من المحتمل أن يخسر مرشح حزب العمال في بيرنلي آلاف الأصوات على الرغم من كل الأبواب التي طرقها والأيدي التي صافحها خلال حملته الانتخابية، وذلك بسبب مقطع فيديو منتشر على تطبيق واتساب.

ونشرت صحيفة "التايمز" البريطانية مقالا للصحفي توم بول قال فيه إن مع قدوم 5 تموز/ يوليو، يريد أوليفر رايان أن يكون الرجل الذي يمثل مقعد بيرنلي الواقعة في مقاطعة لانكشاير، نظرا لأن كل المؤشرات تقول إن المقعد له بتأرجح بسيط في الأصوات للتغلب على الأغلبية الهشة التي يتمتع بها أنتوني هيجينبوثام، ممثل حزب المحافظين الحالي، والتي تبلغ 1532 صوتا.

 

وبناء على ذلك، فقد أطلقت استطلاعات الرأي على بيرنلي لقب "المقعد الأكثر قابلية لفوز حزب العمال به"، كما أن أصوات أشخاص من أمثال "شمشور رحمن"، الذين خاب أملهم إزاء وعد المحافظين الذي لم فشل في سد الفجوة في المناطق الصناعية السابقة في قلب ما يسمى بالجدار الأحمر [المناطق المؤيدة تقليديا لحزب العمال]، هي التي يأمل رايان في الفوز بها. 

وبالفعل كان عبد الرحمن يخطط للتصويت لحزب العمال – حتى الأسبوع الماضي عندما تلقى رسالة عبر الواتساب فجأة من أحد زعماء الجالية المسلمة، وتضمنت مقطع فيديو يحث المتلقين على عدم التصويت لحزب العمال أو المحافظين بسبب تعاملهم مع الحرب في غزة، ودعم غوردون بيرتويستل، مرشح حزب الديمقراطيين الأحرار البالغ من العمر 80 عاما.


وقال رحمن البالغ من العمر 42 عاما ويعمل ساعيا: "لم أحدد بعد، وما زلت بحاجة إلى مناقشة الأمر مع أصدقائي، لكنني سأقول إنه كمسلم، عندما يتأذى مسلم آخر، فإنك تشعر أنه من واجبك أن تفعل كل ما في وسعك للمساعدة"، بحسب ما ذكرت الصحيفة.

ويعيش في بيرنلي ما يزيد قليلا عن 13000 مسلم، وهو ما يمثل حوالي 14 بالمئة من السكان، وفقا لآخر تعداد سكاني لعام 2021، وكما هو الحال في أجزاء أخرى من البلاد التي تضم عددا كبيرا من السكان المسلمين، وفقد حزب العمال دعما كبيرا في بيرنلي بسبب الانتخابات ورفض كير ستارمر إبداء أي دعم وقف فوري لإطلاق النار في غزة. 

وفي تشرين الأول/ نوفمبر الماضي، استقال نصف أعضاء حزب العمال الحاكم في المجلس المحلي للمدينة، بما في ذلك رئيس المجلس أفراسياب أنور، احتجاجا على موقف الحزب.

وأكدت الصحيفة أن التغييرات الحدودية للدائرة الانتخابية، والتي ستشمل للمرة الأولى مناطق بريرفيلد إيست وكلوفر هيل إضافة إلى بريرفيلد ويست و ريدلي، قد تساعد أيضا في قلب الموازين الانتخابية ضد حزب العمال. فما يقرب من نصف سكان بريرفيلد هم من المسلمين. 

وفي أيار/ مايو، فقد حزب العمال السيطرة على كلا الجناحين لصالح المستقلين في الانتخابات المحلية.
وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، قامت حملة تسمى "تصويت بيرنلي برييرفيلد "(BBV)، تديرها مجموعة من قادة المجتمع الإسلامي المحليين، بما في ذلك الأئمة ورجال الأعمال والمحامين، بإحداث الكثير من الاستياء ضد حزب العمال.

وفي اجتماع ضم حوالي 300 شخص عقد في مركز بيرنلي المجتمعي في وقت سابق من هذا الشهر، اختارت المجموعة بيرتويستل كمرشحهم المختار بعد أن أخبر الجمهور أنه سيدفع من أجل وقف فوري لإطلاق النار إذا تم انتخابه، تماشيا مع الموقف الذي تبناه حزب الديمقراطيين الأحرار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وتجري الآن حملة كبيرة لحشد دعم المسلمين في المدينة خلف بيرتويستل، الذي كان عضوا في البرلمان عن المدينة خلال سنوات التحالف [بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار] من 2010 إلى 2015. 

