج. بعض أصحاب التوجّه الأوّل يجعلون هذا خيارا ثانيا في حال لم تأخذ حكومة نتنياهو قرارا جريئا بتسوية الموقف من خلال صفقة.

يستند التفكير في هذا الخيار إلى الرغبة في الخروج من حالة الجمود والمراوحة في المكان، وإلحاح الموقف الشمالي، ودعم أكثرية من مستوطني الشمال لتوسيع المواجهة مع حزب الله. وبالنسبة للجيش فليس وضعا مفضّلا له الاستمرار في حرب مفتوحة لا تهتدي بأهداف واضحة، وتجعله متهما بعدم القدرة في الحسم أو التردد في المواجهة، فيحيل أمر اتخاذ قرار توسيع المواجهة في الشمال إلى حكومة نتنياهو.

وبقدر ما أنّ الخيار الأوّل يجري تصويره بكونه هزيمة لـ"إسرائيل" وانتصارا لحماس، وهو موقف نتنياهو الواضح حتى اللحظة، فإنّ الخيار الثاني ينطوي على مغامرة كبيرة، وفد يجرّ إلى خسائر يصعب على الكيان تحمّلها، بالإضافة إلى ما يقال عن كون الولايات المتحدة لا تحبّذ اتساع المواجهة الإقليمية، إلا أنّ هذه الأخيرة لن تتخلّى عن "إسرائيل" في أيّ حرب قائمة لها، وتحاول إقناع حزب الله باستيعاب أي هجمة إسرائيلية واسعة لتجنّب الدعم الأمريكي غير المحدود لـ"إسرائيل" لو تحوّل الأمر إلى حرب.

هذا الموقف الأمريكي مغرٍ لدفع "إسرائيل" نحو المغامرة، لا سيما وأنّ "إسرائيل" قد تسعى أولا في حال اتسعت المواجهة لترتيب تفاهم منفصل بخصوص الشمال لا يشمل قطاع غزّة، أو استثمار المواجهة في الشمال لصفقة أوسع تشمل غزّة، ولكنها تبدو مبرّرة في إطار حرب أوسع (تظهر فيها "إسرائيل" وكأنّها انتقمت من أعدائها في الشمال والجنوب) بحيث لا يبدو الأمر خضوعا من "إسرائيل" لأعدائها.

يبقى توجه المراوحة في المكان، أي الاحتفاظ بالوتيرة القائمة في الشمال، مع الانتقال لما يسميه الاحتلال المرحلة (ج) في غزة، وهي مرحلة ينتقل فيها الاحتلال إلى إنهاء الحملة البرية مع تركيز القصف على أهداف حيوية في القطاع، بحيث يخلّص نفسه من الاستنزاف، وينتقل هو لاستنزاف حماس، بالاغتيال المتنامي لكوادرها بما من شأن أن يوسّع من مساحة الفراغ التي يمكن ملؤها حينئذ بإدارة محلية تقبل أن تكون موالية للاحتلال
حتى اللحظة تبدو الرسائل المتبادلة بين الطرفين حزب الله والكيان الإسرائيلي محاولة لتجنب مواجهة أوسع، فالحزب يؤكد في رسائله المتتالية، والتي منها تصويره للمواقع الحساسة الإسرائيلية ومعرفته الدقيقة بها وقدرته على ضربها؛ على أنّه قادر على إيذاء "إسرائيل" بما قد يكون قريبا من الأذى الذي قد توقعه في لبنان، وهي رسائل لها وقع داخل الكيان الإسرائيلي.

إزاء هذين التوجهين، يبقى توجه المراوحة في المكان، أي الاحتفاظ بالوتيرة القائمة في الشمال، مع الانتقال لما يسميه الاحتلال المرحلة (ج) في غزة، وهي مرحلة ينتقل فيها الاحتلال إلى إنهاء الحملة البرية مع تركيز القصف على أهداف حيوية في القطاع، بحيث يخلّص نفسه من الاستنزاف، وينتقل هو لاستنزاف حماس، بالاغتيال المتنامي لكوادرها بما من شأن أن يوسّع من مساحة الفراغ التي يمكن ملؤها حينئذ بإدارة محلية تقبل أن تكون موالية للاحتلال.

نتنياهو بما عُرِف عنه من تردد، ومهارة في استثمار الوقت، لعله يطمح إلى مدّ الوضع الراهن إلى حين الدخول في عطلة الكنيست الطويلة التي تنتهي تقريبا مع دخول الانتخابات الأمريكية أجواءها الجدّية، وفي الأثناء قد تتحقق له فرصة يعدّها إنجازا ضخما كاغتيال قيادي كبير في حماس من وزن السنوار أو الضيف.

فهم هذه الاحتمالات يعين على فهم السجال القائم داخل الكيان، وإذا كان الكيان يجد صعوبة في حسم خياراته، فلا ينبغي التوقع من غيره أن يتنبأ بنحو حاسم أيّ تلك الخيارات سيفرض نفسه قريبا، لكن من الممكن الاستفادة بأنّه لا ينبغي الاستبعاد الجازم لإمكانية توسّع المواجهة مع الحزب.

