لجريدة عمان:
2025-04-07@06:58:45 GMT

الاستيطان الجبلي في كدم

تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT

كدم.. يعود تشكلها الحضاري إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، نشرتُ عنها عدة بحوث ومقالات، لاهتمامي بها منذ سنوات؛ توثيقًا ودراسةً وبحثًا وتحليلًا، أكتفي هنا بذكر مختصر عنها. فهي حوزة بجوف عمان، تقع غرب الجبل الأخضر تحت السفح الجنوبي من سلسلة الحجر الغربي، يحيط بها سور، نقدره بـ26 كم، ويفصل بينه وبين سور بهلا حوالي 7 كم، بقيت أجزاء من أساساته الحجرية.

وكدم.. من الممالك القديمة التي سادها «نظام دولة المدينة»، يقع الآن معظمها بولاية الحمراء وبعضها بولاية بهلا. ربما يرجع أقدم استيطان فيها إلى أكثر من 10 آلاف سنة، والعمران مستمر بها إلى الآن. تعتبر منطقة مثالية لدراسة تطور الحضارة العمانية عبر آلاف السنين.

حوزة كدم.. متنوعة التضاريس، تنبسط سهولها على مساحات واسعة شكّلت مزارعَها وبساتينَ نخيلها في حقب طويلة. وأما بيوتها فقد تركزت إلى وقت قريب على نتوءات جبلية، وفي زمننا عمَّ العمران معظم الأرض المنبسطة، وبدأ يصعد إلى الجبال المجاورة. ولأن كدم تقع تحت جبال الحجر الغربي؛ فهي تخترقها أودية كبيرة، جافة معظم السنة، وإنما تجري بغزارة الأمطار وتتابعها، ولعلها في العصور السحيقة حتى بداية الاستيطان البشري في المنطقة كانت أنهارًا. وفي كدم ترسو جبال كبيرة، أشهرها «قرن كدم» الذي نسبت إليه الحوزة، وبحسب تتبعنا للمنطقة وآثارها؛ يظهر أن الاستيطان ابتدأ على قمم الجبال تجنبًا لمجاري الأودية الجارفة، بيد أنه لم ينقطع على الجبال. ومن القرى الجبلية المجاورة لكدم التي ما زالت شواهدها قائمة؛ قرية حجرية على جبل بمدخل وادي النخر في الحمراء، تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، ومسفاة العبريين؛ وهي متواصلة العمران إلى اليوم.

لقد جُبنا كل كدم، واستكشفنا معظم جبالها، ووقفنا على العديد من مستوطناتها، وحددنا جوانب من طبيعة آثارها، وتوخينا معرفة بعض حقبها، ووثّقنا إحداثيًّا كثيرًا من معالمها بآلاف الصور. المقال.. يسلط الضوء على الاستيطان الجبلي. يوجد ثلاثة أنواع من الاستيطان الجبلي: الجزر الجبلية والقرى الجبلية والمستوطنات الجبلية:

- الجزر الجبلية.. ليست جزرًا مائية، وإن كنت لا أستبعد أن تكون كذلك في الأزمنة المطيرة، لكونها نتوءات جبلية في الأودية، وهي متوسطة المساحة قليلة الارتفاع. استوطنها الإنسان القديم، وترك آثاره عليها. هذه الجزر بعضها قديم جدًا، وبعضها هُجِر متأخرًا نسبيًّا، وبحسب الشواهد التي وقفنا عليها؛ فلعلها هجرت قبل الإسلام، لأن في صخورها رسمات حيوانية وأحرف مسندية، لكننا لم نجد فيها كتابات بـ«الحرف العربي المتأخر» الذي دخل عمان قبيل الإسلام.

- القرى الجبلية.. هي البلدان التي في الجبال وبين شعابها، وقد تكون في بداية نشأتها تجمعات بشرية قليلة العدد، وبمرور الزمن ازداد سكانها واتسع عمرانها، وغالبًا تسمى في عمان «المسافي» مفردها «مسفاة»، وهي منتشرة فيها، ولا توجد قرى جبلية بهذا المعنى باقية في حوزة كدم المسوّرة، وإنما أعلى منها في الجبل تقع «مسفاة العبريين».