وتُعقد اجتماعات أسبوعية في المراكز المجتمعية في جميع أنحاء المدينة ويتم الترويج لمقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقدر بيرتويستل أن هناك حوالي 50 عضوا في BBV يعملون لمساعدته في الفوز بالانتخابات، وذلك مقارنة مع ثمانية موظفين من حزب الديمقراطيين الأحرار.

وقال وهو يجلس إلى جانب زوجته كاثلين أثناء تناول وجبة الإفطار في مقهى الكنيسة الميثودية: "إذا تمكنوا من الحصول على 13 ألف صوت، فإن ذلك سيغير هذا السباق تماما. لن يفوز أحد بهذا بدون الجالية الآسيوية".


بالنسبة لرجل باعترافه الشخصي لا يعرف شيئا عن وسائل التواصل الاجتماعي، وقد حصل مؤخرا على دورة لمحو الأمية الحاسوبية للمبتدئين في محاولة لتسخير قوة منصة "تيكتوك" يمكن أن تكون حملة BBV الانتخابية عبر الإنترنت بمثابة حافز كبير لبيريتويستل.

لكن بعض التكتيكات الأكثر عدوانية التي تتبعها حملة BBV يمكن أن تكون مزعجة للمرشح الثمانيني، الذي تتميز شخصيته السياسية بحسن العِشرة.

وأظهر أحد المقاطع التي نشرتها المجموعة هذا الأسبوع رجلا يقترب من روشانارا علي، نائبة حزب العمال عن منطقة بيثنال جرين آند بو، أثناء قيامها بحملتها خارج إحدى المدارس. 

ويبدأ الرجل في توبيخ علي ومساعديها، ويطلق عليهم "الكلاب" و"الكلاب الصغيرة" وهم يبتعدون عنه.

ردا على الفيديو، أكد بيرتويستل أنه لا يؤيد الترهيب من أي نوع وأن BBV كانت تدير حملة مستقلة منفصلة عن حملة الديمقراطيين الأحرار، ورفضت قيادة BBV الطلبات المتكررة للتعليق لهذا ضمن ما ذكرته الصحيفة.

وقالت الصحيفة إن "وضع نفسه كقوة للتغيير الجيوسياسي يمثل فصلا جديدا لبيرتويستل، الذي سوّق نفسه حتى الآن كبطل للقضايا المحلية".

وذكرت الصحيفة أن دعم بيرتويستل الأساسي تاريخيا كان "لمتسوقي ماركس آند سبنسر في عمر معين"، وهي الذي كان عضو مجلس محلي منذ عام 1983، وفاز بمقعده في مجلس العموم في عام 2010 على خلفية حملة لإعادة قسم الحوادث والطوارئ في مستشفى بيرنلي. 

وأضافت "في اليوم الذي التقينا فيه، كان قد أمضى الصباح واقفا خارج متجر ماركس آند سبنسر يتحدث إلى السكان المحليين حول حملته لمزيد من مواعيد الطبيب العام وجها لوجه".

ولدى سؤاله عن أي تاريخ سابق لدعم المسلمين، أجابت زوجته نيابة عنه: "لا يمكن لأحد أن يتهم غوردون بالقفز على العربة [فيما يتعلق بغزة]"، قبل أن يضيف زوجها بهدوء أنه دافع عن حقوق المسلمين أثناء وجوده في مجموعة كشمير البرلمانية التي تضم جميع الأحزاب.

وقال: "إن الجالية الآسيوية تشعر بحزن شديد بسبب الوضع في غزة. لا أحد يريد رؤية الأطفال في أكياس الموتى".


قبالة الشارع الرئيسي المخصص للمشاة في المدينة يقع المقر الرئيسي لحملة رايان، ضمن صورة كبيرة لوجهه المبتسم ملصقة على نوافذ المكتب تحيي رواد الحانة المقابلة عند مغادرتهم.

ورغم اعترافه بالحاجة إلى استعادة بعض الثقة بين الناخبين المسلمين، لا يبدو أن ريان، البالغ من العمر 29 عاما، وهو عضو مجلس محلي في مانشستر الكبرى، يشعر بقلق بالغ إزاء التهديد الذي يشكله بيرتويستل.

وقال ريان وهو يحتسي مشروب "دكتور بيبير" خلال لحظة راحة من طرق أبواب الناخبين: "الحكومة القادمة ستكون من حزب العمال أو المحافظين. هذا هو الاختيار. إنها مهمة الديمقراطيين الأحرار أن يخبروا الناس أنهم قادرون على الفوز. هذه هي خدعتهم الكبيرة، أليس كذلك".

ومع ذلك، فهو حريص بالمثل على عدم الظهور بثقة زائدة عن الحد، مشيرا إلى حقيقة مفادها أن حزب العمال نادرا ما يفوز بأغلبيات ضخمة في الدائرة الانتخابية، على الرغم من فوز مرشحي الحزب لعضوية البرلمان بشكل مستمر من عام 1935 إلى عام 2010.

وقال: "لقد كانت دائما مدينة كان على حزب العمال أن يبذل جهدا للفوز بمقعدها".

وفي الوقت نفسه، قال هيغينبوثام، 34 عاما، وهو أول نائب محافظ في المدينة منذ أكثر من قرن، إنه يعتقد أنه لا يزال في حالة من الترقب، حتى لو كانت استطلاعات الرأي تشير إلى خلاف ذلك.

وأضاف هيغينبوثام، الذي تم انتخابه في عام 2019: "أعتقد أن الديمقراطيين الأحرار فعلوا ما يكفي لوضعهم في المنافسة. إنها معركة ثلاثية الآن. لا أعتقد أن كل [أصوات المسلمين] ستذهب إلى الديمقراطيين الأحرار، ولكن حتى لو حصلوا على النصف، فلا يزال يتعين على حزب العمال العثور على 4000 صوت من مكان ما. إنها معركة صعبة بالنسبة لنا جميعا".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية بيرنلي بريطانيا بيرنلي حزب العمال البريطاني المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب العمال

إقرأ أيضاً:

لماذا يختزل أغلب الديمقراطيين بتونس مطلب النقد الذاتي في حركة النهضة؟

تصدير: "الرأي الخاطئ لا يأتي من الأحاسيس التي تُنسب إلى بعضها البعض، ولا من الأفكار، ولكن من ربط إحساس بفكرة" (أفلاطون)

إن النقد الذاتي أو المراجعة المقصودة في هذا المقال لا يتعلقان بخيار فردي ولا بالعلاج النفسي أو "التنمية البشرية" الموجّهَين لآحاد الأفراد، بل يتعلقان بممارسة جماعية -حزبية أو أيديولوجية- أوصلنا استقراء خطابات ما يُسمّى "بالعائلة الديمقراطية" أنه يكاد يُختزل -منذ المرحلة التأسيسية- في مطلب موجّه إلى حركة النهضة دون سائر الفاعلين الجماعيين في الحقل السياسي وغيره. وهذا المطلب هو عند أصحابه شرط ضروري "للتَّونسة" ولتحقيق الوعد بـ"الاعتراف الجماعي"، أي للخروج -نظريا- من حالة "الغيرية المطلقة" التي تسم الحركة في علاقتها بـ"المشترك الوطني" الذي يصاغ بصيغة مجازية مجردة هي "النمط المجتمعي التونسي".

وما لم تحقق النهضة هذا المطلب فإنها ستظل -حسب تلك السرديات ذات المرجعيات الأيديولوجية المختلفة- في موقع "الخارج المطلق"، على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، أي في ذلك الموقع الذي تتعرّف "القوى الديمقراطية" ذاتيا بالتقابل الجذري معه، ومع "مشروعه المجتمعي" الحقيقي أو المتخيل. وسنحاول في هذا المقال أن نفهم المنطق العميق لهذه الأطروحة وما يحكمها من مسلمات فكرية ومصالح مادية ورهانات إقليمية ودولية، وكذلك دورها في إفشال الانتقال الديمقراطي ونسف أي مشروع لبناء "المشترك المواطني" متحرر من استراتيجيات النواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي وأذرعها الوظيفية.

تخصيص حركة النهضة بمطلب النقد الذاتي والمراجعة الجذرية لأسسها النظرية وممارساتها السياسية؛ لا يعبر عن "عقل نقدي" بقدر ما يعكس عقلا براغماتيا أو انتهازيا لا علاقة صميمية له بـ"التنوير" ولا بأي مبدأ من مبادئ الحداثة وما بعد الحداثة
يمكن لأي متابع للشأن التونسي أن يلاحظ دون عناء أن أغلب مكوّنات ما يسمىّ بـ"العائلة الديمقراطية" (مهما كان موقعها في السلطة أو في المعارضة، ومهما كان موقفها من "عشرية الانتقال الديمقراطي"، بل مهما كان موقفها من النظام الحالي وسردية "تصحيح المسار") تشترك في "تخصيص" حركة النهضة بهذا المطلب. فلم نسمع يوما من يطالب "التجمعيين الجدد" (أي ورثة الحزب الحاكم زمن المخلوع) بنقد ذاتي أو بمراجعة جذرية لتجربتهم في الحكم خلال اللحظتين الدستورية والتجمعية أو لدورهم في تأبيد وضعية التبعية وفقدان مقومات السيادة، كما لم نر من طالب اليسار -خاصة اليسار الوظيفي الذي مثل الذراع الأمني والإعلامي والثقافي والنقابي للمخلوع- بنقد ذاتي لدوره في خدمة منظومة الاستعمار الداخلي وتجفيف منابع السياسة وليس فقط منابع الدين، وكذلك لدوره في إفشال الانتقال الديمقراطي عبر تضخيم القضايا الهوياتية وحرف الصراع عن مداراته الاجتماعية والاقتصادية والقيمية، ودوره في إعادة تدوير ورثة المنظومة القديمة باعتبارهم جزءا من "العائلة الديمقراطية".

إنّ تخصيص حركة النهضة بمطلب النقد الذاتي والمراجعة الجذرية لأسسها النظرية وممارساتها السياسية؛ لا يعبر عن "عقل نقدي" بقدر ما يعكس عقلا براغماتيا أو انتهازيا لا علاقة صميمية له بـ"التنوير" ولا بأي مبدأ من مبادئ الحداثة وما بعد الحداثة. فالنقد الحديث هو حركة ثنائية الأبعاد أو هو "نقد مزدوج" بالضرورة، أي هو نقد يتوجه للأنا الفردية والجماعية بقدر اشتغاله على الآخر في غيريته القابلة/ غير القابلة للاحتواء و"الاعتراف".

أما أغلب "الديمقراطيين" في تونس فإنهم يُخرجون أنفسهم -ومن يشبهونهم في السلطة والمعارضة- من مطلب النقد الذاتي، ولذلك لا يجدون أي ضرورة لوضع سردياتهم ومواقفهم -قبل الثورة وبعدها- في موضع المساءلة والمراجعة النقدية، بل لا يجد أغلب "الديمقراطيين" ما يدعو إلى توجيه هذا المطلب للسلطة القائمة ذاتها. فما تفعله السلطة هو في الحد الأدنى "تهديد بانحراف نحو الاستبداد"، وفي الحد الأقصى "انحراف استبدادي" يجسد الانفراد بالسلطة ولكنه لا يمكن أن يُمثّل تهديدا وجوديا في مستوى التهديد الذي تجسّده حركة النهضة ومشروع "التمكين".

يتأسس الموقف النقدي "للقوى الديمقراطية" من حركة النهضة على مقدمتين: أولا، المرجعية الإسلامية/ الإخوانية للحركة وما تمثله من "نشاز" في نظام المرجعيات المعترف بها مرجعياتٍ "شرعيةً" داخل الدولة-الأمة وفلسفتها السياسية اللائكية، وكذلك ما تحمله من خطر وجودي على "المشترك الوطني" أو على "النمط المجتمعي التونسي"؛ ثانيا، المسؤولية السياسية التامة عما وقع بعد الثورة من مخاطر إرهابية وتوتر اجتماعي وفشل اقتصادي، وهو ما تعبر عنه مقولتا "منظومة النهضة" أو "العشرية السوداء".

وقد يكون علينا قبل الاشتغال نقديا على هاتين المقدمتين أن نوضح أن مطلب المراجعة أو النقد الذاتي هو أساسا مطلب استراتيجية "الاستئصال الناعم" لا "الاستئصال الصلب". ولو أردنا الاختزال لقلنا إن استراتيجية "الاستئصال الناعم" التي تمثلها بعض أحزاب اليسار الاجتماعي ومن قبلها نداء تونس وشقوقه تقوم على الاعتراف بحق النهضة في العمل القانوني، بشرط عدم التطابق بين قوتها الانتخابية وحقها في الحكم تبعا لمخرجات الصناديق والإرادة الشعبية. فالنهضة مطالبة بـ"التنازل" لـ"القوى الوطنية" السياسية والنقابية والمدنية -بصرف النظر عن وزنها الانتخابي وعمقها الشعبي- منعا لأي شكوك تتعلق بمشروع "التمكين" أو "أخونة الدولة". أما استراتيجية الاستئصال الصلب التي يمثلها أساسا الحزب الدستوري الحر والوطد وبعض التشكيلات القومية، فإنها تقوم على استصحاب المقاربة الأمنية للنظام القديم وتحويل النهضة إلى ملف قضائي يفضي إلى حلّها ومنعها من العمل السياسي القانوني، فالنهضة هي حركة إخوانية ذات هوية جوهرية "إرهابية" لا تقبل المراجعة ولا تستدعي الثقة في أية تغيرات وقعت أو ستقع.

إذا ما قاربنا المقدمتين الواردتين أعلاه والمؤسستين لمطلب "النقد الذاتي" الذي تُطالَب به حركة النهضة، فإننا سنتساءل عن قيمة ما أنجزته النهضة من مراجعات ابتدأت من الخروج من منطق البديل إلى منطق الشريك، مرورا بسياسة التوافق مع المنظومة القديمة بشروط تلك المنظومة، وانتهاءً بالتطبيع مع "حكومات الرئيس" قبل إجراءات 25تموز/ يوليو 2021. بل إننا سنتساءل عن جدوى خيار النهضة أن تكون في الحكم دون أن تكون لها القدرة على الحكم الفعلي؛ نظرا لفقدانها السيطرة على ركائز السلطة ومراكز القرار الداخلي وما يسندها إقليميا ودوليا. فالنهضوي الذي أراد أن يتحول إلى "مسلم ديمقراطي" أو إلى جناح من جناحي "الحزب الدستوري القديم" (الجناح المحافظ الذي يقابل الجناح البورقيبي الحداثي) ظلّ في أغلب السرديات الحداثية فاعلا "مشبوها" أو "فاسدا" أو "مزدوج الخطاب"، ولا يقبل الدمج في "العائلة الديمقراطية" بمفهومها السائد في تونس.

وبصرف النظر عن الاختلافات بين استراتيجيتي الاستئصال الناعم والاستئصال الصلب فإنهما يحملان في بنيتهما العميقة هذه الأحكام "الجوهرانية" تجاه حركة النهضة بقياداتها وقواعدها، ولكنهما يبحثان عن حلّين مختلفين لإدارة هذه الأحكام القيمية وتصريفها سياسيا وقانونيا.

بصرف النظر عن الاختلافات بين استراتيجيتي الاستئصال الناعم والاستئصال الصلب فإنهما يحملان في بنيتهما العميقة هذه الأحكام "الجوهرانية" تجاه حركة النهضة بقياداتها وقواعدها، ولكنهما يبحثان عن حلّين مختلفين لإدارة هذه الأحكام القيمية وتصريفها سياسيا وقانونيا
إن تحميل النهضة مسؤولية فشل "عشرية الانتقال الديمقراطي" وكذلك تحميلها مسؤولية إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021، هو موقف يكاد يكون موحدا بين أغلب "القوى الديمقراطية". فرغم أن النهضة حكمت المرحلة التأسيسية في إطار "الترويكا" (مع حزبي المؤتمر والتكتل) وبتدخل قوي ومحدد من اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف والمجتمع المدني -باعتبارهم شركاء اجتماعيين- ورغم أن مرحلة "التوافق" قد هيمنت عليها أساسا حركة نداء تونس وشقوقها، فإن أغلب "الديمقراطيين" يُصرّون على استعارة "العشرية السوداء" بعد اختزالها في حركة النهضة. وحتى أولئك الذين يحمّلون مسؤولية جزئية لـ"نداء تونس" -مثل زعيم حزب العمال السيد حمة الهمامي- فإنهم يأتون على ذكر ورثة التجمع بعد حركة النهضة.

إننا أمام ترتيب غير اعتباطي ومعبّر عن موقف مبدئي من حركة النهضة وشركائها. فهذا الترتيب يؤكد مسؤولية النهضة قبل غيرها، وهو يوسّع دائرة المسؤولية السياسية، ولكنه يفرد النهضة بمسؤولية قانونية ترتبط بملفات الاغتيال السياسي والتسفير والجهاز السري والإرهاب. كما أن سردية المسؤولية الثنائية عن فشل الانتقال الديمقراطي هي في الحقيقة نوع من "أمثلة الذات" وإخراجها من دائرة النقد.

