يقول الكاتب روجر كوهين، رئيس مكتب صحيفة نيويورك تايمز في باريس والذي يغطي قضية الهجرة وقضايا أخرى في أوروبا، إن الناس في فرنسا، مثلما هو الحال في أميركا، أصبحوا معادين للمهاجرين، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مهتمان بذلك.

وأوضح كوهين أنه مع الصعود السريع لتيار اليمين القومي في فرنسا ونظرته إلى المهاجرين باعتبارهم يشكلون تهديدا مباشرا لهوية البلاد في جوهرها، هناك شعور آخذ في الازدياد لدى العديد من الفرنسيين بأنهم لم يعودوا يشعرون بأنهم في وطنهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مقال في هآرتس: على اليهود الأميركيين محاربة نظام نتنياهو البغيضlist 2 of 2فات الأوان لوقفها.. مؤرخ بريطاني مرموق: لا مفر من حرب عالمية ثالثةend of list

ووصف الكاتب، في مقال تحليلي بالصحيفة، هذا الشعور بأنه غامض لكنه قوي، وينطوي على معطيات، من بينها الإحساس بالحرمان وتغير العادات والأزياء في الأحياء مع وصول المهاجرين المسلمين، لا سيما من دول شمال أفريقيا، وفقدان الهوية في عالم سريع التغير.

استثمار سياسي

ويعتقد الكاتب أن حزب التجمع الوطني، الذي يستمد شعبيته المتزايدة من موقفه المعادي للمهاجرين، قد استفاد من كل هذه المعطيات.

وأظهر استطلاع للرأي، نُشر أمس الأحد، أنه من المتوقع أن يتقدم حزب التجمع الوطني وحلفاؤه باليمين المتطرف في الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية المقررة نهاية الشهر الجاري بنسبة 35.5% من الأصوات.

وقال رئيس الحزب جوردان بارديلا، في تصريح لقناة "فرانس 3" التلفزيونية الأسبوع الماضي، "لن يتسامح أي مواطن فرنسي مع العيش في منزل بلا أبواب أو نوافذ"، وهو ما فسره كوهين بأنه يعني أن الدول تحتاج إلى حدود فعالة يمكن إغلاقها بإحكام.

ويتبنى بارديلا، البالغ من العمر 28 عاما، أفكار اليمين المتطرف من خلال معاداته للهجرة والمهاجرين وللحضور الإسلامي في فرنسا بشكل خاص، وقد تولى رئاسة حزب التجمع الوطني في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، خلفا لزعيمته مارين لوبان، ابنة مؤسس الحزب جان ماري لوبان.

صدى في أوروبا

واعتبر كوهين، في مقاله بنيويورك تايمز، أن هذه هي الرسالة عينها التي رددتها أحزاب قومية صاعدة في مختلف أنحاء أوروبا، والتي كانت موضوعا رئيسيا لحملة دونالد ترامب المرشح الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وكانت وراء فوز حزب التجمع الوطني على حزب الجمهورية إلى الأمام، بزعامة الرئيس إيمانويل ماكرون في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الشهر.

ووفقا لتحليل الصحيفة الأميركية، فقد "هزَّت" تلك الهزيمة ماكرون كثيرا، لدرجة أنه ربط المستقبل السياسي للبلاد برهان محفوف بالمخاطر، تجلى في دعوته لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، على أن تعقد الجولة الأولى منها في 30 يونيو/حزيران الحالي.

وتوقعت الصحيفة أن تتولى زمام السلطة في فرنسا حكومة قومية يمينية متطرفة برئاسة بارديلا قبل بدء دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها باريس في 26 يوليو/تموز.

تعصب مستتر

وأشارت إلى تفشي النظرة السلبية إزاء المهاجرين باعتبارهم يضعفون الهوية الوطنية، ويعتمدون على شبكات الأمان الاجتماعي، ويستوردون العنف، وهو ما يغذيه في كثير من الأحيان تعصب مستتر.