- المستوطنات الجبلية.. الأماكن التي استوطنها الإنسان على الجبال وسفوحها، وهي قديمة جدًا، قد تكون هي الأصل في العمران، ومنها تواصل على سفوح الجبال الصغيرة مكونًا بلدان كدم كالقلعة والعارض وبلاد سيت.. بل مدينة الحمراء التي نشأت متأخرة عام 1066هـ أقيمت على سفح الجبل الأشم الذي يقطع المنطقة من سلسلة الحجر الغربي، لكن المستوطنات الجبلية القديمة أهلكتها الآماد، ولم يبق منها إلا أطلالها وشواحب من عمرانها.

هذه المستوطنات منتشرة في جبال كدم؛ ومن أنواعها:

- المدرجات الزراعية.. ربما ظهرت بشكل بدائي مع ظهور الزراعة في كدم. ثم تطورت بمرور الأزمان، ولها شواهد كثيرة في عمان؛ أشهرها مدرجات الجبل الأخضر، وبما أن جبال كدم ليست شاهقةً، وصغيرةُ الحجم مقارنة بالجبل الأخضر، فقد هجر الناس عمل المدرجات، ثم اندثرت، ولم يبقَ منها إلا ملامح شاحبة، يتعرف عليها من لازم البحث في هذه الجبال.

- الكهوف.. وهي كثيرة بأشكال مختلفة، ومعظمها ليس واسعًا ولا غائرًا، إلا أنه يوجد منها الغائر مثل «كهوف تقديم الأضاحي» بـ«معبد ني صلت». وبعض الكهوف توجد بها رسمات بشرية. وهي ذات استعمالات غير معروفة بالضبط حتى الآن، وإن كنا نقدّر بعضها للعبادة، والآخر للاستعمال اليومي.

- قرى ما قبل الفخار.. وهي عديدة، لم يبقَ منها إلا ركام الحجارة المتوزعة في المكان، ولكن وجدنا في بعضها آثار أساسات مبانٍ؛ منها ما يمتد بشكل مربع، والآخر بشكل مستدير. ووصفتها بـ«ما قبل الفخار»؛ لأننا لم نعثر فيها على قطع فخارية، وهذا يعني أنها قد تعود إلى ما قبل الألفية السادسة قبل الميلاد، وهو التأريخ الأقدم لظهور الفخار في عمان.

- قرى ما قبل الرسم على الحجارة.. لا نعرف بالضبط متى بدأ الرسم الصخري في عمان، ما زالت الدراسات شحيحة حوله، لذا؛ لا نستطيع أن نحدد تأريخ هذا النوع من القرى بالضبط. بيد أن ما لاحظناه هو قلة الرسم في المستوطنات الجبلية، التي بها رسم توجد فيها كذلك قطع فخارية، وهذا يشي بأن الرسم ليس أقدم من الفخار في كدم.

- قرى ما بعد الميلاد.. وهي مع قلتها أوفر حظًا في بقاء معالمها، فأساساتها الحجرية باقية. من هذه القرى ما يوجد في المحمود بجنوب كدم، والمحمود.. منطقة غنية بالآثار التي بها رسمات، ولأنها رسمات بشرية وحيوانية، فغالبا؛ أنها مستوطنات لا تنتمي للعهد الإسلامي، لكنها لا ترتفع كثيرًا عن الميلاد، لوجود النقوش المسندية فيها، وهذا النوع من النقوش انتشر في كدم غالبًا ما بين الميلاد والإسلام.

- القرى الإسلامية.. وأقصد التي وجدت بالجبال في العهد الإسلامي الأول ثم هجرت. ليس بها كتابات أو رسمات، وإنما بها مقابر إسلامية، ولذا؛ اعتبرتُها قرى إسلامية، وكثير من جدرها الحجرية باقية، ومرافق العديد منها يمكن ملاحظته، وإن لم نتمكن من معرفة استعمالاته. وأبرز مثال عليها القرية التي تشرف على وادي الخور عند الطريق المؤدي إلى بلدة العارض، وهي آخذة في الاندثار تحت عجلة التوسع العمراني الحديث. هذه الأنواع الأربعة من القرى.. بنيت على مساحات منبسطة في قمم الجبال، ويبدو أنها سُوّيت قبل البناء عليها، فأزيح عنها الصخور الكبيرة وأكداس الأتربة حتى تساوت، ثم بُني عليها. وبعض هذه القرى تدل الآثار بأنها محاطة بأسوار، وقد تتوسطها «جزر جبلية» هي الأخرى كانت مستوطنة بالبشر، أو لها استعمالات لا نعرفها حتى الآن. جبال كدم.. شهدت ظواهر عديدة، كتبتُ عن بعضها، مثل مقال «الكهف والحصاة.. ظاهرة مجهولة أم طقس ديني»، نشرته جريدة «عمان» بتاريخ: 3/ 10/ 2023م. ومن هذه الظواهر:

- أن سور كدم في أجزاء كثيرة منه يمر على الجبال وسفوحها، وأحيانًا يُستغنى بشموخ الجبل عن السور فينقطع، ليعاود الظهور بعد اجتيازه، ومما يلحظ أن المسار الجبلي للسور لا يكاد يخلو من دلائل استيطان بمحاذاته.

- وجود «مدينة جنائزية» في جزيرة جبلية، تقع خارج سور كدم على الجنوب من بلادسيت، تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وقد خصصت لها مقالًا أرجو نشره قريبًا.

- وجود محجرين للأحجار الضخمة في جزيرتين جبليين قريبتين من المدينة الجنائزية.

- الأبراج.. وهي إما أنها مرفقة بالسور، أو منفصلة عنه، أو بالأساس غير مرتبطة به، وهي أبراج قديمة ظل الناس يبنونها إلى وقت قريب، وبعضها قائم بالطين حتى الآن.

- مما عثرنا عليه في أحد جبال منطقة المحمود خندق ضيق عميق، من صنع بشري، ولا ندري تأريخه؛ أحديث هو أم قديم، كما لا نعرف الغرض منه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قبل المیلاد فی عمان ما قبل قرى ما

إقرأ أيضاً:

أكاديميون: الإمارات تقدّم منهجاً إنسانياً متكاملاً لدعم أطفال فلسطين

برزت دولة الإمارات كأحد أهم الدول الداعمة إنسانياً للقضية الفلسطينية، ولاسيما فئة الأطفال، التي كان لها النصيب الأكبر من رعاية واهتمام الدولة، حيث عملت على توفير الرعاية الصحية والتعليم للأطفال الفلسطينيين، ودعمهم نفسياً واجتماعياً.

 وبالتزامن مع إحياء ذكرى "يوم الطفل الفلسطيني"، الذي يوافق 5 أبريل(نيسان) من كل عام، لفت أكاديميون إلى أهمية الدعم الدور الإماراتي في دعم الطفول الفلسطينية، وأهمية الجهود التي تبذلها الدولة في هذ المجال. 
وقالت أستاذ مشارك في قسم الممارسة الصيدلانية والعلاجات الدوائية بجامعة الشارقة، الدكتورة نادية راشد علي المزروعي، إن "الإمارات تحرص على تقديم دعم متواصل للأطفال الفلسطينيين، إدراكاً منها لأهمية الرعاية الصحية والتعليمية في بناء مستقبلهم، وأنشأت مستشفيات ومراكز طبية، مثل مستشفى الشيخ زايد في رام الله، وساهمت في تجهيز المستشفيات بغزة بالمعدات الطبية والأدوية. كما أطلقت الإمارات حملات تطعيم موسعة ضد الأمراض، وبرامج لمكافحة سوء التغذية، لضمان نمو صحي للأطفال".

برامج متكاملة 

وقالت: "إلى جانب الرعاية الصحية، تدعم الإمارات برامج التأهيل النفسي للأطفال المتأثرين بالأوضاع الصعبة، عبر مبادرات كالتي تنفذها مؤسسة خليفة الإنسانية والهلال الأحمر الإماراتي، لتوفير بيئة آمنة ومستقرة. كما شملت المساعدات تقديم الغذاء والملابس والمستلزمات المدرسية، لتعزيز حق الطفل الفلسطيني في حياة كريمة وتعليم جيد"،
وتابعت: "هذا الدعم يعكس التزام الإمارات برسالتها الإنسانية، ويؤكد دورها الفاعل في تقديم الإغاثة والمساندة، إيمانًا بأن الاستثمار في صحة وتعليم الأطفال هو استثمار في مستقبل أكثر إشراقًا لفلسطين."

ومن جانبه أشار الدكتور ظافر أحمد إلى أن "سجل دولة الإمارات حافل بالمبادرات الإغاثية والإنسانية التي أطلقتها الدولة وقيادتها لدعم أطفال فلسطين وتعزيز حقوقهم، وضعت الدولة في صدارة دول العالم الداعمة لأهل غزة".

مبادرات شاملة 

وأوضح أن "المبادرات الإماراتية الإنسانية لدعم التعليم في غزة كثيرة، منها توفير مرافق تعليمية متكاملة في مدينة الإمارات الإنسانية للأطفال والطلبة القادمين من قطاع غزة برفقة ذويهم، ضمن مبادرة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، التي تهدف إلى علاج 1000 طفل فلسطيني في مستشفيات الدولة، إضافة إلى استضافة 1000 مصاب بالسرطان من مختلف الفئات العمرية، ولتعزيز التعليم ودعم الطلاب في مخيمات الإيواء بقطاع غزة قامت الإمارات ضمن عملية الفارس الشهم 3 بتوزيع القرطاسية والمواد الدراسية اللازمة لضمان سير العملية التعليمية، كما قامت بتوزيع ملابس شتوية وطرود صحية على طلاب المدارس في مخيمات النزوح، لدعم الأطفال في مواجهة فصل الشتاء القاسي، وتوفير احتياجاتهم الأساسية".

حياة كريمة 

وقال الدكتور جاد خليل: "تولي دولة الإمارات اهتماماً خاصاً بتوفير حياة كريمة للأطفال في مختلف أنحاء العالم، لا سيما في الدول المتضررة من الحروب والكوارث الطبيعية، مع تركيز واضح على دعم أطفال فلسطين، عبر مبادرات ومساعدات شملت الصحة والتعليم والغذاء."

وأضاف: "يعد دعم القطاع التعليمي وتمكين طلبة غزة من تلقي العلم أحد مجالات مساعدات الإمارات الإنسانية الأساسية، انطلاقاً من إيمانها بأن التعليم أحد أهم حقوق الطفل الأساسية، وضمن عملية "الفارس الشهم 3"، أرسلت الإمارات مطلع العام الجاري طائرة إغاثية محملة بـ 40 طناً من الحقائب المدرسية ومستلزمات تعليمية للأطفال، بهدف مساعدة الطلبة على مواصلة تعليمهم في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يعاني منها القطاع".

مقالات مشابهة

  • يجب استهداف الأماكن التي تنطلق منها المسيّرات المعادية في أي دولة كانت
  • مدبولي يتابع طرح مشروعات الطاقة التي ستتخارج منها الحكومة
  • هطول أمطار متفاوتة الشدة على المرتفعات الجبلية والمناطق الساحلية خلال الساعات القادمة
  • جمال عارف: إلى متى التقنية يتضرر منها العميد
  • خطيب نارين بيوتي يعتنق الإسلام من أجل الزواج منها
  • تخلّص آمن وسليم.. 80% من النفايات الطبية بالمنشآت الصحية "مُعدية"
  • أكاديميون: الإمارات تقدّم منهجاً إنسانياً متكاملاً لدعم أطفال فلسطين
  • في العمق
  • الخارجية الفلسطينية تدين مضاعفة موازنة دعم الاستيطان
  • آلاف الكورد يخرجون إلى الجبال للاستمتاع بالربيع (صور)