مواجهات عن بعد تثير مخاوف العنف في السويداء السورية
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
لم تكن "المواجهات" التي عاشتها محافظة السويداء، ليلة الاثنين، بمعناها الحقيقي، بين مسلحين محليين ضد آخرين يتبعون لجيش النظام السوري، لكنها أثارت مخاوف جدية لدى سكان وناشطين من "الانزلاق إلى العنف" وكسر حالة السلمية التي تشهدها المنطقة ذات الغالبية الدرزية، منذ أغسطس العام الماضي.
وتخلل المواجهات إطلاق رصاص وقذائف من وباتجاه الأفرع الأمنية ومقار "حزب البعث"، وجاءت اندلاعها في أعقاب اتجاه جيش النظام السوري لإقامة حاجز أمني على مدخل السويداء الشمالي، مما أثار غضب سكان وناشطين معارضين، وعناصر تشكيلات محلية مسلحة.
ووفقا لشبكات إخبارية، بينها "السويداء 24"، أسفرت تلك المواجهات عن إصابات بين الجانبين، وأحدثت خسائر مادية في ممتلكات المدنيين، وقال صحفي من شبكة إخبارية أخرى (الراصد) لموقع "الحرة" إن "المواجهات" هدأت صباح الاثنين، في ظل الحديث عن "هدنة مؤقتة" و"مفاوضات".
وبدوره أوضح مدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف لموقع "الحرة" أنه توجد "مطالبات بضمانة الجانب الروسي لانسحاب الحاجز الأمني الذي ثبتته قوات الأسد عند دوار العنقود".
وتتضمن المطالب أيضا "عدم إنشاء أي حاجز جديد للسلطات الأمنية السورية داخل المحافظة، لانعدام الثقة بدور هذه الحواجز".
الصحفي معروف أشار، نقلا مصدر من الفصائل المحلية المسلحة، قوله إن "الحل الذي ينزع فتيل الأزمة هو إعادة كافة عناصر الحاجز الجديد إلى ثكناتهم"، وأضاف أن "عدم التجاوب مع هذا المطلب، سيفتح الباب أمام تصعيد أكبر في الساعات القادمة، يفوق ما شهدته المدينة من اشتباكات ليلة الأحد-الاثنين".
"عصيبة على المدنيين"وتركزت مواجهات ليلة الاثنين في محيط الحاجز الجديد والمراكز الأمنية القريبة منه، بينها قسم "المخابرات الجوية" ومبنى قيادة فرع "حزب البعث".
وامتدت إلى بلدة قنوات في الريف الشمالي والشرقي، وتعرض فرع "أمن الدولة" الواقع على طريقها لعدة ضربات بالقذائف الصاروخية.
ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان النظام السوري سيتراجع عن إنشاء الحاجز الأمني على مدخل مدينة المدينة أو قد يضطر لسحبه وإعادة نشر حاميته في مواقع أخرى، استجابة للمطالب الشعبية والمحلية.
وكانت خطوة إنشاء الحاجز الأمني جاءت بشكل مفاجئ وبالتزامن مع تواصل الاحتجاجات السلمية ضد نظام الأسد في "ساحة الكرامة" وسط السويداء، حيث يردد المتظاهرون منذ أكثر من 300 يوم شعارات تنادي بإسقاط بشار الأسد، وتطبيق القرار 2254 الخاص بالحل في سوريا.
ويقول الصحفي معروف إن "المفاوضات متواصلة في الوقت الحالي".
ويضيف أنها "إما أن تفضي لاتفاق ينهي حالة التوتر بإزالة الحاجز من مكانه وسحب العناصر إلى ثكناتهم أو قد تدخل المحافظة في دوامة عنف غير محسوبة النتائج، في حال استمر تعنت مسؤولي الأجهزة الأمنية بعدم سحب الحاجز".
وسبق أن شهدت السويداء مواجهات بين تشكيلات عسكرية مسلحة وقوات النظام السوري المتواجدة في الأفرع الأمنية وعلى الحواجز المنتشرة في المنطقة.
لكنها لم تسفر في غالبية الأحيان عن قتلى أو إصابات، وظلّت في نطاق "المواجهات عن بعد"، كما يشير الصحفي سليمان فخر العامل في شبكة "الراصد" الإخبارية.
وعلى أساس ذلك يرى فخر أن "ليلة الاثنين كانت عصيبة على المدنيين وليس على الفريقين المتضاربين"، مردفا بالقول: "انكب رصاص وقذائف وصواريخ... لكن عن بعد".
حدث "مفصلي"؟ومنذ بداية الاحتجاجات الشعبية على نظام الأسد في السويداء اتبع الأخير سياسة عدم التعليق والتجاهل حيال ما ينادى ضده.
وكان لهذا التعاطي تفسيران: الأول أنه غير قادر على استخدام القوة والعنف نظرا لحساسية المدينة الدينية، والثاني أنه يعوّل على "ملل الشارع من تلقاء نفسه".
وعلى أساس ذلك، يستبعد الصحفي فخر أن يحصل تصعيد من جانب أي طرف في الساعات المقبلة.
ويقول إن "أهالي السويداء يريدون إزالة الحاجز الأمني لأنه نوع من القمع وتقييد الحرية، لاسيما وسط استمرارهم في المناداة بمطالب إسقاط النظام وكف أذرعه الأمنية والحزبية".
لكن الناشطة السورية المشاركة في الحراك السلمي، لبنى الباسط، ترى أن ما حصل ليلة الاثنين "سيكون مفصليا نوعا ما بالنسبة لما تشهده المحافظة منذ أشهر طويلة".
وتوضح لموقع "الحرة": "كنا ومازلنا نؤكد على سلميتنا.. لكن في المقابل نرفض محاولات نظام الأسد ترهيب السويداء".
ويسعى النظام، على حد تعبير الباسط، عبر إنشاء الحواجز العسكرية إلى "تقطيع أوصال المحافظة وحصارها وملاحقة من يقف ضد نظامه القمعي".
وتضيف: "هذا الحواجز لم تكن يوما لحفظ الأمن، بل على العكس كانت لقمع السكان وابتزازهم اقتصاديا ونشر الفلتان الأمني والسماح بعبور شحنات المخدرات".
"مخاوف من الانزلاق للعنف"الناشطة الحقوقية، ريما فليحان تؤكد من جانبها أن "من المهم جدا عدم الانجرار إلى العنف وضبط النفس، وعدم الانجرار إلى العنف".
وبينما ترى أن "وجود الحواجز الأمنية مستفز وخطير لما يحمله من احتمالات لاعتقالات"، تقول لموقع "الحرة" إن "التصعيد نحو الاقتتال المسلح قد تكون له عواقب وخيمة في ظل انشغال العالم بملفات ساخنة في المنطقة".
وثمة مخاوف، بحسب فليحان "من استغلال النظام لما حدث، ليصعد عسكريا ويخمد الحراك السلمي الحضاري المستمر لما يزيد عن 300 يوم".
وتضيف أن "الانزلاق نحو العنف ليس من مصلحة أحد، وستكون له آثار كارثية على المحافظة".
ولا ترى الناشطة لبنى الباسط أن ما حصل ليلة الاثنين "لجوء إلى العنف.. بل إلى التهديد".
وتقول إن المواجهات "رسالة من سكان السويداء برفضهم المطلق للوجود العسكري الترهيبي لقوات الأسد في السويداء".
وفي المقابل تعتبر أن "العنف هو لغة النظام السوري"، وأن الأخير "هو من يحاول جر أي احتجاج سلمي للسلاح كما فعل في السابق".
ما المتوقع؟وكان الحراك السلمي في السويداء، الذي انطلق في أغسطس 2023، أخذ خلال الأشهر الماضية عدة أشكال. كان اللافت منها إقدام المحتجين على تخريب مقار "حزب البعث" وحرق صور بشار الأسد، وأبيه حافظ، وصورة "الدولة الأمنية"، أو كما يصفها الموالون بـ"دولة الأسد".
