مما يتذكره جيلنا – جيل الستينيات من القرن الماضي – حديث دول الجنوب أو الدول النامية وقتها عن "نظام اقتصادي عالميّ جديد". ففي الأول من مايو/أيار عام 1974م، تمكّنت دول العالم الثالث – بدعم من حلفائها في العالم الثاني: (الكتلة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي) والقوة المالية البازغة حديثًا للدول المصدّرة للبترول بعد الحظر النفطي في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973م – من التغلب على احتجاجات دول العالم الأول الغنية (الغرب) وتمرير وثيقتين تاريخيتين: "الإعلان"، و"برنامج العمل بشأن إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد"، من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كانت النظرية وراء هذه المبادرة بسيطة، وهي: أن القواعد التي يقوم عليها النظام الاقتصادي العالمي غير عادلة، والتنمية تعتمد على اتحاد الدول الفقيرة من أجل تغيير هذه القواعد.

يعلن الإعلان أن النظام الاقتصادي القائم يتم تعريفه من خلال "الهيمنة الأجنبية والاستعمارية، والاحتلال، والتمييز والفصل العنصري، والاستعمار الجديد". وهذا يشكل "كبرى العقبات أمام التحرر الكامل والتقدم في البلدان النامية". لذا فإن التنمية تتطلب بناء نظام جديد يقوم على السيادة والإنصاف والتعاون الدولي. ولتحقيق هذه الغاية؛ يجب إعادة صياغة شاملة لقواعد الاقتصاد العالمي من خلال تكريس حقوق الدول في السيطرة على مواردها الطبيعية، وإنهاء تركيز الوصول إلى التكنولوجيات الرئيسية، وتعزيز تنظيم الشركات متعددة الجنسيات، وضمان السيولة العالمية الكافية، والحدّ من العبء المتزايد للديون السيادية، ومؤسسات ديمقراطية تدير النظام المالي العالمي، مثل صندوق النقد الدولي (IMF)، وتوفير معاملة تفضيلية للبلدان الفقيرة في مسائل التجارة والتمويل.

كانت هذه التحركات تعبيرًا عن الطاقة التحررية لدول الجنوب التي ورثتها من مرحلة الاستقلال الوطني، ويلاحظ وقتها – بخلاف ما هو حالنا الآن- أن الحكومات والمثقفين العرب كانوا في قلب هذه التحركات. تطلعت الحكومات العربية إلى أن تتمتع بالسيادة الكاملة على مواردها الطبيعية وفي مقدمتها النفط الذي ارتفعت أسعاره بعد الحظر النفطي 1973م، وساهم المثقفون العرب في التأليف حول الموضوع بجوار نظرائهم من دول الجنوب.

انهار الاتحاد السوفياتي 1991م/ 1990م، وتحولت اللحظة التاريخية إلى هيمنة القطب الواحد: الولايات المتحدة.

تحول الاقتصاد العالمي بالفعل ولكن ليس نحو ما تطلعت إليه الدول النامية: تحررت الأسواق على حساب اقتصادات البلدان التي تتطلع للنمو، وازدادت قوة الشركات متعددة الجنسيات، في حين تم إنشاء الاتفاقيات التجارية ومحاكم الشركات الجديدة لحمايتها، وأصبحت أعباء الديون سمة ثابتة للاقتصاد العالمي وأداة تستخدمها المنظمات المالية متعددة الأطراف والقوى الغربية التي تهيمن عليها؛ لفرض سيطرتها على البلدان المَدِينة. لقد تمَّت كتابة احتكار التكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية في الاتفاقات الدولية، وأصبحت النيوليبرالية -أو ما أطلق عليها برامج التكيف الهيكلي التي تقودها المؤسسات المالية الدولية- هي السياسات واجبة الاتباع، كما باتت المصالح الضيقة للدول الغنية وشركاتها أكثر بروزًا في قواعد الاقتصاد العالمي من أي وقت مضى.

في هذه الحقبة وقبلها كانت دول الجنوب قد استنفدت طاقتها التحررية التي ورثتها عن مرحلة الاستقلال الوطني. خرجت مصر/السادات (1970م-1981م) مبكرًا من دول الجنوب ساعية للدوران في فلك الولايات المتحدة التي تمتلك 99% من أوراق اللعبة في المنطقة، وتآكل بالتدريج حزب المؤتمر الهندي حتى ورثه حزب بهاراتيا جاناتا بما جعل الهند متوزعة بين القومية الهندوسية المتطرفة وبين ميراث الديمقراطية العلمانية، أما إندونيسيا فقد سقط فيها سوهارتو (1998م) قبل أن ينتهي القرن الذي شهد إنشاء حركة عدم الانحياز في منتصفه (1956م). لحسن الحظ أضيف لميراث التحرر جنوب أفريقيا التي تخلصت من الفصل العنصري بين أعوام: 1990م إلى 1993م.

لا يمكن فهم موقف بعض دول الجنوب من الحرب على الفلسطينيين إلا في سياق أوسع، وهو أن عودة الجنوب العالمي إلى الظهور قد تشكّل في الواقع تهديدًا للنظام الدولي القائم الذي تقوده الولايات المتحدة

ما بعد انفراط الجنوب العالمي

هكذا؛ انفرط عقد مفهوم الجنوب العالمي بما لا يمكن معه الحديث عن وجود كتلة واحدة. صحيح أنّ أنصار وحدة الجنوب قد أدركوا منذ فترة طويلة أن حركتهم تحتوي على تنوع ثقافي وسياسي واقتصادي كبير وحتى تناقضات؛ ولكن يظلّ هناك أيضًا نقاط اتفاق واضحة ومجموعة متماسكة من المظالم والمطالب التي كثيرًا لا تلقى آذانًا مصغية من الغرب.

ارتكز جوهر هذه المظالم والمطالب – التي عادة ما يتم التعبير عنها من حكومات الجنوب بتحركات وسياسات وقرارات متباينة- إلى أمرين:

هناك مشاكل هيكلية طويلة الأمد في نظامنا الدولي تعمل على إعاقة الفقراء والضعفاء واحتقارهم وعرقلة جهودهم لتحقيق التنمية. بالنسبة للدول الأقل قوة، لم يكن النظام القائم على القواعد الذي نشأ بعد الحرب الثانية وقادته الولايات المتحدة حقبةَ ما بعد الحرب الباردة أكثر من مجرد نفاق على نطاق عالمي، وارتباط الغرب بقواعده هو – في أفضل تقدير- ظرفي؛ حيث هناك قاعدة واحدة للولايات المتحدة وحلفائها -خاصة إسرائيل- وقاعدة أخرى للجميع.

منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2009م على الأقل، أصبحت القوى الصاعدة في الجنوب العالمي، وهي مجموعة من البلدان التي يمكن تعريفها تقريبًا بأنها "تلك البلدان التي تعتقد أن النظام العالمي القائم وقواعده ليست إلا هراء"، أصبحت هذه الدول صريحة بشكل متزايد في إحباطها بشأن النفاق في قلب النظام العالمي. قادت الهند وجنوب أفريقيا مؤخرًا الجهود الرامية إلى تخفيف قيود الملكية الفكرية، وتسهيل الوصول العالمي إلى الأدوية الأساسية مثل لقاح كوفيد-19.

وفي الأمم المتحدة، كانت الدول الأفريقية في طليعة حملة لانتزاع السياسة الضريبية العالمية بعيدًا عن نادي الدول الغنية وإنهاء ممارسات التهرب الضريبي المنهجية التي استنزفت مليارات الدولارات من اقتصاداتها. وفي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تناضل كتل بلدان الجنوب من أجل إلغاء الديون، والتمويل الميسر، وتخفيف شروط الاقتراض، وتواصل حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ 77 الاجتماع بانتظام وتجديد التزاماتهما ببناء اقتصاد عالمي أكثر إنصافًا.

حرب غزة وعودة الجنوب العالمي

وفق هذا التصور؛ لا يمكن فهم موقف بعض دول الجنوب من الحرب على الفلسطينيين إلا في سياق أوسع وهو: أن عودة الجنوب العالمي إلى الظهور قد تشكل في الواقع تهديدًا للنظام الدولي القائم الذي تقوده الولايات المتحدة. يرى بعض المراقبين أن القلة من زعماء أميركا اللاتينية الذين لم يصلوا إلى حدّ إدانة الهجوم الذي شنته حماس بشكل مباشر كانوا زعماء الدول ذات التوجهات الصارمة المناهضة للغرب أو الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية.

بيدَ أن ما يجب أن نؤكد عليه أن هذا الموقف من دول الجنوب – الذي لم يشهد إجماعًا فيما بينها تجاه الحرب على غزة- لا يعني بالضرورة اصطفافًا مع الصين وروسيا قطبي المنافسة مع الغرب. يدرك الجنوب العالمي أن الموقف الروسي والصيني لا يخلو من النفاق أيضًا؛ لذا فإن المنطق الذي يحكم علاقته بقوى النظام الدولي يقوم على التحوط – كما أشرت في مقال سابق على الجزيرة.نت ويستند إلى "البحث عن صفقات جيوسياسية".

