الإمام علي صمام أمان وسط الفتن التي هي كقطع الليل المظلم
تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT
من يتأمل حياة وسيرة النبي محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو دائمًا يلفت نظر الأمة إلى عدة مخاطر داهمة عليها، وكان دائماً يحدثهم عن الانحراف الذي يهدد الأمة في مستقبلها ما بعد وفاة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، فضمن ما ورد عن رسول الله أنه قال: (أيها الناس، سُعِّرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم)، وكذلك تحدث عن الانحراف، فقال في الحديث المعروف عنه، روته الأمة بمختلف اتجاهاتها ومذاهبها: (لتحذُنَّ حذو من قبلكم)، قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: (فمن؟)، وكذلك في روايةٍ أخرى، قال: (لتحذُنّ حذو بني إسرائيل)، حالة خطيرة جدَّا من الانحراف.
تتراكم الفتن على الأمة فتكون كقطع الليل المظلم، كما قال رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): (فتن كقطع الليل المظلـم يمسي المـرء مؤمنـاً ويصبح كافـراً يصبح مؤمنـاً ويمسي كافراً)، ضلال رهيب والتباس في الأمور، يأتيك الضلال من بين يديك، ومن خلفك وعن يمينك، وعن شمالك.
فتن خطيرة حتى أنَّ الجيل الذي عاصر الرسول «صلوات الله عليه وعلى آله»، وسمعه، وعايشه من المسلمين، معرَّضٌ لهذه الخطورة، فقد ورد في مصادر الأمة المعتبرة (مصادر السنة والشيعة) أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قال: (ليردنَّ عَلَيَّ الحوضَ رجالٌ ممن صَاحَبَني، حتى إذا رأيتهم، ورفعوا إليَّ، اُختُلِجُوا دوني، فأقول: أَيْ رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: بُعْداً بُعْداً))، وفي الروايات الأخرى: ((سحقاً سحقاً)).
فهذه الحالة الخطيرة التي تهدد مستقبل الأمة كانت تهم رسول الله محمد الذي قال الله عنه: {وَسِرَاجًا مُنِيرًا} كان يقلق على الأمة، ويخاف عليها من الضلال، ومن الزيغ، ومن الانحراف؛ لعواقبه السيئة في الدنيا وفي الآخرة.
فرسول الله كان يفكر بهذه الأمة، ويهمه أمرها في كل العصور، حرصه الشديد على الجيل الذي عايشه وعاصره وعلى الأجيال اللاحقة لأنه رسول الله للعالمين، إلى آخر أيام الدنيا، ولمعرفته بمستقبل الأمة كما عرفه الله كان حريصاً على استقامة الأمة وسلامتها من الزيغ والانحراف.
وفي حجة الوداع أعلمه الله أن أجله قد اقترب، وأثناء أدائه لمناسك الحج كان رسول الله يشعر المسلمين باقتراب أجله، وأن هذا الحج سيودع فيه أمته وله أهمية خاصة، فكان يقول لهم في عدة مقامات: (لَعَلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، وفي مقامٍ آخر: ((إني أوشك أن أُدعى فأجيب))، فكان يشعرهم بقرب رحيله، وأنه مودع هذه الحياة، وهذه مسألة هامة جدَّا، مؤلمة، ومقلقة، وحسَّاسة، وتبرز عندها وعند التحذيرات السابقة من خطورة الزيغ والانحراف علامات الاستفهام: ولا شك أن الكثير سيتساءل عندما يسمع مثل الذي سبق، ماذا بعد رحيل رسول الله «صلوات الله عليه وعلى آله»؟ كيف تفعل الأمة؟ من سينقذ الأمة من هذه الفتن المظلمة؟ من للأمة بعد خاتم الرسل والأنبياء؟ هل سيتركهم رسول الله بدون توضيح القيادة؟ هل رسول الله سيترك الأمة تغرق في ظلمات المستقبل المعتم؟.
لم يكن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يترك الأمة بدون توضيح وتبيين الشخصية بإسمها لهذه الأمة، ولا يرضى الله لعباده أن يعيشوا في ظلمات من فوقها ظلمات تنتهي بهم إلى سخط الله وعذابه.
ففي مفترق الطرق وفي منطقة تُسمى وادي غدير خم بالقرب من منطقة الجحفة، أنزل الله قوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغ مَآ أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهدِي ٱلقَومَ ٱلكَٰفِرِينَ} وهذه الآية المباركة- هي من آخر الآيات القرآنية التي نزلت في تلك الفترة الأخيرة من حياة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) – آيةٌ عجيبة؛ ومهمة جداً لدرجة أنه لو لم يبلغ فكأنه لم يقدم شيئاً.
وعند نزول هذه الآية عقد رسول الله اجتماعاً استثنائياً طارئاً، وأوقف الناس قبل الظهيرة، وأمر بمن قد تقدَّموا أن يعودوا، وانتظر باللاحقين ليصلوا، حتى أجتمع الجمع بكله، كل أولئك الحجاج الذين كانوا برفقته في الحج وكانوا أكثر من مائة ألف حاج، اجتمعوا بأجمعهم، أمر المنادي أن ينادي: (الصلاة جامعة)، فصلَّى بالناس صلاة الظهر، وبعد صلاة الظهر التفت إليهم، وقام يخاطبهم، فقال: (أيها الناس إن الله أمرني بأمرٍ، فقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ})، ونادى علياً، وأخذ بيده معه، وأصعده معه على أقتاب الإبل، ثم قال في خطبته: (يا أيها الناس: إنَّ ﷲ مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فهذا عليٌّ)، وأخذ بيد علي، ورفع يدهُ مع يده، (فهذا عليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، وأخذل من خذله)، ثم في نفس الخطبة أكد رسول الله على التمسك بكتاب الله وعترته أهل بيته، لأن فيهما السلامة من الضلال، والأمان من الفتن المظلمة، لا يزيغ معهما الفؤاد ولا ينحرف العمل، هما الضمانة على الاستقامة، والنجاة من التباس الأمور، والحصانة من الولاء لليهود والنصارى.
في هذا اليوم قدم رسول الله الضمانة بأن علياً هو الذي سيواصل الدور في هداية الأمة، في الحركة بالأمة على أساس هدى الله، بأن شخصية علي شخصيةً تمثِّل الضمانة لاستمرارية حركة الإسلام بشكلٍ صحيح وبشكلٍ كامل، وهو صمام أمان من الضلال في كل مجالات الدين، وفي كل مجالات الحياة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
أهمية العمل والحث على إتقانه في الشرع الشريف
قالت دار الإفتاء المصرية إن الشرع الحنيف حث على العمل والسعي لكسب الرزق الحلال؛ لكي يكون المسلم عضوًا فعَّالًا مُنْتِجًا في مجتمعه، عاملًا على توفير حياة كريمة له ولأهل بيته، قال الله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: 20].
حثُّ الشرع الحنيف على العمل والسعي لكسب الرزق الحلال
قال الإمام النَّسَفِي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 560، ط. دار الكلم الطيب): [﴿يَضْرِبُونَ﴾: يسافرون، و﴿يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾: رزقه بالتجارة... فسوَّى بين المجاهد والمكتسب؛ لأنَّ كسب الحلال جهاد] اهـ.
وعن المِقْدَام بن مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
كما جاء الحث على إتقان العمل في قوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]، وهذا أمر بالإحسان في كل عمل، والرعاية والحفظ في كل أمانة، وأثنى سبحانه على ممتثل ذلك بوصفه بالإيمان والإحسان، فالعامل المتقن لعمله يثاب على إخلاصه وتفانيه واجتهاده، فهو سبيلٌ لمحبة الله تعالى له، ولذلك ورد في الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» أخرجه الطَّبَرَانِي في "المعجم الأوسط"، والبَيْهَقِي في "شُعب الإيمان"، واللفظ للطَّبَرَانِي.
وروى الإمام البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَحْتَطِب أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ».
الحث على العمل وإتقانه في الشريعة الإسلامية
وأكَّدت الشريعة الغراء على أنَّ من مقاصدها العمل والسعي والإنتاج؛ فروى الإمام البخاري في "الأدب المفرد" عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا».
قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (4/ 241، ط. مكتبة دار السلام): [والحاصل أنَّه مبالغةٌ، وحثٌّ على غرس الأشجار وحفر الأنهار لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعلوم عند خالقها، فكما غرس غيرك ما شبعت به فاغرس لمَن يجيء بعدك] اهـ.
وأكدت الإفتاء أن الشريعة الإسلامية إلى إتقان أي عمل يُقدم عليه الإنسان؛ فروى الإمام البيهقي في "شعب الإيمان" عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ».
قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في "التنوير" (3/ 378، ط. مكتبة دار السلام): [«إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا» دينيًّا أو دنيويًّا له تعلق بالدين «أَنْ يُتْقِنَهُ»، الإتقان الإحسان والتكميل؛ أي: يحسنه ويكمله] اهـ.
بل جعل الله تبارك وتعالى عمارة الكون -بالإنتاج والتقدم- مقصدًا من مقاصد خلق الإنسان؛ حيث قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: ٦١]، قال الإمام النسفي في "تفسيره" (2/ 69): [﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ وجعلكم عمَّارها وأراد منكم عمارتها] اهـ.
وهو ما أكَّد عليه المشرع المصري؛ فتنص المادة (12) من دستور مصر الحالي وفقًا لآخر التعديلات على أنَّ: "العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة"، وتتمثل كفالة الدولة لذلك في تشريعاتها أو بغير ذلك من التدابير، وإعلائها لقدر العمل وارتقائها بقيمته.
ولما كان حفظ المال مقصدًا من مقاصد الشرع فكذلك كل ما يعمل على زيادته وإنمائه يكون مقصودًا من قبل الشرع الشريف، وأي عمل يعرقله ويضرّ به يكون معارضًا لمقاصد الشرع الشريف، يقول الإمام الغزالي في "المستصفى" (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية): [ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم؛ فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة] اهـ.