ما بين جنيف والقاهرة وأديس أبابا ولندن تتزاحم الدعوات أمام القوى السياسية والمجتمع المدني في السودان، خلال يوليو القادم، بحثاً عن تسوية للأزمة السياسية والحرب التي دخلت عامها الثاني دون أن يلوح في الأفق حل لها، فهل يحاول أصحاب هذه المبادرات نزع فتيل الأزمة ووقف الحرب في السودان، أم أنهم يتسابقون لتحقيق أهداف سياسية تخص كل طرف منهم ؟

صراع المبادرات
الملاحظ في كل هذه الدعوات أنها جاءت بعد الدعوة المصرية، والتي تتشابه معها في نفس الأجندة ونفس المدعويين، ما أثار التساؤلات حول الهدف من إعلان هذه الدعوات، وهل هناك تنسيق مع مصر، أم أنها محاولات لسحب البساط من الدور المصري وإفشاله في السودان، وما هي مصلحة هذه الجهات سواءٌ الأوروبية أو الأفريقية في محاصرة الدور المصري في السودان، كما فعلت في السابق قبل الحرب، وهل هذا كله يصب في صالح حل الأزمة، أم أنه صراع خفي لتعقيد الأزمةو تحجيم أي دور حقيقي في حلها.

لا يجوز التسابق
الدكتورة أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أكدت أنه لا يوجد حاجة لكل هذه الموائد بعد خبرة 14 شهراً من الحرب في السودان. وقالت الطويل لـ “المحقق” إن ما توصلنا إليه بعد هذه المدة من الحرب هو أطراف العملية السياسية وطبيعتها، كما توصلنا إلى قناعة أنه يجب التنسيق، مضيفة لا يجوز أن تتسابق هذه المبادرات مع القاهرة، ولا يجوز أن تضع أمامها المتاريس لتعطيلها.

وتابعت الطويل: إذا كانت هناك إرادة حقيقية للحل يجب التوافق على مبادرة واحدة والتنسيق معها، مشيرة إلى مبادرة الإتحاد الأفريقي ورئاسة موسيفيني للجنة لحل الأزمة، لافتة إلى أن التفكير في نشر قوات أفريقية في السودان عبر هذه اللجنة، سيعمل على تسهيل إدراج السودان تحت البند السابع في الأمم المتحدة، مؤكدة أنه إذا تمت هذه الخطوة سوف تعمل على توسيع الصراع في السودان، مذكرة بالتدخل الفرنسي في مالي، والأثيوبي في الصومال، والأمم المتحدة في دارفور من قبل، وقالت إن ذلك سيفتح الباب أمام الجماعات الجهادية التي تبلور خطاباً متطرفاً يكون منصة من منصات المنظمات المتطرفة، ورأت الطويل أن فرص نجاح المبادرة المصرية معقولة، مبررة ذلك بوجود إدراك سوداني الآن بأن الحل في القاهرة، وكذلك التفكير في إنهاء الحرب، إضافة إلى حجم السودانيين الكبير في مصر، وأيضا حجم المصالح المصرية غير المضرة في السودان، مؤكدة على تلاقي المصالح الاستراتيجية للبلدين.

مصر الأفضل
القيادي البارز بالحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية “مبارك أردول” رحب من جانبه بكل الجهود التي لا تضر بالأزمة، والتي لا تنحاز لطرف من أطرافها وتزيد من اشتعال الحرب في البلاد. وقال أردول لـ “المحقق” لدينا شكوك ومخاوف من دور الإتحاد الأفريقي، خاصة مع وجود دول فيه تدعم مليشيا الدعم السريع، مشيرا إلى الدور السابق للإتحاد قبل الحرب في الآلية الثلاثية والتي رعت الاتفاق الإطاري، مضيفاً: لكننا نعول على المبادرة المصرية، لأن القاهرة موقفها ثابت من الطريقة الإنتقائية في الحوار، وأنها تسعى لحوار شامل، مشدداً على ضرورة أن تكون كل الجهود موحدة، حتى لا تضيع الجهود الحقيقية، وقال نريد دوراً لدول الجوار التي تتضرر من الأزمة وعلى رأسها مصر، والتي لها مصلحة في إنهاء الحرب بشكل عادل.

وتابع أردول: ولذلك نركز على الدعوة المصرية، ونلبي دعوات الآخرين حتى لا يقال إننا ضد السلام، ولكننا نذهب لنقول رؤيتنا، وأضاف “نطمئن للدور المصري، ونرى أنه هو الأقرب للأزمة”، وأن الحلول عبرها ستكون واضحة، مبيناً أن الخلافات تكمن في الإنتقائية واختيار الأطراف والموضوعات، ولذلك من الأفضل أن تتقدم مصر الجهود الأممية، مشيرا إلى شكوك الحكومة السودانية تجاه الإتحاد الأفريقي، وقال على الإتحاد الأفريقي طمأنة الحكومة من خلال مسألة رفع تجميد العضوية ومعالجة هذا الأمر.

تشويش كبير
من جانبه أكد الدكتور “التجاني سيسي” رئيس تحالف الحراك الوطني السوداني أن رأيهم واضح في مسألة تعدد المبادرات. وقال سيسي لـ ” المحقق” إن تعدد المبادرات يخلق تشويشاً كبيراً عند القوى السياسية، وأنه يعقد من الحلول ويبطؤها، مشيراً إلى دعوة الإتحاد الأفريقي، والمبادرات الأوروبية في جنيف وفي نيروبي والنمسا ومناطق أخرى بجانب المبادرة المصرية، وقال إن كل هذه المبادرات تبحث في قضية واحدة، وينبغي توحيد هذه المبادرات، مضيفاً أن المبادرة المصرية دعت لمؤتمر سوداني سوداني، بخلاف الاتحاد الأفريقي الذي دعا إلى مايشبه ورشة لتحديد نقاط الإختلاف والتوافق حول المرتكزات والأجندة التي يمكن أن تؤسس لعقد الحوار السوداني السوداني، موضحا أن الدعوة المصرية تختلف، وأنها دعوة شاملة لكل القوى السياسية.

وأضاف سيسي: نحن من أوائل القوى التي رحبت بهذه الدعوة، ورأينا أن تكثر القاهرة من المشاورات بين القوى والكتل السياسية حول بعض القضايا التي يمكن أن تؤسس إلى نجاح المؤتمر السوداني السوداني.

إرباك للجهود
واعتبر “عثمان ميرغني” رئيس تحرير صحيفة التيار أن هناك تقاطعاً بين هذه الدعوات والمبادرة المصرية. وقال ميرغني لـ ” المحقق” إن دعوة الإتحاد الأفريقي متقاربة مع الدعوة المصرية في الهدف ونفس المشاركين بما فيها دعوة الإسلاميين في المبادرتين، مضيفا أنها مصحوبة أيضا بقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي، وكذلك اللجنة التي يرأسها موسيفيني للقاء البرهان وحميدتي، معربا عن اعتقاده بأن هذا ارباك لجهود الوساطة، وأنه يعطي الفرصة للجيش والدعم السريع للعب على كل الحبال، ورأى أن هذه الدعوات تقطع الطريق على القاهرة حتى لا تكون على خط الأزمة السودانية.

وأشار ميرغني إلى إن هذه الدعوات لا تريد إعطاء فرصة للقاهرة في الحل، خصوصا وأن القاهرة تتمتع بعلاقات جيدة مع كل القوى السياسية المختلفة، موضحا أن دعوة الإتحاد الأفريقي ستكون على جولتين، الأولى في الأسبوع الثاني من يوليو، وأن الثانية لم تحدد بعد، متوقعا عدم نجاح الإتحاد الأفريقي، وقال أما المبادرة المصرية فما زالت ملامحها غير واضحة، وأن ما يظهر منها حتى الآن هو ترحيب المشاركين بها فقط، أما أجندتها وخارطة الطريقة فيها لم تعلن بعد، منبها إلى ضرورة إجراء القاهرة لمشاورات أولية مع القوى السياسية أولا والخروج برؤية موحدة في المؤتمر.

لن تقطع
أما الكاتب والمحلل السياسي السوداني “فائز السليك” فرأى من جانبه أن التسابق حول مبادرات حل الأزمة السودانية لن يحل المشكلة. وقال السليك لـ ” المحقق” يجب أن نركز على الحل السوداني السوداني، أو الحل الحقيقي وأن يكون بيد السودانيين أنفسهم، مستدركا في الوقت نفسه، ولكن هذا لا يمنع أي مجهود أو مبادرة أو محاولة إقليمية، مضيفاً أن المبادرة المصرية استبقت كل هذه الدعوات، ولكن حتى الآن لم تتضح أجندة هذا الحوار، معلنا دعمه للمبادرة المصرية بشرط أن تبعد “المؤتمر الوطني وفلوله” على اعتبار أنهم جزء من الأزمة، وقال إن مصر لديها مصلحة حقيقية لوقف الحرب في السودان، لأنها أكثر الدول المتضررة من هذه الحرب، ولذلك من الطبيعي أن تطرح مصر مثل هذه المبادرة.

وتابع السليك، أن الإتحاد الأفريقي سبق وأن طرح مبادرة قبل عام لحل الأزمة ودعا إلى لقاء بين البرهان وحميدتي، ولكن اللقاء فشل ، مشدداً على تضافر كل هذه الجهود والذهاب إلى جدة لوقف إطلاق النار، وقال إن الحوار بين السياسيين مهم، ولابد أن يأتي متزامنا أو بعد وقف إطلاق النار، ولذلك يجب أن نبدأ بوقف إطلاق النار أولا، مستبعدا أن تقطع هذه الدعوات الطريق على القاهرة في حل الأزمة السودانية، ودعا القاهرة إلى ضرورة إجراء حوارات استباقية مع القوى السياسية المختلفة، والوقوف على رغبة كل الأطراف قبل عقد المؤتمر حتى تتمكن من انجاحه والخروج منه بحل للأزمة.

القاهرة – المحقق – صباح موسى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المبادرة المصریة الإتحاد الأفریقی القوى السیاسیة الدعوة المصریة هذه المبادرات هذه الدعوات فی السودان حل الأزمة الحرب فی کل هذه

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأفريقي يحذر من خطورة الوضع في السودان ويدعو لتحرك عاجل

شدد مسؤول في الاتحاد الأفريقي على إيلاء أهمية كبيرة لقيادة السودانيين أنفسهم لعملية الحوار الشامل لحل الأزمة.

التغيير: وكالات

أكد مفوض الاتحاد الأفريقي للسلم والأمن بانكولي أديوي، أن السودان يحتل المرتبة الأولى في خارطة الطريق التي وضعها الاتحاد لحل النزاعات في أفريقيا.

وأشار إلى أن الاتحاد الأفريقي يمارس ضغوطا على جميع الأطراف المتنازعة في السودان، من أجل وقف إطلاق النار، وأوضح أن الوضع الإنساني في السودان بات خطيرا، مما يستدعي تحركاً عاجلاً من جميع الأطراف المعنية.

إشراك الجميع

وأوضح بانكول في مؤتمر صحفي عقده الأربعاء حول الصراعات في أفريقيا بحسب (الجزيرة)، أن الدول المجاورة للسودان تعاني من تداعيات الصراع، حيث تستقبل أعدادا كبيرة من اللاجئين، داعيا إلى تعزيز التعاون الإقليمي لتقديم الدعم اللازم للمتضررين، مؤكدا أن وقف إطلاق النار سيسهم في تخفيف هذه الأعباء.

وشدد مفوض السلم والأمن الأفريقي، على أهمية إشراك جميع الأطراف السودانية، بما في ذلك المدنيين والطبقة السياسية، في عملية الحل الشامل للأزمة السودانية، مشيرا إلى أن الحل العسكري للنزاع ليس كافيا، بل يجب أن يقترن بحوار سياسي شامل، يهدف إلى استعادة الديمقراطية الدستورية في السودان.