كشف استطلاع للرأي أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مؤخرًا، أن دولًا مثل: البرازيل، والهند، والمملكة العربية السعودية، وجنوب أفريقيا تريد حرية التعامل مع الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وأوروبا، وأي دولة أخرى وفقًا لشروطها. إنها تبحث عن صفقات جيوسياسية، لكن نفس الاستطلاع كشف أنّ الغرب لديه الكثير ليقدمه. لا تقدم روسيا أكثر من مجرد مرتزِقة، ويبدو أن الصين تتبع النموذج التاريخي الغربي المتمثل في الهيمنة الجيوسياسية من خلال الديون.

هناك وجهات نظر تقول إن الموقف الأميركي في تلك الحرب الجارية على الفلسطينيين والسعي لاستعادة الهيمنة يمثل نوعًا من تعطيل الاتجاه العالمي نحو تعددية المراكز الثقافية والقوى الجيوسياسية المنشئة للمعايير التي يجب أن تحكم النظام الدولي. خاصة أن القوى المنافسة كالصين وروسيا بدا دورها محدودًا نسبيًا في تلك الحرب، ولم تعمل ككابح لها مثلما الأمر في بقاع أخرى في أفريقيا.

وهنا ملاحظة جديرة بالاعتبار وهي: ضرورة أن يتحرر تفكيرنا من أن وجود أقطاب متعددة في النظام الدولي يخلق ظروفًا أفضل للنضال من أجل الحرية والعدالة. هذه ببساطة فكرة خاطئة. التاريخ لا يدعم ذلك. كانت إحدى اللحظات الأكثر تعددية الأقطاب في التاريخ الأوروبي، على الأقل، هي الوفاق الأوروبي في القرن التاسع عشر. كان الأمر يتعلق بتعاون القوى العظمى لحماية الوضع الراهن ضد الثورة الديمقراطية التي كانت فرنسا تمثلها آنذاك.

السؤال الذي أختم به مقالي ويستحق المتابعة: هل مواقف بعض دول الجنوب من الحرب على الفلسطينيين تمهد الطريق للتعبئة في المستقبل حول قضايا الجنوب؟ خاصة أن ذلك جرى في سياق أوسع من حركات احتجاج تمت في عدد من دول الشمال المتقدم، وهي حركات في حقيقتها بحثٌ عن معنى إنساني جماعي مشترك وليس معنى فرديًا لصالح أطراف على حساب أخرى. هذه الحركات ومعها بعض دول الجنوب تحاول أن تسترد المعنى الإنساني المشترك للقواعد التي بُني عليها النظام الدولي بعد الحرب الثانية الذي أهدرته الحكومات الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

إنّ الاعتراف بشرعية مطالب الجنوب العالمي، والفرص التي توفرها قوته المتنامية –كما يرى أحد المحللين– لا يعني الدعم الأعمى لكل عمل يقوم به كل طرف جنوبي. من المؤكد أن بعض الحكومات في الجنوب العالمي، كما هو الحال في الشمال، تتبع سياسات داخلية وخارجية تتعارض مع التنمية أو السلام أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان، ولكن هذه الأهداف الأساسية من المرجح أن تزدهر في سياق نظام دولي يقدم فرصة حقيقية للتنمية.

بعبارة أخرى؛ هل الموقف من الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين يمكن أن يوفر فرصة لتحقيق الحلم الذي تم تأجيله لنصف قرن من الزمان، وهو: بناء نظام اقتصادي دولي جديد وعالم أكثر عدلًا وازدهارًا وسلامًا للجميع؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة على الفلسطینیین الجنوب العالمی النظام الدولی الحرب على الجنوب من من خلال فی سیاق من دول

إقرأ أيضاً:

نهج ترامب، وإعادة توزيع النفوذ الدولي بالشرق

#نهج_ترامب، وإعادة توزيع #النفوذ_الدولي بالشرق
د. #هشام_عوكل، أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية
إذا كان التاريخ يعيد نفسه، فإن الشرق الأوسط لا يسمح له بذلك دون تعديلات جذرية. كلما استقرت خريطة النفوذ، تدخلت قوى جديدة لتعيد رسم المشهد وفق مصالحها الخاصة. اليوم، لا تتغير الخرائط بالحروب المباشرة، بل عبر الضغوط الاقتصادية، والمناورات السياسية، واتفاقيات غير معلنة تُبرم خلف الأبواب المغلقة.
الشرق الأوسط يشهد مرحلة إعادة ضبط واسعة: إيران تتراجع، روسيا تحاول الحفاظ على موقعها، الولايات المتحدة تعيد فرض استراتيجيتها بضغط أكبر، وتركيا تترقب لتوسيع نفوذها حيثما أمكن. أما إسرائيل، التي لطالما كانت لاعبًا أساسيًا في أي تحول استراتيجي، فقد وجدت نفسها خارج بعض المعادلات، لكنها لا تزال قادرة على استغلال الفوضى لصالحها
في هذا السياق، تُطرح أسئلة أساسية:
هل نحن أمام شرق أوسط جديد يُرسم وفق رؤية ترامب أم وفق فوضى لا أحد يسيطر عليها؟
هل الهدف من الحصار الأمريكي لإيران هو إخضاعها بالكامل، أم أنها مجرد ورقة في صفقة أكبر؟
وأخيرًا، هل الاتفاق بين إسرائيل وحماس في مرحلته انقلالية الثانية يخدم نتنياهو، أم أنه محاولة لشراء الوقت وإعادة ترتيب الأوراق؟
(1) سوريا: مسرح القوى المتصارعة لكن بلا تأثير إسرائيلي
بعد سنوات من الصراع، لم تعد إيران لاعبًا مؤثرًا في سوريا. انسحابها لم يكن مجرد قرار، بل نتيجة لضغوط مركّبة سياسية وعسكرية واقتصادية جعلت وجودها غير قابل للاستمرار. لم تعد دمشق جزءًا من مشروعها الإقليمي، ولم يعد لها نفوذ يمكن الحديث عنه بعد تقلص دور حزب الله وفقدان السيطرة على الميليشيات الموالية لها.
اليوم، المشهد السوري يُعاد تشكيله بين موسكو وواشنطن وأنقرة، لكن لا يمكن اعتبار إسرائيل جزءًا من هذه اللعبة. صحيح أن تل أبيب تشن ضربات جوية من وقت لآخر، لكنها لا تؤثر فعليًا على الوضع الاستراتيجي داخل سوريا. الضربات التي تنفذها إسرائيل ليست محاولة لإعادة ترتيب المشهد، بل مجرد عمليات أمنية لضمان عدم تشكل تهديدات مستقبلية من الأراضي السورية.
إذا كان هناك من يعيد رسم خطوط النفوذ داخل سوريا، فهو ليس إسرائيل، بل روسيا التي تحاول إدارة علاقتها المعقدة مع تركيا والولايات المتحدة، بينما تحاول الحكومة المؤقتة في دمشق أن تجد لنفسها موقعًا ضمن هذه التوازنات دون امتلاك القدرة الحقيقية على فرض أي معادلة مستقلة بسب من تركة نظام الاسد من فاسد مدمر بكل موسسات الدولة السورية ٫
(2) حصار إيران: الاستسلام أم جزء من صفقة أكبر؟
الولايات المتحدة لم تختر فقط الضغط على إيران، بل تنفيذ استراتيجية حصار كامل أزالت فيه آخر مواقع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
في لبنان، لم يعد حزب الله بنفس القوة، بسبب الأزمة الاقتصادية والضغوط الخارجية.
في سوريا، خرجت إيران بالكامل من المشهد.
في فلسطين، لم تعد إيران قادرة على تقديم الدعم كما في السابق.
في اليمن، الضربات الجوية الأمريكية على الحوثيين تستهدف إضعاف آخر أذرع إيران العسكرية في المنطقة.
السؤال هنا:هل هذه الاستراتيجية تهدف إلى إجبار إيران على الخضوع بالكامل؟ أم أن الضغط الأمريكي هو مجرد ورقة في صفقة أخرى أكبر لم تُعلن بعد؟
واشنطن لا تمانع التفاوض مع طهران، لكن بشروطٍ قاسية: وقف دعم الفصائل المسلحة، الانسحاب من الأزمات الإقليمية، والتخلي عن أي طموح نووي أو استراتيجي مستقل. لكن هل إيران مستعدة للخضوع لهذه الشروط؟ أم أنها ستحاول البحث عن طرق أخرى للمناورة، مثل التقارب مع أوروبا، أو حتى إعادة ترتيب علاقتها مع بعض القوى الإقليمية؟