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي حزب الله غزة نتنياهو إسرائيل غزة نتنياهو حزب الله تصعيد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الإسرائیلی ع المواجهة فی الشمال حزب الله ه الأو ل أن تکون

إقرأ أيضاً:

إبراهيم عيسى: عملية 7 أكتوبر "ملعونة" وحماس نفذتها بتواطؤ من إسرائيل

قال الإعلامي إبراهيم عيسى، إن الشعب الفلسطيني يتمسك بالحياة وأرضه وبلده وتراب أرضه؛ لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، موضحًا أن المشهد للنازحين يكشف لنا ما حدث في 7 أكتوبر، متابعًا: "مشهد النازحين لا يعلي انتصار حماس.. هذه المشاهد الخاصة بتكدس الفلسطينيين لم تذيعها القنوات العربية الموالية للإخوان وحماس".

لم تنتصر.. إبراهيم عيسى: مشهد عودة النازحين لشمال غزة سحق خيالات حماس إبراهيم عيسى: السيسي بطل مشهد عودة الآلاف من أهالي غزة إلى الشمال

وأضاف إبراهيم عيسى، خلال تقديم برنامج "حديث القاهرة"، عبر شاشة "القاهرة والناس"، أن عملية 7 أكتوبر ملعونة من حماس اقبلت عليها بتواطئ مع إسرائيل ومن الممكن أن يكون هناك حالة من التواطؤ بين حماس وإسرائيل وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي كانوا على معرفة بهذه العملية.

اليمين الإسرائيلي كان يريد عملية مثل 7 أكتوبر

وتابع: "اليمين الإسرائيلي كان يريد عملية مثل 7 أكتوبر ليحقق طموحه المتطرف"، موضحًا أن الشعب الفلسطيني يعيش محاولات التهجير والإبادة ومع ذلك يدب على الأرض متمسكا بدولته.

أكدت الأمم المتحدة، اليوم الاثنين، رفضها التهجير القسري لأهالي قطاع غزة بصفته نوعا من التطهير العرقي.
ووفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية"وفا"، شدد ستيفان دوجاريك، الناطق الرسمي باسم أمين عام الأمم المتحدة،  على أن الأمم المتحدة ستكون و"بطبيعة الحال ضد أي خطة من شأنها أن تؤدي إلى التهجير القسري للناس، أو أي نوع من التطهير العرقي".


استشهدت طفلة، وأصيب آخرون، مساء اليوم الإثنين، جراء قصف الاحتلال عربة يجرها حيوان غرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وأعلن مستشفى العودة عن وصول جثمان الطفلة ندى محمد العامودي (5 سنوات) وثلاث إصابات من منطقة الجسر غرب مخيم النصيرات، جراء قصف الاحتلال النازحين العائدين إلى مناطق شمال القطاع.

وبدأ آلاف النازحين بالعودة اليوم إلى مدينة غزة وشمال القطاع، عبر شارع الرشيد الساحلي، وسط القطاع، بعد أن هجرهم جيش الاحتلال قسرا من منازلهم جراء حرب الإبادة الجماعية.


وبين السابع من  أكتوبر 2023 والتاسع عشر من يناير 2025، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانا على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد وإصابة ما يزيد على 158 ألفا، معظمهم أطفال ونساء، وخلفت ما يزيد على 14 ألف مفقود.

وتسبب عدوان الاحتلال الإسرائيلي في تهجير أكثر من 85% من مواطني قطاع غزة أي ما يزيد على 1.93 مليون مواطن من أصل 2.2 مليون، من منازلهم بعد تدميرها، كما غادر القطاع نحو 100 ألف مواطن منذ بداية العدوان.

وفي سياق متصل، أكد المحلل السياسي الأمريكي الدكتور ماك شرقاوي أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رفض تمامًا فكرة تهجير الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية لم يتغير على مدار العقود الماضية.

مقالات مشابهة

  • حماس: وفاة أسيرين بسجون إسرائيل تثبت وحشيتها
  • سياسي أنصار الله: اليمن سيظل داعماً للمقاومة وحقوق الشعب الفلسطيني
  • حماس تحذر: مماطلة إسرائيل بإدخال المساعدات قد تؤثر على إطلاق سراح الأسرى
  • إسرائيل تتسلم 3 رهائن غدا من حماس.. تفاصيل
  • غزة..سكان الشمال يعانون كارثة كبرى وحماس تطالب الدول العربية بهذا الأمر
  • بسبب مماطلة إسرائيل..حماس تهدد بتأخير إطلاق المحتجزين في غزة
  • حماس: مماطلة إسرائيل بإدخال المساعدات قد تؤثر على إطلاق سراح الرهائن  
  • الصايغ: مواجهة إسرائيل لا تكون في بيروت وجبل لبنان
  • اليوم عودة إلى الشمال وغدا للقدس.. مشاهد رجوع النازحين لغزة تغضب إسرائيل
  • إبراهيم عيسى: عملية 7 أكتوبر "ملعونة" وحماس نفذتها بتواطؤ من إسرائيل