وبحسب كوهين، اضطر زعماء تيار الوسط في الغرب، بمن فيهم الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي ماكرون، إلى التحول من الانفتاح بشأن الهجرة إلى موقف أكثر تشددا لمحاولة "سرقة" أصوات الحركات القومية.

وأضاف أن حكومة ماكرون أقرت، في وقت سابق من هذا العام، مشروع قانون الهجرة الذي ألغى منع ترحيل بعض الأجانب المقيمين في فرنسا، ونفذت الطرد الفوري لكل من رُفض طلبه للجوء، وسعت لإلغاء الحق التلقائي في الجنسية للأطفال المولودين في فرنسا لأبوين أجنبيين، قبل أن يبطل المجلس الدستوري المحاولة.

غير أن تلك التدابير جاءت بنتائج عكسية، حيث رأى تيار اليسار أنها تنطوي على خيانة للقيم الإنسانية الفرنسية، أما اليمين فقد اعتبرها خطوات قليلة جدا وبعد فوات الأوان.

وفي الولايات المتحدة، أغلق بايدن، هذا الشهر، الحدود الجنوبية مؤقتا في وجه معظم طالبي اللجوء، وهو ما عدّه كاتب المقال بمثابة انقلاب جذري باعتبار أن أميركا هي أمة مهاجرين، حتى إن العديد من أنصار حزبه الديمقراطي اتهموه بتبني سياسة إشاعة الخوف التي ينتهجها ترامب.

لكن كوهين يزعم أن قرار بايدن يعكس رغبة العديد من الأميركيين، مثل كثيرين في فرنسا، في سياسات أكثر صرامة بمواجهة الأعداد القياسية من المهاجرين الذين يدخلون البلاد.

تأجيج الغضب

فلماذا هذا التحول إذن؟ يجيب الكاتب بالقول إن المجتمعات الغربية التي تعاني من تفاقم ظاهرة عدم المساواة بين أطيافها المختلفة، قد تخلت عن كثير ممن يشعرون بالظلم، مما أدى إلى تأجيج الغضب.

وفي فرنسا، كان النموذج الاجتماعي، الذي نجح لفترة طويلة، غير قادر على حل المشاكل الناجمة عن فقدان الأمل، وعن فقر المدارس في ضواحي المدن حيث يعيش العديد من المهاجرين. وهذا، بدوره، يغذي المزيد من الإحباط، ويؤدي إلى اندلاع التوترات بانتظام بين المسلمين والشرطة، بحسب نيويورك تايمز.

ولفتت الصحيفة إلى وجود اختلافات ثقافية عميقة بين الولايات المتحدة وفرنسا، ففي حين أن الأولى أمة تشكّل قوامها من الهجرات بطبيعتها المتجددة ذاتيا، فيما الثانية (فرنسا) دولة "أشد صرامة"، يُعد اندماج "الأقليات الظاهرة" في مجتمعها تحديا لصورتها الذاتية، ومصطلح الأقليات الظاهرة يُقصد به المسلمون في فرنسا تحديدا.

ونقلت الصحيفة عن حكيم القروي، مفكر سياسي ومصرفي فرنسي من أصل تونسي، يعمل مستشارا بارزا في شؤون الهجرة، القول إن الإجماع على أن "وضع المهاجرين المسلمين لم يعد قابلا للحل، بات اعتقادا راسخا الآن لدى مختلف ألوان الطيف السياسي"، لدرجة أنه "لا يوجد أي نقاش جدي حول الهجرة، على الرغم من أنها في قلب الحملة" الانتخابية.

