بقلم: ماهر المهدى
القاهرة (زمان التركية)ــ هل الاستيلاء على الأرصدة البنكية للعدو أو الأعداء سلاح مباح أم كسر لمصداقية النظم النقدية وتنكر للأخلاق والمبادئ وللاتفاقات المحصنة بغليظ الثقة من أجل التعامل مع مشكلة راهنة؟ ولماذا لا يؤثر الخطاب الدينى فى مضمون الخيارات والقرارات السياسية فى دول كبيرة لا تفتأ ولا تكف عن التأكيد على الالتزام الدينى -مع الاحترام لكل الأديان طبعا-، ولا يظهر هذا العامل الدينى حتى فيما يتعلق بالمسائل ذات الطابع الأخلاقي والديني؟ وبعد ذلك، قد يجد المرء اشخاصا مهمين وذوى مكانة رفيعة -فى مجتمعاتهم وعلى المستوى الدولى- ليعلنوا على الناس انقضاضهم على أرصدة الغير من المال فى بنوكهم، عقابا له على ما اقترفه فى حق الغير وتعويضا للغير المتضرر عما أصابه من جراء اعتداء صاحب الأرصدة.
العداء عداء ويقطع كثيرا من الروابط ويحل للاعداء حتى قتل بعضهم البعض فى ساحة القتال، وهذا مسلم به كجزء من طبيعة الحياة وأسس بقائها. ولكن تبقى هناك ثلاث نقاط هامة تطرح فى نفسها على طاولة البحث والرفض والنقد والنفور والقلق من المستقبل اذا كان البشر يأملون فى حياة أكثر أمنا للجميع.
وهذه النقاط الثلاث تشمل ما يلى:
حصانة الأرصدة المالية التى تؤتمن عليها البنوك من كل اعتداء، حتى فى ظروف العداء والحروب. لأن هذه الأرصدة وضعت فى البنوك -على سبيل الأمانة المهنية والشخصية- التى حتى اذا جاز تعرضها للخطر، فلا يعقل أن يكون هذا الخطر من المؤتمن على الأرصدة وبمحض ارادته وقراره العاقل الرشيد.
وقوع الخطر من المؤتمن على الأرصدة -فى أى موقع حول العالم- هو خيانة للأمانة وقد يهدر مصداقية الخائن على المستويين الشخصى والمهنى. فلا يعقل – بحال من الأحوال – أن يتنكر الإنسان لكل المبادىء ويلقى كل القواعد الى الطريق ويدهس كل الأحاسيس الملزمة اخلاقيا ومهنيا وقانونا عند الوقوع فى عداء مع أحد.
فهذا التنكر المشار اليه لم تقبله البشرية يوما ما ولم تقره يوما – علنا على الأقل – والا لما شغل العالم نفسه بالاجتماع والنقاش والجدل والاتفاق والاحتفال بإقرار الاتفاقات والمعاهدات والقوانين والمبادىء ، ولما شغل العالم نفسه بما يسمى جريمة حرب ومطاردة أشخاص لعقود من السنين باسم جرائم الحرب . * لو كان التنكر لكل شىء مقبولا حسنا قابلا للحياة ، لما شغل العالم نفسه بدراسة الفلسفة وحفظ التاريخ وتطوير القوانين وتشديد العقوبات ، ولكن التنكر عمل غير كريم غير مقبول ولا يرعاه الا لئيم وهو عمل لا يعود على أحد بنفع.
لا شك أن مفاجآت الحياة كثيرة ، ولكنها تصبح صعبة – على وجه الخصوص – اذا لم تصادف استعدادا مسبقا لمواجهتها . ولا تعفى المفاجآت أحدا حول العالم من قسوتها ، اذا لم نستعد لها بشكل ما مناسب ودائم . و
عدم الاستعداد يورث ارتباكا فى التفكير وفى التصرف -فى حال مواجهة المفاجاة- وقد يؤدى إلى قرارات غريبة، وهذا هو الأمر الذى ربما يشاهده العالم الآن على ساحات متقدمة مشهود لها بالرقى والتقدم. والقرارات الغريبة قد تعنى رغبة فى التخلص من المسؤولية بشكل فورى أو عاجل، وإنتاج حل سريع وغير مكلف لأحد مسؤول وغير مكلف للمجتمع -ولو فى الظاهر- وليأت الغد بما يأتى به.
فحينما يدرك الناخبون معنى تلك القرارات الغريبة سيعرف الغضب طريقه إلى الناس جميعا، لأن الآثار السلبية لتلك القرارات قد تطبع وجهها على مستقبل التجارة وعلى مستقبل الحياة فى المجتمعات المعنية بهذه القرارات. وسيكون على كل من اتخذ قرارات كتلك الغريبة المستفزة ومؤيديهم تبرير تصرفاتهم وتفسير اعتداءهم على مسلمات بشرية ليس من صالح أحد الاعتداء عليها وخاصة فى أوقات العداء قبل أوقات السلم، لأن أوقات العداء تمثل نقطة الاختبار الأساسية للمصداقية والأمانة. فأعداء اليوم قد يصبحون أصدقاء الغد، وأصدقاء اليوم قد يصبحون أعداء الغد. وفى كل الأحوال نحن بشر، وهناك حدود لا ينبغى تجاوزها حتى فى ظل الحروب، والا فما معنى جريمة الحرب وما مغزى مطاردة من اعتدوا على كل القيم وانتهكوا كل المحرمات البشرية العالمية فى ظلال الحروب؟ الأمانات ليست من غنائم الحرب.
Tags: الاستيلاء على ارصدة العدوحصانة الأرصدة الماليةالمصدر: جريدة زمان التركية
إقرأ أيضاً:
لا أحب الرمادي لكنها الحياة
عندما انتقلت لغرفتي الحالية منذ أشهر، لم انسجم مع لون جدارها الرمادي، كان يشعرني بالاختناق في كل مرة أعود إليها حتى أني توقفت عن أداء أبسط المهام فيها، رغم محاولاتي لتجّميل هذا اللون وتقبُّله عبر اللوحات والإضاءة، لكنها لم تكن تشبهني في أي شيء،
حتى جاء الوقت الذي قررت فيه إلغاء وسطية الرمادي، فإما الاستسلام لحلكة اللون، أو السير نحو الضوء في نهاية نفق الجدران الأربعة، وحدث أن قمت بتغيير اللون لأكثر الألوان بهجة، حينها لم تكن حالتي النفسية وحدها التي تغيرت، بل شعرت بعودة رغبتي في ممارسة كل ما تركته من هوايات ومهارات وطرق استغلال وقتي وكنت أحبه، فبدأت بحماسة بتزّيينها وتجهيزها لاستقبال عام جديد مليء بالخطط.
لكن ورغم بهجة الألوان الفاتحة، فالحياة بحد ذاتها رمادية، ترمز للتوازن بين المتناقضات فلا أبيض وحده أو أسود فيها، فهي عبارة عن مزيج من الصعود والسقوط، والحزن والفرح، والنجاح والفشل، لا يمكننا تصنيفها في فئة واحدة، فهي في مكان ما بين هاتين الفئتين، معلّقة وتتأرجح من جانب لآخر، ذهابًا وإيابًا، فاللون الرمادي في الحياة يشير للتوازن، لأنه يشير، ويسلط الضوء على أهمية فائدة التجارب الإيجابية والسلبية على حد سواء باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الحياة.
ولهذا علينا أن ندرك أن الحياة بمفهومها الرمادي، هي جزءً ما بين كفتي الأبيض والأسود، لأن في الحياة فيما يخصنا ستكون هناك لحظات رائعة في حياتنا ولحظات مؤلمة، فعلينا أن نعتز بكليهما، لأنها ستعلمنا شيئًا ما، وفيما يخص من حولنا، فلا علينا أن نتوقع أن يتغير الشخص، أو سلوكه، لأجلنا فجأة، فتكوين السلوك يستغرق سنوات، ولا يمكن تغييره بسرعة، وفيما يخص المجتمع، سيكون هناك عدد قليل جدًا من الأشخاص الذين يحتفلون بفوزنا وتجاوزنا الصعاب، والكثير الذين تسعدهم خسارتنا، ولهذا علينا التمسك بمن تسعده انتصاراتنا، بالمقابل علينا أن ندرك أنه لا يمكننا الفوز في كل مرة، وعلينا ارتكاب الأخطاء حتى نتعلم ونتقن التعامل مع الحياة بصورتها السهلة والصعبة.
لكن، ورغم ذلك، ليس علينا إلغاء حدية الأسود والأبيض، فاختيار أحدهما مطلب في بعض الأوقات، لأن الرمادية في بعض المواقف يكون ليس واضحًا، أو مباشرًا، وقد يكون هناك بعض الغموض، أو عدم اليقين فيه، ممّا يوقعنا في حيرة لونه، التي لا تجعلنا نتخذ قرارًا، أو حكمًا بصورة صحيحة، أو كما تغنت لطيفة التونسية في الحب حين قالت: “كلام مش بيحود، يا أبيض يا إسود لكن مش رمادي”.
i1_nuha@