قالت دار الإفتاء المصرية، إن المريض الذي أجرى عملية الكولوستومي واضطر إلى تركيب كيس لحمل الفضلات، ولا يمكنه التحكم في عملية الإخراج، يكفيه أن يتوضأ ويصلِّي به ما يشاء من الفرائض والنوافل ما لم ينتقض وضوؤه بناقض آخر غير المبتلى به، وعليه مع ذلك أن يحرص ما أمكنه على طهارة الظاهر من بدنه بحيث لا تتجاوز النجاسة محلها وقت أداء الصلاة.

بيان المراد بعملية الكولوستومي

أوضحت الإفتاء، أنه مما اجتمعت عليه العقول أنَّ الحكم الصحيح الموافق للواقع ينبني في الأصل على الفهمِ الدقيقِ والتَّصور التَّام لحقيقة الواقعة (محل السؤال)، وذلك ما قرره العلماء وعبَّروا عنه بقولهم: "الحكم على الشيء بالنفي أو الإثبات فرع عن تصوُّره" كما في "الفروق" للإمام القَرَافي المالكي.

دار الإفتاء المصرية

وتابعت الإفتاء: والقول بصحة طهارة مريض الكولوستومي متوقفٌ على الفهم الصحيح والتصور الدقيق لما يحيط بهذه العملية من معانٍ وإجراءات، والكولوستومي عملية جراحية عبارة عن إحداث فتحة في سطح البطن الخارجي لإخراج جزء من القولون -الأمعاء الغليظة منها- لتكون بمثابة ممَرٍّ جديدٍ تخرج منه الفضلات والغازات المُتكونة في الجسم، وذلك لتخفيف الضغط على القولون أو تحويل مجرى الفضلات، ويتبع ذلك لصق وتثبيت دعامة حول هذه الفتحة، من أجل أن يُعَلَّق بها كيس قابل للإزالة، يحمل ما يخرج من فضلات، ويمكن نزعه وتبديله عن طريق المريض نفسه أو أحد المساعدين له، وذلك كما أفاد المتخصصون.

تفصيل الفتوى

حكم طهارة مريض الكولوستومي

لما كان الأصل هو انتقاض الطهارة بخروج فضلات الآدمي من بولٍ أو غائط أو ما في حكمهما؛ لقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [النساء: 43]، ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» أخرجه الشيخان، فإن الشرع الشريف قد استثنى من ذلك أصحاب الأعذار ممن لا يقدرون على التحكم في خروج النجس منهم، ومن لا يقدرون على دفع النجاسة عنهم.

 

فإذا تعذر على مريض الكولوستومي إزالة كيس الفضلات عنه، مع كونه غير قادر على التحكم في عملية الإخراج، بحيث تخرج الفضلات منه دون إرادته فحكمه في هذه الحالة حكم صاحب العذر من أصحاب الحدث الدائم، كصاحب السلس والمستحاضة وفاقد القدرة على إزالة النجاسة عنه ونحوهم، ويكون الواجبُ عليه حينئذٍ أن يغسل محَلَّ النجاسة -إذا سَرَتْ منه وتلوَّث معها-، ويصلِّي بهذا الوضوء ما يشاء من الصلوات ما لم ينتقض وضوؤه بسببٍ آخر، كما هو مذهب المالكية، وهو المختار للفتوى.

 

وقد فصَّل المالكية في السلس من حيث دوام الحدث وانقطاعه: فطريقة المغاربة -وهي المشهورة-: أَنَّ السلس إن لازم صاحبه طيلة الوقت دون مفارقة، فلا يجب الوضوء ولا يستحب، وإن لازمه غالب الوقت استحب له الوضوء ما لم يشق عليه ذلك، وإن استويا وجودًا وعدمًا ففيها القولان، وإن غلب انقطاعه على وجوده، فالمشهور وجوب الوضوء، أَمَّا طريقة العراقيين: فهي ما دام النجس قد خرج على سبيل السلس فلا يُنقض مطلقًا.

 

قال الإمام المَوَّاق في "التاج والإكليل" (1/ 422، ط. دار الكتب العلمية): [قال بَكْر: سَلَس البول والاستحاضة اللذان لا ينقطع ذلك عنهما على حالٍ لا وضوء عليهما] اهـ.

 

وقال الإمام الحَطَّاب في "مواهب الجليل" (1/ 291، ط. دار الفكر): [المشهور من المذهب طريقة المغاربة: أَنَّ السَّلَس على أربعة أقسام: الأول: أن يُلازِم ولا يُفَارق، فلا يجب الوضوء، ولا يُستحب؛ إذ لا فائدة فيه، فلا يُنتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد. الثاني: أن يكون ملازمتُه أكثر مِن مفارقته، فيستحب الوضوء إلَّا أن يشق ذلك عليه لبردٍ أو ضرورةٍ فلا يُستحب. الثالث: أن يتساوى إتيانُه ومفارقتُه، ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان... الرابع: أن تكون مفارقتُه أكثر، فالمشهور وجوب الوضوء، خلافًا للعراقيين فإنَّه عندهم مستحبٌّ] اهـ.

 

وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 116، ط. دار الفكر): [وذهب العراقيون من أهل المذهب إلى أنَّ السَّلَس لا يَنْقُض مطلقًا، غاية الأمر أنَّه يستحب منه الوضوء إذا لم يلازم كلَّ الزمان، فإن لازم كله فلا يُستحب منه الوضوء] اهـ.

 

ويُستدل على ذلك بحديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقالت: إني أستحاض فقال: «إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي» فكانت تغتسل عند كلِّ صلاةٍ، رواه الإمام مسلم في "صحيحه" ثم أورد بعده قول الإمام الليث بن سعد -أحد رواة الحديث-: "لم يَذْكُر ابن شهاب أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَمَر أمَّ حبيبة بنت جحش رضي الله عنها أن تغتسل عند كلِّ صلاةٍ، ولكنه شيء فعلته هي"، أي: فعلته مِن نفسها تطوعًا.

 

قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 80، ط. دار المعرفة) في الاحتجاج بهذا الحديث: [إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكلِّ صلاةٍ... ولا شك إن شاء الله تعالى أن غسلها كان تطوعًا غير ما أُمرت به، وذلك واسع لها] اهـ.

 

وقد أورد الإمام النووي قول الإمام الشافعي السابق وعَقَّبه بقوله في "شرحه على مسلم" (4/ 20، ط. دار إحياء التراث العربي): [وكذا قال شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما وعباراتهم متقاربة والله أعلم] اهـ.

 

حكم صلاة مريض الكولوستومي

صلاته في هذه الحالة مع وجود كيس الفضلات صحيحة ولا حرج عليه للعذر، حيث نص الفقهاء على أن المتلبس بالنجس المتعذر الاجتناب والإزالة في حكم الطاهر؛ لعموم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

 

قال العلَّامة الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 90، ط. المكتبة العصرية): [فاقد ما يزيل به النجاسةَ المانعةَ: يصلي معها، ولا إعادة عليه؛ لأنَّ التكليف بحسب الوُسع] اهـ.

 

وقال الإمام الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 131): [المعتمد في المذهب أنَّ مَن صلَّى بالنجاسة متعمدًا عالمًا بحكمها، أو جاهلًا وهو قادرٌ على إزالتها يُعيد صلاته أبدًا، ومَن صلى بها ناسيًا لها، أو غير عالِمٍ بها، أو عاجزًا عن إزالتها يُعيد في الوقت على قول مَن قال: إنها سُنَّة، وقَوْلِ مَن قال: إنها واجبةٌ مع الذِّكر والقُدْرة] اهـ. فأفاد أنَّ العجْز صيَّرها من المعفوات.

 

وقال العلامة الشَّرْوَانِي الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (1/ 398، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ولا يجوز لِلسَّلِسِ أن يُعَلِّق قارورةً لِيَقْطُرَ فيها بَوْلُهُ؛ لكونه يَصير حاملًا لنجاسةٍ في غير معدنها مِن غير ضرورة] اهـ. فلما قيَّد الحكم بغير الضرورة نفاه عمَّا كان لضرورة، كما هو الحال في المريض (محَل السؤال).

 

وقال العلامة شرف الدين الحَجَّاوي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 95، ط. دار المعرفة) عن النجاسة: [فمَتَى لَاقَاهَا ببَدَنه أو ثوبه، أو حَمَلَها عالِمًا أو جاهِلًا أو ناسِيًا، أو حَمَل قارورةً فيها نجاسةٌ.. قادِرًا على اجتنابها، لم تَصِحَّ صَلَاتُه] اهـ. فقيَّد عدم الصحة بالقدرة، مما أفاد الصحة عند العجز.

 

كما أن فقهاء الشافعية في وجهٍ قد قرروا صحة صلاة حامل شيء من النجاسة ما دامت في شيء مُحكَم الإغلاق، بحيث لا يخرج منه شيء يصيب جسده.

 

قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (1/ 119، ط. دار الكتب العلمية): [وإن حمل قارورة فيها نجاسة، وقد شد رأسها، ففيه وجهان: أحدهما: يجوز؛ لأن النجاسة لا تخرج منها، فهو كما لو حمل حيوانًا طاهرًا] اهـ.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الإفتاء دار الإفتاء المريض رسول الله صلى الله علیه وآله رضی الله عنه قال الإمام

إقرأ أيضاً:

حكم شراء السلعة بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح

حكم شراء السلعة بالتقسيط، قالت دار الإفتاء المصرية إن هناك مسألة في الفقه تسمى البيع بالأجل، وهو ما يسمى في عصرنا الآن البيع بالتقسيط وبعض العلماء منع هذا النوع وقالوا إنه بيعتان في بيعة وهذا يعتبر خطأ في الفهم، لأن البيع بالتقسيط لا تنطبق عليه هذه المسألة، وهو عقد يتم الاتفاق عليه إما بالسعر الفورى أو التقسيط.

وأوضحت دار الإفتاء، أن جمهور العلماء اتفق على أن البيع بالتقسيط جائز، لأن الزمن له اعتبار في حساب ثمن السلعة ولا يندرج هذا تحت الربا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد الأشياء بالزيادة تكرما منه بلا اتفاق، وهذا يعتبر من حسن الخلق الذي يجب أن نتحلى به.

حكم شراء السلعة بالتقسيط

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول “هناك تطبيقٌ إلكتروني تابعٌ لإحدى المنصات يقوم بالبيع بالتقسيط اعتمادًا على المتجر الخاص بالتطبيق، فيقوم العميل من خلال التطبيق باختيار السلعة وطريقة التقسيط من حيث المدة والثمن، وبمجرد الضغط على خيارٍ معينٍ في التطبيق يكون الشخص قد اشترى ما اختاره؛ وفقًا لأنظمة التقسيط المتاحة والرصيد المتاح للعميل، وهذا كله يتم بعد التعاقد بين العميل والشركة مالكة المنصة الإلكترونية، والذي تشترط الشركة فيه بعض الشروط لمعرفة المقدرة المالية لكل عميلٍ، والذي على أساسه يتم إتاحة الرصيد الخاص به، فما حكم الشرع في التعامل بهذا التطبيق الإلكتروني؟”.

وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال إن الشراء بالتقسيط عن طريق التطبيقات الإلكترونية التابعة للمنصات التي تقوم بالبيع بالتقسيط جائزٌ ولا حَرَج فيه شرعًا، فالمعاملة المذكورة تشتمل على عقدٍ مباحٍ بين الشركة والعميل، ثُمَّ عقد مرابحةٍ تتوسَّط فيه الشركة بين المتجر والعميل، بعد قبضٍ حكميٍّ من الشركة للمُنْتَج المراد تقسيطه، وكلاهما جائزٌ شرعًا.

