ليست مطمئنة تلك التعليقات الموجهة في وسائل إعلام عربية معروفة بخطّها التحرير والمتحيّز، التي عادت للظهور مرة أخرى -بعد 9 شهور من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة- لتنسب قرار هجوم 7 أكتوبر على المواقع العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة، إلى قيادة حركة حماس في القطاع وخاصة رئيس الحركة يحيى السنوار. هذه الأصوات ليست بريئة وتحاول الفصل بين قيادتي الداخل والخارج وخلق توتر داخل الحركة، كجزء من الضغوط العربية الممارسة عليها والتي نعرفها جيدا وندرك خلفياتها.
لا يعلم أولئك أن الهجوم هو في محصلته قرار سياسي استراتيجي بالغ الأهمية، نوعي وثوري في تاريخ الحركة والقضية، وواسع الآثار والتداعيات، ما يعني أنه كان يحتاج بشدة إلى قيادة سياسية تحمي ظهر المقاومة وتحمي القرار نفسه وتحمله إلى العالم، دولا ومنظمات وحلفاء وأنصارا ومتضامنين وحتى معارضين، بذات الوعي والوضوح والشجاعة التي انطلق بها الهجوم.
الهجوم هو في محصلته قرار سياسي استراتيجي بالغ الأهمية، نوعي وثوري في تاريخ الحركة والقضية، وواسع الآثار والتداعيات، ما يعني أنه كان يحتاج بشدة إلى قيادة سياسية تحمي ظهر المقاومة وتحمي القرار نفسه وتحمله إلى العالم
عند النظر إلى السلوك التفاوضي للحركة خلال عمر هذه الحرب يظهر جليا أن القيادة السياسية كانت مستعدة لكل أنواع الضغوط وأثقلها، وهي من وجهة نظري أكبر مما مورس على قيادة منظمة التحرير التي أنتجت لنا أوسلو.
ثم إن القيادة التي يتم التلميح لها سبق أن اتخذت قرارات مصيرية في محطات صعبة ومفصلية من تاريخ الحركة، وحمت هذا الجسم التنظيمي من محاولات الدمج والاستئصال والترويض وتهديد الهوية، ونقلته إلى مراتب السيطرة والتمكين التي أنتجت 7 أكتوبر.
الهجوم لم يكن لينجح لولا وجود القيادة المهنية التي تميز الحركة وليس كما يخطئ البعض في فهمها، إلى جانب صلابة الجبهة وصبر شعبنا وتضحياته الكبيرة. هذا التكامل هو الذي يحمي حركات التحرر ويوفر لها البيئة التي تمكنها من اتخاذ قرارات استراتيجية، ويخلق القيادة الواثقة التي تتبادل أدوار الهجوم والدفاع كما الحال مع قرار أكتوبر.
إن واحدة من أهم الجوانب التي لا يجب إغفالها هي البيئة التي تم فيها اتخاذ القرار، غزة كموقع وجغرافيا محاصرة لأكثر من 18 سنة، وحالة إنسانية ومعطيات اشتباك ومتطلبات الواقع، ومسؤوليات الحكم، وانسداد الأفق، والحالة العسكرية التي استغرقت وقتا ودما من الإعداد، وما اتصل بمعركة "سيف القدس" 2021 واستحقاقاتها.. كل هذه الخصائص والتفاصيل التي شكلت هذا الموقع كان لها تأثير بالغ جعلت من الطوفان نتيجة حتمية. هنا وفي هذه الحالة فقط تمكن الإشارة إلى ظروف الداخل والخارج عند الحاجة إلى التقييم الجاد والمسؤول للمهام التي قادت إلى هذا القرار الكبير.
كما أن خصوصية الحركة والبيئة الأمنية التي تعمل فيها، يجعل من فتح قرار هجوم بهذا الحجم، لمشاركة عدد أوسع من القيادة، مهددا أمنيا قد يؤدى إلى التنبؤ بالفكرة قبل وصولها إلى الحدود، ويمكن أن يسلب منها دور المفاجأة وقيمة الكمين، أي أن اعتبارات أمنية وعسكرية شديدة الحساسية خضع لها القرار. وهذا لا يعني سلب الآخرين دورهم، إنما إشراكهم بطريقة قيادية مسؤولة في مهام التعزيز والتأمين وسرية الهجوم وسلامته، كان عليهم أن يستمعوا إلى الاعترافات التاريخية للمتحدث باسم جيش الاحتلال "دانيال هغاري" في مقابلة إعلامية، قال فيها إن "حماس فكرة، ومن يعتقد أنه يمكن القضاء عليها فهو مخطئ"، لكن من الواضح أن 7 أكتوبر توغل عميقا داخل كل الأطراف والجهات والأشخاص الذين تمنوا مصيرا فاجعا للمقاومة الفلسطينيةلكن عندما تصل الفكرة إلى هدفها يبدأ الجهد التعاوني الحثيث والمكمل لجهد القيادة والقرار. ولذلك فإن القيود الصارمة على قرار الهجوم كان لخدمة الخطة وسلامة التنفيذ دون التقليل أو المس بالأطر العامة للقيادة التي تمثل المظلة الأكبر لكل عمليات المقاومة، فنجد أن السنوار وهنية على "قائمة الإرهاب" التابعة للاتحاد الأوروبي بعد السابع من أكتوبر.
الهجوم انطلق ولا قيمة حاليا للعودة إلى ما قبل هذا التاريخ، والدخول في عقل الحركة وادعاء وهْم المعرفة وتبني تصورات قصيرة النظر في ظل القضايا القائمة والأكثر إلحاحا وألما، وأي حديث حول ذلك في هذا التوقيت، يضع علامات استفهام حول أهدافه وخلفيات المتحدثين ودوافعهم، بينما يتجاهل هؤلاء أنفسهم كل القراءات والمواقف من العدو والصديق حول وضع الحركة ورسوخها بعد 9 أشهر من القتال الشديد.
كان عليهم أن يستمعوا إلى الاعترافات التاريخية للمتحدث باسم جيش الاحتلال "دانيال هغاري" في مقابلة إعلامية، قال فيها إن "حماس فكرة، ومن يعتقد أنه يمكن القضاء عليها فهو مخطئ"، لكن من الواضح أن 7 أكتوبر توغل عميقا داخل كل الأطراف والجهات والأشخاص الذين تمنوا مصيرا فاجعا للمقاومة الفلسطينية؛ يضرب عليها واقعا سياسيا مشروطا تدفع فيه أثمان ما دفعته قيادة أوسلو، وخلق الهجوم لدى كل هؤلاء صراعا آخر حول مستقبل المنطقة تكون فيه المقاومة والحركة فوق مستوى تقديراتهم، بينما لا يبقى لهم إلا الشكوى والسباب والتنظير بالتمني.
x.com/ahmedelkomi1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة حماس المقاومة الاحتلال حماس غزة الاحتلال المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
فشل وظيفة إسرائيل كقاعدة متقدمة بعد السابع من أكتوبر
أعراض توجب النظر* أن الغرب أتى بعدته وعديده لحماية إسرائيل وكانت تنهار نتيجة 7 تشرين الأزل/ أكتوبر بخلفية موروثة خرافية، وهي تعد للغرب دولة وظيفية للحرب في المنطقة وما يفسر هذه الهيستريا والجرائم ضد الإنسانية هو الخوف أن يعيد النظر الغرب في الجدوى من دعمها على حساب مصالحهم.
* أن أمريكا أدخلت جنودا منها أو يحملون جنسيتها في القتال لإبراز تفوق موهوم لم يتحقق.
* أمريكا قدمت أسلحة الإبادة الجماعية لإسرائيل فكانت طرفا في الحرب التي استمرت خمسة عشر شهرا، وكانت عمياء أمام مشاهد جرائم الحرب فلا ترى أبرياء يقتلون
* ترامب بالغ في التصرف كتاجر على حساب موقع الرياسة، وجعل أهليته كرئيس موضع جدل.
* ترامب يمتدح إنجازات إسرائيل اللاإنسانية لمجرد أن يثبت أنها لم تفشل كقاعدة متقدمة في الشرق الأوسط، وهو الهم الأكبر ومظهر غباء الاستراتيجية في التعامل مع دول المنطقة.
* الرعب مسيطر على الصهاينة، معاداة للمخالفين ونظرة عدمية للفلسطينيين.
* بانوراما تسليم الأسرى والثقة الكاملة بالقساميين من الأسرى لا تحتاج تقريب الصورة.
غزة نموذج نظرية من الواقع:
القضية الفلسطينية فاعلة منذ 1948 عندما بدأ التقسيم وكان المهاجرين قد أتو تدريجيا وبأعداد قليلة منذ 1841-1881. وكان نابليون أول من خاطب المشاعر الدينية في جذب اليهود إلى الأرض ثم بدأت عمليات التحايل من القنصليات بتبديل الأسماء من اجل البقاء، لكن في الحاضر أن هنالك محتلا ومقاومة تريد العيش هدفها العيش والحرية في أرضها، بينما المحتل الصهيوني يريد إبادة هذا الشعب وهي فكرة يساعده بها مجموعة المنظمات والعملاء والاتباع للصهيونية وإن لم يكونوا يهودا، مسلمين وكثرة من المسيحيين، لأسباب معتقدات وسرديات دينية، لكن في معركة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والتي تميزت بمبادرة ومباشرة واضحة للمقاومة، واحتجزت أسرى إضافة لما فعلته من أمور عسكرية أخرى وبشكل مفاجئ للعالم، فكان الرد عنيفا مدمرا للبنى التحتية والمساكن فوق ساكنيها ومعظمها عمارات عمودية تتسع لعدة أُسر، فكان قتلا رهيبا وتعويقا وجرحى وبما تسبب بقتل ما يزيد عن 5 في المئة من سكان غزة وجرح ضعف هذا بجروح آلية موت رهيبة أمريكية وما يعنيه هذا، ناهيك عن الأضرار المادية والنفسية وصعوبات العيش لأناس أصلا مساحة عيشهم ضيقة.
أمريكا وبعض الدول الغربية لم تك ترى كم شهداء غزة وتعتبر هذا دفاعا عن النفس وهو أغرب تعبير يطلق على سلوك المحتل ولتبرر دعم وجود هذا الاحتلال فلا تحصل هجرة عكسية كل إلى موطنه في أوروبا، وفي ذات الوقت يبرر وجودها من ناحية استراتيجية كذراع للمصالح غير المشروعة وقاعدة على الأرض للقيام بالعدوان على أي مكان وتكون بعد ذلك سببا للتدخل المباشر، وهم زودوا بالسلاح بظاهر التعاطف والتسامح مع الفعل الصهيوني، لكن الحقيقة هي سعي الصهاينة لتحقيق انتصار يبرر سبب استمرار وجودهم واحتلالهم للأرض.
إلى النهاية لم تعترف أمريكا بأن هذا الكم من الأبرياء قتل عدوانا، وإلى أن أتى تبادل الأسرى لنرى تجاهلا لآلام الفلسطينين، فيعبر رئيسا أمريكا المغادر والقادم عن سرورهما لخروج الأسرى الصهاينة والأمريكيين؛ متجاهلين الأسرى الفلسطينين، متجاهلين الموت والدمار في غزة، ببساطة، بل إن وزير خارجية بايدن يقول إني لم أرَ أي جرائم حرب أو قتلى مدنيين والإحصائية تعد آنذاك نحو 22 ألف شهيد وضعفين من الجرحى الخطرة جراحهم مع قصف المستشفيات، رغم أن المحاكم الدولية أدانت قادة الكيان بجرائم الحرب والإباداة واعترفت بقرارها عدد كبير من الدول وصمت رغم الاعتراف عدد آخر.
الأمريكان كما الإسرائيليون يتمنون لو كان قُضي على الجميع من أجل راحة قاعدتهم المتقدمة في الشرق الأوسط كما يظنون، لم ينصف الأمريكان القسام عندما شاهدوا بانوراما تسليم الأسرى الذي لايمكن وصفه فهو منهج إبداعي تماما.
هل إسرائيل قاعدة متقدمة:
النظام الرأسمالي والدولة الحديثة تحتاج شماعة لتبرير لِمَ الرفاهية التامة لم تأت، بل الجهد والجهد ، عجزت عن استمرا دعم الدولار بالناتج الوطني، فكونت منظومة عسكرية لتحمي المال والصناعات وقتال طواحين الهواء، فلا بد من عدو ليكون دون كيخوتي فارسا قويا يهابه العالم ولا بد من أسلحة فتاكة لتخيف العالم. كل مؤسسة لا بد لها من عمل وإلا قامت هي بالعمل لتبرير وجودها، فالعدو موجود ومكافحة الإرعاب تتحول إلى منظمة ثابتة. والغرب كله كان داعما لإسرائيل بدرجة وأخرى، أوروبا تخشى هجرة معاكسة فيسيطر الصهاينة على أوروبا بشكل كامل وليس بالنفوذ القوي كما هو الآن، وأمريكا اقتصادها وإعلامها وهيكليتها باقية بإيحاءات وقيادة الصهيونية لها كما اتضح جليا، بافتراض الكيان كقاعدة متقدمة لتبرير صيغة العلاقات والأموال والدعم اللامحدود، لكن هذا كله أسقطته عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر. فاجأ ترامب نتنياهو وهو يزعم أنه يعلم قبل هذا بتصريحه، ناسيا أن نتنياهو يعلم الحلم من الكابوس رغم أنه تمسك بالوهم بعد تصريحات ترامب وهذا فقدانٌ للبوصلة، وغيبوبة بائعة اللبن.
ترامب فاقد الثقة بالكيان ومنطق وجود إسرائيل مهتز عنده، لهذا تكلم عن غزة وامتلاكها وتهجير أهلها والترحيل كضربة حظ أو الغجرية قارئة الطالع، وهو يهبط بقيمة أمريكا كأكبر هبوط في داو جونز فالرجل تاجر وليس سياسيا؛ عندما امتدح ابنه لنصحه في الانتخابات وجلب له 36 نقطة على حد زعمه فقال "إنه يعرف السوق". فالتدمير الذي حدث كان هستيريا من فقد رباط جأشه ويريد أن يكون كشمشون وتاريخيا كان شمشون في غزة، وليهدم أعداءه بعقلية متخلفة مستمدة من أساطير.
أوروبا أدركت أن الكيان تجاوزه الزمن، وأمريكا بأسلوب ترامب الذي يشبه نيرون في تاريخها، لكن غباء السياسة الأمريكية أنها وضعت العرب بالتكتيك وأنها وصلت بالاستهانة بهم لدرجة تصدر الأمر وبلا حوارات ثم تريد أن تناقش التفاصيل للمهام المستحيلة، فمن باب أولى أن تتخلى عن استراتيجية الصراعات والعداء ما دامت الدول العربية قابلة لبناء علاقة استراتيجية مع الغرب؛ غير مكلفة ولا خطرة ككيان مستنزفهم.
كلا الطرفين (الكيان والمقاومة) منتصران كل لقيمه، فهنالك من انتصر لإهلاكه الحرث والنسل؛ وهنالك من انتصر بالصمود على تطبيق تعاليم دينه في الأسرى والحرب، فأبلى في الحرب وخدم أسراه وعاملهم بحب الله لدرجة تحول خوفهم وكرههم إلى محبة وثقة، وستبقى نزوات ترامب مشكلة اوربا فلن ينصاع له من حكام العرب من له ذرة من كرامة فطاعة ترامب الحداة موت وهو ينقل النار ليحرق الجميع.