وقبل مواجهات ليلة الاثنين كان محتجون بدأوا بإزالة تمثال لأخ بشار الأسد الراحل باسل الأسد، وذلك عند مدخل السويداء الشمالي أيضا.
ويشير الناشط السياسي، مشهور حمشو، إلى أن ما حصل لا يمكن فصله عما شهدته السويداء من سلسلة أحداث في الأيام الماضية، كان من بينها ترهيب المتظاهرين في "ساحة الكرامة" عن طريق رمي قنابل قبل تجمعهم للهتاف ضد الأسد هناك، وما تبع ذلك من حوادث خطف استهدفت مؤخرا رجل الدين الدرزي، رائد المتني.
ويربط حمشو، في حديثه لموقع "الحرة"، ما يحصل أمنيا من جانب النظام السوري في السويداء بالمحافظ صاحب الخلفية السيئة، الذي تم تعيينه مؤخرا.
ويقول إنه "يحاول تطبيق الحل الأمني" بينما "شبابنا يصرون على إزالة الحاجز الأمني في مدخل السويداء، وأي حاجز تفتيش آخر".
كما يضيف أن "الإدارة قوية والمرجعية الدينية الممثلة بالشيخ حكمت الهجري ممتازة.. نحنا نقف عند كرامة أهلنا ومطالبنا بالخلاص من السلطة الحاكمة.. ودائما صاحب الأرض هو الأقوى".
و"عندما يستقدم النظام السوري دبابات وأسلحة ثقلية إلى وسط مدينة السويداء لا يوجد خيار لنا سوى رفض هذا السلوك العنيف الإجرامي"، كما تتابع الناشطة، لبنى الباسط.
وتضيف: "يحاول النظام دائما استغلال الأحداث لخدمة مصالحه. هو يدعى أن الحواحز لحفظ أمن السويداء من الدواعش، ولكن الجميع يعلم كيف سهل دخول التنظيم الإرهابي إلى المحافظة عام 2018".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: النظام السوری لیلة الاثنین فی السویداء إلى العنف
إقرأ أيضاً:
فرص وتحديات ومخاطر أمام الثورة السورية
تتميز الثورة السورية بأنها أوَّل ثورة مكتملة الأركان منذ "الربيع العربي"، وأنها ثورة قادرة على إحداث تغييرات جذرية في بنية النظام، بما يوفر فرصًا حقيقية لحالة صعود نهضوي كبير.
غير أنّ هذه الثورة تواجه تحديات ومخاطر كبيرة، بعضها داخلي، ويزيد من حِدّتها موقع سوريا الإستراتيجي وثرواتها، وكونها دولة مواجهة، وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية تجاهها.
عناصر قوة وفرصتتمثل أبرز عناصر قوة نظام الحكم الجديد في دمشق بامتلاكه "للثلاثي الذهبي"، في قيادة الدولة وبناء نظام جديد، وهي: العدالة الانتقالية، وعناصر القوة الخشنة، وعناصر القوة الناعمة. كما أن هناك فرصًا تدفع باتجاه نجاح الثورة:
أولًا: العدالة الانتقاليةحيث يمكن من خلالها إنشاء محاكم ثورية ونظام قضائي مَعنِي بتفكيك "الدولة العميقة" السابقة، ومعاقبة أو تحييد رموزها، والحيلولة دون تمكّنهم من تعطيل الثورة، أو إفراغها من محتواها، أو تشويهها، أو حرف بوصلتها، أو العودة للبروز تحت روافع ومسميات جديدة.
ويجب أن تكون ثمة معادلة حكيمة وحازمة، تسمح بأجواء من التسامح وطي صفحة الماضي، وتجاوز العصبيات الطائفية والعرقية؛ ولكنها في الوقت نفسه تقتلع "أكابر مجرميها" ورموز فسادها، وكوادر منظومة نفوذها الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والإدارية.
إعلان ثانيًا: القوة الخشنةالقوة الخشنة تتمثل في فرص إنشاء جيشٍ وطني مستوعبٍ لجميع المخلصين لسوريا الجديدة، وقائمٍ على حماية الوطن، وحماية عقيدة الأمة وتراثها وقيمها، ومُتشرّبٍ لمعاني الانتماء للأمة والدفاع عن قضاياها. وإنشاء أجهزة أمنية تحمي حرية الإنسان وكرامته وحقوقه، وتُحصّن البلد من الأعداء والخصوم، كما تحمي القيم والأخلاق، وتواجه أشكال الفساد والانحراف الاجتماعي.
ثالثًا: القوة الناعمةتتمثل في فرص الإمساك بالمفاصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، بحيث تصبُّ في خدمة الدولة الجديدة، ويحكمها دستورٌ يصون النظام الجديد، ويجعل اللعبة السياسية ضمن شروط وبيئات تُفسح مجالات الإبداع والتطوير والتداول القيادي، ولكنها في الوقت نفسه تحمي الدولة الجديدة من المُتسلِّقين والعناصر الانتهازية، والمال السياسي والتدخل الخارجي وأعداء الثورة.
رابعًا: الإرادة الشعبيةيأتي النظام الجديد تعبيرًا عن إرادة شعبية عارمة، بينما لا يكاد النظام السابق يجد من يأسف عليه؛ وهي فرصة مهمة لإحداث تغييرات جذرية وعاجلة، وحسم عدد من القضايا وعلاجها في فترة قصيرة.
خامسًا: الثروة البشريةالشعب السوري زاخر بالطاقات والكفاءات المتميزة، وقد استفاد في أثناء معاناته في مواطن اللجوء في بناء مئات الآلاف من القدرات والخبرات في شتى مجالات الحياة؛ حيث إن عودتها واستيعابها، وتوفير بيئات الحرية والإبداع المناسبة، سيوفر قفزات نوعية في مشروع النهوض والارتقاء.
سادسًا: المغتربونتوجد فرص كبيرة في الاستفادة ممن يرغب في البقاء من المغتربين، خصوصًا من تحولهم إلى سفراء ولوبيات ضغط لبلدهم، ومن تحويلاتهم المالية، إذا ما وجدت أنظمة بنكية ومالية شفافة وفعالة، وبيئات استثمار مشجعة.
سابعًا: تملك سوريا ثروات طبيعية، وموقعًا إستراتيجيًا، ومواقع سياحية وأثرية، وموانئ بحرية، تُمكنها من الوقوف على رجليها بسرعة كبيرة إذا ما أحسن التعامل معها.
إعلانثامنًا: لدى القيادة فرصة قوية في اجتثاث الفساد من جذوره، خصوصًا أنه مرتبط بالنظام السابق وأدواته؛ وبالتالي لا يصعب بناء منظومة مؤسساتية وإدارية جديدة نظيفة وفعالة.
تاسعًا: لعل الخبرات التي اكتسبها الثوار في إدارة منطقة إدلب لعدة سنوات كانت "عيِّنة اختبارية" ستدفعهم خطوات للأمام في الانتقال لإدارة الدولة، مقارنة بالثورات التي تنتقل من الثورة إلى الدولة مباشرة، والتي لا يُتاح لعناصرها اكتساب حدٍّ معقول من الشروط الضرورية لإدارة الدولة.
تحديات ومخاطرتواجه الثورة السورية تحديات ومخاطر كبيرة، يمكن أن تعصف بها إن لم تملك الرؤية الواضحة، والقدرة على المبادرة، والمسارعة لملء الفراغ، والتعامل بالجدية والحزم والحكمة اللازمة معها.
أولًا: إعادة بناء مؤسسات الدولة المتهالكة والمدَمَّرة التي نخرها الفساد، وتردِّي الخدمات والبنى التحتية، بحيث يحتاج قيامها بالحدّ المعقول من أدوارها زمنًا وجهدًا كبيرين؛ في الوقت الذي سيضغط الناس وبأعداد هائلة لتلبية احتياجاتهم.بل وسيلجأ أعداء الثورة والانتهازيون تحت هذا الغطاء إلى رفع سقف المطالبات وتحريض المواطنين، وسيضخِّمون الأخطاء؛ وما سكتوا عنه ستين عامًا تحت حكم البعث سيلجؤون للتشنيع على الثورة بسببه إن لم يتحقق في أيام.
