نظام نقدي واقتصادي يليق بالقرن الحادي والعشرين
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
أولريش فولز -
جاناك راج -
مونيكا هيرز -
قبل ثمانين عامًا، اجتمع مندوبون من 44 دولة في بريتون وودز، بولاية نيو هامبشاير، لتنسيق إعادة البناء في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتشجيع التعاون الاقتصادي الدولي. وتظل المؤسستان اللتان أرسوا لهما الأساس -صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- قائمتين في قلب النظام النقدي والمالي العالمي.
ولكن في السنوات الأخيرة، كشف تغير المناخ وجائحة «كوفيد 19» عن مدى ابتعاد هاتين المؤسستين عن الواقع الاقتصادي العالمي المتغير وأولويات التنمية. وإذا كان للمجتمع الدولي أن يحظى بأي فرصة للتعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين بفعالية وإنصاف، فلابد من إصلاح البنية الاقتصادية والمالية العالمية. وهنا تبرز ثماني أولويات.
أولا، يجب أن تُـعـطى الاقتصادات النامية صوتا أكبر في المؤسسات المتعددة الأطراف. وكما هو معترف به على نطاق واسع، فقد تحولت القوة الاقتصادية العالمية بدرجة كبيرة منذ عام 1944، حيث أصبحت الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تحمل وزنا أكبر كثيرا. لكن نظام الحصص والتصويت في مؤسستي بريتون وودز لا يزال منحازًا بشكل كبير لصالح الاقتصادات المتقدمة. فضلا عن ذلك، نجد أن «الاتفاق الودي» غير المكتوب الذي يقضي بتولي أوروبي رئاسة صندوق النقد الدولي وأمريكي رئاسة البنك الدولي لا يزال قائمًا. هذا الوضع لا يقوض شرعية مؤسستي بريتون وودز فحسب؛ بل يعوق أيضًا قدرتهما على مواجهة التحديات العاجلة والمعقدة في عصرنا. لهذا السبب، لابد من إعادة تخصيص الأنصبة وحصص التصويت -وهو التغيير الذي قاومته الاقتصادات المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة، حتى الآن- ولابد من تبني إجراء اختيار القيادة «بالأغلبية المزدوجة». بموجب مثل هذا النظام، يجب أن يحصل المرشحون الناجحون على أغلبية الأصوات المرجحة (التي تعكس حصص البلدان في المؤسسة) ودعم أغلبية البلدان الأعضاء.
ثانيا، لابد من تعزيز شبكة الأمان المالي العالمية -شبكة المؤسسات التي توفر التمويل الـحَـرِج في أوقات الأزمات- وجعلها أكثر استجابة لاحتياجات الاقتصادات النامية التي تواجه مخاطر مناخية واقتصادية كلية متطورة. الواقع أن شبكة الأمان المالي العالمية في وضعها الحالي لا تقصر بدرجة كبيرة عندما يتعلق الأمر بحجم الدعم الذي توفره فحسب، بل إنها تعاني أيضًا من أوجه تفاوت بنيوية ذاتية تجعل البلدان النامية أكثر عُرضة للخطر. ومن الواضح أن إنشاء شبكة أمان مالي عالمية أكبر وأكثر عدالة من شأنه أن يحمي البلدان بشكل أفضل من الصدمات المناخية وغير ذلك من الأزمات، وأن يساعد في تحرير الموارد لتعزيز التنمية محليًا.
ثالثًا، يجب إنشاء آلية دولية لتقديم حلول عادلة وسريعة لأزمات الديون السيادية. وينبغي أن يبدأ العمل على مثل هذه الآلية لحل الديون السيادية -بما في ذلك مؤسسة مستقلة عن الدائنين والمدينين (وهو أمر بالغ الأهمية لضمان المعاملة العادلة)- الآن. لكن الحلول القريبة الأمد ستكون مطلوبة أيضًا لمعالجة أزمة الديون السيادية التي تعرقل التنمية حاليًا في الجنوب العالمي؛ لأنها تعوق الاستثمارات الحَرِجة في العمل المناخي وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
رابعًا، يجب توسيع نطاق تمويل المناخ بشكل كبير، ويجب أن تكون كل التدفقات المالية العامة والخاصة -بما في ذلك الإقراض من قِـبَـل المؤسسات المالية الدولية- متوافقة مع الأهداف التي نَصّ عليها اتفاق باريس للمناخ. ويتعين على الهيئات الدولية المعنية بوضع المعايير أن تلتزم بمعالجة المخاطر المالية المرتبطة بالمناخ ودعم هذا «التوافق مع باريس».
خامسًا، يجب تعزيز قوة بنوك التنمية الدولية والوطنية ودون الوطنية. يتطلب التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره مبالغ ضخمة من الاستثمار، وما تستطيع المؤسسات المالية التجارية القيام به ليس بلا حدود. لذلك، يجب أن تضطلع بنوك التنمية والصناديق العامة بدور أكبر كثيرًا في تمويل التحول البنيوي والتنمية المستدامة. وينبغي لبنوك التنمية المتعددة الأطراف ومؤسسات تمويل التنمية أن تعمل بشكل وثيق مع نظيراتها الوطنية ودون الوطنية لمساعدتها على تحقيق إمكاناتها.
سادسًا، يجب إحراز تقدم نحو إنشاء نظام عملة واحتياطي متعدد الأطراف يتمحور حول وحدة حساب صندوق النقد الدولي، حقوق السحب الخاصة. الواقع أن مركزية الدولار الأمريكي في النظام (أو اللانظام) النقدي العالمي تعني أن سياسات بنك مركزي واحد -بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي- لها تأثير غير متناسب على الظروف النقدية العالمية والدورة المالية العالمية. والنظام الأكثر استقرارا يتطلب إصدار صندوق النقد الدولي حقوق السحب الخاصة بانتظام لتلبية الزيادات في الطلب العالمي على الاحتياطيات من النقد الأجنبي، مع تخصيصات إضافية تلقائية في أوقات الأزمات. في الوقت ذاته، لتقليل مخاطر العملة في البلدان المتلقية، يتعين على بنوك التنمية المتعددة الأطراف ومؤسسات تمويل التنمية أن تعمل على توفير التمويل بالعملات المحلية.
سابعًا، ينبغي لصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الإقليمية أن تنشئ آليات لتنسيق السياسات لإدارة التقلبات في تدفقات رأس المال عبر المناطق وبين الاقتصادات النامية والمتقدمة. وينبغي أيضًا فرض ضريبة دولية على المعاملات المالية للمساعدة في الحد من الاضطرابات الناجمة عن تدفقات رأس المال القصيرة الأجل. ومن الممكن استخدام العائدات الكبيرة التي قد تولدها مثل هذه الضريبة لتمويل أهداف التنمية المستدامة والعمل المناخي.
أخيرًا، لابد من تعزيز البنية الضريبية الدولية لدعم التنمية العادلة والشاملة والمستدامة. ومن الممكن أن تعمل الشفافية الضريبية الأكبر وآليات تبادل المعلومات المصرفية والمالية الـمُـحَـسَّـنة عبر الحدود على تمكين البلدان من توليد مزيد من العائدات الضريبية المحلية.
بالإضافة إلى هذا، من الممكن أن تعمل اتفاقية إطارية مُلزِمة بشأن الضرائب ترعاها الأمم المتحدة، إلى جانب تدابير الهدف منها مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، على خلق مصادر جديدة لتمويل التنمية والحد من الاعتماد على مساعدات التنمية الرسمية.
كان مؤتمر بريتون وودز عام 1944 لحظة غير مسبوقة من العمل الجماعي. ولقد طال انتظار لحظة أخرى من هذا القبيل - حيث يطرح زعماء العالم رؤية جديدة للبنية المالية العالمية تتطلع إلى المستقبل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصادات النامیة صندوق النقد الدولی أن تعمل یجب أن
إقرأ أيضاً:
كرستين لاغارد: رسوم ترامب تبشر بمسيرة نحو استقلال أوروبا
قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كرستين لاغارد اليوم الاثنين إن احتمال تطبيق الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة في الثاني من أبريل/نيسان المقبل يمثل بداية مسيرة نحو الاستقلال لأوروبا.
وأضافت، في مقابلة مع إذاعة فرانس إنتر، "يطلق عليه (الرئيس الأميركي دونالد ترامب) يوم التحرير. أراه لحظة يجب أن نقرر فيها معا أن نمسك بمصيرنا بأيدينا".
ومن المنتظر أن يعلن ترامب عن اقتراح شامل للرسوم الجمركية فيما يسميه "يوم التحرير" بعد غد الأربعاء، بعد تطبيق رسوم على الألمنيوم والصلب والسيارات، إلى جانب زيادة الرسوم الجمركية على جميع السلع الواردة من الصين.
رد مماثلمن جانبه، قال وزير التجارة الفرنسي لوران سان مارتن إن باريس لا تزال تأمل أن تتجنب أوروبا حربًا تجارية مع الولايات المتحدة، لكنها سترد بإجراءات مماثلة إذا فرض ترامب الرسوم الجمركية التي أعلنها يوم الأربعاء.
وأضاف في مقابلة مع إذاعة "آر تي إل" اليوم الاثنين "لن تكون أوروبا موحدة وقوية أبدا إذا سمحت لنفسها بأن تُدفع إلى حرب تجارية لا تريدها. ومع ذلك، يجب عليها دائما طرح جدول أعمال إيجابي".
في سياق ذي صلة، قال ترامب إن الرسوم الجمركية المضادة التي سيعلن عنها هذا الأسبوع ستشمل جميع البلدان وليس عددًا محدودا من الدول صاحبة الاختلالات التجارية الأوسع مع الولايات المتحدة.
إعلانوقال للصحفيين على متن طائرة الرئاسة "سنبدأ بجميع البلدان".
وذكر المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض كيفن هاسيت، في حديثه إلى فوكس بيزنس في الآونة الأخيرة، أن الرسوم ستركز على الدول صاحبة الاختلالات التجارية الأوسع مع الولايات المتحدة وعددها 10 إلى 15 دولة، من دون أن يحددها.
ويرى ترامب الرسوم الجمركية وسيلة لحماية الاقتصاد الأميركي من منافسة عالمية غير عادلة وورقة تفاوضية تحصل بموجبها الولايات المتحدة على شروط أفضل.
ومع ذلك أدى القلق إزاء الحرب التجارية إلى اضطرابات في الأسواق ومخاوف من الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة.
وقال ترامب إنه سيفرض حزمة من الرسوم الجمركية المضادة على الدول التي تطبق رسوما على الصادرات الأميركية.