أصابع «أبى أحمد» والأمريكان فى السودان
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
وسط تشابك المصالح المشتركة أمنيًا وجغرافيًا وسياسيًا واقتصاديًا وتاريخيًا وإثنيًا بين السودان وإثيوبيا، يحتل ملف الصراع السودانى مكانة متقدمة من حيث الأهمية للجانب الإثيوبى، كما يعتبر ملف ترسيم الحدود بين السودان وإثيوبيا خاصة فى منطقتى الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى التى استردتها القوات المسلحة السودانية بنسبة 90% منها فى الحرب الأخيرة ولم تتم عملية ترسيمها حتى الآن، هى من أهم الملفات على الساحة.
الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ايضًا تستخدم كل أدواتها فى السودان بهدف مقاومة النفوذ الروسى المتنامى فى أفريقيا، وقدرته على إخراج فرنسا والغرب من دول كانت حتى وقت قريب تحت سيطرة الغرب مثل بوركينا فاسو وغيرها من الدول التى شهدت انقلابات فى معظمها موال لروسيا.
وفى الوقت الذى فشل فيه رئيس الوزراء الأسبق عبدلله حمدوك ممثل الغرب وواشنطن فى السودان لعدة مرات بإحداث تغيير سياسى يناسب المصالح الأمريكية فى السنوات القليلة الماضية، إلى جانب التقارب الأخير بين مجلس السيادة بقيادة عبدالفتاح البرهان وروسيا، واتجاه الجيش السودانى شرقًا للتحالف مع موسكو، كل ذلك دفع بواشنطن للتفكير بخطة بديلة لإزاحة البرهان عن المشهد والدفع بشخصية أخرى لسدة الحكم تمثل مصالح واشنطن وتحد من نمو النفوذ الروسى.
وقد تصاعدت المخاوف الأمريكية بشكل كبير من التقارب الروسى السودانى بسبب تصريحات لمسئولين سودانيين تؤكد التزام السودان ببناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، مما عزز المخاوف الأمريكية حيث تعتبر واشنطن ذلك تهديدًا لها، وآخر تلك التصريحات كانت لوزير الخارجية السودانى لوكالة الانباء الروسية حول التزام بلاده الكامل ببناء القاعدة البحرية الروسية فى السودان.
اعتماد واشنطن على إثيوبيا لتحقق أهدافها فى السودان هو الأكثر ترجيحًا، فإثيوبيا هى حليف استراتيجى لواشنطن، كما أن واشنطن ستعتمد على الأطماع الإثيوبية والمنافع الكثيرة التى ستحققها من وراء تنفيذ الخطة الأمريكية.
بجانب أن الرئيس الإثيوبى الطامح أبى أحمد سوف يقبل بسرعة بالخطة الأمريكية، نظرًا للمصالح الكثيرة التى يمكن أن تحققها أثيوبيا من خلال هذه الاتفاقية مع واشنطن. ويأتى فى مقدمتها اعتراف واشنطن بانفصال إقليم أرض الصومال، الذى يحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا جدًا والذى لطالما سعت أثيوبيا بانفصاله، بهدف السيطرة عليه والحصول على ميناء «زويلع» المهم جدًا، كمنفذ بحرى لها، بالإضافة إلى ما سبق، فإن إثيوبيا سوف تسيطر على مساحات أكبر من نهر النيل، وبالتالى سوف تستعيد السيطرة على منطقتى الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى، المتنازع عليها على الحدود السودانية. وتأتى المعلومات حول الخطة الأمريكية-الإثيوبية للإطاحة بالبرهان وضرب النفوذ الروسى فى السودان نقلا عن مصادر دبلوماسية التى أكدت بأن أبى أحمد قدم لواشنطن عرضًا حول استعداده لمواجهة الحوثيين فى اليمن انطلاقًا من إثيوبيا، وحتى ارسال قوات لقتالهم وحماية الملاحة الإسرائيلية، مقابل حصوله على اعتراف أمريكى ودولى رسمى بشرعية سيطرة إثيوبيا على ميناء زويلع وإقليم أرض الصومال.
ورغم ذلك فإن الخطة الأمريكية الإثيوبية وكل طموحات أبى أحمد من الصعب تحقيقها عسكريًا وسياسيًا لأنها سوف تصطدم بعوائق كثيرة، سياسية وميدانية عسكرية وجغرافية.
أما المخاوف الرئيسية لواشنطن فتتمثل بموضوع القاعدة العسكرية الروسية المتفق على انشائها فى البحر الأحمر بين السودان وروسيا، لأنها تعنى إلحاق السودان بالدول الأفريقية الأخرى التى خسرتها واشنطن، وباريس ولم تعد لها السيطرة عليها فى السنوات القليلة الماضية، بالإضافة للأهمية الاستراتيجية الخاصة للبحر الأحمر بالنسبة لواشنطن.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصراع السوداني وزير الخارجية السوداني فى السودان أبى أحمد
إقرأ أيضاً:
كريمة أبو العينين تكتب: الموت من الداخل
فى واحدة من أجمل ما كتب الأديب الأمريكي العالمي إرنست همنجواي ما قاله على لسان أحد أبطال رواياته وهو ينظر إلى المرآة ويقول : بالطبع ما أراه الآن هو ما تبقى منى ، فقد مات كلي جزءا وراء الآخر ، مت يوم إن ودعتني أمي ولم أدر كيف تركتني فى هذا الفراغ العمري، لم أشبع منها بعد ، وازداد موتي حينما لحقها أبي وصرت بلا سند ولا داعم حقيقي، ثم أخذني الموت أخذا حينما مات ابني لم أكن أدرك ولم أتذوق طعما مرا بمثل طعم فقدان فلذة كبدي، والآن أنظر إلى نفسي كي أتأكد أنني خارج القبر مع أنني دخلته منذ زمن … بهذا الوصف العبقري والمشاعر الصادقة تستطيع أن تقيس عليها بعضا من الوجوه بل أكثر من الوجوه وليس بعضا فى الشوارع ووسائل المواصلات والجيران وزملاء العمل ، وبالطبع إذا نظرت إلى نفسك ستجد ثمة عامل مشترك بينك وبين كل هؤلاء وهو أنك وأنهم وأننا كلنا بلا استثناء مات فينا جزء وربما أجزاء وكلنا أموات من الداخل وفي انتظار الموت النهائي وتوديع الحياة وبداية الحياة الأخرى والتي وصفها الخالق بالقول" يا ليتني قدمت لحياتي" فما نعيشه ليس حياة ولكنه موتا بالبطيء يبدأ بالفقد الجزئى فيموت منك عضو وشعور ومقوم من مقومات مواصلة العيش والتأقلم مع ما يسمى بهذه الدنيا.
الموت على أجزاء هو أكثر أنواع الموت ألما وجرحا فهو يفرغك من داخلك فتصبح مجرد شكل بلا قلب لأن قلبك قد مات حزنا مع كل فقد وفقدان.
الموت من الداخل من الممكن ان يحدث بالخذلان وليس بالفقد الموتى ، فالغدر والخيانة سكينا يغرس فى قلب قلبك ويجعلك تنزف من الداخل ويصبح وجهك مكسورا منكسرا وتصاب بكسرة القلب التي تنتزع منك شرايين حياتك وبقاءك متماسكا صلبا ، وحينما يغدر بك أو أن يخونك من وثقت به وسلمت له كل صمام عمرك وسعادتك حينها تصبح قشرة باهتة صدئة بعد أن كنت ذهبا لامعا تشع سعادة وإقبال على الحياة.
الموت من الداخل ليس فقط موت أفراد ولكنه موت دول ايضا فالولايات المتحدة بدأت مرحلة الموت من الداخل منذ طوفان الاقصى وربما قبلها بقليل فرغم التقدم والهيمنة إلا أن المواطن الأمريكي متشقق من الداخل شأنه شأن كل الدول التى تجمع عرقيات كثيرة وغرور أكبر ، الأمريكي بدأ يشعر بالاستنزاف الصهيونى وبأنه مضطر أن يدفع من ضرائبه ومن صورته أمام العالم ليرضي إسرائيل وبني صهيون ، الوضع هناك أصبح يحمل علامة استفهام كبيرة تبحث عن إجابة مقنعة ومرضية لمعظم الأمريكيين والتى قد تكون مسمار فى نعش الامبراطورية الامريكية ومعولا لهدمها وتفككها ليحل محلها امبراطورية اخرى بالطبع الصين تعد نفسا لهذه المرحلة منذ فترة ومن الان فصاعدا . اسرائيل ذلك الكيان المغتصب يموت من الداخل ويحضرني هنا حوار قاله زميل دراسة فى الجامعة الأمريكية كان يهودى الديانة ويحمل جنسية امريكية اسرائيلية مزدوجة . ديفيد قال ان لايوجد من يسمح او يرضى او يوافق على اقامة الدولة الفلسطينية ، لان ذلك معناه تآكل المواطنين اليهود من انفسهم وبأنفسهم ، لان الوضع السكانى فى اسرائيل يجمع طبقات متفاوتة من اليهود ودرجات من التقدير المجتمعى وفى المقابل هناك منظومة سياسية تعمل منذ بداية المجتمع اليهودى واقامة الدولة اليهودية تعمل على مفهوم واحد وهو ان هناك عدوا يريد ان يخرجك من هذه الارض ويعود اليها هذا العدو هو الفلسطينى ، فاذا ماتم اقامة دولة لهم وعاشوا فى سلام وامن فان الاسرائيليون سيتفرغون لانفسهم وستقوم فتنة بسبب التنوع الديموجرافى فاليهود درجات منهم المميز ومنهم الخادم الشحات ولذا فحينها سيصبح الوضع مخيفا وستندلع الخلافات والمواجهات التى ستنتهى بنهاية دولتنا . كلام ديفيد اتذكره وانا اتحدث عن الموت من الداخل لان بوادره ظهرت منذ طوفان الاقصى وراينا وقرأنا مايأتى به الداخل الاسرائيلي من نزاعات وتخبط واختلافات .. الموت من الداخل ليس مجرد حالة او شعور او هرمونات ولكنه مرحلة من المراحل التى تشبه القشة التى تقطم ظهر البعير لانها تانى فى وقت وتوقيت يصعب التنبؤ بما سيخلفه هذا الموت الداخلى .. اللهم خفف عنا أقدارنا وخذنا موتة واحدة وليست على اجزاء ولا من الداخل ..