وأضاف أن الاتحاد الأفريقي يولي أهمية كبيرة لقيادة السودانيين أنفسهم لعملية الحوار، مؤكدا على الدور المحوري للشعب السوداني في تحديد مستقبله.

وأكد مفوض السلم والأمن الأفريقي أهمية معالجة القضايا الجذرية التي أدت إلى الأزمة في السودان، مشيرا إلى أن جهود الاتحاد الأفريقي تركز على سد الفجوة بين المركز والأطراف، وتمكين الفئات المهمشة، وضمان عدم وقوع تطهير عرقي، مشددا على ضرورة بناء الثقة بين الأطراف السودانية المختلفة وأن هذا الأمر يعد شرطا أساسيا لتحقيق المصالحة الوطنية وإرساء دعائم السلام والاستقرار في البلاد.

وحذر من التدخلات الخارجية في الأزمة السودانية، مؤكدا أنها تعقد الجهود المبذولة لحل الأزمة، داعيا إلى ضرورة إعطاء الأولوية للحلول الأفريقية، معربا عن أمله في أن تسهم الجهود المشتركة مع منظمة إيغاد في تحقيق تقدم ملموس.

شرط البرهان

وكشف المفوض أنه خلال زيارته لبورتسودان الشهر الماضي رفقة وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي، وضع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان شرطًا أساسيًا لوقف إطلاق النار فورًا، وهو أن تقوم قوات الدعم السريع بإخلاء جميع الممتلكات المدنية في الخرطوم وخارجها.

وأشار إلى أن البرهان شدد على أهمية الاتفاق الذي وقع في السعودية معتبرا أنه يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار إذا تم تفعيله.

وحول الانتقال السياسي، أشار المفوض إلى أن البرهان أكد لهم أنه عند وقف إطلاق النار الشامل والمراقب بفعالية، سيكون ذلك بمثابة بداية لإعادة عملية الانتقال السياسي إلى النظام الدستوري، وأكد المسؤول الأفريقي أن الاتحاد يعمل جاهدًا لضمان التزام الطرفين وحلفائهما بوقف القتال، مشيرا إلى أنه إذا تحقق ذلك، فسيتولى مجلس السلام والأمن الأفريقي نشر بعثة لمراقبة لتنفيذ هذه الخطوات.

الوسومأديس أبابا الاتحاد الأفريقي الحوار الشامل السودان العملية التعليمية العملية السياسية بانكولي أديوي عبد الفتاح البرهان

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأفريقي يحذر من خطورة الوضع في السودان ويدعو لتحرك عاجل
  • جهود القيادة السياسية في تطوير القطاع الصحي والقضاء على الأمراض.. استشاري جهاز هضمي يوضح
  • شاهد بالفيديو .. أهم ما ورد في خطاب البرهان أمام المؤتمر الاقتصادي
  • محافظ بنك السودان يكشف أسباب تغيير العملة ويعلن ستراتيجية بشأن سعر الصرف وتراجع قيمة العملة والتضخم ومحفظة بمبلغ مليار دولار
  • هوكشتاين: نحن أمام فرصة حقيقية للوصول الى نهاية للنزاع
  • فيتوريا.. فيلم إيطالي عن قصة حقيقية بمهرجان القاهرة السينمائي
  • البرهان يهدد المؤتمر الوطني المحلول ويحدد شروط وقف الحرب ويرد على قرار بريطانيا في مجلس الامن ويرسل رسائل..للدعم السريع وداعميه والتحالفات مع الدول
  • «التعبئة والإحصاء»: زيادة الصادرات المصرية إلى دول الاتحاد الأفريقي بنسبة 15.6%
  • المبعوث الأميركي يصل السودان.. واشنطن تسابق الزمن نحو تسوية قبل مغادرة بايدن ..
  • عقار يلتقي المبعوث الألماني للقرن الأفريقي