العتبات ودلالاتها في مجموعة «الطريق إلى بيت أمي»
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
قد يظن القارئ أنّ عنوانا مثل (الطريق إلى بيت أمي) يحيل على كتابٍ في السيرة أو في أدبيات المكان، ولكن الشاعر محمد الحضرمي استغلّ فكرة الحنين إلى الماضي وتوظيفها في مجموعته الشعرية الصادرة عن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء عام 2023م بداية من العنوان السابق وانتهاء بمضامين النصوص الشعرية الواردة في المجموعة.
كما أنّ الشاعر خصّص الأمومة بإضافة ياء المتكلم ولم يتركه عاما بحسب الاستخدام الشعري، كل ذلك يشير فيه إلى اتساع دائرة الحنين والشوق إلى الماضي من المتكلم. إنّ العتبات النصية في المجموعة تعبيرٌ عن مكامن الذات، وانفجار لواعجها الداخلية باستخدامات اللغة المتوهجة التي تشير إلى الطفولة والإنسان متقاطعة مع الماضي. إنّ الحضرمي مسكون بالماضي كما يبدو في كتاباته الأخرى التي تتقاطع مع الإنسان والمكان والحياة البعيدة؛ يظهر التمسك بالماضي في عتبات النص قبل الولوج إلى عالم النص الشعري، ويمكن أن نلمح ذلك في الصفحة السابعة من المجموعة؛ إذ تحيل العتبة/ البيت الشعري الاستهلالي أول المجموعة على المكان الأول (قرية مَعْمَد) والشاعر محمد بن مدّاد الناعبي حين يقول: «سقى مغاني الحيّ حتى تروى**بمعمدٍ إذ معمدٌ لي مثوى».
يُقدّم البيت السابق للقارئ انطباعا عن مدى الحنين إلى المكان/ معمد «قرية في ولاية منح»، ومنح ولاية يسكنها الشاعر، إذ يعود الاستشهاد إلى المكان مسترجعا قرية معمد في أول المجموعة التي تتشكّل مبدئيا من عتباتها وفق ذاكرة المكان، كما يعود بنا إلى الشاعر الناعبي (ق10هـ) الذي أبدى هو الآخر شوقه وحنينه إلى المكان بكل ما يحتويه البيت الشعري من معاني الشوق والحنين.
وفي عتبة الإهداء في الصفحة التاسعة نقف على عبارة للشاعر قائلا: «إلى مهاد الطفولة في بيوت الطين، وقد أضحت أطلالا كخيالات الأشباح، وكلّما داعبها المطر، أهدته منها قطعة.. وإلى ذكرى الأمكنة في الأيام الخالية». أليس ذلك إحالة على الحنين موضوعا، واسترجاعا للماضي وذاكرته؟ إنّ الشاعر في العتبات الأولى للمجموعة منفطرُ الوجدان متألم نتيجة البعد الذي يعيشه عن مرحلة الطفولة وذاكرة المكان الأول، لذا يُقدّم مجموعته موظفا عملية الاستعادة بين الزمنين وكأنهما يعيشان صراعا داخليا في ذات الشاعر.
تتصدر العتبات النصية نصوص المجموعة حتى لكأنها تشكّل مدخلا لفهم النص أو بوابة أولى للعروج إلى النص الشعري، ويظهر معها الترابط في بناء المضمون الشعري، نجد حضور أبيات سليمان بن سليمان النبهاني «من شعراء ق10هـ» مُفتَتَحا للدخول إلى نص (منح) لا سيما عند ذكر النبهاني لعبارة «البارق المَنَحيّ» في بيت شعري له، كما تحضر أيضا عبارةٌ من كتاب (تحفة الأعيان) لنور الدين السالمي مُفتَتَحا للدخول إلى نص (مالك بن فهم) وذلك للحديث عنه إثر معركته الشهيرة مع الفرس يوم سلوت. وتحضر عبارةٌ من كتاب (نهضة الأعيان) لمحمد بن عبدالله السالمي مُفتَتَحا للدخول إلى نص (كُمّة الساحر) للحديث عن حكاية قديمة يقول فيها: «يقال: إنه توجد في بعض كهوف جبل الكور «كُمّة» من «الجوخ الأحمر»، إذا وضعها الرجل الضخم على رأسه، تبلغ منكبيه، فإذا أراد إخراجها من موضعها، ذهب بصره، حتى يردّها في محلها». «ص54» كما نجد مقطعا من كتاب (في ظلال الأسلاف) مُفتَتَحا لنص حصاة بن صلت.
يلاحظ القارئ من خلال العتبات (الافتتاحيات) التي تسبق النصوص السابقة أن هناك ربطا بين النص الشعري والتاريخي، ومعه يحاول الشاعر تأكيد النص الشعري بالحدث التاريخي، كما يحاول التعبير عن التاريخ ورواياته بالرؤيا الشعرية. هذا على سبيل العتبات المتمثلة في الافتتاحيات، إلا أنّ القارئ سيجد أن المجموعة تتكئ على العتبات من زاويتين، الأولى: من العناوين ودلالاتها في المجموعة؛ إذ تُقدّم العتبات (العناوين) صورة واضحة متمثلة في ألفاظ الحنين والشوق إلى الماضي بكل تعبيراته، نجد مثل هذه العتبات في نصوص: (أغنية أولى، ومدرستي الأولى، ووجه أبي، والطريق إلى بيت أمي، وذكرى أحمد، والصفحة الأخيرة) وكلها تحمل دلالات النزوع إلى الماضي، فألفاظ مثل «أولى» و«أخيرة» و«أبي» و«أمي» تحمل دلالات التعلق بالحياة الماضية وارتباطها باستمرار الذاكرة.
في قصيدة (الطريق إلى بيت أمي) تظهر العودة إلى الماضي، ليمثّل هذا النص أنموذجا واضحا على العودة إلى ذاكرة الماضي، والاشتغال على استعادته لحظة الماضي، لذا وإن ألبس الشاعر على القارئ بالتركيز على لفظة «الطريق إلى» في العتبة/ العنوان فإنه ركّز في النص على ماهية البيت وارتباطه بالذاكرة القديمة والناس الذين كانوا يقطنون البيت، فلم تكن لفظتا «الطريق إلى» إلا إيهاما للقارئ بما هو أهم من الوصول إلى بيت الأم، فقطعه الشاعر عن القارئ وأقام الوصف المكاني مقامه وذلك لأهميته في النص. كذلك وإن ألبس الشاعر على القارئ في العتبة بلفظة «بيت أمي» فإنه أشار إليه في النص واصفا إياه بالقديم، وهنا أعني في النص، تظهر دلالات ما أخفته العتبة. إنّ الطريق حدث غير مهم في النص لذا اقتطعه الشاعر زمنيا من فعل الحدث، ولفظ القديم به ارتباطٌ زمني بالماضي والبعيد واشتغال الذاكرة فركّز عليها داخل النص رابطا بينها وبين دلالات الماضي. يقول:
عادت أمي
إلى بيتها القديم،
وتوقفت عند عتبة الباب،
وكأنها تذكّرت شيئا ما،
خلعت نعليها كما كانت تفعلُ،
وحملقت في خشبه المتهالك،
وجدرانه المتصدّعة.
يبدو البيت من الداخل موحشا..
-أين من كانوا هنا؟
توقفت أمي
عند باب بيتها القديم،
فمسحت جدرانه
وكأنها تعتذر
عن هجرانٍ طويلٍ،
سرق سنواتٍ
من عمرها المبارك،
ليعود الماضي بزهوه
إلى خيالها الكليل.
كما قدّمت العتبات (العناوين) صورة عن الحنين إلى المكان القديم، واستعراض الأحداث الغابرة وهو اشتغال قصده الشاعر بحكم زاوية الرؤية التي ينظر من خلالها إلى الماضي والتراث والتاريخ، نجد ذلك في نصوص مثل: (وحيدان في سفح موحش، والأعالي الغامضة، ومنح، ومعبد المضمار، وأبراج وادي العين، وكُمّة الساحر، ومالك بن فهم، وحصاة بن صلت). في قصيدة (وحيدان في سفح موحش) يعود بنا إلى التاريخ، إلى قبرين ضَمّا رفات إنسانين من الماضي البعيد، يُسلم الشاعر الحوار إليهما مستعرضَين الزمن الطويل الذي قضياه في قبريهما. إنها مسافة زمنية حاول الشاعر التنقيب عنها وإخراجها إلى القارئ، لذا اعتمدت عتبة النص على ألفاظ الوحدة والوحشة والغربة وهي تعبير عن طول المكث وهجر الناس للمكان معتمدا على أساطير التراث كالسحرة في محاولة لإيجاد ارتباط بين حكايات التراث القديمة وبين الماضي وحضاراته، يقول:
هذه مروج الجبل المسحورة،
تأفل في قبابها الأقمار،
وفي الليل،
سنقتفي أثر السحرة،
حين يدبون بضباعهم
إلى المفازات.
كما تتكئ العتبات في زاويتها الأخرى في المجموعة على اشتغالات الهوامش؛ إذ جاءت الهوامش مفسّرة لتأويلات اللغة في النص كونها لغة تأخذ من المحكية دلالة لمعانيها، وتأخذ من تقاطعات التاريخ تعبيرا لها. فنجد الشاعر يفسّر من خلالها ما غمض على القارئ من المفردات الأثرية والتراثية والمكانية القديمة، نجد اتساع ذلك في المجموعة بأكملها وفي غير نص، إنّ الهامس أصبح نصا موازيا للمتن، يعود الشاعر من خلاله إلى التعريف بالتاريخ والماضي، ولعل نص (منح) من أكثر النصوص التي اعتمدت على الهوامش في اشتغالها إذ بلغت الهوامش في النص 11 هامشا.
إننا أمام مجموعة شعرية تتكئ على العتبات في بناء نصوصها ومعها يعود الشاعر إلى التاريخ وأحداث الماضي، والتي معها نجد أن النصوص الشعرية بدأت تفقد حسّها الشعري وبريقها الفني باتجاهها جهة الأحداث التاريخية والتعبير عن التراث والماضي، فقد وقع الشاعر في شرك الكتابة التاريخية والميل إلى نبش التاريخ واستعادة الماضي فخرجت اللغة الشعرية في غير موضع عن تعبيراتها الفنية وحركتها الشعرية.
إلا أن الشاعر كان ملتزما بربط التاريخ بالكتابة واستعادتها في نصوص مجموعته وهو ما يُظهر لنا شغف الحضرمي بتتبع تاريخ المكان العماني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المجموعة الحنین إلى إلى الماضی إلى المکان بیت الأم فی النص
إقرأ أيضاً:
هشام طلعت مصطفى: ٢٠٪ من مبيعات مشروع ساوث ميد للأسواق الخارجية بفضل تكنولوجيا التسويق المتطورة
قال هشام طلعت مصطفى، الرئيس التنفيذي لمجموعة طلعت مصطفى، ان المجموعة اعتمدت في تطوير مدنها ومشروعاتها العقارية على الأفكار الحديثة والمبتكرة ، منوها إلى أن كل مشروعات مجموعة طلعت مصطفي تدار حاليا بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ما يضمن توفير كبير فى استهلاكات الطاقة والمياه وايضاً العنصر البشري. وأشار إلى أن المجموعة حرصت على إبرام شراكات مع كبار الشركات الدولية ، من بينها التعاقد مع مجموعة هواوي العالمية ، لتطبيق أحدث ما توصل إليه العالم في إدارة المدن الذكية والمستدامة بمختلف مشروعات المجموعة.
وأوضح هشام طلعت ، ضمن فعاليات اليوم الثالث للمنتدى الحضري العالمي ، أن مدن مجموعة طلعت مصطفى تضم حاليا ١.٢ مليون مواطن وستصل إلى ٢ مليون مواطن خلال ٧ سنوات مع الانتهاء من مشروعي "نور" و "ساوث ميد".
ولفت إلى أن المجموعة نجحت خلال ٢٠٢٤ فى الوصول بحجم مبيعاتها إلى ٤٧٠ مليار جنيه ، وهو ما يوازى مجمل مبيعات أكبر ٩ شركات عقارية فى السوق المصرى، وهو ما يضع مجموعة طلعت مصطفى فى مكانة رائدة باعتبارها أكبر كيان عقارى فى مصر و منطقة الشرق الأوسط.
وأشار هشام طلعت إلى أهمية شراكة القطاع الخاص مع الدولة المصرية في مجال التنمية العمرانية والتطوير العقاري، موضحاً أن الدولة حققت عائدا جيداً من خلال الشراكة مع المجموعة فى مشروع مدينتي بلغ أكثر من 100 مليار جنيه .
وتابع: "لدينا تجربة أخرى ناجحة مع وزارة الإسكان فى مشروع ساوث ميد بالساحل الشمالي والذى نجح خلال فترة قصيرة فى بيع نحو ١٢ ألف وحدة سكنية نتيجة للطلب المحلى والعالمى الكبير ، ٢٠٪ منها مبيعات من خارج مصر، وهي اكبر نسبة تحققها شركة عقارية في مصر نتيجة الاعتماًد على منطومة إلكترونية تتيح البيع والتعاقد والسداد في أي مكان بالعالم ، بما يعزز تصدير العقار المصري عالميا.
وأشار الى نجاح تجربة مجموعة طلعت مصطفى فى الخارج، بداية من السعودية ، حيث تم اطلاق مشروع بنان بالرياض، وبعد نجاح تلك التجربة تتجه الشركة نحو سوق جديد فى العراق ، وهو ما يدعم تصدير العقار وزيادة عائدات المجموعة من النقد الأجنبي.
وأكد هشام طلعت أن النجاح الكبير لمشروع مدينتي جعله قبلة للمستثمرين والوفود العربية للإطلاع على التجربة المصرية الرائدة فى تطوير المدن الذكية والمستدامة، حيث يزور المدينة اليوم وفدا من العراق ، كما تستقبل مدينتي غداً وفدا رفيع المستوى من المملكة العربية السعودية.
جاءت تصريحات هشام طلعت مصطفى خلال جلسة بعنوان :"تعزيز تصدير العقارات وتنشيط صناديق الاستثمار" ضمن فعاليات الدورة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي ، بحضور المهندس/ شريف الشربيني ، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية ، والأستاذ/ حسن الخطيب ، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، والسيدة/ رانيا المشاط / وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ، واللواء مهندس / أحمد العزازي ، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ، المهندس خالد عباس / رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة العاصمة الإدارية .