بمساحتها الممتدة 1.27 مليون كيلومتر مربع، تتصدر النيجر دول منطقة غرب أفريقيا من حيث المساحة، رغم أن الصحراء الكبرى تغطي 83% منها، كما تأتي في مقدمة الدول الأفريقية الحبيسة التي تفتقر إلى منفذ بحري من حيث عدد الدول المجاورة لها (7 دول)، ويبلغ الطول الإجمالي لشريطها الحدودي مع تلك الدول السبع 5.697 آلاف كيلومتر.
ويتركز معظم سكان النيجر البالغ عددهم 7.129 ملايين نسمة -غالبيتهم مسلمون- في أقصى جنوب وغرب البلاد. ولهم امتدادات عرقية قبلية، وعرقية متفاوتة مع دول الجوار، وما وراء الجوار، وبالتالي تتفاوت العلاقات والمصالح والحسابات السياسية التي تحكم مواقف تلك الدول من الانقلاب الأخير وتصل حد التباين، خصوصا من اللجوء للخيار العسكري لإنهاء الانقلاب.
وتاليا بعض الملامح العامة لدول جوار النيجر التي تحكم موقفها من الانقلاب الأخير، ويتصدرها أن 5 من تلك الدول السبع تشترك مع النيجر في كونها مستعمرات فرنسية سابقة، باستثناء نيجيريا (استعمار بريطاني سابق)، وليبيا (استعمار إيطالي سابق).
نيجيرياتقع نيجيريا جنوب النيجر وهي صاحبة أطول حدود معها تبلغ 1.497 كيلومتر، وتخترق واحدة من أكثر المناطق كثافة بالسكان في البلدين.
ومنذ العصور الوسطى تم ربط مدن جنوب النيجر وشمال نيجيريا بالتجارة عبر الصحراء. وكانت مدن مثل كانو وكاتسينا؛ المحطةَ الجنوبية لشبكات التجارة التي تدعم الكثير من اقتصاد النيجر. وقبل مطلع القرن الـ20، لم تكن هناك حدود رسمية بين البلدين، لكن الخط الحالي هو الامتداد الشمالي تقريبا لخلافة سوكوتو في القرن الـ19.
ومنذ استقلال النيجر عن فرنسا عام 1960، أقامت الدولتان علاقات وثيقة. على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر. وخلال الحرب الأهلية النيجيرية، كان رئيس النيجر حماني ديوري وسيطا نشطا في الصراع.
ولم تكن هناك نزاعات حدودية خطيرة بين نيجيريا والنيجر. التي تجمعهما روابط ثقافية قوية مثل لغة الهوسا، ولكن هناك القليل من الاهتمام بدولة الهوسا الشاملة. وتستفيد نيجيريا من التجارة والمبيعات الزراعية للنيجر.
ويتولى الرئيس النيجيري بولا تينوبو رئاسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهو الذي استهل مهامه أوائل يوليو/تموز الماضي بالقول " لن نسمح بانقلاب بعد انقلاب في غرب أفريقيا".
وتعتمد النيجر على نيجيريا في إمدادها بـ70% من الكهرباء، وعقب الانقلاب الأخير قطعت نيجيريا إمدادات الكهرباء عن النيجر ضمن العقوبات على الانقلابيين، خصوصا أنها تقود التوجه لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، ورغم ذلك رفض مجلس الشيوخ النيجيري اللجوء إلى الخيار العسكري لردع الانقلابين.
ويرى مراقبون أنه حتى لو لم يرفض البرلمان النيجيري الخيار العسكري، فإن هذا الخيار ينطوي على العديد من التحديات الأمنية في الداخل، وبالتالي فإن إرسال جزء كبير من الجيش إلى النيجر سيكون بمثابة مقامرة.
وتخشى نيجيريا من تصاعد الوضع في النيجر إلى صراع واسع النطاق، وترى أن ذلك قد يؤدي إلى إنشاء ممر بري كبير بين نيجيريا وليبيا، حيث توجد جماعات مسلحة في مناطق كبيرة. ومن ثم يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار في النيجر إلى فراغ في السلطة قد تستغله جماعة بوكو حرام.