بعض العواصم الأوروبية تبحث عن حلول بديلة ردًا على الضغوط الأمريكية.
استمرار الضغط الأمريكي قد يؤدي لتغير غير متوقع في العلاقات الأوروبية-الإيرانية، مما يعيد التوازن في المنطقة.
(3) أوكرانيا: الفخ الذي وقع فيه الجميع!
الحرب الروسية-الأوكرانية لم تكن مجرد صراع إقليمي، بل كانت كمينًا استراتيجيًا نُصب لأوروبا أكثر مما كان موجهًا لروسيا. واشنطن، التي لطالما أرادت إبقاء أوروبا تحت المظلة الأمريكية، وجدت في هذه الحرب فرصة ذهبية لربط القارة العجوز بها من جديد.
النتيجة؟ أصبحت أوروبا أكثر ارتهانًا للولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا، وأصبح القرار الأمني الأوروبي يُصاغ في البيت الأبيض أكثر مما يُصاغ في بروكسل. أما روسيا، فرغم العقوبات والضغوط، لم تنهَر كما توقع البعض، بل وجدت في هذه الحرب فرصة لتعزيز نفوذها في مناطق أخرى، وربما للمساومة لاحقًا مع واشنطن على ملفاتٍ أكثر أهمية من أوكرانيا نفسها.
أمريكا بلا ناتو؟ هل أصبح كل شيء ممكناً؟
وهنا نأتي إلى الفكرة الأكثر جنونًا على الإطلاق: إيلون ماسك، الرجل الذي يريد إرسال البشرية إلى المريخ، يُقال إنه همس في أذن ترامب بأن الولايات المتحدة قد تكون أقوى لو انسحبت من الناتو أو حتى الأمم المتحدة. بعبارة أخرى، “لماذا نتبع القوانين الدولية بينما يمكننا أن نصنع قوانيننا الخاصة؟”
السؤال هنا: هل يمكن لأمريكا أن تصبح دولة “خارج القانون”، تتصرف كما يحلو لها بلا أي قيود؟ أم أن خروجها من هذه المنظمات سيجعلها تفقد نفوذها تدريجياً لصالح قوى أخرى مثل الصين وروسيا
في هذا السياق، تُطرح أسئلة أساسية:
هل نحن أمام شرق أوسط جديد يُرسم وفق رؤية ترامب أم وفق فوضى لا أحد يسيطر عليها؟
(4) تشتيت للأزمة أم تمهيد لصفقة أكبر؟
إذا نظرنا إلى المشهد العام، نرى أن ما يجري الآن قد يكون أكثر من مجرد تفاهمات محلية، بل قد يكون جزءًا من تحولات أوسع تهدف إلى ضبط الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في إطار جديد.او كأداة تكتيكية لكسب الوقت؟
ما هو واضح أن الجميع يناور، ولا أحد يريد أن يحسم الأمور بشكل نهائي. لا واشنطن مستعدة لمواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين بسبب ارتقاء الموقف العربي الرسمي ، ولا إسرائيل قادرة على إدارة حرب طويلة دون غطاء دولي، ولا حماس مستعدة للتخلي عن أوراقها دون مقابل واضح بالوقت الحالي .
الخاتمة: من يرسم ملامح المرحلة المقبلة؟
نحن اليوم أمام شرق أوسط يُعاد ترتيبه وفق حسابات دقيقة، حيث لم تعد القوة العسكرية هي المحدد الوحيد، بل أصبحت المصالح والصفقات أكثر تأثيرًا.

مقالات مشابهة

  • دور الإعلام في تعزيز الوعي الوطني ودعم مسار استعادة الدولة.. ندوة نقاشية بمحافظة مأرب
  • الإمارات وأمريكا.. شراكة للتنمية وتعزيز الاستقرار العالمي
  • الولايات المتحدة تتعهد بالعمل على استعادة السلام في شرق الكونغو الديمقراطية
  • اشتعال موجهات وحرب طاحنة بين الجيش السوري وعناصر حزب الله ..تفاصيل
  • ما الذي قاله وزير الدفاع الأمريكي لرئيس الوزراء العراقي خلال اتصال بينهما؟
  • مقامرة ترامب التي ستضع الدولار في خطر
  • ما معنى الحديث القدسي إلا الصوم فإنه لي.. وبم اصطفى الله رمضان؟
  • نهج ترامب، وإعادة توزيع النفوذ الدولي بالشرق
  • البيت الأبيض: أخطرنا إيران بإنهاء دعمها للحوثيين بعد الضربات التي تلقتها
  • صفقة ترامب للمعادن.. هل يتجه للتكنولجيا الخضراء التي يسخر منها؟