المجد للآلاف تهدر في الشوارع كالسيول!
تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT
تلك تحية للإنسانية التي انطلقت عبر العالم الفسيح تسامياً علي كل الفوارق التي تميز بين أبناء وبنات وحفدة آدم وحواء، فوارق الألوان والمعتقدات والثقافات تندد بمذابح إسرائيل في فلسطين ، كل فلسطين.
نعم وقد فعلوا ذلك قبل ذلك تنديداً بغزو العراق وقبله بحرب كوريا وحرب فيتنام وكل حرب دوافعها الاستحواذ والسرقة والإذلال!
وفي العالم الأول، حيث بالإمكان من حيث النظر علي الأقل، أن يسقط أولئك الأحرار الحكومات التي أججت وتؤجج تلك الحروب عبر صناديق الاقتراع.
يدك زاحفها قلاع الكبت والظلم الطويل!
لا يتحقق! لكن علت به قيمة الإنسان هناك بأن بين جوانحه ضمير حي في مقدوره أن يعبر عنه برفض الظلم ولو باللسان ! أما نحن في هذا الصقع من العالم حيث انطلقت تلك الحكمة البالغة بادي ذي بدء ( فليغيره بلسانه) لا نقدر! لأن حكامنا يحسبون كل صيحة عليهم وإن كانت موجهة بعيداُ هناك لفلسطين!
ولكن لماذا لا تتحول حرية التعبير تلك في عوالم الديمقراطيات إلي تيار جارف يحقق النصر لإرادة تلك الشعوب الحرة؟
وهذا هو السؤال الذي تجتهد وتحاول هذه الكلمات الإجابة عليه.
تقول الإحصاءات إن من بين 3 إلى خمسة في المئة في أمريكا هم فقط من يدلون بأصواتهم للمرشح للرئاسة استناداً إلي برنامجه للسياسة الخارجية. الأغلبية الساحقة يهمها البرامج الاقتصادية والتعليم وبعض القضايا الاجتماعية، وتلك تخاطبها مجالس وحكومات المدن والولايات، حيث ترتفع نسب المشاركين في الاقتراع إلي أعلي الأرقام لصلتها المباشرة بحياة الناس بينما لا تتجاوز نسب التصويت للرئاسيات في الغالب ال 50 في المائة إلا نادراً حيث يُرتجى من الحكومة الفيدرالية حفظ الأمن القومي : الجيش، الاستخبارات ، الخارجية والاقتصاد الكلي.
ولذلك يجد الرئيس المنتخب نفسه حراً إلي حد كبير في التصرف في السياسة الخارجية أو يجد نفسه أسيراً لدي جماعات المصالح اللوبيات: شركات النفط، شركات صناعة الأسلحة، البنوك والشركات متعدية الجنسيات.
قال عالم الاجتماع الأمريكي روبرت كريستوفر لاش: العالم تديره نخب العولمة فتضعف الديمقراطيات و الدولة القطرية الوطنية وتأخذ تلك النخب الكثير من ألق وصلاحيات الرئيس الأمريكي الذي كان أقوى رؤساء العالم.
هل هذا كل شئ؟ بالطبع لا! فتلك النخب بما تملك من قوة تدير العالم عبر ما يمكن تسميته بحكومة العالم التي لا تكاد تمسها بالحواس أو تشير إليها بالبنان: أموال طائلة، سلاح وأبواق إعلام!
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر في لقاء تجدونه في اليوتيوب. إن أي عضو في الكونقرس يجرؤ علي إنتقاد سياسات إسرائيل لن يعاد انتخابه!
ويقول الجمهوري المحافظ بات بوكانن الذي رشح نفسه للرئاسة ضد بوش الكبير في تصفيات الحزب الجمهوري ( إن أمريكا أصبحت أراض محتلة من قبل إسرائيل!).
يقول أحد النواب السابقين للإعلامي تاكر كارلسون إن لكل عضو من أعضاء الكونقرس من الجمهوريين قرين معين من (ايباك) أقوى لوبي صهيوني ، بمجرد فوزه لا يفارقه كالظل يتناول معه الغداء كل أسبوع ( ليملي عليه ما يريد!). يقول تاكر مستغرباً لماذا لا نعرف نحن ذلك؟ يجيب الرجل لأنه لا يراد لك أن تعرف!
ثلاثتهم قالوا تلك (تابوهات) البوح بها حرام أو باهظ الأثمان ! وهو ما عنيناه بهذا العنوان ، ما لا تحبر به الصحائف ،إلا نادرا!
هل الصهيونية صناعة غربية خالصة صنعت إسرائيل في قلب المنطقة لحراسة مصالح الدول الغربية ومنع الحضارة النائمة فيها من الصحيان ؟ أم أنها صناعة يهودية تستخدم الغرب؟ أم أن المصلحة متبادلة؟
يضاف إلي ما تقدم عن عجز ديمقراطيات الغرب عن الفعل في مواجهة حراس المصالح التي تدير العالم ، إلى أن الهياكل والقوالب التي تحكم النظم الديمقراطية قد طال عليها الأمد وشاخت وأصبحت عاجزة عن استيعاب شواغل الناس وغدت تعيش علي قداسة المصطلحات المخدرة والفارغة المحتوي :حقوق الإنسان، القانون الدولي المناط به فصل الخصومات وحماية استقلال الدول وتحقيق العدالة بين الدول صغيرها وكبيرها.
سئل المفكر نعوم تشومسكي عن من يحكم العالم فأجاب: أمريكا لأنها أقوي دولة موجودة اليوم رغم أنها في انحدار وضعف لكن أمريكا نفسها تحكمها أقلية فاحشة الثراء تمثل أقل من واحد بالمائة!
تساءلت الصحافية عن الصين فرد عليها ستواصل الصعود اقتصادياً لكن بإستثمارات أمريكية مثل ( أبل) صانعة الموبايلات وأجهزة الحاسوب ، صعود بأموال الغير ولكن لا سبيل إلي تفوق عسكري علي الغرب.
هل فهمنا شيئاً؟ الأمر أعوص من أن تستوعبه هذه المساحة لكنها شذرات ومحاولات ربما تمنح مفاتيح قد تعين في الدخول إلي لجج الموضوع.
والرحمة والمغفرة للرائعين فضل الله محمد ومحمد الأمين.
الدكتور الخضر هارون
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
معضلات «إعادة أمريكا عظيمة» عالمياً
حاول مقال مهم نُشر قبل أيام قليلة في الدورية الأمريكية الأشهر «فورين أفيرز»، وكتبه دانييل دبليو دريزنر أستاذ السياسة الدولية بجامعة تافتس، مناقشة مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية، في ظل ولاية الحكم الثانية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والتي ستبدأ في 20 يناير المقبل.
وحمل المقال عنواناً دالاً، وهو «نهاية الاستثنائية الأمريكية: إعادة انتخاب ترامب ستعيد تعريف قوة الولايات المتحدة»، وانطلق من رصد ثلاثة اختلافات كبيرة، ستكون بين سياسات ترامب الخارجية في ولايته السابقة والقادمة: أولها، أنه سيدير منصبه بفريق أمن قومي أكثر تجانساً مما كان عليه في عام 2017، وثانيها، أن حالة العالم في عام 2025، تبدو مختلفة تماماً عما كانت عليه في عام 2017، وثالثها، أنه سيكون لدى الجهات الأجنبية الفاعلة والمهتمة، قراءة أفضل بكثير لسياسات ترامب الخارجية.ولخص الكاتب رؤيته المتوقعة لمسار السياسة الخارجية لأمريكا في سنوات الرئيس ترامب الأربع القادمة في ملمحين، الأول، أنها ستتوقف عن الترويج للمُثُل الأمريكية الراسخة، من قبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان، والثاني، أن ممارسات السياسة الخارجية الفاسدة، ستشهد ارتفاعاً غير مسبوق، وسيؤدي هذان الأمران إلى عنوان المقال: إفقاد الولايات المتحدة قوتها الاستثنائية عالمياً.
وبعيداً عن رؤية الكاتب وتوقعاته للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب القادم، فالمعضلة الحقيقية أمام سياسة الرئيس الجديد – القديم، تأتي من شعار حملته الانتخابية الرئاسية المستمر خلال حملاته الانتخابية الثلاث، أعوام 2016 و2020 و2024، وهو «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».
فلكي تعود أمريكا عظيمة مرة أخرى، وهي كانت كذلك في السياسة العالمية منذ الحرب العالمية الأولى، فإن هذا لا يعتمد فقط على قدراتها ومواردها الداخلية الاقتصادية والطبيعية والبشرية. فليس هناك أدنى شك في أنها وفقاً لهذه القدرات والموارد، فهي تشغل حالياً المركز الأول في أقوى اقتصادات العالم، وفي كثير من محاوره الفرعية، بدءاً من الطاقة وانتهاءً بكل أشكال وصور التكنولوجيا.
ولكن أيضاً ليس هناك أدنى شك في أن «عظمة» ومكانة الولايات المتحدة، كأقوى دولة في العالم على كل المحاور، لم تتأتِ فقط على أوضاعها الداخلية، ولكنها ارتبطت دوماً بأمرين خارجيين، أولهما هو الدور السياسي – العسكري لها دولياً، والثاني هو تفاعلاتها الاقتصادية والمالية والتجارية والتكنولوجية مع هذا العالم.
ولقد برز دور الولايات المتحدة وتصاعد على الصعيد السياسي – العسكري، بدءاً من خروجها من عزلتها في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، مع المبادئ الأربعة عشر التي أعلنها رئيسها حينئذ، وودرو نيلسون، ثم أتت الحرب العالمية الثانية، وما تلاها من مراحل حتى اليوم، لتجعل منها القوة العسكرية الأكبر في العالم، والأكثر انتشاراً في أرجائه، وكذلك القوة السياسية الأشد تأثيراً في العلاقات الدولية.
وأما الدور الاقتصادي الأمريكي المتنامي داخلياً، والمتصاعد ضمن الاقتصاد العالمي، فهو لم يكن ليتم إلا بتزايد كبير في معدلات التبادل الاقتصادي والتجاري بين دول العالم، وشغل الاقتصاد الأمريكي الأكبر فيه المكانة الأولى في الترتيب، وفي التبادل بين الدول والمؤسسات.
وما يعنيه كل ما سبق، هو أن تحقيق شعار الرئيس القديم – الجديد في ولايته الثانية، وهو «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، لن يمكن له التحقق بدون تطور داخلي هائل في الولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي، بما يتضمنه من صناعة وتكنولوجيا، يستطيع أن يتغلب على المنافسة الصينية الشرسة على المركز الاقتصادي الأول عالمياً.
ولن يتأتى لهذا التطور أن يحقق الشعار، بدون انخراط أمريكي نشيط للغاية في المعاملات والتبادلات الدولية الاقتصادية، بما يتجاوز إمكانات الدول المنافسة، ويحقق العدالة والتوازن المطلوبين في النظام الاقتصادي العالمي. وكذلك، فلن «تعود أمريكا عظيمة» بدون دور خارجي نشيط وقادر على حل الأزمات، وليس خلقها، وهو ما قد يتطلب زيادة كبيرة في الدور السياسي، وتراجع ضروري في الأدوار العسكرية.
الخلاصة البسيطة، هي أن إدارة الرئيس ترامب الجديدة، لن تستطيع تحقيق شعارها الانتخابي بالانعزال عن العالم، والانكباب على أوضاعها الداخلية، فلقد أصبحت أمريكا جزءاً رئيساً من العالم، وأصبح العالم أحد مكونات وجود أمريكا بداخل حدودها وخارجها.
وأيضاً، فإن تحقيق الشعار على الصعيد العالمي، والذي هو أحد مكوناته، لن يتحقق بدون إعادة تعريف الوجود الأمريكي على الصعيد العالمي وأدواته ووسائله.
فهل سيستطيع الرئيس ترامب وحكمه الجديد إدارة كل هذه الملفات المعقدة والمتناقضة في كثير من جوانبها؟ سؤال لن يجيب عنه سوى الواقع القادم.