حتى لو لم تندلع الموجة المتطرفة الـمُـخيفة الـمُـنـتَـظَـرة في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الشهر بالدرجة المتوقعة لها من القوة، فقد كان أداء اليمين المتطرف جيدا في إيطاليا والنمسا وألمانيا، وبشكل خاص في فرنسا. علاوة على ذلك، جاءت أحدث مكاسبه في أعقاب تحولات كبرى نحو أحزاب اليمين المتطرف في المجر وإيطاليا والنمسا ونيذرلاند والسويد، بين دول أخرى.

في فرنسا، لا يمكن اعتبار الانتصار الساحق الذي حققه حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا) بقيادة مارين لوبان مجرد تصويت احتجاجي. ذلك أن الحزب يسيطر بالفعل على عدد كبير من الحكومات المحلية، وقد دفع نجاحه هذا الشهر الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الدعوة إلى عقد انتخابات مبكرة -وهي مقامرة قد تمنحه أغلبية برلمانية.

على مستوى ما، لم نشهد جديدا هنا. فقد كنا نعلم بالفعل أن الديمقراطية أصبحت مُـنـهَـكة على نحو متزايد في مختلف أنحاء العالم، مع تزايد شِـدّة التحديات من جانب الأحزاب الاستبدادية.

وتُظهِر الاستطلاعات أن حصة متزايدة من السكان تفقد الثقة في المؤسسات الديمقراطية. بيد أن التوغلات التي يحرزها اليمين المتطرف بين الناخبين الأصغر سنا مثيرة للقلق بشكل خاص.

لا أحد يستطيع أن ينكر الآن أن هذه الانتخابات الأخيرة كانت بمثابة نداء تنبيه صارخ. ولكن ما لم نفهم الأسباب الجذرية وراء هذا الاتجاه، فمن غير المرجح أن تنجح الجهود الرامية إلى حماية الديمقراطية من الانهيار المؤسسي والتطرف.

التفسير البسيط لأزمة الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم الصناعي هو أن أداء النظام لم يرق إلى مستوى الوعود التي بذلها. في الولايات المتحدة، لم ترتفع الدخول الحقيقية (المعدلة تبعا للتضخم) عند أسفل ووسط جدول التوزيع إلا قليلا منذ عام 1980، ولم يفعل الساسة المنتخبون شيئا يُـذكَر حيال ذلك. على نحو مماثل، كان النمو الاقتصادي في قسم كبير من أوروبا باهتا، وخاصة منذ عام 2008. وحتى لو انخفضت معدلات البطالة بين الشباب مؤخرا، فإنها كانت لفترة طويلة تشكل قضية اقتصادية كبرى في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى عديدة.

كان من المفترض أن يوفر النموذج الغربي للديمقراطية الليبرالية فرص العمل، والاستقرار، والمنافع العامة عالية الجودة. ورغم نجاحه إلى حد كبير في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد جاء أداؤه مقصرا في كل المجالات تقريبا منذ عام 1980 أو نحو ذلك. واستمر صناع السياسات من اليسار واليمين في الترويج لسياسات صممها خبراء وأدارها تكنوقراط مؤهلون تأهيلا عاليا.

لكن هذه السياسات لم تفشل في تحقيق الرخاء المشترك فحسب؛ بل تسببت أيضا في إيجاد الظروف التي أفضت إلى اندلاع الأزمة المالية عام 2008، والتي أزالت أي غطاء رقيق متبق من النجاح. وخلص أغلب الناخبين إلى أن الساسة يهتمون بدرجة أكبر بالمصرفيين مقارنة باهتمامهم بالعمال. يظهر عملي مع نيكولاس أجزينمان، وسيفات جيراي أكسوي، ومارتن فيزبين، وكارلوس مولينا أن الناخبين يميلون إلى دعم المؤسسات الديمقراطية عندما تكون لديهم خبرة مباشرة تتمثل في ديمقراطيات قادرة على تحقيق النمو الاقتصادي، وممارسة الحكم غير الفاسد، وجلب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتوفير الخدمات العامة، وخفض مستويات التفاوت. وعلى هذا فليس من المستغرب أن يُـفضي الفشل في تلبية هذه الشروط إلى خسارة الدعم.