كما أنَّ الشراء بالتقسيط في هذه الحالة لا يُعَدُّ من الربا؛ وذلك لتَوسُّط السلعة المراد تقسيطها بين الشركة البائعة والمشتري.

وذكرت دار الإفتاء أن واقع التعامل بهذا التطبيق -كما ورد في السؤال- يتم عن طريق عقدين مُرَكَّبين، الأول: عقدٌ طرفاه العميل والشركة، والثاني: عقد أطرافه العميل والشركة والمصنع أو معرض السلع الإلكترونية.

والعقد الأَوَّل لا حَرَج فيه؛ فالأصل في العقود والمعاملات الإباحةُ، ما لم يأتِ دليلٌ شرعيٌّ على التحريم؛ لقوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١١٩]، وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣]، فكل ما لم يَنْهَ الشرعُ عنه فهو مباحٌ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَسَنَّ لَكُمْ سُنَنًا فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَشْيَاءَ فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَتَرَكَ بَيْنَ ذَلِكَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ رَحْمَةً مِنْهُ فَاقْبَلُوهَا وَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» رواه الطبراني في "مسند الشاميين" -واللفظ له- وفي "المعجم الكبير"، والدارقطني في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله": عن أبي ثَعلَبةَ الخُشَنِيِّ، وصَحَّحه الحافظ ابنُ الصلاح، وحَسَّنه الإمام النوويُّ.

وأما العقد الثاني فتكييفه شرعًا: أنَّه مُركَّبٌ أيضًا من معاملتين متعاقبتين؛ تأخذ الشركة في المعاملة الأولى المنتَجَ المراد شراؤه نقدًا من المتجر بثمن حالٍّ تدفعه الشركة للمتجر، ثم تبيعه الشركة القائمة على التطبيق في المعاملة الثانية للعميل المتعاقِد معها بثمن مؤجَّلٍ معلوم الأجل والأصل والزيادة.

وأكدت أنه من المقرر شرعًا أنَّه يصحُّ البيعُ بثمنٍ حالٍّ وبثمن مُؤجَّل إلى أجلٍ معلوم، والزيادة في الثمن نظير الأجل المعلوم جائزة شرعًا؛ لأنها من قبيل المرابحة، وهي نوع من أنواع البيوع الجائزة شرعًا التي يجوز فيها اشتراط الزيادة في الثمن في مقابلة الأجل؛ لأنَّ الأجل وإن لم يكن مالًا حقيقة إلَّا أنه في باب المرابحة يُزاد في الثمن لِأَجْلِهِ إذا ذُكِر الأجل المعلوم في مقابلة زيادة الثمن؛ قصدًا لحصول التراضي بين الطرفين على ذلك، ولعدم وجود موجب للمنع، ولحاجة الناس الماسَّة إليه بائعينَ كانوا أو مشترين. ولا يُعَدُّ ذلك مِن قبيل الربا؛ لأن القاعدة الشرعية أنه "إذا توسَّطت السلعة فلا ربا".

مقالات مشابهة

  • خصوصية جبل الطور حتى يتجلى الله تعالى عليه
  • حكم قراءة القرآن بدون وضوء «الإفتاء توضح»
  • حكم شراء السلعة بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح
  • هل توجد علاقة بين زيادة المشاكل وكثرة العبادة؟.. الإفتاء توضح
  • هل يجوز عمل أكثر من عُمرة في اليوم الواحد؟.. دار الإفتاء تجيب
  • حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة.. دار الإفتاء تجيب
  • حكم الدعاء بعبارة "يا غارة الله" وبيان معناها
  • ما مكان وقوف المرأة إذا صلت مع زوجها جماعة؟ .. الإفتاء تجيب
  • ما حكم حضور من لا يحتاج إليه في غسل الميت؟ .. الإفتاء تجيب
  • حكم الرقية بالقرآن الكريم.. الإفتاء توضح