من الغرائب، اختلاف مدلول أو مدلولات تعبير «الخير والشر» عن مدلولِ أو مدلولاتِ تعبيرِ «الحلال والحرام». وكان المنطقُ يحتم تطابقهما. ولكن البونَ الشاسع بينهما اليوم يؤكد لنا «تاريخية» و«بشرية» و«ذكورية» العقلِ الذى أفرز مفاهيم «الحلال والحرام»، بينما تحلت مفاهيم «الخير والشر» ببعدٍ إنسانى لحدٍ بعيدٍ.
وأنا أدعو قارئ هذا المقال لاستعراض قوائم ما هو معدود فى مجتمعات منطقتنا من «الحرام» وسيكتشفون وحدهم ما قصدتُه بـ"تاريخية» و«بشرية» و«ذكورية» العقل الذى قنن حرمة عشرات ومئات الأمور.


ولا شك عندى أن العقل الذى يميّز بين «الخير» و«الشر» هو أرقى معرفيًا وفكريًا وثقافيًا من العقلِ الذى ينظر للأمورِ من منظورِ «الحلال» و«الحرام».


ولا شك أيضًا أن مرجعيةَ أهلِ «الحلال» و«الحرام» هى مرجعية تقوم فى معظمها بل فى كليتِها على «النصوصِ» وأقوال «السابقين» وليس على العقلِ والفكرِ والمنطقِ.
ولم يسبق لى كتابة أو قول ما سلف دون أن يرن فى أذنى اسمُ «أبى حامد الغزالى» (المتوفى سنة ١١١١ ميلادية). فهو الذى رسّخَ فى عقولِ المسلمين بوجهٍ عامٍ وفى عقول «فقهائهم» بالذات أن العقلَ الإنسانى غيرُ قادرٍ على إدراك الحقائق بمفردِه! ولمن يتوخى المزيد أُضيفُ أننى أوقفت سنتين من حياتى (خلال ثمانينيات القرن الماضي) على دراسة منطق الغزالى من خلال مطالعتى لكل ما وصلنا من كتاباتِه ثم أوقفت سنتين أُخريين بعد ذلك مباشرةً لدراسة النطق المغاير والمخالف (بل والمضاد) لمنطق الغزالى وأقصدُ منطق إبن رشد (المتوفى سنة ١١٩٨ ميلادية) والذى أزعم أننى طالعتُ بمنتهى التدقيقِ كل ما عاش من كتاباتِه.
ومن العارِ على شعوب منطقتنا ليس فقط عدم إكبارِها (المستحق) لإبن رشد بل إكبارها لفقيهين لا يصل أيٌّ منهما لـ١٪ من قيمة وقامة إبن رشد العقلية والمعرفية، وأقصدُ ابن تيمية (المتوفى سنة ١٣٢٨ ميلادية) وقيّم الجوزية (المتوفى سنة ١٣٥٠ ميلادية).
ولا يغيب عن بال القارئ أن هيمنةَ وسيطرةَ ونفوذَ طبقةِ رجالِ الدينِ إنما هى (بشكلٍ مطلقٍ) مع «تيارِ الحلال والحرام» لأنه من جهةٍ يضمن ويؤكد انفرادهم بكونهم «المرجعية الأساس» ومن جهة أخرى «يمنع» الآخرين ومن بينهم كبار العلماء والمفكرون والمثقفون الموسوعيون من أن يدلوا بدلوهم فيما هو مباح وما هو غير مباح. وهذا نقيض ما يسمح به منطق «الخير والشر». كما لا يخفى، أن «منطق الحلال والحرام» لا يسمح لمفهومِ الإنسانية بالوجود! على نقيض «منطق الخير والشر» والذى يسمح برحابة بتجليات مفهوم الإنسانية. بل إن «منطق الحلال والحرام» كان وسيكون على الدوامِ ركيزةً لمنطقِ «نحن وهم» US & THEM بكل معانيه السلبية.
وكاتبُ هذه السطور كان ولا يزال يحلم بمشروعٍ تعليمى ثقافى فكرى يروّج لعقليةِ وثقافةِ ومنطقِ «الخير والشر» فى صيغةٍ إنسانيةِ، بل وكنتُ ولا أزال أحلمُ بأن يكون منطق «الخير والشر» هو دليل وبوصلة وموجه ومرجعية منطق «الحلال والحرام».
وهو أمرٌ لا يمكن تحقيقه دون أن يسبقه تأصيل وترسيخ لبشريةِ الفقه، كل الفقه، تماشيًا من مقولةِ مؤسس علم أصول الفقه أبى حنيفة النعمان (المتوفى سنة ٧٦٧ ميلادية): «علمنا هذا الرأى، فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه». ولا شك أننا نعرف من سيقاتل ضد هذه الدعوة من أفرادٍ ومؤسساتٍ سترى فيها تقزيمًا لسطوتِهم ولنفوذهم اللذين يقتربان من القداسة كرجعيةٍ أولى وأخيرة !
 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

شيخ العقل: لبنان لن يموت

رأى شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى ان "لبنان لن يموت وسيبقى لبنان التنوع والرسالة مهما فعلت الحرب وبلغ عدد الشهداء ودمرت البيوت والمؤسسات وتضاعفت الخسائر"، وأضاف: "ستنتهي الحرب وعلينا أن نفكر بما بعدها، ليزدهر لبنان وينبعث من جديد. كنز لبنان لا ولن ينضب بطاقات ابنائه ومبدعيه، فوسط أجواء الحرب نسمع الكثير من المبادرات لدى الشباب، مبادرات عملية واستثمارية تؤكد باننا شعب حي وقادر ان ينهض من تحت الركام. في المقابل يحتاج الامر الى الحكمة والوعي والوحدة وتضافر الجهود، من هنا كانت خطوة القمة الروحية لتعزيز هذا الواقع وتلك القيمة اللبنانية". 

وفي حديث لبرنامج "صالون السبت" عبر "اذاعة الشرق"، قال أبي المنى: "نعيش مرحلة تاريخية مفصلية معقدة ودقيقة في ظل الحرب العدوانية التدميرية الخطيرة التي توحي وكأن لبنان الى نهاية وزوال ولكن هذا امر مستحيل، وثمة تجارب تاريخية حصلت وبقي لبنان صامدا رغم الحروب والمآسي التي مرت عبر التاريخ، كذلك التجربة اللبنانية تؤكد ذلك. فالتنوع في لبنان ضمانة بقدر ما يمكن ان يكون مصدرا للخلافات". 

وأضاف: "خلال القمة الروحية، كان جميع  المشاركين على نفس المبدأ والتوجه وكان نقاش ووجهات نظر متباينة احيانا ولكن التقينا على المحبة على الرحمة على المودة على الوطنية، واكدنا على اهمية لبنان الواحد وعلاقاته وانتشار شبابه في العالم، مما يعني ان البلد غير متروك ولن يتخلى المجتمع الدولي عنه، ولكن علينا نحن ان لا نتخلى عن انفسنا وعن وطننا. تلك مسؤولية داخلية تقابلها مسؤولية المجتمع والأصدقاء. لا ادعي لنفسي انني كنت وحدي بهذا المسار في القمة، فلو لم يكن هناك دعوة صادقة من غبطة البطريرك (الراعي) وهناك تقبل صادق وشعور بالمسؤولية في هذا الوقت الحرج من الجميع، لما تسهلت القمة". 

وتابع: "نادينا بالقمة منذ فترة طويلة وتعثرت لأسباب ولمتغيرات لكن هذا الوقت كان مناسبا وتلاقت افكارنا ونوايانا وقلوبنا على ضرورة ان نحرّك الوضع بمسؤولية، مسؤولية روحية وأخلاقية على رؤساء الطوائف تجلت في اللقاء اولا، تحت شعار اطلقته منذ البداية، الحياد عن كل ما يفرق والانحياز الى كل ما يجمع، لان لبنان لا يستطيع ان يكون محايدا عن كل الأمور ولا منحازا الى اي مكان، بل يتعامل مع الجميع بحكمة وعقلانية وبمحبة. واجبنا كلبنانيين ان نتفهم بعضنا بعضا ونحترم مودّات بعضنا وارتباطاتنا الروحية، وان يكون الولاء للوطن، الواجب الوطني بان نكف عن اعلان الولاء للخارج. فلتكن صداقاتنا وعلاقاتنا الطيبة شرقاً وغرباً ولكنها تصب في خدمة لبنان، فهو بحاجة الى الجميع وموضع تقديرهم، وليس على قاعدة التبعية التي قد تساعد في تغليب فئة على اخرى وهذا مكمن الخطر في ضرب الصيغة اللبنانية. 

واضاف: "العدوّ الإسرائيلي يخترع الذرائع، لتنفيذ مخطّطاته وتحقيق أطماعه، فهو جارٌ لا يُصدَّق ولا يُركَن إليه، الحكمة ان لا نستدرج الى الحرب، الحكمة التي اطلقها وليد بك وأطلقناها بان لا نستدرج الى الحرب. لبنان محكوم بطوق من التناقضات تكاد تمزقه وبتحديات كبيرة، ولكن العلاقات والولاءات الخارجية تزيد الأمور تعقيدا. علينا ان نتقن علاقاتنا الدولية مع الخارج، مع الدول صاحبة القرار، اسناد الأخوة بعضهم لبعض واجب، ولكن ضمان وسلامة الوطن هي الأهم وتحييده عن المخاطر هو الأوجب".  ورأى  ان "الساحة اللبنانية مفتوحة على الفتن والفوضى وبقدر ما نطوقها بالوعي والحكمة والروح الوطنية، فلا شماتة ولا مكابرة ولا تحدٍّ ولا استقواء، بل تواضع ومحبة وتضامن وتعاطف، والمطلوب اليوم أن نستوعب ما يجري، وألا ننجر الى فتنة داخلية. كما ان الساحة مفتوحة للمخابرات العالمية، وهذا البلد معرض ليكون ساحة مستباحة بقدر ما نحيده عن هذه المسائل بقدر ما ننجح ونؤكد على وحدتنا الوطنية ونضمن بلدنا".  

مقالات مشابهة

  • الونش يحتفل بعيد ميلاد ابنته
  • هيكون عندي مطعم جديد.. صبحي كابر: مالي الحلال رجع
  • شيخ العقل: لبنان لن يموت
  • الأبويّة الفكريّة وجنايتها على العقل
  • شركة تطوير منتجات الحلال وشركة برازيل فودز العالمية تستثمران إستراتيجيًا في شركة دواجن الدوحة
  • شهاب بن طارق يهنيء الفريق الكروي الأول بنادي السيب للتأهل بجدارة في بطولة كأس التحدي الآسيوي لكرة القدم
  • أشرف غريب يكتب: أطفالنا والعملية التعليمية
  •  خالد ميري يكتب: من يصدق الشائعات؟!
  • سليم الصايغ دعا إلى التواضع والتفكير بالمستقبل بعيدا من منطق الاستقواء
  • مطربة الأوبرا إيمان عبدالغني تعلن انفصالها عن زوجها: ربنا يكتب لكل واحد فينا الخير