وأشارت إلى أن هناك نحو 140 ألف طلب لجوء خلال العام الماضي، بحسب المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية، ويعد هذا الرقم ضعف العدد الذي كان عليه قبل عقد من الزمن، وقدر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، العام الماضي، أن هناك ما بين 600 ألف إلى 900 ألف مهاجر غير شرعي في فرنسا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات حزب التجمع الوطنی العدید من فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

السلطات الأمريكية توقف تمويل صحف "بوليتيكو" و"نيويورك تايمز" ووكالة "أسوشيتد برس"

أوقفت السلطات التنفيذية الأمريكية مؤخرًا تمويل عدة مؤسسات إعلامية بارزة في خطوة مثيرة للجدل، حيث تم الإعلان عن القرار عبر منشور نشره إيلون ماسك، الذي يتولى إدارة "إدارة الكفاءة الحكومية" (DOGE) على شبكة "X"، القرار يشمل وقف اشتراكات باهظة الثمن كانت تدفعها مختلف الإدارات الحكومية الأمريكية لبعض الصحف والوكالات الإعلامية الكبرى. 

 

ووفقًا لما نشره ماسك، فقد توقفت وزارة الخارجية الأمريكية عن دفع اشتراكاتها لوكالة "أسوشيتد برس"، في حين توقفت وزارة الخزانة عن دفع اشتراكات صحيفة "نيويورك تايمز"، بينما تخلت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) عن خدمات صحيفة "بوليتيكو". 

 

في تصريح رسمي، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت يوم الأربعاء أن الحكومة الأمريكية ستلغي اشتراكاتها في صحيفة "بوليتيكو"، والتي تكلف خزينة الدولة نحو 8 ملايين دولار سنويًا، وأوضحت ليفيت أن الصحيفة كانت مدعومة من دافعي الضرائب الأمريكيين، وأن فريق "DOGE" قد بدأ بالفعل عملية إلغاء هذه المدفوعات. 

وأضافت ليفيت أن الإدارة تعمل الآن على مراجعة شاملَة لإنفاق الوكالات الفيدرالية على الاشتراكات في وسائل الإعلام الأخرى، في خطوة يعكسها إصرار ماسك على تقليص التكاليف غير الضرورية التي تتحملها الحكومة، وسبق أن انتقد ماسك، الذي تم تعيينه من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب على رأس "إدارة الكفاءة الحكومية"، تمويل وسائل الإعلام باستخدام الأموال العامة، مشيرًا إلى أن هذه الممارسات كانت تساهم في تغذية بعض الصحف التي قد تتبنى مواقف معينة قد لا تكون دائمًا في مصلحة دافعي الضرائب. 

 

يُذكر أن ترامب كان قد عين إيلون ماسك رئيسًا لـ"إدارة الكفاءة الحكومية" (DOGE) التي أنشأها حديثًا، لكن رغم اسمها، فإن هذه الإدارة ليست وزارة كاملة داخل الحكومة الفيدرالية، حيث يتطلب إنشاء وزارة جديدة موافقة الكونغرس، وذكر ترامب في وقت سابق أن DOGE ستعمل على تقديم التوجيهات والاقتراحات بشكل "عن بُعد" من دون أن تكون هيئة حكومية رسمية. 

تأتي هذه الخطوة في وقت حساس، حيث تثير جدلاً واسعًا حول علاقة الحكومة الأمريكية بالإعلام ومدى تأثير التمويل العام على التغطية الإعلامية، خاصة في الصحف الكبرى مثل "بوليتيكو" و"نيويورك تايمز" ووكالة "أسوشيتد برس".

 

أنجيلا ميركل تدعو لمنع انتصار روسيا في أوكرانيا وتؤكد دعمها لسياسة شولتس

 

دعت المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، إلى منع روسيا من تحقيق أي انتصار في النزاع المستمر في أوكرانيا، مشيرة إلى أهمية اتخاذ خطوات مدروسة في دعم أوكرانيا دون تصعيد الحرب بشكل غير محسوب، جاء ذلك خلال فعالية إعلامية نظمتها صحيفة Die Zeit في ألمانيا، حيث ناقشت ميركل تطورات الحرب الأوكرانية وآفاق الحلول الممكنة.