ثانيًا: عودة السّلم الأهلي، ورجوع ملايين المهجرين واللاجئين إلى بيوتهم، واستعادة حقوقهم، وإعمار منازلهم، وهو ملف كبير ومسؤولية ضخمة. ثالثًا: حلّ الرواسب الطائفية والعرقية التي غرسها النظام السابق (ومن قبله الاستعمار الفرنسي) في البيئة الاجتماعية والسياسية السورية؛ والتي أضرَّت كثيرًا بالنسيج الوطني، وكرَّست عناصر الشك وعدم الثقة داخل الشعب الواحد.وسيسعى بعض المنتفعين من الاستقطاب الطائفي والعرقي الداخلي إلى ركوب موجات التحريض العلوي والدرزي والسني والكردي، كما ستسعى قوى خارجية إقليمية ودولية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني لإذكاء أجواء الفتنة والانشقاق الداخلي، وتفجير الأزمات، بل وحتى افتعال أحداث قتل وتفجيرات واغتيالات، للدفع باتجاه تمزيق البلد من جديد؛ وصناعة "رموز طائفية" في مواجهة رموز الدولة، وتهيئة أجواء الانفصال أو فرض حكم ذاتي بشروط تُضعف الدولة والهوية الوطنية.
إعلان رابعًا: الهوية والبوصلة: يبرز هذا التحدّي كأحد أبرز التحديات في صياغة سوريا المستقبل؛ فصحيح أن الشعب السوري في أغلبيته الساحقة شعب عربي مسلم (ومن لم تجمعه العروبة يجمعه الإسلام، ومن لم يجمعه الإسلام تجمعه العروبة، وكلاهما يجمعهما الوطن الواحد والتاريخ والحضارة واللغة الواحدة).وصحيح أن الثورة قادتها فصائل إسلامية، غير أن عشرات السنوات من الحكم العلماني الدكتاتوري الطائفي، واللجوء السوري بالملايين في المهجر، قد فتح المجال لرؤية سوريا المستقبل في قوالب مختلفة إسلامية أم علمانية أم في المزج بينهما بدرجة أو بأُخرى، وفي تعريف سوريا لنفسها في بيئتها العربية والإسلامية والدولية، ودورها تجاه قضايا أمتها، وفي درجة انكفائها المحلي القُطري أو انفتاحها الإقليمي؛ خصوصًا أن التحديات المحيطة بها لن تتركها حتى لو أرادت هي نفسها أن تنكفئ على ذاتها.
وستسعى القوى الإقليمية والدولية إلى استخدام كافة وسائل النفوذ التي لديها لتوجيه بوصلة الحكم بما يتوافق مع معاييرها.
وكما لاحظنا فإن هذه القضية كانت من أولى القضايا التي تمت محاولة تحريك الشارع لأجلها، ونزلت أولى المظاهرات بعد أيام من انتصار الثورة تنادي بشعارات علمانية الدولة، وهو مدخل مثالي للقوى المضادة للثورة يجد صدى ودعمًا إقليميًا ودوليًا.
وقد يظن البعض أن إبقاء حالة الغموض فيه مصلحة، غير أن ذلك سيكون أكبر مدخل لإفراغ الثورة من محتواها، وحرف بوصلتها والقفز عليها؛ وسيكون حسم الهوية والبوصلة في إطار حضاري تشاركي استيعابي متسامح، أحسن ألف مرة في حشد وتحفيز الغالبية الساحقة من الشعب، وترسيخ بنية الدولة الجديدة، وتحصين الثورة، وقطع ألسن المرجفين والمشككين.
ولعل الأولى بالنظام الجديد أن يحسم مبكرًا الهوية العربية الإسلامية للدولة، وانسجامها مع دينها وتراثها وحضارتها، وقضايا أمتها وعلى رأسها قضية فلسطين.
إعلان خامسًا: الابتزاز السياسي الإقليمي والدولي: ستعاني القيادة الجديدة من هذا الابتزاز السياسي للحصول على "الشرعية" والاعتراف، والتعامل الطبيعي مع الدولة السورية، وسيسعى عدد من القوى لفرض شروط على شكل الحكم وطبيعته بما في ذلك الدستور، وإدخال وكلاء لها أو متوافقين معها في الحكومة ومفاصل الدولة؛ وهو ما يحتاج الكثير من الحكمة والحزم من القيادة. سادسًا: التدخل الخارجي الناعم: مع الاتجاه نحو النظام الديمقراطي والتعددية السياسية وفتح مجال للحريات، هناك أنظمة تخشى من "عدوى" الحرية ومن وتيارات "الإسلام السياسي" على شعوبها وأنظمتها، وستقوم باستخدام المال السياسي، وأشكال الدعم السياسي والتلميع الإعلامي لرموز وقوى معينة وتضخيمها، لركوب الثورة أو القيام بثورة مضادة، وإعادة إخضاع الشعب للمنظومات الفاسدة والمستبدة إياها التي ثار عليها الشعب سابقًا، كما حدث مع عدد من بلدان "الربيع العربي"، وهو ما يصبُّ في المصالح الغربية والإسرائيلية في المنطقة. سابعًا: التحدي الصهيوني: والتدخل الإسرائيلي المباشر وغير المباشر عسكريًا وأمنيًا، وبالأدوات الخشنة والناعمة المختلفة كأحد أبرز المخاطر التي تواجه القيادة الجديدة، حيث سيسعى الصهاينة لإضعاف النظام وقصقصة أجنحته، ووضع معايير "إسرائيلية" وأسقف أمنية تسعى لإبعاد أي مخاطر محتملة على الكيان، ومنعه من امتلاك عناصر النهوض والقوة؛ لأن نهضة أي دولة، خصوصًا في البيئة المحيطة بالكيان، هي في معايير الكيان خطر إستراتيجي، حتى لو تجنبت هذه الدولة أي مواجهات مع الكيان. ثامنًا: الحفترة: ثمة مخاوف من أن تقوم أنظمة إقليمية ودولية بدعم ظهور "حفتر جديد" في سوريا، وتوفير الدعم اللوجيستي والمالي والعسكري له، بحيث يكون عنصر انقسام وتفجير في الساحة السورية؛ ومن المفترض أن تتعامل الثورة بقوة وحسم وسرعة مع هكذا ظواهر، وتعبئ الوعي الشعبي ضدها، ولا تسمح لها بالنمو تحت أي ذرائع. تاسعًا: التواجد الأميركي والروسي على الأرض السورية يمثل تحديًا كبيرًا، والعمل على إزالته وإنهاء مسببات وجوده، يجب أن يكون في الأجندة الرئيسية للنظام الجديد. عاشرًا: فلول النظام: ربما أصبحت بقايا النظام، ومجموعاتُ المستفيدين منه والآسفون على ذهابه في وضع ضعيف مهزوز، وهاربين من غضب الجماهير ومن ضحايا النظام؛ ولكنهم مع الوقت سيحاولون لملمة صفوفهم وإعادة تقديم أنفسهم في شكل أحزاب ورموز وهيئات وشبكات مصالح، تحاول اختراق النظام الجديد والقفز عليه.. إذ لا ينبغي أن يغيب عن ذهننا وجود مئات الآلاف من العسكر والأمن وكوادر حزب البعث والمستنفعين من النظام السابق ممن أصبحوا "أيتامًا" بعد سقوط النظام، وممن سيسعون لإعادة تموضعهم، أو ممن سيبحثون عن رعاة جدد. إعلانوأخيرًا، فالشعب السوري قدم تضحيات هائلة، ومن حقه أن يقطف ثمار تضحياته، وثمة تجربة جديدة تستحق التشجيع. وصحيح أن المخاطر كبيرة، لكن الفرص المتاحة غير مسبوقة. والسوريون في كل الأحوال لا يملكون ترف الخيارات السهلة؛ وإن أجواء الدعم والثقة بالله (مع الحذر الواجب) يجب أن تحكم المسيرة، وليس أجواء الإحباط والتثبيط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية