د. طارق حجى يكتب: منطق الإنسانية الأول.. الخير!.. مفاهيم «الخير والشر» تحلت ببعدٍ إنسانى لحدٍ بعيد
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
من الغرائب، اختلاف مدلول أو مدلولات تعبير «الخير والشر» عن مدلولِ أو مدلولاتِ تعبيرِ «الحلال والحرام». وكان المنطقُ يحتم تطابقهما. ولكن البونَ الشاسع بينهما اليوم يؤكد لنا «تاريخية» و«بشرية» و«ذكورية» العقلِ الذى أفرز مفاهيم «الحلال والحرام»، بينما تحلت مفاهيم «الخير والشر» ببعدٍ إنسانى لحدٍ بعيدٍ.
وأنا أدعو قارئ هذا المقال لاستعراض قوائم ما هو معدود فى مجتمعات منطقتنا من «الحرام» وسيكتشفون وحدهم ما قصدتُه بـ"تاريخية» و«بشرية» و«ذكورية» العقل الذى قنن حرمة عشرات ومئات الأمور.
ولا شك عندى أن العقل الذى يميّز بين «الخير» و«الشر» هو أرقى معرفيًا وفكريًا وثقافيًا من العقلِ الذى ينظر للأمورِ من منظورِ «الحلال» و«الحرام».
ولا شك أيضًا أن مرجعيةَ أهلِ «الحلال» و«الحرام» هى مرجعية تقوم فى معظمها بل فى كليتِها على «النصوصِ» وأقوال «السابقين» وليس على العقلِ والفكرِ والمنطقِ.
ولم يسبق لى كتابة أو قول ما سلف دون أن يرن فى أذنى اسمُ «أبى حامد الغزالى» (المتوفى سنة ١١١١ ميلادية). فهو الذى رسّخَ فى عقولِ المسلمين بوجهٍ عامٍ وفى عقول «فقهائهم» بالذات أن العقلَ الإنسانى غيرُ قادرٍ على إدراك الحقائق بمفردِه! ولمن يتوخى المزيد أُضيفُ أننى أوقفت سنتين من حياتى (خلال ثمانينيات القرن الماضي) على دراسة منطق الغزالى من خلال مطالعتى لكل ما وصلنا من كتاباتِه ثم أوقفت سنتين أُخريين بعد ذلك مباشرةً لدراسة النطق المغاير والمخالف (بل والمضاد) لمنطق الغزالى وأقصدُ منطق إبن رشد (المتوفى سنة ١١٩٨ ميلادية) والذى أزعم أننى طالعتُ بمنتهى التدقيقِ كل ما عاش من كتاباتِه.
ومن العارِ على شعوب منطقتنا ليس فقط عدم إكبارِها (المستحق) لإبن رشد بل إكبارها لفقيهين لا يصل أيٌّ منهما لـ١٪ من قيمة وقامة إبن رشد العقلية والمعرفية، وأقصدُ ابن تيمية (المتوفى سنة ١٣٢٨ ميلادية) وقيّم الجوزية (المتوفى سنة ١٣٥٠ ميلادية).
ولا يغيب عن بال القارئ أن هيمنةَ وسيطرةَ ونفوذَ طبقةِ رجالِ الدينِ إنما هى (بشكلٍ مطلقٍ) مع «تيارِ الحلال والحرام» لأنه من جهةٍ يضمن ويؤكد انفرادهم بكونهم «المرجعية الأساس» ومن جهة أخرى «يمنع» الآخرين ومن بينهم كبار العلماء والمفكرون والمثقفون الموسوعيون من أن يدلوا بدلوهم فيما هو مباح وما هو غير مباح. وهذا نقيض ما يسمح به منطق «الخير والشر». كما لا يخفى، أن «منطق الحلال والحرام» لا يسمح لمفهومِ الإنسانية بالوجود! على نقيض «منطق الخير والشر» والذى يسمح برحابة بتجليات مفهوم الإنسانية. بل إن «منطق الحلال والحرام» كان وسيكون على الدوامِ ركيزةً لمنطقِ «نحن وهم» US & THEM بكل معانيه السلبية.
وكاتبُ هذه السطور كان ولا يزال يحلم بمشروعٍ تعليمى ثقافى فكرى يروّج لعقليةِ وثقافةِ ومنطقِ «الخير والشر» فى صيغةٍ إنسانيةِ، بل وكنتُ ولا أزال أحلمُ بأن يكون منطق «الخير والشر» هو دليل وبوصلة وموجه ومرجعية منطق «الحلال والحرام».
وهو أمرٌ لا يمكن تحقيقه دون أن يسبقه تأصيل وترسيخ لبشريةِ الفقه، كل الفقه، تماشيًا من مقولةِ مؤسس علم أصول الفقه أبى حنيفة النعمان (المتوفى سنة ٧٦٧ ميلادية): «علمنا هذا الرأى، فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه». ولا شك أننا نعرف من سيقاتل ضد هذه الدعوة من أفرادٍ ومؤسساتٍ سترى فيها تقزيمًا لسطوتِهم ولنفوذهم اللذين يقتربان من القداسة كرجعيةٍ أولى وأخيرة !
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
على بابا حرامى!!
كلنا يعرف حكاية على بابا والأربعين حرامى، فهى حكاية نسجها العديد من الرواة على مر العصور، وتتلخص فى رجل اسمه على بابا وزوجته مرجانة اللذان فجأة يتغير حالهما من حياة يملأها ضيق الحياة إلى حياة رغدة مليئة بالسعادة، وهذه الحكاية عبرت الحدود والزمان والمكان وأصبحت إصطلاح يُطلق على هؤلاء الذين استطاعوا إغتنام الفرص، ولا يقولوا ما قاله على بابا عندما دخل المغارة: «وجدت الكنز.. ذهب.. مرجان.. ياقوت.. أحمدك يا رب» معتقدًا كما يعتقد على بابا هذا الزمان بأنه لم يسرق الأموال المستولى عليها إنما عثر عليها داخل المغارة فأخذ وصرف واستفاد وتمتع بالسفر والرحلات هو ومرجانة وترك خزينة المغارة خاوية عليها ديون تقترب من مليار جنيه تقريبًا فهو الذى انتهز تلك الفرصة التى حُملت إليه دون مؤهلات له، فهو لا لون له أو طعم، من جاؤوا به تركوه يسترزق بمعاونة هؤلاء الشياطين المنتشرين فى المغارة ففتحوا له كل الأبواب للصرف والاستيلاء والإستفادة، وهو مخالف للوائح والقوانين، ويُسولون له أنه صاحب الأمر والنهى ولا يملك أحد مراجعته، والحقيقة أن ميعاد الحساب قد جاء واللجان تعمل الأن على مراجعة أموال وقرارات وعقود على بابا ومن الذى استفاد منها.
لم نقصد أحدًا!!