تشادتحل تشاد الواقعة شرق النيجر ثانيا في طول الحدود معها والبالغة 1.175 كيلومتر، وتشاد ليست عضوا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
ومن ثم كان الرهان عقب الانقلاب على القائد العسكري التشادي والرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي على أنه وسيط أكثر حيادية للتحدث مع قادة الانقلاب. ومن ثم توجه إلى نيامي حيث التقى -خلال زيارته- قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تشياني، والرئيس المعزول محمد بازوم، بالإضافة إلى سلفه محمد إيسوفو، الذي حاول بنفسه التوسط مع العسكريين، من دون جدوى.
ويُعرف عن الرئيس التشادي قربه من محمد بازوم، وأيضا هو من العسكريين الذين تولوا السلطة، إذ نفذ البلدان الجاران مهمات مشتركة في منطقة بحيرة تشاد، وهما عضوان في "مجموعة دول الساحل الخمس"، وهي قوة إقليمية تأسست عام 2017 لمكافحة تمدد الجماعات المسلحة.
ودافع الرئيس التشادي عن "مقاربة أخوية" تهدف إلى "البحث عن وسائل تؤدي إلى مخرج سلمي للأزمة". ورغم انتقاد عدد من الدول الرسالةَ السياسية لمهمة تشاد، فإن دولا أفريقية أخرى، بما فيها النيجر، رحبت بالمبادرة التشادية، كما اعتبر أوحمودو محمدو، رئيس وزراء الحكومة التي تمت الإطاحة بها، أنّ هذه الوساطة يمكن أن "تؤدي إلى حل للمشكلة التي تواجهها البلاد".
وبعدما أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عن وضع خطة لتدخل عسكري مُحتمل بهدف إعادة الرئيس المعزول محمد بازوم إلى السلطة. أكد وزير الدفاع التشادي الجنرال داود يايا إبراهيم في مقابلة تلفزيونية رسمية، أول أمس الجمعة، أن بلاده لن تتدخل في الأوضاع الراهنة في جارتها النيجر.
والواقع أن تشاد لديها ما يكفيها من أزمات داخلية لا تزال محل حوار، إضافة إلى أزمة تدفق لاجئين من الجارة الشرقية السودان بسبب الحرب، وترى نفسها في غنى عن التورط في مشاكل جدية مع جارتها الغربية النيجر.
الجزائر
الجزائر هي الجار الشمالي الأكبر للنيجر بحدود تبلغ نحو ألف كيلومتر، وفي أبريل/نيسان الماضي وقع البلدان اتفاقا عسكريا يقضي بتسيير دوريات عسكرية مشتركة على حدودهما، وتكثيف التنسيق العملياتي الميداني"، بهدف مجابهة مختلف أشكال التهديدات الأمنية، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وأيضا الهجرة غير الشرعية. وسبق أن وقّع البلدان عام 2021، اتفاقا التعاون الأمني، لتنسيق عمليات محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والمنظمة.
ويتدفق عبر النيجر آلاف المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى الجزائر عبر الحدود المشتركة.
والبلدان عضوان في "مجموعة الميدان" التي تضم أيضا كلا من موريتانيا ومالي.
وتمثل النيجر ممرا مهما للجزائر نحو قلب أفريقيا، ضمن إستراتيجيتها لتعزيز صادراتها إلى القارة السمراء، وبالأخص مشاريع الطريق العابر للصحراء والذي يربط الجزائر بنيجيريا عبر النيجر، بالموازاة مع خط للألياف البصرية، وأنبوب لنقل غاز نيجيريا إلى أوروبا مرورا بالبلدين.
كما أن مجمع سوناطراك الجزائري وقّع في فبراير/شباط 2022، مع وزارة الطاقة في النيجر، على اتفاق لتقاسم الإنتاج في حقل "كفرا" النفطي شمالي البلاد، الذي اكتشفته في 2018، والذي تقدر احتياطاته بنحو 400 مليون برميل.
وتستقبل الجزائر عددا كبيرا من المهاجرين القادمين من النيجر، وترحّلهم بين الحين والآخر إلى بلادهم ضمن اتفاقية أمنية مع نيامي، لكن الانقلاب الأخير من شأنه مضاعفة أعدادهم، خاصة أن الجزائر تعد أغنى بلد بين دول الساحل، حيث تحولت لبلد استقرار لكثير منهم بعدما كانت بلد عبور نحو أوروبا.
ورغم أن الجزائر سبق لها أن تعايشت مع 4 انقلابات عسكرية ناجحة في النيجر، فإن انتشار الانقلابات في جوارها الجنوبي بات مصدر قلق لها، لذا دانت الجزائر بشدة المحاولة الانقلابية في النيجر منذ الساعات الأولى لاحتجاز الرئيس بازوم. ودعت الجزائر، في بيان لخارجيتها "لوضع حد فوري للاعتداء غير المقبول على النظام الدستوري، وهذا الانتهاك الخطير لمقتضيات سيادة القانون".
كما أعقبت ذلك ببيان آخر صدر أمس عن الخارجية الجزائرية جاء فيه أن الجزائر تحذر "وتدعو إلى ضبط النفس بشأن نوايا التدخل العسكري الأجنبي في النيجر. مما سيكون عاملا يعقّد ويزيد من خطورة الأزمة الحالية".
ليبيا
تقع ليبيا شمال شرقي النيجر بحدود طولها 354 كيلومترا، وتعد أكثر الدول العربية تأثرا بالانقلاب في النيجر، فالرئيس محمد بازوم، يتحدر من قبيلة "أولاد سليمان" الليبية، التي يمتد انتشارها من بلدة هراوة على البحر الأبيض المتوسط (قريبة من مدينة سرت الليبية) إلى النيجر وتشاد جنوبا.
ولم يخف رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، قلقه مما يجري في جارة بلاده الجنوبية، ودعا إلى "وضع حد فوري لهذه التحركات العسكرية التي تقوض أمن المنطقة واستقرارها، وتشكل مصدر قلق لجميع البلدان المجاورة، والمجتمع الدولي ككل".
واعتبر رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، أن العملية العسكرية تهدف إلى تغيير غير دستوري للنظام في النيجر، واصفا إياها بأنها عملية خارجة عن القانون والشرعية، داعيا المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لتأمين سلامة الرئيس بازوم وأسرته ورئيس وأعضاء الحكومة.
وسبق أن جرّبت ليبيا عدم الاستقرار في النيجر، خلال السنوات الأخيرة، إذ عانت من مشاركة مجموعات مسلحة من النيجر في القتال لصالح هذا الطرف أو ذاك. وبسبب الوضع الاقتصادي في النيجر، يسهل على أطراف الصراع في ليبيا تجنيد مرتزقة للقتال في صفوفهم، أو على الأقل حماية حقول النفط والمراكز الحيوية في المناطق النائية خاصة بالجنوب.
كما انتعشت الهجرة غير النظامية وتجارة البشر في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وشكلت عبئا اجتماعيا ومسؤولية إنسانية على البلاد، خاصة بعد صدور تقارير عن غرق مهاجرين في عرض البحر بينهم أشخاص من النيجر، ناهيك عن وضعهم في مراكز إيواء غير مناسبة إحداها تعرض لقصف دموي سقط خلاله عشرات القتلى.
وإذا دخلت النيجر في حالة عدم استقرار أو انجرفت نحو الفوضى، فإن ذلك سيدفع أعدادا كبيرة من سكان النيجر للفرار إلى ليبيا، التي لا تملك الإمكانيات الكافية لحماية حدودها. إلى جانب انتشار الاتجار بالبشر على طول سواحلها الغربية القريبة من شواطئ مالطا وإيطاليا وتهريب الأسلحة والوقود، المنتشر على الحدود.
والأخطر من ذلك عودة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية للنشاط في ليبيا، بعدما تم القضاء على إمارتهم في سرت نهاية 2016، وفرارهم إلى دول الساحل وحوض بحيرة تشاد وخاصة نيجيريا. ومن ثم فإن تدهور الوضع في النيجر سيسمح للتنظيمات الإرهابية بالنشاط على محور "نيجيريا – النيجر- ليبيا" وصولا إلى العراق وسوريا.
ويرى مراقبون أن النيجر تمثل نقطة عبور رئيسية للعناصر المتطرفة بين معاقلها الرئيسية في العراق وسوريا وبين معاقلها الجديدة في نيجيريا وحوض بحيرة تشاد. كما تهدد الأحداث الأخيرة في النيجر بتجميد خطط ومشاريع لنقل غاز نيجيريا عبر البلدين، وربط كل من تشاد والنيجر وليبيا بخط للسكك الحديدية.
بنينتقع بنين جنوب النيجر وتبلغ حدودهما المشتركة 266 كيلومترا، ولـ"بنين" أهمية خاصة للنيجر، إلى جانب نيجيريا؛ حيث تمر بهما معظم طرق التجارة الخارجية للنيجر.
ولبنين تجربة تاريخية مع الشيوعية، فبعد أن استولى الرائد ماتيو كيريكو على السلطة في انقلاب عام 1972؛ أعلن جمهورية بنين الشعبية دولة ماركسية لينينية وسعى للحصول على دعم مالي من الحكومات الشيوعية في أوروبا الشرقية وآسيا
ولإبعاد الدولة الحديثة عن ماضيها الاستعماري، أصبحت البلاد جمهورية بنين الشعبية عام 1975. ومع ذلك، تخلت بنين عن الأيديولوجية الاشتراكية عام 1989 بعد ضغوط من الدائنين والاضطرابات المحلية المتعلقة بالصعوبات الاقتصادية.
وفي السنوات الأخيرة، عززت بنين العلاقات مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، وكذلك الولايات المتحدة ومؤسسات الإقراض الدولية الرئيسية. كما تبنت بنين دور الوساطة في الأزمات السياسية في ليبيريا وغينيا بيساو وتوغو وقدمت مساهمة لقوة الأمم المتحدة في هاييتي، وكلها كانت مؤشرات على ثقة البلد المتزايدة في المجتمع الدولي.
ومن المتوقع أن يربط مشروع خط أنابيب التصدير المدعوم من شركة "بتروتشاينا" حقل "أجادم" النفطي في النيجر بميناء كوتونو على المحيط الأطلسي في بنين، ويقدر إجمالي الاستثمار في هذا الخط -الذي يبلغ طوله حوالي ألفي كيلومتر- 4 مليارات دولار.
وتأمل النيجر، التي تنتج حاليا نحو 20 ألف برميل من النفط يوميا، في زيادة إنتاجها إلى نحو 110 آلاف برميل يوميا، منها 90 ألف برميل يوميا سيتم تصديرها عبر خط الأنابيب.
وقال الحسن كورا نائب رئيس ديوان وزير المناجم والطاقة في بنين إن "الوضع السياسي الحالي لا علاقة له بتنفيذ المشروع". وهذا يعني أنه في الوقت الحالي، يتقدم العمل في النيجر وبنين. وقد يكون هناك تأخير فقط في الجدول. وإلا، فإنه في ظل الظروف العادية، بحلول أكتوبر/تشرين الأول المقبل؛ من المفترض إجراء الاختبارات الأولية.
كما أكد المتحدث باسم حكومة بنين ويلفريد ليندري هونجبيدجي أن إغلاق الحدود الذي فرضته كتلة غرب أفريقيا لن يؤثر على أعمال البناء في خط الأنابيب.
وحول الموقف من الانقلاب شدد وزير خارجية بنين يوم الجمعة الماضي على أن "الدبلوماسية يجب أن تكون الحل المفضل للانقلاب في النيجر بينما تعهد بدعم "بنين" الكامل لجهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لحل الأزمة"، معتبرا موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، الذي تلتزم به بنين "هو إطلاق سراح الرئيس بازوم وإعادة تنصيبه".
مالي وبوركينا فاسو
ينفرد البلدان بموقفهما الداعم للانقلاب منذ إعلانه، ورفضهما الشديد للجوء إلى الخيار العسكري، وسبق أن حذرتا في بيان مشترك من أن أي تدخل عسكري في النيجر لإعادة الرئيس بازوم إلى الحكم سيكون بمثابة "إعلان حرب على بوركينا فاسو ومالي".
وأضاف البيان أن ذلك "سيؤدي إلى انسحاب بوركينا فاسو ومالي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا".
والبلدان هما صاحبتا أحدث انقلابين في المنطقة يسبقان الانقلاب الأخير في النيجر، فقد شهدت بوركينا فاسو الواقعة جنوب غرب النيجر بحدود طولها 628 كيلومترا انقلابا عسكريا في 30 سبتمبر/أيلول عام 2022، أطاح بالرئيس المؤقت بول هنري سانداوغو داميبا الذي سبق أن وصل إلى السلطة في انقلاب قبل 8 أشهر فقط من الانقلاب الأخير؛ حيث تولى النقيب إبراهيم تراوري منصب القائد المؤقت.
أما مالي الواقعة شمال غرب النيجر بحدود يبلغ طولها 821 كيلومترا فقد شهدت في ليلة 24 مايو/أيار عام 2021 انقلابا عسكريا، عندما ألقى الجيش المالي القبض على الرئيس "باه نداو"، ومن ثم فإن موقف البلدين الداعم لانقلاب النيجر ليس محل غرابة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المجموعة الاقتصادیة لدول غرب أفریقیا الرئیس بازوم من الانقلاب محمد بازوم فی النیجر
إقرأ أيضاً:
لماذا قد تستبدل نيجيريا شراكتها مع الغرب بالصين وروسيا؟
أفادت تقارير في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أنَّ القوات الجوية النيجيرية بصدد شراء طائرات هجومية إيطالية وطائرات هليكوبتر كجزء من إستراتيجية تجديد أساطيلها ومعداتها العسكرية.
ورغم أن هذه التحركات من نيجيريا تدخل في إطار جهود تنويع شركائها الأمنيين، وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة الأميركية وغيرها، فإنها تؤشر أيضًا على طبيعة العلاقات النيجيرية الغربية في السنوات الأخيرة، وما يمكن توقعه في سياق التنافسات الجيوسياسية بين الصين والغرب.
الأزمات الأمنية في نيجيريا وتحديات مواجهتها
تشهد نيجيريا منذ قرابة عقدٍ تحديات أمنية غير مسبوقة، بما في ذلك أعمال الإرهاب والتمرد المسلح واللصوصية والاختطاف من أجل الفدية، والصراع بين المزارعين والرعاة (والتي زادت وتيرتها منذ عام 2011)، وغيرها من الملفات الأمنية.
وكانت أزمة الإرهاب من أكبر هذه التحديات لكونها بدأت من شمال شرق البلاد، وتركَّزت على "بوكو حرام" (وهي جماعة نشأت في عام 2002 ونفذت هجومها الأول في ديسمبر/ كانون الأول 2003)، ولكنها تفرّعت اليوم لتشمل فصائل مختلفة، مثل: "تنظيم الدولة – ولاية غرب أفريقيا" و"جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان" (الشهيرة بـ "أنصارو").
بل وتحوّلت الأزمة الإرهابية إلى أشكال أخرى، مثل اللصوصية المسلحة في شمال غرب البلاد والتي يمارسها مقاتلو "بوكو حرام" و "أنصارو" الهاربون من شمال الشرق، إضافة إلى تمردات الانفصاليين المستمرّة في جنوب شرق نيجيريا، والأنشطة المسلحة في منطقة دلتا النيجر التي تقع مباشرة على خليج غينيا في المحيط الأطلسي. وهي أزمة بدأت في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتؤثر سلبًا في أمن خليج غينيا الذي يشهد أيضًا أعمال القرصنة البحرية.
وإلى جانب العوامل السوسيواقتصادية والسياسية في نيجيريا؛ يسهم في استمرار الإرهاب وأنشطة المسلحين عجزُ القوات النيجيرية؛ نتيجة المعدات العسكرية القديمة ونقص القوى العاملة.
كما أن المؤسسة العسكرية النيجيرية من البُؤَر الرئيسية للفساد، بينما يشتكي الجنود من الرعاية الاجتماعية غير الكافية التي تؤثر على الكفاءة التشغيلية، رغم أن ميزانية الدفاع النيجيرية زادت بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية، ورغم أن الميزانية العسكرية النيجيرية أعلى من ميزانيات الدفاع لجميع دول غرب أفريقيا الأخرى مجتمعة.
وقد كشفت عدة تحقيقات إعلامية وملفات قضائية وطنية في نيجيريا أن بعض القادة العسكريين والسياسيين وغيرهم من الموظفين العموميين يحوّلون الأموال العامة المخصصة لمحاربة الإرهاب وانعدام الأمن فيما بينهم لأغراض خاصة، وأنهم غالبًا ما يشترون معدات عسكرية قديمة بدلًا من الأسلحة الحديثة.
وقد أطلقت الحكومة النيجيرية تحت إدارة الرئيس السابق "محمد بخاري" (الذي حكم البلاد من عام 2015 حتى عام 2023) عدة مبادرات لإصلاح المؤسسة العسكرية، ومعالجة أوجه القصور داخل الأجهزة الأمنية المختلفة. ولكنّ بعض تلك المبادرات واجهت عقبة كبيرة متمثلة في الرفض الغربي لبيع الأسلحة للحكومة النيجيرية، والذي بدأ إبان رئاسة الرئيس النيجيري السابق "غودلاك جوناثان" (الذي حكم نيجيريا من عام 2010 حتى عام 2015).
ومن تحركات واشنطن لإعاقة جهود تحديث المعدّات والعناصر العسكرية في نيجيريا ما وقع في يوليو/ تموز من عام 2021، عندما أوقف المشرعون الأميركيون اقتراحًا لبيع أسلحة بقيمة حوالي مليار دولار إلى نيجيريا، حيث شمل البيع المقترح وقتذاك 12 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز AH-1 Cobra والمعدات ذات الصلة.
وهناك مثال آخر في فبراير/ شباط من عام 2023 عندما طلبت السياسية الديمقراطية سارة جاكوبس من كاليفورنيا، والجمهوري كريس سميث من نيوجيرسي – وهما عضوان من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، وعضوان في اللجنة الفرعية المعنية بأفريقيا – من الرئيس جو بايدن إلغاءَ بيع أسلحة بقيمة مليار دولار تقريبًا إلى نيجيريا؛ بدعوى أن الجيش النيجيري أجرى برنامج الإجهاض غير القانوني، ومارس القتل المستهدف للأطفال.
ودعَوَا الحكومة الأميركية إلى مراجعة برامج المساعدة الأمنية والتعاون مع نيجيريا، وتقييم المخاطر المتعلقة بالضحايا المدنيين، والانتهاكات الناتجة عن المساعدة الأميركية في مجال الأسلحة.
وقد أثّرت صعوبات محاولات شراء الأسلحة في قدرات القوات النيجيرية على احتواء "بوكو حرام" التي تنتشر في أماكن أخرى بشمال نيجيريا، بينما تزداد أزمة قطاع الطرق المسلحين في شمال غرب البلاد، الأمر الذي أثار استياء الحكومات النيجيرية منذ عام 2014، وعزز سلسلة من الانتقادات من قبل مسؤولين ودبلوماسيين نيجيريين ضد الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغربية.
وعلى سبيل المثال، أعرب رئيس الدفاع النيجيري في فبراير/ شباط من عام 2024 عن إحباطه من المعايير المزدوجة لبعض دولٍ (لم يُسمّها) والتي ترفض بيع أسلحتها العسكرية؛ بدعوى مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، رغم أن هذه الدول قد مارست ما هو أسوأ ولم يحاسبها أحد.
وفي عام 2015، أعلن الرئيس "بخاري" أن نيجيريا ستنشئ مصنعًا محليًا للأسلحة، وذلك لخفض اعتماد البلاد على الأسلحة المستوردة، وأمر وزارة الدفاع النيجيرية بوضع خطة لبناء "مجمع صناعي عسكري". بل اتهم "بخاري" حكومة الولايات المتحدة في يوليو/ تموز من عام 2015 أثناء زيارته بما وصفه بمساعدة واشنطن لـ "بوكو حرام" نتيجة رفضها بيع الأسلحة لنيجيريا.
نيجيريا وتنويع شركائها الأمنيين
تعدّ نيجيريا حليفًا تقليديًا للغرب، ولكن الأزمات العالمية في السنوات الأخيرة والمواقف الغربية بشأن بعض الملفات داخل نيجيريا تجعل أبوجا تعيد النظر في علاقاتها مع الغرب. وتذكّر قرارات واشنطن بعدم بيع الأسلحة لنيجيريا بمواقف معظم الدول الغربية إبان الحرب الأهلية النيجيرية من عام 1967 إلى عام 1970، عندما رفض الغرب بيع الأسلحة اللازمة للحفاظ على وحدة أراضي البلاد.
وقد كانت الحاجة الهائلة إلى معدات ثقيلة، مثل: الطائرات بدون طيار، والمروحيات، والمركبات المقاومة للألغام أجبرت الحكومة النيجيرية على البحث عن شركاء آخرين.
ووفقًا لتقرير صادر عام 2021 عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، حصلت نيجيريا على أسلحة من 13 موردًا بين عامي 2017 و2021، بما في ذلك 7 طائرات هليكوبتر قتالية من روسيا، و272 مركبة مدرعة من الصين، و12 طائرة مقاتلة خفيفة من البرازيل (عبر الولايات المتحدة)، و3 طائرات مقاتلة من باكستان.
وقد لوحظت أهمية إمدادات الأسلحة الروسية التي حصلت عليها نيجيريا في النجاح النسبي الذي حققته القوات المسلحة النيجيرية ضد الحركات الإرهابية بين عامي 2016 و2020.
ويؤكد على هذا ما كشفته قاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية، والتي أظهرت أن واردات نيجيريا من الأسلحة والذخيرة والأجزاء والملحقات من روسيا خلال عام 2020 بلغتْ 736.16 ألف دولار أميركي.
هذا، إلى جانب صفقة أبوجا مع موسكو في عام 2021 لتوريد المعدات العسكرية وتدريب الأفراد ونقل التكنولوجيا. وهذه الصفقة وغيرها الكثير مكّنت القوات المسلحة النيجيرية من استخدام طائرات الهليكوبتر القتالية والنقلية روسية الصنع مثل Mi-35M وMi-171E في عملياتها العسكرية ضد "بوكو حرام" وفصائلها.
بيدَ أن العقوبات الغربية على روسيا قبل أزمة أوكرانيا وأثناءها أثّرت سلبًا على صفقات الأسلحة بين نيجيريا وروسيا، حيث ألمح السفير النيجيري في روسيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إلى وجود عقبة في سلسلة توريد الأسلحة من روسيا.
وكانت النتيجة أن لجأت نيجيريا إلى الصين، حيث شملت المجموعة الواسعة من معداتها التي اشترتها نيجيريا ووصلت في أبريل/ نيسان 2020 مركبة دعم النيران عيار 105 ملم، ودبابة القتال الرئيسية VT-4، ونظام المدفعية ذاتية الدفع SH-5 عيار 105 ملم، وأنظمة المدفعية ذاتية الدفع SH-2 عيار 122 ملم. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2023 أعلن سفير الصين في نيجيريا استعداد بلاده لدعم الإنتاج المحلي النيجيري للمعدات العسكرية لتحقيق مساعي أبوجا لتقليل الاعتماد على المعدات العسكرية الأجنبية.
ويضاف إلى ما سبق أنه تربط نيجيريا وإيطاليا علاقات عسكرية. وفي يوليو/ تموز من عام 2021 أعلن الجيشان: النيجيري والإيطالي عن تعاونهما لمكافحة انعدام الأمن وبناء قدرات القوى العاملة من خلال التدريب والدعم.
وكانت 24 طائرة هجومية مقاتلة من طراز M-346، و10 طائرات هليكوبتر من طراز AW-109 Trekker من بين الطائرات المقاتلة والمروحيات التي سافر رئيس الأركان الجوية النيجيري وفريقه من خبراء القوات الجوية النيجيرية إلى إيطاليا للحصول عليها في أكتوبر/ تشرين الأول 2024. ومن المتوقع أن تصل أول ثلاث طائرات M-346 بحلول أوائل عام 2025، مع استمرار عمليات التسليم الأخرى حتى منتصف عام 2026.
وتتخذ نيجيريا أيضًا خطوات لشراء معدات عسكرية تركية. ويدعم ذلك حقيقة أنه في فبراير/ شباط 2024، في حفل أقيم في قاعدة القوات الجوية النيجيرية في ماكوردي، عاصمة ولاية بَينْوَيْ في شمال وسط نيجيريا، قامت القوات الجوية النيجيرية بإدخال أول طائرتَين هليكوبتر هجوميتَين من طراز T129 ATAK في الخدمة بشكل رسمي.
ويبدو أيضًا أن واشنطن تُراجِع موقفها وبدأت توافق على بيع بعض الأسلحة الأميركية للحكومة النيجيرية. وعلى سبيل المثال، وافقت واشنطن في أبريل/ نيسان 2022، على بيع 12 مروحية هجومية من طراز AH-1Z إلى نيجيريا، وفي أغسطس/ آب 2023، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن أبوجا سُلمت الدفعة الأولى من تلك المروحيات بقيمة إجمالية بلغت 997 مليون دولار، بالإضافة إلى برنامج تدريبي للقوات المسلحة النيجيرية؛ لتطوير عمليات الاستهداف التي تتوافق مع القانون الإنساني الدولي.
إضافة إلى ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2023 عن عقد لإنتاج وتوفير 32 جهاز كمبيوتر إضافيًا لترقية تقنية H-1 لمساعدة طائرات AH-1Z التابعة للحكومة النيجيرية.
ومع ذلك، فإن الصعوبات التي تواجهها نيجيريا فيما يتعلق بقانون ليهي وفحصه (Leahy vetting) تجعل حكومة البلاد تترك خياراتها متنوعة ومفتوحة، مع التركيز على الصين وإيطاليا ودول أخرى كبدائل لتحقيق أجندة تحديث معداتها وأساطيلها العسكرية.
في إطار التنافس الصيني- الغربي
إن تتبع نمط تفكير صناع القرار النيجيري يوحي بأنهم يدركون تمامًا مكانة نيجيريا كواحدة من القوى الناشئة الرئيسية في أفريقيا. وهذا الإدراك يجعلهم يحافظون على استقلالية البلاد في اتخاذ القرار الإستراتيجي، بما في ذلك رفض مقترحات استضافة نيجيريا قواعد عسكرية أجنبية، والتي أثارتها واشنطن في مناسبات كثيرة.
وفي حين أن نيجيريا تواصل تبنّي مواقف محايدة بشأن الأزمات العالمية المختلفة من أجل خدمة مصالحها الخاصة والحفاظ على علاقاتها الدولية؛ فقد أظهرت سلسلة من الأحداث في السنوات الأخيرة، بما في ذلك رفض بيع الأسلحة لها، أن البلاد تميل بشكل أكبر إلى الجنوب العالمي في قضايا متعددة، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية على غزة التي أدانتها أبوجا، وكررت دعمها لحل الدولتين، مؤكدةً على حق فلسطين في الوجود كدولة مستقلة.
وإذا كانت علاقات نيجيريا مع القوى الغربية قد تكون السبب الرئيسي وراء عدم انضمام أبوجا إلى عضوية مجموعة البريكس، إلا أن سلوك الغرب تجاه نيجيريا مؤخرًا بدأ يغيّر تصوّر أبوجا.
ويمكن ملاحظة هذا في صفقات الأسلحة النيجيرية المتنوعة مع مختلف الدول، وفي حقيقة أن نيجيريا انضمّت رسميًا إلى مجموعة البريكس كدولة شريكة. بينما يدعو العديد من النيجيريين حكومتهم إلى الانضمام إلى البريكس كعضو، وهو ما سيعزز ميل أبوجا إلى الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل.
ويمكن القول إن الصين هي أكبر مستفيد من صعوبات تأمين أبوجا للأسلحة الثقيلة من الولايات المتحدة؛ لأن الصين قد استثمرت بكثافة في صناعة النفط والغاز النيجيرية، وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الدولتين 19.27 مليار دولار في عام 2019.
بل إن توجّه نيجيريا (وهي أكبر اقتصاد في أفريقيا من حيث عدد السكان) نحو الصين كواحدة من مورديها الرئيسيين للأسلحة، سيساعد بكين في تنافساتها الجيوساسية في غرب أفريقيا، وسيقوّي نفوذها في ممر خليج غينيا الإستراتيجي الذي يستضيف شحنات حيوية واحتياطيات نفطية دولية، وخاصة أن الصين تبحث عن طرق توسيع نفوذها العسكري والاقتصادي داخل نيجيريا، بينما الشركات الصينية المتمركزة في نيجيريا تسعى منذ سنوات إلى فتح قنوات كثيرة لاستغلال موارد نيجيريا الطبيعية والبشرية الوفيرة.
وأخيرًا، فإن مساعدة الصين لأبوجا على إنشاء صناعتها العسكرية ستثبّت مكانة بكين لدى النخبة السياسية والمواطنين على حد سواء في نيجيريا، وهو ما سيمنح الصين ميزة في حملاتها الدولية وتحركاتها في المحافل العالمية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية