لجريدة عمان:
2025-07-11@04:59:11 GMT

الاستيطان الجبلي في كدم

تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT

كدم.. يعود تشكلها الحضاري إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، نشرتُ عنها عدة بحوث ومقالات، لاهتمامي بها منذ سنوات؛ توثيقًا ودراسةً وبحثًا وتحليلًا، أكتفي هنا بذكر مختصر عنها. فهي حوزة بجوف عمان، تقع غرب الجبل الأخضر تحت السفح الجنوبي من سلسلة الحجر الغربي، يحيط بها سور، نقدره بـ26 كم، ويفصل بينه وبين سور بهلا حوالي 7 كم، بقيت أجزاء من أساساته الحجرية.

وكدم.. من الممالك القديمة التي سادها «نظام دولة المدينة»، يقع الآن معظمها بولاية الحمراء وبعضها بولاية بهلا. ربما يرجع أقدم استيطان فيها إلى أكثر من 10 آلاف سنة، والعمران مستمر بها إلى الآن. تعتبر منطقة مثالية لدراسة تطور الحضارة العمانية عبر آلاف السنين.

حوزة كدم.. متنوعة التضاريس، تنبسط سهولها على مساحات واسعة شكّلت مزارعَها وبساتينَ نخيلها في حقب طويلة. وأما بيوتها فقد تركزت إلى وقت قريب على نتوءات جبلية، وفي زمننا عمَّ العمران معظم الأرض المنبسطة، وبدأ يصعد إلى الجبال المجاورة. ولأن كدم تقع تحت جبال الحجر الغربي؛ فهي تخترقها أودية كبيرة، جافة معظم السنة، وإنما تجري بغزارة الأمطار وتتابعها، ولعلها في العصور السحيقة حتى بداية الاستيطان البشري في المنطقة كانت أنهارًا. وفي كدم ترسو جبال كبيرة، أشهرها «قرن كدم» الذي نسبت إليه الحوزة، وبحسب تتبعنا للمنطقة وآثارها؛ يظهر أن الاستيطان ابتدأ على قمم الجبال تجنبًا لمجاري الأودية الجارفة، بيد أنه لم ينقطع على الجبال. ومن القرى الجبلية المجاورة لكدم التي ما زالت شواهدها قائمة؛ قرية حجرية على جبل بمدخل وادي النخر في الحمراء، تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، ومسفاة العبريين؛ وهي متواصلة العمران إلى اليوم.

لقد جُبنا كل كدم، واستكشفنا معظم جبالها، ووقفنا على العديد من مستوطناتها، وحددنا جوانب من طبيعة آثارها، وتوخينا معرفة بعض حقبها، ووثّقنا إحداثيًّا كثيرًا من معالمها بآلاف الصور. المقال.. يسلط الضوء على الاستيطان الجبلي. يوجد ثلاثة أنواع من الاستيطان الجبلي: الجزر الجبلية والقرى الجبلية والمستوطنات الجبلية:

- الجزر الجبلية.. ليست جزرًا مائية، وإن كنت لا أستبعد أن تكون كذلك في الأزمنة المطيرة، لكونها نتوءات جبلية في الأودية، وهي متوسطة المساحة قليلة الارتفاع. استوطنها الإنسان القديم، وترك آثاره عليها. هذه الجزر بعضها قديم جدًا، وبعضها هُجِر متأخرًا نسبيًّا، وبحسب الشواهد التي وقفنا عليها؛ فلعلها هجرت قبل الإسلام، لأن في صخورها رسمات حيوانية وأحرف مسندية، لكننا لم نجد فيها كتابات بـ«الحرف العربي المتأخر» الذي دخل عمان قبيل الإسلام.

- القرى الجبلية.. هي البلدان التي في الجبال وبين شعابها، وقد تكون في بداية نشأتها تجمعات بشرية قليلة العدد، وبمرور الزمن ازداد سكانها واتسع عمرانها، وغالبًا تسمى في عمان «المسافي» مفردها «مسفاة»، وهي منتشرة فيها، ولا توجد قرى جبلية بهذا المعنى باقية في حوزة كدم المسوّرة، وإنما أعلى منها في الجبل تقع «مسفاة العبريين».

- المستوطنات الجبلية.. الأماكن التي استوطنها الإنسان على الجبال وسفوحها، وهي قديمة جدًا، قد تكون هي الأصل في العمران، ومنها تواصل على سفوح الجبال الصغيرة مكونًا بلدان كدم كالقلعة والعارض وبلاد سيت.. بل مدينة الحمراء التي نشأت متأخرة عام 1066هـ أقيمت على سفح الجبل الأشم الذي يقطع المنطقة من سلسلة الحجر الغربي، لكن المستوطنات الجبلية القديمة أهلكتها الآماد، ولم يبق منها إلا أطلالها وشواحب من عمرانها.

هذه المستوطنات منتشرة في جبال كدم؛ ومن أنواعها:

- المدرجات الزراعية.. ربما ظهرت بشكل بدائي مع ظهور الزراعة في كدم. ثم تطورت بمرور الأزمان، ولها شواهد كثيرة في عمان؛ أشهرها مدرجات الجبل الأخضر، وبما أن جبال كدم ليست شاهقةً، وصغيرةُ الحجم مقارنة بالجبل الأخضر، فقد هجر الناس عمل المدرجات، ثم اندثرت، ولم يبقَ منها إلا ملامح شاحبة، يتعرف عليها من لازم البحث في هذه الجبال.

- الكهوف.. وهي كثيرة بأشكال مختلفة، ومعظمها ليس واسعًا ولا غائرًا، إلا أنه يوجد منها الغائر مثل «كهوف تقديم الأضاحي» بـ«معبد ني صلت». وبعض الكهوف توجد بها رسمات بشرية. وهي ذات استعمالات غير معروفة بالضبط حتى الآن، وإن كنا نقدّر بعضها للعبادة، والآخر للاستعمال اليومي.

- قرى ما قبل الفخار.. وهي عديدة، لم يبقَ منها إلا ركام الحجارة المتوزعة في المكان، ولكن وجدنا في بعضها آثار أساسات مبانٍ؛ منها ما يمتد بشكل مربع، والآخر بشكل مستدير. ووصفتها بـ«ما قبل الفخار»؛ لأننا لم نعثر فيها على قطع فخارية، وهذا يعني أنها قد تعود إلى ما قبل الألفية السادسة قبل الميلاد، وهو التأريخ الأقدم لظهور الفخار في عمان.

- قرى ما قبل الرسم على الحجارة.. لا نعرف بالضبط متى بدأ الرسم الصخري في عمان، ما زالت الدراسات شحيحة حوله، لذا؛ لا نستطيع أن نحدد تأريخ هذا النوع من القرى بالضبط. بيد أن ما لاحظناه هو قلة الرسم في المستوطنات الجبلية، التي بها رسم توجد فيها كذلك قطع فخارية، وهذا يشي بأن الرسم ليس أقدم من الفخار في كدم.

- قرى ما بعد الميلاد.. وهي مع قلتها أوفر حظًا في بقاء معالمها، فأساساتها الحجرية باقية. من هذه القرى ما يوجد في المحمود بجنوب كدم، والمحمود.. منطقة غنية بالآثار التي بها رسمات، ولأنها رسمات بشرية وحيوانية، فغالبا؛ أنها مستوطنات لا تنتمي للعهد الإسلامي، لكنها لا ترتفع كثيرًا عن الميلاد، لوجود النقوش المسندية فيها، وهذا النوع من النقوش انتشر في كدم غالبًا ما بين الميلاد والإسلام.

- القرى الإسلامية.. وأقصد التي وجدت بالجبال في العهد الإسلامي الأول ثم هجرت. ليس بها كتابات أو رسمات، وإنما بها مقابر إسلامية، ولذا؛ اعتبرتُها قرى إسلامية، وكثير من جدرها الحجرية باقية، ومرافق العديد منها يمكن ملاحظته، وإن لم نتمكن من معرفة استعمالاته. وأبرز مثال عليها القرية التي تشرف على وادي الخور عند الطريق المؤدي إلى بلدة العارض، وهي آخذة في الاندثار تحت عجلة التوسع العمراني الحديث. هذه الأنواع الأربعة من القرى.. بنيت على مساحات منبسطة في قمم الجبال، ويبدو أنها سُوّيت قبل البناء عليها، فأزيح عنها الصخور الكبيرة وأكداس الأتربة حتى تساوت، ثم بُني عليها. وبعض هذه القرى تدل الآثار بأنها محاطة بأسوار، وقد تتوسطها «جزر جبلية» هي الأخرى كانت مستوطنة بالبشر، أو لها استعمالات لا نعرفها حتى الآن. جبال كدم.. شهدت ظواهر عديدة، كتبتُ عن بعضها، مثل مقال «الكهف والحصاة.. ظاهرة مجهولة أم طقس ديني»، نشرته جريدة «عمان» بتاريخ: 3/ 10/ 2023م. ومن هذه الظواهر:

- أن سور كدم في أجزاء كثيرة منه يمر على الجبال وسفوحها، وأحيانًا يُستغنى بشموخ الجبل عن السور فينقطع، ليعاود الظهور بعد اجتيازه، ومما يلحظ أن المسار الجبلي للسور لا يكاد يخلو من دلائل استيطان بمحاذاته.

- وجود «مدينة جنائزية» في جزيرة جبلية، تقع خارج سور كدم على الجنوب من بلادسيت، تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وقد خصصت لها مقالًا أرجو نشره قريبًا.

- وجود محجرين للأحجار الضخمة في جزيرتين جبليين قريبتين من المدينة الجنائزية.

- الأبراج.. وهي إما أنها مرفقة بالسور، أو منفصلة عنه، أو بالأساس غير مرتبطة به، وهي أبراج قديمة ظل الناس يبنونها إلى وقت قريب، وبعضها قائم بالطين حتى الآن.

- مما عثرنا عليه في أحد جبال منطقة المحمود خندق ضيق عميق، من صنع بشري، ولا ندري تأريخه؛ أحديث هو أم قديم، كما لا نعرف الغرض منه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قبل المیلاد فی عمان ما قبل قرى ما

إقرأ أيضاً:

سوريا تكافح نيران اللاذقية.. سيطرة شبه كاملة على الحرائق وتعاون إقليمي مكثف لإنقاذ الجبال الملتهبة

أعلنت وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث السورية، اليوم الأحد، تحقيق سيطرة شبه كاملة على معظم مواقع حرائق الغابات المندلعة في ريف اللاذقية الشمالي، باستثناء نقطتين شديدتي الصعوبة في جبل التركمان، بحسب ما أكده الوزير رائد الصالح.

وأوضح الوزير أن عمليات التبريد بدأت عند الساعة الرابعة فجرًا، فور إخماد البؤر الأساسية، إلا أن الرياح القوية أعادت إشعال بعض المناطق، ما تطلب جهودًا مضاعفة من فرق الإطفاء والدفاع المدني.

وأشار الصالح إلى أن النقطتين المتبقيتين تشكلان تحديًا لوجستيًا خطيرًا، فإحداهما تقع داخل وادٍ لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق الطيران، بينما تقع الأخرى على سفح جبل مليء بالألغام، مما أدى إلى انفجارات متفرقة صباح اليوم. ولحسن الحظ، لم تُسجّل إصابات بين أفراد الفرق رغم شدة الخطر.

وفي تطور لافت، كشف الوزير عن تعاون دولي وإقليمي نشط لاحتواء النيران، حيث لبّت تركيا النداء بسرعة، وأرسلت 12 طائرة إطفاء ومركبات متخصصة وفرقًا ميدانية، كما شاركت طائرات من الأردن ولبنان في عمليات الإخماد إلى جانب الدعم الجوي الذي وفرته وزارة الدفاع السورية.

وأكد الصالح أيضًا وجود تنسيق مستمر مع دول أوروبية والعراق لتفعيل مزيد من التدخلات الجوية في المناطق الوعرة، في محاولة لتطويق الحريق قبل وصوله إلى المناطق السكنية القريبة.

إصابة خطيرة وسط النيران… والفرق تواصل المهمة

ورغم الصعوبات، تعرض أحد عناصر فرق الدفاع المدني لإصابة خطيرة بعد محاصرته وسط ألسنة اللهب، وفق ما أعلن الوزير. وأكد الصالح أن باقي الفرق تواصل عملها بكامل الجاهزية، مشيدًا ببطولة عناصر الحراج، الإطفاء، الدفاع المدني، والفرق الدولية المشاركة.

حصيلة الحرائق: أكثر من 14 ألف هكتار احترق… والطبيعة لا ترحم

تشهد غابات ريف اللاذقية منذ أكثر من أسبوع موجة حرائق غير مسبوقة، أتت على نحو 14 ألف هكتار من المساحات الخضراء حتى الآن، وفق ما أفاد محافظ المنطقة. وتعزو الجهات المختصة أسباب هذه الحرائق إلى الرياح الجافة، ودرجات الحرارة المرتفعة، وتضاريس المنطقة الصعبة، ما أعاق وصول الفرق الأرضية وأجبر السلطات على طلب الدعم الجوي الإقليمي والدولي.

هل اقتربت النهاية؟

ورغم صعوبة الظروف، اختتم الوزير الصالح تصريحاته بالتأكيد على أن الوضع تحت السيطرة في معظم المواقع، مشيرًا إلى أن الجهود مستمرة على مدار الساعة حتى تحقيق السيطرة الكاملة، وسط تحديات تضاريسية ومناخية قاسية.

المغرب يعيد فتح سفارته في دمشق تنفيذاً لتوجيهات الملك محمد السادس

أعلنت المملكة المغربية، الأربعاء 9 يوليو 2025، استئناف عمل سفارتها في العاصمة السورية دمشق، تنفيذاً لتوجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطوة تعبّر عن رغبة واضحة في تعزيز العلاقات الثنائية مع سوريا وفتح صفحة جديدة من التعاون الدبلوماسي.

وذكرت وكالة المغرب العربي للأنباء أن السفارة باشرت مهامها بكامل طاقمها الإداري ومصالحها في مقر مؤقت بدمشق، إلى حين الانتهاء من الإجراءات اللوجستية لنقلها إلى مقر دائم يتماشى مع الطابع الجديد للعلاقات المغربية السورية.

ويأتي هذا التطور بعد إعلان الملك محمد السادس، خلال كلمته في القمة العربية الرابعة والثلاثين التي عُقدت ببغداد في 17 مايو الماضي، عن عزم بلاده إعادة فتح سفارتها في سوريا بعد إغلاق دام منذ عام 2012، مؤكداً أن هذه الخطوة ستُسهم في توثيق الروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين.

وجدد المغرب في بيان رسمي موقفه الداعم لوحدة سوريا وسيادتها، مشيراً إلى دعمه تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والأمن والاستقرار.

من جهته، رحب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بعودة السفارة المغربية، واصفاً الخطوة بأنها مؤشر إيجابي على تطور العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك.

وتأتي هذه الخطوة في سياق أوسع من تحسّن العلاقات العربية مع دمشق، في أعقاب سنوات من القطيعة الدبلوماسية التي فرضتها تداعيات الأزمة السورية.

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. القهر يخرج المغاربة إلى الشارع والمخزن يطاردهم نحو الجبال
  • سوريا تكافح نيران اللاذقية.. سيطرة شبه كاملة على الحرائق وتعاون إقليمي مكثف لإنقاذ الجبال الملتهبة
  • «الجبلي» يشارك في فعاليات الأكاديمية الإفريقية للحوكمة برواندا
  • 3 شبان عالقون في أحد جبال شبوة واستغاثة مجتمعية لإنقاذهم
  • اندلاع حريق في حراج السفوح الجبلية العالية بقرية المسحل بريف حماة
  • اعتصام لأصحاب التوك توك عند دوار الجبلي في بعلبك
  • إطلاق حملة لترميم الجبال التي احترقت باللاذقية ووزير الطوارئ يشكر الدول المشاركة في إخماد الحرائق
  • وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح: إطلاق حملة “بأيدينا نحييها” دليل على أن الشعب السوري قادر على بناء بلده لصنع سوريا الجديدة وإعادة بناء المنطقة التي تضررت
  • محافظ اللاذقية محمد عثمان خلال مؤتمر صحفي مع وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح: الجهود التي بذلت خلال الأيام الماضية مشكورة وجبارة، وأطلقنا حملة “بأيدينا نحييها” لإعادة جبالنا خضراء وترميم الجبال التي تعرضت للحرائق
  • الاستيطان الرعوي أداة إسرائيل لسرقة أراضي الفلسطينيين