علاوة على ذلك، حتى عندما رَكَّـزَ القادة الديمقراطيون على سياسات من شأنها أن تسهم في تحسين ظروف المعيشة لصالح معظم السكان، فإنهم لم يبرعوا في التواصل بشكل فعّال مع جماهير الناس. على سبيل المثال، من الواضح أن إصلاح نظام معاشات التقاعد ضروري لوضع فرنسا على مسار نمو أكثر استدامة، لكن ماكرون فشل في تأمين الدعم العام لحله المقترح.

لقد فقد القادة الديمقراطيون على نحو متزايد القدرة على إدراك مخاوف السكان الأشد عمقا. وفي الحالة الفرنسية، يعكس هذا جزئيا أسلوب القيادة المتغطرس الذي ينتهجه ماكرون. لكنه يعكس أيضا انحدارا أعرض لمستوى الثقة في المؤسسات، فضلا عن الدور الذي تؤديه وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها من تكنولوجيات الاتصال في تعزيز المواقف الاستقطابية (على اليسار واليمين) والدفع بقسم كبير من السكان إلى غرف صدى أيديولوجية. كان صناع السياسات والساسة المنتمون إلى التيار السائد أيضا غافلين إلى حد ما تجاه أشكال من الاضطرابات الاقتصادية والثقافية التي تجلبها الهجرة بأعداد ضخمة.

في أوروبا، أعربت نسبة كبيرة من السكان عن مخاوفهم بشأن الهجرة الجماعية من الشرق الأوسط على مدار العقد الأخير، لكن الساسة الوسطيين (وخاصة قادة يسار الوسط) تباطأوا في التعامل مع هذه القضية. وقد خلق ذلك فرصة كبيرة للأحزاب المتطرفة المناهضة للهجرة مثل حزب الديمقراطيين السويديين في السويد وحزب من أجل الحرية النيذرلاندي، والتي أصبحت منذ ذلك الحين شركاء ائتلاف رسميين أو غير رسميين للأحزاب الحاكمة.

الواقع أن التحديات التي تعوق الرخاء المشترك في العالم الصناعي ستصبح أشد إلحاحا في عصر الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي (الأتمتة) -وهذا في وقت حيث تحول تغير المناخ، والجوائح الـمَـرَضية، والهجرة الجماعية، وتهديدات مختلفة عديدة للسلام الإقليمي والعالمي إلى مخاوف متنامية جميعها. لكن الديمقراطية تظل النظام الأفضل تجهيزا للتعامل مع هذه القضايا.

توضح الأدلة التاريخية والحالية أن الأنظمة غير الديمقراطية أقل استجابة لاحتياجات سكانها، وأقل فعالية في مساعدة المواطنين المحرومين. أيا كان ما قد يَـعِـد به النموذج الصيني، فإن الأدلة تظهر أن الأنظمة غير الديمقراطية تعمل في نهاية المطاف على تقليص النمو في الأمد البعيد. مع ذلك، تحتاج المؤسسات الديمقراطية والقادة السياسيون إلى الالتزام المتجدد ببناء اقتصاد عادل. وهذا يعني إعطاء الأولوية للعمال والمواطنين العاديين قبل الشركات متعددة الجنسيات، والبنوك، والمخاوف العالمية، مع العمل على تعزيز الثقة في النوع الصحيح من التكنوقراطية. لن يكون من المجدي أن يفرض مسؤولون منعزلون سياسات تصب في مصلحة شركات عالمية. ولمعالجة تغير المناخ، والبطالة، والتفاوت بين الناس، والتعامل مع الذكاء الاصطناعي والارتباكات التي أحدثتها العولمة، تحتاج الديمقراطيات إلى المزج بين الخبرة والدعم الشعبي العام. لن تكون هذه بالمهمة السهلة، لأن كثيرا من الناخبين أصبحوا لا يثقون في الأحزاب الوسطية.

ورغم أن اليسار المتشدد -كما يمثله جان لوك ميلينشون في فرنسا- يتمتع بقدر أكبر من المصداقية مقارنة بالسياسيين المنتمين إلى التيار السائد عندما يتعلق الأمر بالتزامه بصالح العمال والاستقلال عن مصالح البنوك وشركات الأعمال العالمية، فمن غير الواضح ما إذا كانت السياسات الشعبوية اليسارية قادرة حقا على تسليم الاقتصاد الذي يريده الناخبون.

يشير هذا إلى طريق واحد إلى الأمام يجب أن تسلكه الأحزاب الوسطية. بوسعها أن تبدأ ببيان يرفض الولاء الأعمى لشركات الأعمال العالمية والعولمة غير المنظمة، ويقدم خطة واضحة وقابلة للتطبيق تجمع بين النمو الاقتصادي وتقليص فجوات التفاوت. ينبغي لها أيضا أن تعمل على إيجاد توازن أوثق بين الانفتاح والسماح بحدود معقولة للهجرة. إذا أيد عدد كاف من الناخبين الفرنسيين الأحزاب المؤيدة للديمقراطية ضد حزب التجمع الوطني في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، فقد تنجح مقامرة ماكرون. ولكن حتى لو نجحت، فإن العودة إلى العمل كالمعتاد ممارسة من غير الممكن أن تستمر. لكي تستعيد الديمقراطية دعم جماهير الناس وثقتهم، يجب عليها أن تصبح أكثر مُـناصَـرة للعمال وتأييدا للمساواة.

دارون عاصم أوغلو أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو مؤلف مشارك (مع جيمس أ. روبنسون) لكتاب لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر (الملف الشخصي، 2019).

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

هل ينهي حل حزب العمال الوجود التركي في العراق؟

بغداد اليوم- متابعة

هدير الطائرات التركية وأزيزها ما يزال يسمع بين فترة وأخرى فوق بعض نواحي وقرى محافظة دهوك شمال العراق، رغم إعلان رئيس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، حل الحزب وإنهاء عملياته العسكرية.

ويتحدث نجيب خالد، المواطن الذي يسكن قرية بلافه التابعة إلى ناحية ديرلوك في قضاء العمادية بمحافظة دهوك، ثم يصمت فجأة عند اقتراب الطائرات التي تُسيّرها أنقرة لملاحقة عناصر حزب العمال.

ويعبر عن استيائه من عدم تأثير خطاب أوجلان على الأوضاع الأمنية في منطقته الحدودية، مشيراً إلى أن الصراع المسلح "ما يزال مستمراً".

ويضيف نجيب قائلاً "أرجو أن تستمعوا إلى أصوات الطائرات التي تحلق حالياً فوق قريتنا بينما أتحدث إليكم".

ويقول إن الطائرات التركية "ما زالت تقوم بطلعات شبه يومية بحثاً عن المطلوبين من الحزب.

كما يطالب نجيب باتخاذ "إجراءات عاجلة" لوقف هذه المعارك، لتمكين الأهالي من العودة إلى قراهم واستئناف أعمالهم الزراعية التي توقفت منذ فترة طويلة.

ويردف "لا أحد يمكنه التنبؤ بمستقبل الأحداث، ونتمنى نحن المتضررين من هذه الحرب أن تتحقق عملية السلام بين تركيا وحزب العمال".

تطورات متسارعة

ويشهد ملف الوجود العسكري التركي في العراق تطورات متسارعة، خاصة بعد إعلان حزب العمال الكردستاني تحوله من العمليات العسكرية إلى النشاط السياسي.

الدعوة التي وجهها زعيم "العمال الكردستاني"، عبد الله أوجلان، لحزبه لم تكن الأولى من نوعها على هذا الصعيد، لكن سطور البيان الخاص بها والتي تليت من مدينة إسطنبول، يوم الخميس، حملت "نفسا استثنائيا".

فقد بدأ الحراك النيابي داخل العراق استعداداته للضغط بغية إخراج القوات التركية من البلاد وإغلاق قواعدها العسكرية، ليس فقط في إقليم كردستان، بل في المناطق الأخرى، بما في ذلك قاعدة زليكان العسكرية الواقعة على أطراف مدينة الموصل.

ورغم ذلك، تسعى أنقرة إلى الإبقاء على قواعدها العسكرية في العراق، مما يعكس تعقيد المشهد ويطرح تساؤلات حول مستقبل هذا الوجود وتداعياته على الجوانب السياسية والأمنية في العراق، وهل سيؤثر حل حزب العمال الكردستاني على دوافع تركيا للبقاء في العراق، أم أن هناك عوامل أخرى تدفعها للاستمرار في وجودها العسكري داخل الأراضي العراقية.

مطالب بـ"إنهاء الاحتلال"

أوضح رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، كريم المحمداوي في تصريح صحفي، أن اللجنة "تمتلك رؤية واضحة" بشأن ضرورة اتخاذ قرار يقضي بخروج القوات التركية وعناصر حزب العمال الكردستاني من جميع الأراضي العراقية.

وبيّن أن اللجنة "ماضية في هذا الحراك لعقد جلسة للتصويت على هذا القرار في قادم الأيام".

وأضاف المحمداوي أن وجود القوات التركية في العراق "لم يعد مبرراً"، خاصة بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني لوقف العمليات العسكرية والانتقال إلى المسار السياسي.

بناءً على ذلك، فإن لجنة الأمن والدفاع، وفق المتحدث، "تصر على مطالبها بضرورة إنهاء التواجد العسكري التركي، وإخراج عناصر حزب العمال من العراق".

رغم إعلان أوجلان.. لماذا يستمر القتال بين تركيا و"الكردستاني"؟

تجددت الاشتباكات بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني المحظور في سلسلة جبال متين في محافظة دهوك، شمال العراق.

وأكد رئيس اللجنة أن "استمرار التواجد العسكري التركي في العراق يشكل تعدياً على السيادة العراقية، سيما أن هذا الوجود لم يتم بموجب اتفاقيات رسمية مما يجعله بمثابة احتلال للأراضي العراقية"، بحسب تعبيره.

عوامل حاسمة

من جانبه، بيّن المحلل السياسي المقرب من الحكومة التركية، مهند حافظ أوغلو، في تصريح صحفي، أن هناك فارقاً كبيراً بين إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وقبول دعوة زعيمه عبد الله أوجلان، وما بين تطبيق هذا الأمر ميدانياً، بما في ذلك إلقاء السلاح.

وأكد أن أنقرة لن توقف عملياتها العسكرية طالما لم يتم نزع سلاح الحزب بشكل فعلي، حيث تمكنت القوات التركية قبل عدة أيام، من "تحييد تحركات إرهابية" على حد وصفه، وقتلت نحو 10 من عناصر حزب العمال.

وأضاف أوغلو أن تركيا "لا يمكنها حتى إذا عقد حزب العمال مؤتمره وأعلن عن حل نفسه وإلقاء سلاحه، أن تسحب قواتها من الجغرافية العراقية بشكل عاجل، لسببين رئيسيين الأول، هو رغبة تركيا في إبقاء قواتها في العراق لمراقبة الوضع الميداني بعد أن ينزع الحزب سلاحه، لضمان عدم وجود تحركات إرهابية أو أسلحة متفلتة قد تستخدم في دعم تحركات عناصر الحزب، وهو أمر قد يستغرق شهوراً".

أما السبب الثاني فيتمثل بوجود تفاهمات بين أنقرة وبغداد وإقليم كردستان، بالإضافة إلى دمشق وعمان، لتشكيل قوة إقليمية رباعية لمكافحة الإرهاب، بدءًا من داعش ثم حزب العمال، وصولًا إلى أذرعه.

وبالتالي "لا يمكن سحب القوات العسكرية التركية من العراق وسوريا في الوقت الحالي إلا وفق ترتيبات محددة"، حسب قوله.

ما ان تعبر مدينة العمادية فان الخروج عن الشارع الرئيسي يصبح بمثابة التوجه نحو المجهول، قد تنفجر بك عبوة ناسفة! تم زراعتها على مقربة من الشارع أو تأتيك طائرة مسيرة تقصفك، بهذه الكلمات وصف عبدالله سليم الطريق الى قريتهم، وهو من أهالي قرية (مزي) القريبة من ناحية ديرالوك في قضاء العمادية (470 كلم شمال بغداد).

كما أبدت بغداد استعدادها للتعاون مع أنقرة في هذا الإطار، خاصة أنها تعتبر حزب العمال الكردستاني ليس مجرد منظمة محظورة، بل منظمة إرهابية، وفقًا للتصنيف العراقي، كما جاء ذلك في تصريح لوزير الدفاع العراقي، بحسب حديث أوغلو.

وفي ما يتعلق ببدء أنقرة بتقديم تطمينات للجانب العراقي بشأن سحب جزء من قواتها من العراق مبدئيًا، يرى المحلل السياسي أن هذا الأمر مرتبط بتوقيتات مؤتمر حزب العمال المنتظر لإلقاء السلاح بشكل فعلي.

كما يرتبط أيضًا بتعاون العراق في متابعة الوضع الأمني الميداني لضمان إنهاء أي نشاط مسلح للحزب، وبعد انعقاد المؤتمر، ستكون بغداد وأنقرة أمام عام كامل لتحديد ما إذا كان هناك جدول زمني لسحب القوات التركية وإغلاق قواعدها العسكرية في العراق أم لا.

وفي الوقت نفسه يؤكد أوغلو أن أنقرة ستناقش بشكل مفصل مع بغداد مسألة القواعد العسكرية التركية على الأراضي العراقية، وبعد نزع سلاح حزب العمال ترى تركيا ضرورة وجود قوة ردع لمنع ظهور أي عناصر متخفية أو ذئاب منفردة.

كما سيتم، وفق المتحدث، التنسيق مع الجانب العراقي في هذا الشأن "لضمان عدم وجود ذريعة لاحقًا للعراق بأن تركيا تنتهك سيادتها، حيث أن أنقرة ترفض بشكل قاطع التعدي على سيادة أي دولة".

ويضيف "لن يكون هناك انسحاب للقوات التركية وإغلاق قواعدها العسكرية في العراق ما لم تطمئن أنقرة بشكل كامل إلى أمنها القومي، بعدم وجود أي تهديدات، وضمان إنهاء هذا الملف بشكل نهائي، ويرتبط هذا بما سيحدث في المستقبل، حيث قد تغيّر تركيا في شكل قواعدها ومواقع انتشارها، وربما يكون ذلك بإنشاء قاعدة عسكرية حتى في جبال قنديل".

وأشار أوغلو إلى أن عدد القواعد العسكرية التركية المتكاملة بتشكيلاتها الحالية في العراق لا يتجاوز 20 قاعدة، بحسب قوله.

كما أضاف أن هناك العشرات من نقاط الانتشار لعناصر القوات التركية على الأراضي العراقية، مشيراً إلى أن هذا التواجد "لم يتم بموجب اتفاق رسمي مع الجانب العراقي، بل بناءً على تفاهمات وقبول عراقي لوجود القوات التركية بهدف مكافحة الإرهاب"، حسب قوله.

ولفت المحلل السياسي إلى أن حزب العمال يتألف من تيارين رئيسيين؛ أحدهما غربي والآخر إيراني، حيث "يتمتع التيار الإيراني بهيمنة كبيرة على الحزب، وبناءً على ذلك، فإن تحركات قادة الحزب ستكون وفق الأجندة الإيرانية في العراق".

أول تعليق لبارزاني على دعوة أوجلان لإلقاء السلاح

رحب رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، الخميس، برسالة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان التي دعا خلالها حزبه لنزع السلاح وحل نفسه.

وأضاف أن من غير المحتمل أن تدخل أنقرة في أي مفاوضات مع منظمة إرهابية، حسب وصفه، ولن توافق على أي تسوية لحل القضية الكردية سياسياً إلا بشرط حل الحزب وإلقاء سلاحه بشكل نهائي ، لضمان تحقيق عملية السلام في المنطقة.

اقتلاع "شجرة حديدية"

يقول الخبير الأمني، ماجد القيسي، في تصريح صحفي إن قيادات حزب العمال العسكرية التي تعمل في الميدان لن تتماشى في المرحلة الحالية مع دعوة رئيس الحزب أوجلان وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بنزع السلاح بشكل متكامل، لأنها تعتقد أن هذا النداء جاء نتيجة ضغوط من حكومة أنقرة على أوجلان وهو في المعتقل.

والدليل على ذلك، بحسب القيسي، أن العمليات العسكرية ما تزال قائمة والطيران التركي يواصل طلعاته وملاحقة أهدافه.

ويوضح أن عبد الله أوجلان معتقل منذ عام 1999، ولم يتواصل مع حزبه وقادته منذ سنوات طويلة، ما يعزز فكرة أن مثل تلك القرارات الحاسمة ترجع للقيادات العسكرية.

بالإضافة إلى هذا الحزب يتضمن تيارات عديدة قد لا تتوافق ودعوة أوجلان لإنهاء النشاط المسلح ودخول مفاوضات قد لا تتحقق المكاسب التي حلم بها الحزب.

وأضاف أن حزب العمال بدأ معارضته للحكومة التركية وحمل السلاح ضدها منذ 4 عقود وتحديداً منذ عام 1980.

وترى قيادات حزب العمال أن هذا القتال لن ينتهي دون تحصيل حقوق الكرد في تركيا، و"المؤشرات تؤكد أن الحزب غير مستعد لنزح سلاحه والدخول في مفاوضات وقد يقوم بتجميد عملياته العسكرية لكن مسألة نزع السلاح مستبعدة سيما في ظل وجود مفاوضات"، حسب قول القيسي.

ويؤكد أن ما بين عامي 2013 إلى 2015، كانت هناك عملية سلام بين أنقرة وحزب العمال لكنها انهارت بعد نشوب معارك عنيفة في الجيش التركي وعناصر الحزب في مدينة ديار بكر وشرناق، لأسباب تركية داخية وأسباب أخرى تتعلق بالحزب نفسه.

وبرغم وجود مذكرة تفاهم بين أنقرة وبغداد في عدة مجالات، أبرزها الجانب الأمني، والتي تم توقيعها في أغسطس 2024، إلا أن الخبير الأمني يرى أن وجود القوات التركية داخل الأراضي العراقية يعد خرقًا للسيادة الوطنية، وفقاً لتعبيره.

وتنص بنود هذا التفاهم على إنهاء الوجود العسكري التركي ويكون هناك تعاون أمني لمكافحة الإرهاب، والاحترام المتبادل لسيادة البلدين، والقضاء على التهديدات الأمنية كافة، وإنشاء مركز أمني مشترك على الحدود، وأن تستلم القوات العراقية قاعدة زليكان أطراف الموصل.

لكن لحد الأن لا توجد مسارات لتنفيذ بنود مذكرة التفاهم الأمني من كلا الطرفين، إذ يرجع القيسي هذا الأمر إلى وجود فجوات متعددة بين بغداد وأنقرة أهمها الجانب الأمني وأزمة المياه على حد وصفه.

ويعتقد القيسي أن من أبرز التداعيات الأمنية الناتجة عن وجود القوات التركية داخل العراق واستمرار عملياتها العسكرية هو التأثير المباشر على أمن المواطنين وحياتهم اليومية.

وقد أدى ذلك إلى نزوح سكان مئات القرى في شمال العراق، وبالتحديد في محافظة دهوك، مما أسهم في تدهور أوضاعهم المعيشية وتهديد مصادر رزقهم.

في ما يشير إلى أن عدد القواعد والمواقع العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية وفقاً لما نشرته وزارة الدفاع التركية، يصل إلى 37 موقع عسكري في عام 2020، أما الآن فعدد المواقع العسكرية التركية يقدر بنحو 85 موقع وقاعدة عسكرية في العراق.

كما قال القيسي إن مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي صرح بوجود نحو 100 قاعدة وموقع عسكري تركي في العراق، حسب قوله.

رجل كردي يسير وسط الأنقاض في مدرسة عقب الهجمات الإيرانية عبر الحدود في بلدة كوي (كويسنجاق)، على بعد 100 كيلومتر شرقي أربيل، عاصمة المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال العراق في 1 أكتوبر 2022.

في قلب النزاعات.. مثلث تحديات متداخلة يهدد كردستان العراق

لم تكن برين طاهر، الموظفة في محافظة دهوك، إحدى المدن الرئيسية في إقليم كردستان، تتوقع أن تهاجم إسرائيل مواقع عسكرية إيرانية في تلك الليلة.

ويدعو الخبير الأمني إلى ضرورة الإسراع في بدء مفاوضات "عالية المستوى" بين بغداد وأنقرة بهدف إنهاء التواجد العسكري التركي في العراق وتداعياته السلبية، سيما وأن هناك إشارات واعدة لإزالة مبررات تركيا بشأن محاربة حزب العمال، خصوصاً بعد دعوة أوجلان لحل الحزب، بحسبه.

كما يوصي بتشكيل لجان تنسيقية مسؤولة عن تنفيذ المفاوضات، معتقداً أن أنقرة ستستجيب للمطالبات العراقية وتسحب قواتها من العراق لكن بشكل تدريجي وربما يأخذ وقتاً محدداً، لاسيما في ظل وجود رغبة تركية حقيقية لإنهاء هذا الملف نهائياً على حد تعبيره.

ثورة "مسمومة" بين "جدران المساومات"

يرى أستاذ العلاقات الدولية، عصام الفيلي، أن دعوة اوجلان بحل حزب العمال لن تُطبق بالكامل، ولن تتمكن من إقناع قيادات الحزب بالانخراط في مفاوضات سلمية، حسب قوله.

ويعود السبب في ذلك إلى أن أوجلان تعرض لجملة من "المساومات"، بالإضافة إلى أن نشأته بنيت على "أفكار ثورية"، إذ أنه "يؤمن تماماً أن حقوق الأكراد لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الكفاح المسلح".

ويعتقد الفيلي أن القراءة السياسية لنداء أوجلان تدل على أنه أراد أن يخلق معالجة لأزمة مستدامة، لكنه في الوقت ذاته قدم إشارات ضمنية تفيد بأن القرار سيكون بيد قيادات حزب العمال الميدانية.

ويرى أن تركيا لن تخرج من الأراضي العراقية مهما كانت الظروف، حيث ترى أن وجودها هناك جزء من حق تاريخي يتعلق بمطالبتها بولاية الموصل، كما أن أنقرة تعتبر وجودها أيضاً جزءاً من استراتيجيتها لملئ الفراغ أمام منافس قوي لها، وهو الوجود الإيراني في العراق.

فضلاً عن ذلك، ترى تركيا أن تواجدها العسكري في العراق يمثل توازن قوى في المنطقة، وأنقرة تعتبر نفسها إحدى القوى الإقليمية التي يجب أن يكون لها حضور مؤثر، وتعد وجودها بمثابة حماية لاقتصادها، خاصة أن هناك العديد من الشركات الاقتصادية الكبرى التركية التي تعمل في العراق، وكذلك لكي تفتح المجال أمام المزيد من العلاقات في مجال الطاقة والأعمار، على حد قول الفيلي.

ويشير الفيلي إلى أن البرلمان العراقي، حتى وإن صوت على إخراج القوات التركية من العراق، سيشكل ذلك ورقة ضاغطة على أنقرة، لكن من الصعب تنفيذ هذا القرار لأن بغداد لا تمتلك القدرات العسكرية مقارنة بالإمكانيات التركية أو ما يعادلها، وأن الحل الأمثل لهذه القضية لن يكون إلا من خلال تدويلها، وإصدار قرار أممي يطالب بانسحاب القوات التركية من العراق، وفقاً لرأيه.

وعن التواجد العسكري التركي، يقول أستاذ العلاقات الدولية إن أول قاعدة عسكرية تركية تم إنشاؤها داخل العراق كانت عام 1992، حيث استغلت أنقرة غياب السلطة العراقية عن الأراضي الكردية في إقليم كردستان لتثبت معالم وجودها هناك، ومنذ ذلك الحين، بدأت تركيا في تعزيز حضورها العسكري في المنطقة، مما شكل نقطة انطلاق لتواجدها العسكري الطويل الأمد وفقاً لقوله.

بعد عام 2003 وتغير النظام السياسي في العراق، لم يسعى صناع القرار إلى معالجة مسألة التواجد العسكري التركي بجدية، برغم أن هذه القضية تعد من أبرز التحديات في تاريخ العراق السياسي، كما أن هذا التواجد عدّه الفيلي غير رسمي، إذ لم تُوقع أي اتفاقية رسمية بشأنه، بينما تجدد تركيا الاتفاقية الموقعة بعد عام 1991 من جانبها فقط، حسب قوله.

فيما يعتقد، أن دعوة عبدالله أوجلان بإيقاف النشاط المسلح لن تلقى استجابة من جميع أجنحة حزب العمال الكردستاني، خصوصاً من جماعة "البككة"، التي تضم فصائل تخضع للتأثيرات الإيرانية، ومن أبرز تلك الفصائل وأقواها تلك الموجودة في جبال قنديل تحت قيادة جميل باياك، التي لا تزال تستخدمها إيران كأداة ضغط ضد تركيا في مختلف مراحل التهدئة أو التصعيد.

هذا التوجه يعزز من احتمال استمرار العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني، لفترة طويلة، في ظل تأثر الحزب بالتوجهات الإيرانية التي تسعى لاستغلال هذه الورقة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في مواجهة تركيا التي لا تؤمن بحقوق الكرد وتحديداً على يد اليمين التركي المتطرف، على حد تعبيره.

المصدر: موقع الحرة

مقالات مشابهة

  • مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي تعلن سحب قواتها من الكونغو الديمقراطية
  • الأمم المتحدة تؤكد تصاعد العنف في شرق الكونغو الديمقراطية
  • هل ينهي حل حزب العمال الوجود التركي في العراق؟
  • بعد دعوة أوجلان.. رسالة لـ«حزب الديمقراطية والمساواة» في تركيا
  • الديمقراطية السائبة: طوفان بلا سدود
  • حلفاء للجيش في الكونغو الديمقراطية يقتلون 35 مدنياً
  • صحيفة بريطانية: أميركا تسعى لصفقة معادن مع الكونغو الديمقراطية
  • فايننشال تايمز: أمريكا تجري محادثات استكشافية مع الكونغو الديمقراطية بشأن صفقة معادن
  • الكليبتوقراطية تحت مظلة الديمقراطية
  • الأمم المتحدة: 63 ألف نازح من الكونجو الديمقراطية يواجهون أوضاعاً صعبة