الاقتصاد نيوز - متابعة

بعد أكثر من 18 شهراً من الهوس بالذكاء الاصطناعي التوليدي، أثبتت عدد من أكبر شركات التكنولوجيا أن هذه التقنية بإمكانها أن تكون مصدراً حقيقياً للإيرادات، لكنها أيضاً حفرة كبيرة للنفقات.

أعلنت شركتا "مايكروسوفت" و"غوغل"، التابعة لـ"ألفابت"، ارتفاع إيرادات قسم الخدمات السحابية في نتائجهما الفصلية الأخيرة، حيث أنفق العملاء المزيد على خدمات الذكاء الاصطناعي.

وأوضحت شركة "ميتا بلاتفورمز"‎ أن جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي ساعدت في تعزيز تفاعل المستخدمين واستهداف الإعلانات، رغم أنها لا تزال متأخرة جداً في تحقيق أرباح من هذه التكنولوجيا.

لتحقيق هذه المكاسب المبكرة، أنفقت الشركات الثلاث عدة مليارات على تطوير الذكاء الاصطناعي، بجانب أنها تخطط لزيادة هذه الاستثمارات بشكل أكبر.

في 25 أبريل، أعلنت "مايكروسوفت" أن نفقاتها الرأسمالية بلغت 14 مليار دولار في الربع الأخير، وتتوقع "ارتفاع هذه التكاليف بشكل ملحوظ"، مدفوعة جزئياً باستثمارات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. وكانت هذه زيادة بنسبة 79% عن الربع نفسه من العام السابق.

وأنفقت "ألفابت" 12 مليار دولار خلال هذا الربع، بزيادة 91% عن العام السابق، وتتوقع أن يكون الإنفاق خلال بقية العام "عند نفس المستوى أو أكثر"، وسط تركيزها على فرص الذكاء الاصطناعي.

كيف تنفع هلوسات الذكاء الاصطناعي المبدعين؟

وفي الوقت نفسه، رفعت "ميتا" تقديراتها للاستثمارات لهذا العام، وتعتقد الآن أن النفقات الرأسمالية ستتراوح بين 35 مليار دولار إلى 40 مليار دولار، وهذا يمثل زيادة بنسبة 42% عند الحد الأقصى للنطاق. وأشارت إلى الاستثمار المكثف على أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره.

تكاليف الذكاء الاصطناعي

فاجأ ارتفاع تكلفة الذكاء الاصطناعي بعض المستثمرين. فقد تراجع سهم "ميتا"، على وجه الخصوص، إثر توقعات الإنفاق المقترنة بنمو أبطأ من المتوقع للمبيعات. لكن داخل صناعة التكنولوجيا، لطالما كان من المعروف أن تكاليف الذكاء الاصطناعي ستزداد. ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين، وهما أن نماذج الذكاء الاصطناعي أصبحت أكبر وأكثر تكلفة في التطوير، بجانب أن الطلب العالمي على خدمات الذكاء الاصطناعي يتطلب بناء مزيداً من مراكز البيانات لدعمها.

يمكن للشركات التي تجرب خدمات الذكاء الاصطناعي إنفاق الملايين لتخصيص منتجات من "أوبن إيه أي" (OpenAI) أو "غوغل". وبمجرد إعدادها وتشغيلها، تظهر تكلفة إضافية في كل مرة يقوم فيها المرء بإرسال استفسار إلى روبوت الدردشة، أو يطلب من إحدى خدمات الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات المبيعات. لكن العمل الأكثر تكلفة هو بناء الأساس لأنظمة الذكاء الاصطناعي هذه.

إليك نظرة على هذه الجهود:

النماذج اللغوية الكبيرة تصبح أكبر

تعتمد منتجات الذكاء الاصطناعي الأكثر شهرة اليوم، مثل "تشات جي بي تي" التابع لـ"أوبن إيه أي"، على نماذج لغوية كبيرة، وهي أنظمة تغذت من كميات هائلة من البيانات، بما فيها الكتب والمقالات والتعليقات عبر الإنترنت، لتقديم أفضل الردود الممكنة على استفسارات المستخدمين.

وتراهن العديد من شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة على أن الطريق إلى ذكاء اصطناعي أكثر تطوراً، وربما حتى الأنظمة القادرة على التفوق على البشر في العديد من المهام، يتلخص في جعل هذه النماذج اللغوية الكبيرة أكبر حجماً.

"أوبن إيه آي" للذكاء الاصطناعي تقدم للصحافة عرضاً يصعب رفضه

يتطلب الأمر الحصول على مزيد من البيانات والقدرات الحاسوبية، وكذلك تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لفترة أطول. قال داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة "أنثروبيك" (Anthropic) المنافسة لـ"أوبن إيه أي"، في مقابلة عبر بودكاست في أوائل أبريل، إن نماذج الذكاء الاصطناعي المتواجدة حالياً في السوق تكلف حوالي 100 مليون دولار لتدريبها.

وأوضح أن "النماذج التي يجري تدريبها الآن والتي ستُطرح في وقت لاحق من هذا العام أو أوائل العام المقبل تقترب تكلفتها من مليار دولار، وأعتقد أنها ستصل إلى نحو 5 أو 10 مليارات دولار في عامي 2025 و2026".

تكاليف الرقائق والحوسبة

يرتبط جزء كبير من التكلفة بالرقائق. هذه الرقائق ليست وحدات المعالجة المركزية التي ساهمت بجعل شركة "إنتل" والشركات الأصغر حجماً التي تشغل مليارات الهواتف الذكية، مشهورة. تعتمد شركات الذكاء الاصطناعي على وحدات معالجة الرسومات التي يمكنها معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعات عالية، وذلك لتدريب نماذج لغوية كبيرة.

وهذه الرقائق ليست نادرة فحسب، بل أيضاً باهظة الثمن، علماً بأن الميزات الأكثر تقدماً تُصنع بشكل أساسي بواسطة شركة واحدة وهي "إنفيديا".

بيعت رقاقة الرسوميات "إتش 100" (H100) الخاصة بشركة "إنفيديا"، وهي المعيار الذهبي لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، بنحو 30 ألف دولار، وبعض البائعين يعرضونها بأضعاف هذا المبلغ. وتحتاج شركات التكنولوجيا الكبرى إلى الكثير منها، فقد صرح الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مارك زوكربيرغ سابقاً أن شركته تخطط للحصول على 350 ألف من رقاقة "إتش 100" بحلول نهاية العام الجاري لدعم جهودها في أبحاث الذكاء الاصطناعي. وحتى إذا حصل على خصم عند شرائه كميات كبيرة من هذه الرقاقة، فإن هذه الخطوة ستظل استثماراً يقدر بمليارات الدولارات.

تأجير الرقائق

يمكن للشركات إتمام الأمر من دون شراء الرقائق الفعلية، لكن استئجارها باهظ الثمن أيضاً. جدير بالذكر أن وحدة السحابة التابعة لشركة "أمازون دوت كوم" تؤجر لعملائها مجموعة كبيرة من المعالجات القوية المصممة من جانب "إنتل" نظير 6 دولارات تقريباً في الساعة. وفي المقابل، تبلغ تكلفة استئجار مجموعة رقائق "إتش 100" التابعة لـ"إنفيديا" حوالي 100 دولار في الساعة.

ما أهمية شريحة "بلاكويل" من "إنفيديا" للذكاء الاصطناعي؟

كشفت "إنفيديا" الشهر الماضي عن تصميم معالج جديد يسمى "بلاكويل" (Blackwell) الذي يتميز بسرعته العالية في التعامل مع النماذج اللغوية الكبيرة، ويتوقع أن يتشابه سعره مع خط رقائق "هوبر" (Hopper) الذي يشمل "إتش 100".

وأوضحت "إنفيديا" أن الأمر سيتطلب حوالي 2000 وحدة معالجة رسوميات من "بلاكويل" لتدريب نموذج ذكاء اصطناعي يحتوي على 1.8 تريليون متغير. هذا هو الحجم التقديري لنموذج "تشات جي بي تي 4" الخاص بـ"أوبن إيه أي"، وفقاً لدعوى قضائية رفعتها صحيفة "نيويورك تايمز" بشأن استخدام الشركة الناشئة لمقالاتها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وفي المقابل، قالت "إنفيديا" إنها تحتاج إلى 8000 وحدة معالجة رسوميات من نوع "هوبر" لأداء نفس المهمة. لكن هذا التحسن يمكن أن يتلاشى مع دفع الصناعة نحو بناء نماذج ذكاء اصطناعي أكبر.

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار الذکاء الاصطناعی ملیار دولار أوبن إیه أی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي: ثورة عقلانية في فضاء التقنية الحديثة

في خضم التحولات التقنية الكبرى التي يشهدها العالم، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أهم الابتكارات العلمية التي تمثل نقطة تحول في تاريخ البشرية. فقد تجاوز الذكاء الاصطناعي كونه تقنية جديدة إلى كونه مجالًا فلسفيًا وعلميًا يسعى إلى فك ألغاز العقل البشري ومحاكاته بأسلوب يثير إعجاب العلماء والمفكرين على حد سواء. ومع تعاظم تطبيقاته في مختلف الميادين، يغدو الذكاء الاصطناعي قاطرة تقود العالم نحو أفق جديد من الفرص غير المسبوقة، وكذلك التحديات التي تلامس جوهر وجود الإنسان.

تعريف الذكاء الاصطناعي وأبعاده المتعددة
الذكاء الاصطناعي هو مجال من مجالات علوم الحوسبة يهدف إلى تطوير أنظمة قادرة على محاكاة القدرات العقلية للبشر، مثل التفكير المنطقي، التعلم من التجارب، اتخاذ القرارات، وحل المشكلات. لكن ما يميز الذكاء الاصطناعي ليس فقط قدرته على تنفيذ المهام، بل أيضًا قدرته على التعلم والتكيف مع التغيرات، مما يجعله يشبه، وإن لم يكن يطابق، عمليات التفكير البشري.

هذا التعريف العلمي يغفل البعد الفلسفي العميق الذي يحمله الذكاء الاصطناعي، فهو يمثل محاولة لتفسير الذكاء البشري بآليات رياضية وبرمجية، ما يثير تساؤلات عميقة حول ماهية العقل ذاته. هل يمكن ترجمة المشاعر، الإبداع، والتفكير الأخلاقي إلى رموز خوارزمية؟ أم أن الذكاء الاصطناعي سيظل في جوهره تقنيًا لا روح فيه؟

الأثر الاقتصادي للذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي لا يُعدّ فقط ثورة في مجال التكنولوجيا، بل إنه إعادة تعريف لمفهوم الاقتصاد والإنتاجية. فقد أصبح أداة مركزية في تحقيق الكفاءة الاقتصادية من خلال تسريع العمليات، تقليل الأخطاء البشرية، وتقديم حلول مبتكرة. في القطاعات الصناعية، على سبيل المثال، تساهم الروبوتات الذكية في تحسين الإنتاج وخفض التكاليف. كما أظهرت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الخدمات، مثل الطب والرعاية الصحية، إمكانيات هائلة في التشخيص المبكر للأمراض، وتخصيص خطط علاجية موجهة تعتمد على البيانات.
علاوة على ذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي محركًا أساسيًا للاقتصاد الرقمي. فالشركات التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي تشهد نموًا كبيرًا في الإيرادات، لا سيما مع تطور مجالات مثل تحليل البيانات الضخمة، تقنيات التعلم العميق، والشبكات العصبية الاصطناعية. وتشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية تتجاوز تريليونات الدولارات خلال العقد المقبل .

الأثر الاجتماعي والثقافي
على المستوى الاجتماعي، يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل العلاقات بين الأفراد والمؤسسات. فقد ظهرت أنماط جديدة من التفاعل الإنساني بفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التعليم، حيث أصبحت منصات التعلم الإلكتروني تعتمد على تقنيات تحليل البيانات لتوفير تجربة تعليمية مخصصة لكل طالب. كما يتيح الذكاء الاصطناعي فرصًا لدمج الفئات المهمشة في المجتمع من خلال توفير أدوات تعزز من قدرتهم على التواصل والإنتاج.
لكن في الوقت ذاته، يثير الذكاء الاصطناعي قلقًا عميقًا حول تأثيره على القيم الإنسانية. إذ إن الأتمتة الواسعة قد تؤدي إلى تقليل فرص العمل التقليدية، ما يفاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. كما أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع المهارات البشرية التقليدية، ويثير تساؤلات حول فقدان الإنسان لسيطرته على قرارات حيوية.

التحديات الأخلاقية والقانونية
لا يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي دون التطرق إلى التحديات الأخلاقية التي يطرحها. فالقدرة على معالجة كميات هائلة من البيانات وتحليلها بأسلوب يفوق القدرات البشرية يثير مخاوف حول الخصوصية وسوء الاستخدام. على سبيل المثال، تعتمد الشركات الكبرى على خوارزميات ذكاء اصطناعي لجمع وتحليل بيانات المستخدمين، ما يثير تساؤلات حول حدود استخدام هذه البيانات ومدى احترامها لحقوق الأفراد.
من ناحية أخرى، يواجه المشرعون صعوبة في تطوير أطر قانونية قادرة على مواكبة التطورات السريعة للذكاء الاصطناعي. كيف يمكن تحديد المسؤولية القانونية إذا اتخذ نظام ذكاء اصطناعي قرارًا تسبب في ضرر؟ وهل يمكن محاسبة الشركات أو الأفراد الذين صمموا هذه الأنظمة؟ هذه الأسئلة تعكس حاجة ملحة إلى وضع أطر تشريعية توازن بين الابتكار وحماية الحقوق.

الإبداع والذكاء الاصطناعي
من بين أكثر الجوانب إثارة للجدل هو تأثير الذكاء الاصطناعي على الإبداع. هل يمكن لنظام ذكاء اصطناعي أن يكون مبدعًا؟ الإجابة ليست بسيطة. فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يولّد أعمالًا فنية، يؤلف الموسيقى، ويكتب النصوص، فإنه يفتقر إلى الحس الإنساني الذي يمنح الإبداع معناه العميق. فالذكاء الاصطناعي يعتمد على تحليل الأنماط والبيانات السابقة، مما يجعله “مقلدًا ذكيًا” أكثر من كونه مبدعًا حقيقيًا.

مستقبل الذكاء الاصطناعي
لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيواصل تطوره ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للبشرية. لكن السؤال الذي يظل قائمًا هو: كيف يمكن للبشرية أن تضمن استخدام هذه التقنية بطريقة تخدم مصالحها وتُعزز من قيمها الأخلاقية؟ الإجابة تكمن في بناء شراكة بين الإنسان والآلة، شراكة تستند إلى التفاهم العميق للحدود والقدرات، وإلى رؤية واضحة لمستقبل يشكل فيه الذكاء الاصطناعي وسيلة للارتقاء، وليس أداة للهيمنة.

الذكاء في خدمة الإنسانية
في نهاية المطاف، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإعادة تعريف معاني التقدم والإبداع. لكنه يحمل في طياته مسؤولية كبيرة تتطلب من البشرية تبني نهج شامل ومتزن، يوازن بين الطموح التكنولوجي واحترام القيم الإنسانية. ولعل أعظم درس يمكن أن نتعلمه من هذه الثورة التقنية هو أن الذكاء، سواء كان طبيعيًا أو اصطناعيًا، لا يكتمل إلا إذا اقترن بالحكمة.


مقالات مشابهة

  • دراسة: الذكاء الاصطناعي قادر على الخداع
  • «جوجل» تدخل وضع الذكاء الاصطناعي الجديد إلى محرك البحث
  •  بشأن الذكاء الاصطناعي.. منافسة شرسة بين غوغل و"ChatGPT" 
  • كيف يمكن للعالم أن يحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي؟
  • الذكاء الاصطناعي: ثورة عقلانية في فضاء التقنية الحديثة
  • أدوات الذكاء الاصطناعي الأكثر شعبية في العام 2024 (إنفوغراف)
  • «الزراعة»: الشتاء الحالي يحمل موجات برد قاسية وسط إنتاجية مرتفعة للمحاصيل القائمة
  • جوجل تدخل وضع الذكاء الاصطناعي الجديد إلى محرك البحث
  • إدارة بايدن ندرس تخصيص أراض فدرالية لدفع تطوير الذكاء الاصطناعي
  • أوكرانيا تجمع بيانات هائلة من الحرب مع روسيا لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي