على مدار التاريخ، هناك أسماء وشخصيات «مهمة»، لا نعرف عنها الكثير، تركت بصماتها على كافة المجالات، لكن المثير للاهتمام أن آخرين نالوا حظًّا عظيمًا من الشُّهرة الواسعة، رغم أنهم في واقع الأمر، لا يستحقون تلك المكانة.
ربما يرجع ذلك إلى أن التاريخ يكتبه دائمًا المنتصرون والمتغلِّبون، أو كما يقول الشاعر اللبناني الراحل «جورج جرداق»: «في تاريخ الشرق كما هي الحال في تاريخ البشر جميعًا، غزاة ومجرمون، ولصوص محترفون، وأغبياء وتافهون، شاء منطق العصور القديمة أن يجعل منهم في حياتهم ملوكًا وقادة، وأصحاب قول فصل وأمر مطاع، وأن يصنع منهم بعد هلاكهم أبطالًا وعظماء، فخلع عليهم في الحالتين الألقاب الضخمة بغير حساب».
الآن بكل أسف، نعيش زمانًا كثرت فيه المسميات والألقاب، حتى أصبح الإسراف في منحها واستخدامها أمرًا شائعًا ومألوفًا، لتفقد رونقها وقوتها، ولا تعكس معناها الحقيقي، وبالتالي أصبح مَنْحها مباحًا ومستباحًا «لكل من هب ودب»، من دون أي اعتبار أو ضوابط!
في الرياضة والفن والثقافة والإعلام والسياسة.. وحتى الدين، وغيرها من المجالات، نتابع دائمًا إطلاق المسميات والألقاب على «المشاهير»، خصوصًا هؤلاء الذين يُطلق عليهم بأنهم «أساطير»، أي أن ما قَدَّموه أشبه بالخيال والمعجزة أو غير المسبوق!
ربما لو قُدِّر لك وبحثت قليلًا في مسيرة هذا «المشهور الأسطورة»، لوجدت ما قدمه شيئًا عاديًّا، أو أقل من العادي، بل قد تجد كثيرين لا حصر لهم، قَدَّموا أفضل منه، وسجلوا أرقامًا كبيرة، وقاموا بأعمال خالدة، على المستويين التخصصي والإنساني.
نتصور أن منع هؤلاء «المشاهير»، من احتلال الفضاء العام للقيم والتأثير على الناس، أصبح ضرورة إنسانية وأخلاقية، لأن ثمة فارقًا كبيرًا ما بين ألقاب في الماضي، استحقها البعض عن جدارة، بحب الناس، وبما قدَّموه، وكثيرين من الأسماء المشهورة على الساحة الآن، الذين معهم فقدت الشُّهْرَة قيمتها وبريقها.
يقينًا تصعب المقارنات، بين الماضي والحاضر، لأن ما نراه الآن ليس سوى مجرد أسماء خاوية، لا تستحق ما يُطلق عليها من ألقاب، مقارنة بآخرين حقيقيين، لا يحتاجون أن تضع ألقابًا لهم حتى تعرف مَن هم، لأنهم ألقاب بأنفسهم.
لذلك نرى أن الشُّهرة «النافعة» لا تهوى من يطلبها أو يسعى إليها، كما أنها ليست بالألقاب أو المسميات، لأنها بالضرورة تحمل في طيَّاتها مسؤولية ضخمة لا يُستهان بها، وليست «مصنوعة» أو «مدفوعة» أو «مُوَجَّهة».
أخيرًا.. إن صناعة «الأساطير الوهمية» بالأسماء والألقاب أسفرت عن ظاهرة المغالاة في «عبادة المشاهير»، ومنحهم مكانة غير مستحَقَّة، ولكن يبقى للرجل ـ بحسب «كونفوشيوس» ـ ثلاثة أسماء: «الاسم الذي يرثه، والذي أعطاه له أبواه، أو الذي يصنعه لنفسه».
فصل الخطاب:
تقول الفيلسوفة اليونانية «هيباتيا»: «الخرافات يجب أن تُدَرَّس كخرافات، والأساطير كأساطير، أما تقديم الأساطير على أنها حقائق فذلك شيء مؤلم»!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود زاهر شخصيات تاريخية
إقرأ أيضاً:
هيكلة حزب
بالأمس تمت ترقية عبد الرحمن الصادق لرتبة فريق. وتمت إحالته للمعاش. في تقديرنا إنها سانحة لهيكلة وبناء حزب الأمة القومي من جديد. بعد أن أصبح في عهد برمة أمانة من أمانات الحزب الشيوعي. صحيح العملية تحتاج لقرار شجاع من القائمين على أمر الحزب. ونرى وجود عبد الرحمن في كابينة القيادة يتوافق مع النظرة الإنطباعية للشارع بالنسبة للأحزاب الطائفية. وبنظرة من خلف الكواليس نؤكد بأن مريم سوف توافق على قيادة عبد الرحمن للحزب. وذلك لاعتبارات عدة منها: فقدانها لبوصلة القيادة في خضم بحر الواقع المتلاطم الأمواج. وهي في أمس الحاجة للفزعة حتى تهرب من لعنة التاريخ بإضاعتها للحزب. وكذلك قيادة عبد الرحمن سوف يقفل الباب تماما أمام عودة مبارك الفاضل للحزب الكبير بعد أن أصبح (عمدة بدون أطيان) في الحراك السياسي السوداني. ووجود الرجل في الحزب الكبير مهدد حقيقي لعيال الصادق. ولا يفوتنا بنظرة أسرية ضيقة اختيار عبد الرحمن للقيادة يحصر حاضر ومستقبل الحزب في أسرة سارة. وهذا ما تسعى إليه مريم. وأهم اعتبار نجزم بأن قيادة عبد الرحمن سوف يفتح صفحة جديدة للحزب بعد أن أوشكت مواقفه الأخيرة على طمس هويته. وخلاصة الأمر نؤكد بأن قيادات مؤثرة في الحزب سوف تدفع في هذا الاتجاه بقوة. تجنبا للانهيار التام للحزب الذي بات وشيكا.
د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
السبت ٢٠٢٥/١/٤