 

وفي ردها على سؤال حول قرار المستشار الحالي أولاف شولتس بعدم إرسال صواريخ "تاورس" إلى أوكرانيا، قالت ميركل: "لقد أظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن من خلال قراراته الحذرة بشأن نوع الأسلحة التي يمكن إرسالها إلى أوكرانيا، أهمية التفكير العميق في كيفية دعم أوكرانيا بهدف منع روسيا من الفوز في هذه الحرب"، وأضافت: "من الضروري أن نتخذ خطوات مدروسة بعناية، مع الحرص على عدم تصعيد النزاع بشكل يجرنا إلى الحرب مباشرة".

 

وأعربت ميركل عن دعمها لسياسة شولتس في هذا المجال، مشيرة إلى أن المستشار الألماني يمتلك أسبابًا مقنعة تبرر موقفه في هذا الخصوص، وأكدت أن ألمانيا تحتاج إلى اتخاذ مواقف تحافظ على توازن دقيق بين دعم أوكرانيا واحتواء التصعيد العسكري مع روسيا.

 

وفي وقت سابق، شدد شولتس على أن ألمانيا لن ترسل صواريخ بعيدة المدى من طراز "تاورس" إلى أوكرانيا، ولن توافق على استخدام أسلحتها ضد أهداف داخل الأراضي الروسية، وهو ما يبرز الفرق في المقاربة بين الحكومة الألمانية السابقة والحالية في التعامل مع هذا الملف.

 

من جهة أخرى، تعتبر روسيا أن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا يعد أمرًا يعرقل جهود البحث عن حل دبلوماسي للصراع، حيث اعتبرت ذلك بمثابة تصعيد مباشر يجر دول الناتو إلى دائرة القتال، وهو ما وصفته بـ "اللعب بالنار"، وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: "أي شحنات تحتوي على أسلحة موجهة إلى أوكرانيا ستصبح هدفًا مشروعًا للقوات الروسية".

 

وكانت ميركل قد تحدثت في مذكراتها الأخيرة، وفي تصريحات سابقة، عن نيتها "خداع" الجانب الروسي فيما يتعلق بتطبيق اتفاقيات مينسك، مشيرة إلى أن هذه الاتفاقيات كانت تهدف إلى ضمان استقرار المنطقة، لكنها اعترفت بوجود صعوبات كبيرة في تنفيذها على الأرض بسبب تعنت روسيا في الالتزام بها.

 

وتعكس هذه التصريحات التوترات المستمرة في السياسة الدولية بشأن النزاع الأوكراني، حيث تتباين الآراء حول كيفية دعم أوكرانيا دون التصعيد المباشر مع روسيا، وهو ما يبقى محورًا حساسًا في العلاقات بين الدول الغربية وروسيا.

مقالات مشابهة

  • "نيويورك تايمز": مستشارو ترامب يتوقعون اختفاء فكرة "ملكية غزة"
  • السلطات الأمريكية توقف تمويل صحف "بوليتيكو" و"نيويورك تايمز" ووكالة "أسوشيتد برس"
  • نيويورك تايمز: ترامب لا ينوي إرسال قوات إلى غزة أو إنفاق أموال عليها
  • «نيويورك تايمز»: إدارة ترامب تتراجع عن تصريحات السيطرة على غزة
  • نيويورك تايمز: اقتراح ترامب بالسيطرة على غزة يثير انتقادات فورية
  • مدن الملاذ الآمن تقاوم خطة ترامب لترحيل المهاجرين
  • غزة في مرحلة ما بعد الحرب: نيويورك تايمز تكشف عن 4 خيارات للحكم
  • نيويورك تايمز: إيران قد تلجأ إلى تطوير النووي للرد على أمريكا وإسرائيل
  • نيويورك تايمز: إيران تسعى إلى طريق سريع لصنع قنبلة نووية
  • بريطانيا لن تستمر دون المهاجرين