تم التخطيط لثورة الميدان الأوروبى وتمويلها وتنفيذها بمساعدة المنظمات غير الحكومية الممولة من الولايات المتحدة ولم تنتظر واشنطن التى تريد إبعاد روسيا عن أوروبا لم تنتظرنهاية الجمهورية الاشتراكية السوفياتية حتى تتدخل فى الشئون الداخلية الأوكرانية.
كما نشرت واشنطن قبل سقوط الاتحاد السوفيتى جيشًا من المنظمات غير الحكومية كانت فى الواقع آلات للإطاحة بالحكومات وتحويل المجتمعات؛ البعض منها كان يتلقى تمويلًا مباشرًا من حكومة الولايات المتحدة بينما يتمتع البعض الآخر بالاستقلال المالى ويقومون بنقل نفس الخطاب الأطلسى.


جورج سوروس هو ملياردير أمريكى من أصل مجرى وهو تقدمى منخرط فى القضايا الاجتماعية والسياسية من خلال مؤسسة open society الخاصة به إضافة إلى أنه يتبع نفس الموجة ونفس التردد للسياسة الخارجية والاجتماعية الأمريكية.
وقبل سقوط الشيوعية فى عام ١٩٩٠ أسس مؤسسة النهضة الدولية (IRF) فى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية وهى جزء مؤسسة أوبن سوسايتى open society، وتعتمد الولايات المتحدة على شبكات وموارد سوروس المالية للتأثير على المشهد السياسى فى الدول الأجنبية مثل كولومبيا والمملكة المتحدة وفرنسا ونيجيريا والعديد من البلدان الأخرى.
وتعبر مؤسسته «open society» هى أكبر ممول فى العالم للمنظمات غير الحكومية والجمعيات التى تعمل من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة والديمقراطية.. و«قام هذا الناشط العالمى بتمويل مجموعات صغيرة فى جميع أنحاء الاتحاد السوفيتى السابق لدرجة أن جورج سوروس نفسه قال إنه «ان اتحاد سوروس سوف يحل محل الاتحاد السوفيتي».
فى عام ٢٠٢٣ أعلن صندوق IRF بدعم أكثر من ٩٠٠٠ مشروع فى أوكرانيا لمدة ٢٩ عامًا بميزانية رسمية تزيد على ٢٣٠ مليون دولار. من بين مشروعات سوروس فى أوكرانيا يبرز من بين أمور أخرى إنشاء ميديا اتلانتيست (Unian) وهو اتحاد للصحفيين ومركز تدريب المعلمين وراديو أطلنطى (راديو Hromadske) أو مركز دعم للجنود الذين شاركوا فى الحرب منذ عام ٢٠١٤.
لا يخفى IRF تورط أعضائه فى الضغط لصالح مختلف القوانين التى تم تمريرها بواسطة Rada الأوكرانية. وفى ندوة نظمتها جمعية آسيا عام ٢٠١٥ تباهى سوروس بأنه كرس معظم وقته لأوكرانيا إذ قامت مؤسسته بمرافقة أعضاء الحكومة الجديدة عقب انقلاب ٢٠١٤.
وفى لقاء له يتحدث عن نشاطه فى بلاد أوروبا الشرقية، قال: » إن أكبر نشاط لى كان فى أوكرانيا حيث توجد أوكرانيا الجديدة التى تريد أن تكون جزءًا من الاتحاد الأوروبى.. لقد كان بعض المسئولين فى الحكومة والمجتمع المدنى على اتصال بالمؤسسة». وفى وثيقة سرية تم تسريبها عام ٢٠١٥ بعنوان «مسودة غير رسمية / الإصدار ١٤ استراتيجية شاملة قصيرة ومتوسطة المدى لأوكرانيا الجديدة».
أوضح جورج سوروس أنه يجب العمل على استقرار أوكرانيا لتشجيع الاستثمار، وفى نفس الوقت دعا لإعادة تسليح أوكرانيا. واقر سوروس بأن فلاديمير بوتين يريد تهدئة عسكرية وأن اتفاقيات مينسك ٢ للسلام ستساعد بوتين على تحقيق أهدافه. وبدلًا من المصالحة والسلام اوصى سوروس بأن يكون لأوكرانيا «أولوية دفاعية» واقترح بأن يقوم حلفاء «أوكرانيا الجديدة» بمساعدة الجيش الأوكرانى على استعادة قدرته القتالية.
كما طالب الملياردير الأمريكى من الجنرال الأمريكى السابق ويسلى كلارك (القائد الأعلى لقوات الناتو أثناء الهجوم غير الشرعى على يوغوسلافيا عام ١٩٩٩ والشريك التجارى لسوروس فى شركة بترول bnk) والجنرال البولندى فالديمار Skrzypczak وبعض المتخصصين تحت رعاية المجلس الأطلسى (مركز أبحاث أطلنطي) طالب بأن يقوم كل هؤلاء بنصح الرئيس بوروشنكو باستعادة القدرة القتالية لأوكرانيا دون انتهاك اتفاقيات مينسك.


وإضافة إلى كل ذلك، طالب جورج سوروس بتفعيل دور مجلس الإصلاح الوطنى (NRC)، الذى يضم الإدارة الرئاسية ومجلس الوزراء وRada ولجانها وكذلك المجتمع المدنى. تقول إحدى الوثائق إن NRC يحدد الأولويات التشريعية وأن الرئيس ورئيس الوزراء يعملان معًا لتمرير مشاريع القوانين فى البرلمان الأوكرانى.
تذكر وثيقة سوروس بأن IRF وهو الفرع الأوكرانى لمؤسسة سوروس قام بتمويل ١٠٠٪ من NRC وبذلك فان ONG منظمة غير حكومية أمريكية لها علاقات وثيقة مع الحكومة الأمريكية وهى التى تحدد الأولويات التشريعية لـ «أوكرانيا الجديدة» بعد ٢٠١٤. ومن بين الإصلاحات الاقتصادية التى اقترحها سوروس إعادة تنظيم مؤسسة الطاقة Naftogaz.
كما أوصى أن يلعب الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى دورًا رئيسيًا فى الدعم المالى لأوكرانيا. تكاد الولايات المتحدة تتخفى من مسئوليتها عن تنظيم الثورة الملونة والانقلاب وعن توجيه النظام الأوكرانى الجديد عن بعد الذى أقاموه بأنفسهم. عندما سأل الصحفى البريطانى شون والكر الملياردير سوروس عن أكثر المشاريع التى يفتخر بها: «انه التقدم السياسى غير المكتمل والواعد الذى تم إحرازه فى أوكرانيا فقد دعمت مؤسستى مجموعة واسعة من برامج المجتمع المدنى على مدى عقود».
كان التدخل الأمريكى فى أوكرانيا حتى قبل سقوط الشيوعية يهدف إلى تعزيز ظهور نخبة سياسية معارضة للروس والأوكرانيين المتعاطفين مع روسيا والذين تعتبرهم واشنطن منافسًا لها فى القارة الأوروبية. ان استراتيجية إعادة الهيكلة الاجتماعية التى تقوم بها المنظمات غير الحكومية هى السمة المميزة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
فبفضل مساعدة العديد من المنظمات غير الحكومية مثل NED أو USAid أو American Enterprise Institute أوOPEN SOCIETY التابعة لجورج سوروس، استطاع الأطلسيون دعم وتمويل انقلاب كييف ٢٠١٤. وقد أعلن جورج فريدمان مدير مركز ستراتفور للدراسات الأمنية (التى يشبهها البعض بالفناء الخلفى لوكالة المخابرات المركزية) إن الإطاحة بالحكومة الشرعية لأوكرانيا هى «أفظع انقلاب فى التاريخ».
وقد قاد هذا الانقلاب الأطلسى الأوكرانيين إلى حرب أهلية تحولت إلى صراع دولى ذلك أن المنظمات غير الحكومية الأمريكية وحلفاءها لم يجلبوا السلام والديمقراطية إلى أوكرانيا ولكن الحرب والخراب. وفى الحقيقة، يعمل الأوكرانيون كوقود للمدافع فى صراع أدارته الولايات المتحدة وأثارته للقضاء على منافس محتمل فى القارة الأوروبية.
ولا شك أن تدخل واشنطن فى شئون الدول ذات السيادة هو السبب المباشر للثورات والحروب الأهلية التى تسبب مئات الآلاف من القتلى فى العالم.. إنه بالفعل عمل غير قانونى طبقا لبنود ميثاق الأمم المتحدة وللأسف وحتى هذه اللحظة فإن واشنطن تبدو فوق القانون الدولي!
معلومات عن الكاتب: 
نيكولا ميركوفيتش.. محلل فرنسى متخصص فى العلاقات بين شرق وغرب أوروبا والولايات المتحدة. مؤلف كتاب يتناول العلاقات المتضاربة بين الولايات المتحدة وأوروبا بعنوان «إمبراطوريات أمريكا». له أيضًا كتابان عن البلقان: «مرحبًا بك فى كوسوفو» و«استشهاد كوسوفو».. يؤصل، فى هذا المقال، لتاريخ النازية التى تأسست فى النمسا منذ عام 1929، إلى أن تمددت فى أوكرانيا عام 1941.. يستكمل ما بدأه الأسبوع الماضى حول دور المنظمات غير الحكومية الأمريكية فى التغلغل داخل أوكرانيا وإعدادها للحرب منذ تسعينيات القرن الماضى.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: المنظمات غير الحكومية الولايات المتحدة الولایات المتحدة أوکرانیا الجدیدة

إقرأ أيضاً:

محمد مغربي يكتب: تداعيات «DeepSeek».. انقلاب في عالم الذكاء الاصطناعي

تحدثنا فى مقال سابق عن «DeepSeek»، مطور الذكاء الاصطناعى الذى أعلنت الصين عنه ليكون على غرار ChatGPT، كما أوضحنا الفرق بين النموذجين ونقاط ضعف وقوة كل نموذج؛ لتكون أمام المستخدم خريطة متكاملة يمكن من خلالها الاختيار حسب ما يناسب احتياجاته وما يريده.

لكن ما لم يكن فى الحسبان أن يُحدث «DeepSeek» ما يشبه انقلاباً فى عالم الذكاء الاصطناعى، انقلاباً ليس له علاقة بالمستخدمين والتقنيات وما إلى ذلك، بل فيما يتعلق بالصناعة نفسها ومستقبلها ومدى تنافس الشركات العملاقة التى اشتدت بمجرد أن نزلت الصين الحلبة، ومن خلال التصريحات التى صدرت خلال الأسبوع الماضى يمكن القول إن هناك حرباً شرسة قد بدأت ولن تنتهى سريعاً.

بالطبع كان يوم 28 يناير الماضى يشبه زلزالاً هزّ بقوة عروش وادى السيلكون، ففيه تم طرح «DeepSeek» لأول مرة رسمياً، ووصل الإقبال عليه لدرجة أثرت على اتصاله بالإنترنت، أما الأخطر فإن صعود أسهم التطبيق الصينى أفقد أغنى 500 شخص فى العالم ما يقارب 108 مليارات دولار، وكان أبرز الخاسرين لارى إليسون، مالك «أوراكل» العالمية، الذى فقد 22.6 مليار دولار، كما خسر جينسن هوانج، مؤسس مشارك فى «إنفيديا»، 20% من ثروته، بينما كان نصيب مايكل ديل، صاحب «ديل»، 13 مليار دولار.

تأثير «DeepSeek»، كما أوضحت صحيفة الـ«واشنطن بوست»، وصل إلى أنه حطم استراتيجية وادى السيلكون التى تنص على أن الإنفاق الضخم والتمويل الكبير للذكاء الاصطناعى هو ما يضمن الريادة الأمريكية لهذا القطاع، بينما تكلف التطبيق الصينى 5.6 مليون دولار بحسب البيانات الرسمية، واستطاع أن يصل إلى مختلف أنحاء العالم وأن يحقق أرقاماً ضخمة مقارنة بغيره من التطبيقات.

وللتوضيح أكثر، يمكن اعتبار سنة 2024 سنة محورية بالنسبة للذكاء الاصطناعى بسبب تضخم حجم الاستثمارات الذى وصل إلى 400 مليار دولار، فبعد أن نجحت «OpenAI»، من خلال ChatGPT، فى تحقيق أرباح بلغت مليون دولار يومياً، أطلقت «جوجل» نموذجها Gemini 2.0 للمنافسة، وكذلك سارت على نفس الطريق شركات «أمازون وأبل وميتا» سواء بنماذج جديدة على غرار ChatGPT أو بتمويل أبحاث للتطوير، وبحسب مجلة «ذى إيكونوميست»، فمن المتوقع أن يبلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعى 1.3 تريليون دولار فى 2032.

أمام تلك الاستثمارات الضخمة لم تقف شركات الذكاء الاصطناعى العملاقة مكتوفة الأيدى وهى ترى البساط ينسحب من تحت أقدامها ليذهب إلى الجانب الصينى، بل سرعان ما حاولت إنقاذ ما يُمكن إنقاذه؛ وكانت البداية من عند مارك زوكربيرج، الذى أعلن أن نموذجه «Meta AI» سيكون هو الرائد فى العالم خلال العام الجارى، بل وأطلق نموذجه مجاناً فى الشرق الأوسط وأفريقيا منذ أيام قليلة، وبالتزامن مع ذلك أعلنت شركة «على بابا» العملاقة أنها ستطرح مطور ذكاء اصطناعى خاصاً بها خلال الفترة المقبلة لتشتعل حلبة المنافسة أكثر.

أما «OpenAI»، وهى الشركة الأبرز فى هذا المجال وتعقد شراكة منذ عام 2019 مع «مايكروسوفت»، فقررت أن تضرب «تحت الحزام» حين اتهمت «DeepSeek» بأنه قد يكون سرق بيانات من «OpenAI»، مؤكدة أنها ستحقق فى هذا الملف الشائك، وزاد من هذا التعقيد تصريح «ترامب» مؤخراً بأن أمريكا يجب أن تستعيد الريادة فى مجال الذكاء الاصطناعى، مقرّاً من ناحية أخرى بأن وادى السيلكون لم يعد فى مكانته العالمية بعد الصعود الصينى.

هكذا جاءت تداعيات «DeepSeek» خلال أيام قليلة، ثروات فُقدت، وشركات تحفزت، وأخرى استعدت للضرب «تحت الحزام»، لكن الأخطر أنه مع تنفيذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لوعوده بفرض رسوم كبيرة واستئناف الحرب الاقتصادية مع الصين، ستكون المنافسة الأشرس فى مجال الذكاء الاصطناعى، وستخرج الحرب من كونها مجرد تصريحات بين شركات متنافسة إلى معارك تكسير عظام لن ينجو منها إلا الأكثر شراسة.

مقالات مشابهة

  • اقترحته على الأمم المتحدة لحل النزاع.. مشروع أمريكي يتجاهل وحدة أوكرانيا
  • واشنطن تطرح قرارًا "تاريخيًا" بشأن أوكرانيا في الأمم المتحدة الاثنين
  • روبيو يدعو الأمم المتحدة لتأييد مشروع قرار أمريكي "بسيط" بشأن أوكرانيا
  • واشنطن تقترح اصدار قرار أممي يدعو لإنهاء النزاع في أوكرانيا
  • دون إشارة إلى وحدة أراضيها..واشنطن تعرض الأمم المتحدة مشروع قرار لإنهاء حرب أوكرانيا
  • "أ ف ب" نقلا عن مصادر دبلوماسية: واشنطن تقترح قرارًا أمميًا لا يذكر وحدة أراضي أوكرانيا
  • واشنطن: لقاء ترامب وبوتين رهن بالتقدم باتجاه إنهاء حرب أوكرانيا
  • محمد مغربي يكتب: تداعيات «DeepSeek».. انقلاب في عالم الذكاء الاصطناعي
  • ترامب: روسيا تملك اليد العليا في مفاوضات أوكرانيا
  • واشنطن ترفض المشاركة في صياغة مشروع قرار مناهض لروسيا بشأن أوكرانيا