أصبح الجميع يبحث في محركات البحث عن أخبار النيجر، وتفاصيل ما يحدث من انقلاب عسكري، والحديث عن إمكانية بدء حرب كبرى في تلك المنطقة الواقعة في غرب أفريقيا، ولكن مازال الكثير من الاستفسارات التي تدور في عقول من ليس متخصصا في الشأن الأفريقي، وبالرجوع بالذاكرة إلى عدة أشهر نجد أن الأنباء كانت مسلطة على دولة أخرى مثل ساحل العاج، وقبلها دولة أخرى، وبتحليل أخبار تلك الدول، نجدها جميعا ترتبط بكلمتين متكررتين في كافة الأخبار، وهما "غرب أفريقيا، وفرنسا"، ثم ببحث بسيط نكتشف أن جميعها كانت ضمن المستعمرة الكبرى لفرنسا بغرب أفريقيا، وهنا نجد أنفسنا أننا أمام ثورة ضد المستعمر القديم الحديث.

 

فغرب أفريقيا الفرنسي كما أطلق عليه المتخصصون، هو اتحادية مكونة من ثمانية مناطق فرنسية استعمارية وهي: موريتانيا والسنغال والسودان الفرنسي (مالي حالياً)، غينيا الفرنسية، ساحل العاج، فولتا العليا (بوركينا فاسو حالياً)، داهومي (بنين حاليا) والنيجر، وقد تصارعت بريطانيا وفرنسا على إدارة هذه المنطقة طوال القرن الثامن عشر الميلادي، ففي الفترة من عام 1815م، إلى 1895، كان صراع بين البلدين على تلك المناطق، ولكن فرنسا قامت بتوسيع سلطتها الإدارية على إفريقيا الغربية الفرنسية مع أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وفي عام 1895م، جمعت فرنسا مستعمراتها في إفريقيا الغربية تحت سلطة حاكم عام، وأصبحت داكار هي المقر الرسمي للحاكم العام عام 1902م.

 

فرنسا وسلسلة انقلابات غرب أفريقيا منذ 1990 

ولكن مع نهاية القرن الماضي انتهت شكليا سيطرة فرنسا على تلك المستعمرات، ولكن بالرصد التاريخي، نجد أن انقلاب النيجر، ما هو إلا أحدث دولة في غرب إفريقيا ضمن سلسلة طويلة من انقلابات الجيش بتلك الدول، وقد سبقها بوركينا فاسو وغينيا ومالي وتشاد - وكلها مستعمرات فرنسية سابقة، ومنذ عام 1990، حدث في أفريقيا 27 انقلاب، كان معظمها (78٪ من الانقلابات)، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الدول الفرنكوفونية مما دفع المعلقون إلى التساؤل عما إذا كانت فرنسا - أو إرث الاستعمار الفرنسي - هي المسؤولة؟

والملفت للنظر أن في تلك الانقلابات، دغاليا ما يعقبها هجوم شديد على فرنسا، وكأن من قام بها يرغب في أن نعتقد ذلك أن الانقلاب ما هو إلا ثورة ضد المستعمر الفرنسي، فقد شن العقيد عبد الله مايغا، الذي عينه المجلس العسكري في مالي رئيسًا للوزراء في سبتمبر 2022 ، هجومًا عنيفًا على فرنسا، وانتقد السيد مايغا "سياسات الاستعمار الجديد، المتعالية، الأبوية والانتقامية، وزعم أن فرنسا تبرأت من القيم الأخلاقية العالمية، وطعنت مالي في ظهرها، كما انتشر النقد اللاذع المناهض لفرنسا في بوركينا فاسو، حيث أنهت الحكومة العسكرية اتفاقًا طويل الأمد سمح للقوات الفرنسية بالعمل في البلاد في فبراير ، مما أعطى فرنسا شهرًا واحدًا لسحب قواتها .

 

آخيرا النيجر ... ودمية المصالح الفرنسية

وكان واضحا أن الرسالة التي أراد مدبروا الانقلاب إيصالها أن الاستعمار الفرنسي لم ينته في تلك الدول، وأنه استمر على شكل اتفاقيات وسياسات تحكم في سلطات البلد، وما حدث هو استبدال الحاكم العسكري الفرنسي بحاكم تابع من أهل اليلد، وبحسب تقرير صحيفة bbc البريطانية، فقد استخدم المنقلبون في النيجر، المزاعم بأن الرئيس محمد بازوم كان دمية للمصالح الفرنسية، وذلك لإضفاء الشرعية على إقالته من السلطة. 

وبحسب الصحيفة البريطانية، فمنذ ذلك الانقلاب وخلال أسبوع واحد فقط، ألغى المجلس العسكري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني خمس صفقات عسكرية مع فرنسا، ونتيجة لذلك، أعقب الانقلاب احتجاجات شعبية وهجمات على السفارة الفرنسية، وفي المقابل، كان واضحا التهديد الفرنسي المباشر لقادة الانقلاب، مع إعطاء المهلة الزمنية التي تنتهى اليوم، وقد نجد أننا أمام حرب مساء اليوم، أو صباح الغد، فالواضح أن الصراع بالفعل هو بين جيوش تلك البلاد وفرنسا. 

كوارث التاريخ الاستعماري يدعم المنقلبون

ويوفر السجل التاريخي بعض الدعم لهذه المظالم أنشأ الحكم الاستعماري الفرنسي أنظمة سياسية مصممة لاستخراج موارد قيمة مع استخدام استراتيجيات قمعية للاحتفاظ بالسيطرة، وكذلك فعل الحكم الاستعماري البريطاني، لكن ما يميز دور فرنسا في إفريقيا هو مدى استمرارها في الانخراط - كما يقول منتقدوها - في السياسة والاقتصاد في أراضيها السابقة بعد الاستقلال.

وتشير الصحيفة البريطانية، أنه لا تزال سبع من الدول التسع الفرنكوفونية في غرب إفريقيا تستخدم فرنك CFA ، المربوط باليورو والمضمون من قبل فرنسا ، كعملة لها ، وهو إرث للسياسة الاقتصادية الفرنسية تجاه مستعمراتها، كما أبرمت فرنسا اتفاقيات دفاعية رأت أنها تتدخل عسكريًا بشكل منتظم لصالح قادة غير محبوبين مؤيدين لفرنسا لإبقائهم في السلطة، وفي كثير من الحالات ، أدى ذلك إلى تقوية يد الشخصيات الفاسدة والمسيئة مثل الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي والرئيس البوركينابي السابق بليز كومباوري ، مما خلق تحديات إضافية للنضال من أجل الديمقراطية.

علاقات فاسدة كشفها أبناء المستعمر نفسه

وعلى الرغم من أن فرنسا لم تتدخل عسكريًا لإعادة أي من رؤساء الدول المخلوعين مؤخرًا، فقد كان يُنظر إليهم جميعًا على أنهم "مؤيدون لفرنسا"، والأسوأ من ذلك، كانت العلاقة بين القادة السياسيين الفرنسيين وحلفائهم في إفريقيا فاسدة في كثير من الأحيان، مما أدى إلى نشوء نخبة قوية وثرية على حساب المواطنين الأفارقة، وتشير الـbbc، إلى أن المنظومة الفاسدة كشفها فرنسيون، فقد صاغ فرانسوا كزافييه فيرشاف، وهو اقتصادي فرنسي بارز، مصطلح Françafrique للإشارة إلى علاقة استعمارية جديدة مخبأة ب "الإجرام السري في المستويات العليا للسياسة والاقتصاد الفرنسيين"، وزعم أن هذه العلاقات أدت إلى "اختلاس" مبالغ كبيرة من المال.

وعلى الرغم من سعي الحكومات الفرنسية الأخيرة إلى النأي بنفسها عن فرنسا الإفريقية، إلا أن هناك تذكيرًا دائمًا بالعلاقات الإشكالية بين فرنسا والمصالح التجارية الفرنسية وإفريقيا ، بما في ذلك عدد من قضايا الفساد المحرجة، لذلك من السهل أن نفهم لماذا قال أحد النيجيريين لبي بي سي: "منذ الطفولة ، كنت أعارض فرنسا ... لقد استغلوا كل ثروات بلدي مثل اليورانيوم والبنزين والذهب"، وغالبًا ما تم إخفاء مثل هذه الفضائح بينما كان الحلفاء السياسيون الأفارقة لفرنسا أقوياء ، وساعد الدعم العسكري الفرنسي في الحفاظ على الاستقرار، ففي السنوات الأخيرة ، تدهورت قدرة فرنسا والدول الغربية الأخرى على ضمان النظام، مما جعلها عرضة بشكل متزايد للنقد.

 

ليست فرنسا وحدها 

ومع ذلك ، على الرغم من جميع الأخطاء التي ارتكبتها فرنسا في تعاملاتها مع مستعمراتها السابقة في إفريقيا على مر السنين ، فإن عدم الاستقرار الذي تعاني منه الدول الفرنكوفونية حاليًا لا يمكن أن يوضع على أبوابها فقط، فلم تكن القوة الاستعمارية السابقة الوحيدة التي تدعم القادة الاستبداديين في الخارج، فخلال الأيام المظلمة للحرب الباردة، ساعدت المملكة المتحدة والولايات المتحدة في دعم عدد من الديكتاتوريين مقابل ولائهم ، من دانييل أراب موي في كينيا إلى موبوتو سيسي سيكو في ما كان يعرف آنذاك بزائير، الآن جمهورية الكونغو الديمقراطية. .

وكانت العلاقة القوية بين الانقلابات والقوة الاستعمارية السابقة أقل انتشارًا في العصور السابقة، أربعة من البلدان التي شهدت أكبر عدد من محاولات الانقلاب منذ عام 1952 هي نيجيريا (8) وغانا (10) وسيراليون (10) والسودان (17) ، والتي شهدت جميعها الحكم البريطاني، وكذلك  فقد تم دعم تلك الانقلابات بمستويات "غير مسبوقة" من انعدام الأمن في أجزاء من غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، مع انتشار الجماعات المسلحة والمتطرفين العنيفين والعنف، وتقول الأمم المتحدة إن الشبكات الإجرامية تقوض ثقة الجمهور في الحكومات المدنية، ولكن بالتأكيد هي عوامل صاغها البعض على أنها نتائج لسياسات فرنسا بتلك الدول بحسب الصحيفة البريطانية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فی إفریقیا تلک الدول

إقرأ أيضاً:

زي النهاردة.. وضع نشيد الثورة الفرنسية لامارسييز

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تمر علينا اليوم الجمعة الموافق 25 شهر إبريل العديد من الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية الهامة ونقدم لكم أبرزها:
 

عام 1792 وضع نشيد الثورة الفرنسية لامارسييز.
 

قاطع الطريق الفرنسي نيكولا جاك بيليتييه يدخل التاريخ كأول شخص يُعدم بالمقصلة.


 عام 1920

 التوقيع على مقررات مؤتمر سان ريمو التي حددت مناطق الانتداب والنفوذ البريطانية والفرنسية في المشرق العربي.
1926 - ظهور أول آلة بيع آلية لبيع بطاقات الدخول ألمانية الصنع في اليابان.


عام 1945 

- مندوبو خمس وأربعين دولة يجتمعون في سان فرانسيسكو لوضع أسس وميثاق هيئة الأمم المتحدة.
 عام 1953 جيمس واتسون وفرنسيس كريك يكتشفون الدنا.
  عام 1954 إنتاج أوّل خليّة طاقة شمسيّة ذات كفاءة عالية في مختبرات بل.
1955 عام الإعلان عن قيام حركة عدم الانحياز على يد جمال عبد الناصر وجوزيف بروز تيتو وجواهر لال نهرو في مؤتمر باندونغ المنعقد في إندونيسيا.
 عام 1979  التصديق على وثائق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
 

عام 1980
الحكومة اليابانية تعلن مقاطعتها لدورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في موسكو.


فشل القوات الخاصة الأمريكية المسلحة في عملية مخلب النسر التي کانت هدفها تحرير الرهائن الأمريكيين فكانت النتيجة مقتل 8 جنود أمريكيين وإصابة أربعة آخرين بسبب تصادم طائرتين خلال العاصفة الصحراوية في صحراء مدينة طبس الإيرانية.
1982 - إتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء حسب اتفاقية كامب ديفيد.
 عام و1990 فيوليتا تشامورو تُصبح رئيسة لنيكاراغوا مما يجعلها أول امرأة تتولى رئاسة دولة في أمريكا اللاتينية.
1992 - افتتاح القسم الكردي لراديو صوت أمريكا.
 عام 2005- وفاة 107 أشخاص في حادث تحطم سكة الحديد في اليابان.
 عام 2015 حدوث زلزال في النيبال بقوة 7.9 درجات، يوقع أكثر من 6500 قتيل ويخلف خسائر جسيمة.
 عام 2016  تفجير سيارة مفخخة في السيدة زينب قرب دمشق يؤدي إلى مقتل 15 شخصاً وجرح 40 آخرين، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يعلن مسؤوليته.
2022 - مجلس إدارة تويتر يقبل عرضًا للاستحواذ على المنصة من إيلون ماسك، في صفقةٍ بلغت قيمتها قرابة 44 مليار دولار أمريكي.
 

مقالات مشابهة

  • الكويت تُصدر حكماً بسجن عراقييَن و3 مصريين في قضية تحويلات غير شرعية
  • سوق أهراس.. الحبس المؤقت لشخص قام بذبح وبيع لحوم النعجة بطريقة غير شرعية
  • «حزب صوت الشعب» يردّ على وزير داخلية النيجر: احترام سيادة ليبيا ضرورة
  • الجزائر تقلب الطاولة.. الإنجليزية بدل الفرنسية في كليات الطب
  • زلزال جديد يضرب إسطنبول.. ومخاوف من كوارث أكبر
  • كوارث منتظرة والتصعيد مفتوح على كل الاحتمالات معركة عض الأصابع بين ترامب والصين.. من يصرخ أولا؟
  • زي النهاردة.. وضع نشيد الثورة الفرنسية لامارسييز
  • أكبر عملية طرد: الجزائر ترحّل إلى النيجر 1800 مهاجر إفريقي غير شرعي في يوم واحد
  • كرموس: لا انتخابات نزيهة في ظل حكومتين والانقسام يهدد شرعية النتائج
  • وزارة التعليم العالي تؤكد عدم شرعية قبول وتدريس الطلاب بمراكز الجامعات والكليات بالخارج عقب قرار إغلاقها