فحتى لو سلّمنا جدلا أو اعتباطا بهذا المنطق -أي بالمسؤولية الأصلية للنهضة ونداء تونس- فإن هناك أطرافا أخرى هي أيضا مسؤولة -ولو بصورة جزئية أو فرعية- عن فشل الانتقال الديمقراطي، مثل المعارضة "الديمقراطية" واتحاد الشغل والإعلام والمجتمع المدني، وغيرهم من الفاعلين الجماعيين الذين جعلوا الصراع ضد منظومة الاستعمار الداخلي وأساطيرها التأسيسية يتحول إلى صراع ضد حركة النهضة وحلفائها، والذين لم يتورعوا عن التذيل لـ"محور الثوات المضادة" لوكلائه المحليين قصد إفشال حركة النهضة وإخراجها من الحكم، بل تحويلها إلى ملف قضائي.

نظريا، فإن ما يحدد الفعل السياسي هو الأفكار أو المبادئ ثم المصالح الفردية والفئوية ثم المشاعر، وهو معطى لا مصداق له في العقل السياسي "الديمقراطي" الذي يشترط على النهضة القيام بنقد ذاتي وبمراجعات لأسسها النظرية وخياراتها قبل الثورة وبعدها. فهذا العقل يقلب سُلم الموجّهات للفعل السياسي أو النقابي أو المدني؛ باعتبارها بحثا عن المصلحة العامة أو الخير العام لكل المواطنين وليس فقط لأولئك الذين يشبهوننا.

إننا أمام عقل تحكمه المشاعر (أو الصّور النمطية للذات وللآخر) ثم المصالح الضيقة أو القضايا الصغرى، ولا تحضر الأفكار والقضايا الكبرى إلا لتغطية المشاعر والمصالح الضيقة وشرعنتها وجعلها فوق النقد والمساءلة، وهو ما يولّد "الرأي الخاطئ" حسب أفلاطون، أو يُنتج الخطابات السياسية البائسة والمأزومة لو أردنا استعمال المعجم الحديث، أي تلك الخطابات التي تجد أنفسها متقاطعة موضوعيا مع منظومة الاستعمار الداخلي ورعاتها الأجانب، والتي ستتحرك ضد الإرادة الشعبية وضد أي مشروع مواطني جامع بصرف النظر عن ادعاءاتها الذاتية

 ولكن هل يعني ذلك أن النهضة لا تحتاج إلى القيام بنقد ذاتي ومراجعات جذرية لخياراتها قبل الثورة وبعدها؟ بالطبع لا، فكل ما يعنيه طرحنا هو أن أي نقد ذاتي تقوم به النهضة في غياب النقد الذاتي من لدن خصومها هو مجرد خيار عبثي لا محصول تحته ولا مستقبل له إلا تقوية أولئك الخصوم وتعزيز أوهامهم الحداثية والتقدمية والديمقراطية، بل لا محصول له إلا توظيف ذلك النقد بمنطق "أمني" -لا سياسي- باعتباره دليل إدانة في كل الملفات المنشورة ضد الحركة أمام القضاء قبل "تصحيح المسار" وبعده.

x.com/adel_arabi21

مقالات مشابهة

  • من الأنبار إلى كركوك: السنة يستعدون لمعركة الـ329 مقعداً
  • لماذا يختزل أغلب الديمقراطيين بتونس مطلب النقد الذاتي في حركة النهضة؟
  • مصدر أمني بالسويداء لـ سانا: إننا نحذر كل الأطراف التي تحاول المساس بالاتفاق الذي أكد على ضرورة ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، ومدينة السويداء على وجه الخصوص
  • حملة "دوووس"..لعبة الحياة التي تُعيد القيم المفقودة للشباب المصري من طلاب إعلام عين شمس
  • وزير العمل: سنطلق حملة تفتيشية كبرى لمعالجة ملف العمال الأجانب غير القانونيين
  • ريمة: الحوثيون يشنون حملة اختطافات بتهم "التجسس" لصالح أمريكا
  • المستشار عماد سامى: العمل أساس النهضة وعيد العمال رمز العطاء والإرادة
  • المصريين الأحرار يهنئ الرئيس عبد الفتاح السيسي وشعب مصر بعيد العمال
  • مسار العلاقات بين حكومة حزب العمال البريطاني والصين
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله