التوتر الباكستاني- الأفغاني.. تداعيات بعيدة المدى
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
أمضيت حوالي أسبوعين بين العاصمتين الباكستانية والأفغانية، وأنا أبحث وأسأل عن خلفيات وتداعيات التوتر الأخير الناشب بين البلدين، والذي أتى ظاهريا على ما تقوله إسلام آباد بسبب دعم وإيواء كابول لمقاتلي حركة طالبان باكستان الذين يواصلون عملياتهم ضد قوات الأمن الباكستانية، لا سيما بعد فشل التوصل لهدنة بين الطرفين برعاية حكومة الإمارة الإسلامية الأفغانية في كابول.
وتعتقد أوساط عدة في العاصمة الأفغانية أن من نسف هذه الهدنة بعض الأوساط العسكرية الباكستانية، إذ إن الاتفاق كان قد أُبرم في ظل حكومة عمران خان الذي يواجه السجن بتهم عدة الآن، ليتم التخلي عنه فجأة، وتعود الأمور إلى حالتها المتأزمة، ومربعها الأول.
بالتأكيد لا يمكن اختزال مسألة التوتر بهذا الشكل البسيط، فمقاتلو طالبان باكستان هم نسيج قبلي باكستاني مقيم على الجانب الجغرافي الآخر، وقد لعبوا أدورا مهمة، شبيهة بأدوار الدولة الباكستانية أيام الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، من حيث توفير الملاذ الآمن لمقاتلي طالبان أفغانستان، ودعمهم ومساندتهم في مواجهة القوات الغربية بقيادة أمريكا، وذلك على مدى عقدين كاملين من المقاومة الأفغانية، بينما اصطفت الحكومة الباكستانية الرسمية طوال تلك الفترة إلى جانب القوات الغربية ضد مقاتلي طالبان أفغانستان، إما بدعم القوات الأمريكية،مقاتلو طالبان باكستان هم نسيج قبلي باكستاني مقيم على الجانب الجغرافي الآخر، وقد لعبوا أدورا مهمة، شبيهة بأدوار الدولة الباكستانية أيام الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، من حيث توفير الملاذ الآمن لمقاتلي طالبان أفغانستان، ودعمهم ومساندتهم في مواجهة القوات الغربية بقيادة أمريكا، وذلك على مدى عقدين كاملين من المقاومة الأفغانية، بينما اصطفت الحكومة الباكستانية الرسمية طوال تلك الفترة إلى جانب القوات الغربية أو باعتقال المقاتلين وشحنهم إلى غوانتانامو، فضلا عن مهاجمة مقاتلي طالبان باكستان وإجلائهم عن مناطقهم القبلية إلى أفغانستان، وهو الأمر الذي لا يمكن لمقاتلي طالبان أفغانستان أن يتخلوا عنه، الأمر الذي يذكر تماما بخسارة طالبان بقيادة الملا محمد عمر لدولتها من أجل حماية أسامة بن لادن، يوم رفضت تسليمه للسعودية أو لأمريكا، فكيف ستُقدم الإمارة الإسلامية الأفغانية على التخلي عن طالبان باكستان التي وقفت معها في ساعة العسرة!
يدور همس واسع في أفغانستان بأن باكستان هي من أقنعت المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى بالابتعاد عن كابول، وإغلاق سفاراتها، ولكن مثل هذه السياسة الباكستانية إن صحت لا يمكن التعويل عليها اليوم في ظل استقطاب اقليمي ودولي واسع النطاق، ونحن نرى اقترابا روسيا وصينيا وإيرانيا وحتى دول شرق آسيا باتجاه الحكم الجديد في كابول، الأمر الذي سيعزل الطرف الآخر وهو باكستان ومن يبتعد عن أفغانستان، ومعه سيسعى المقتربون من الإمارة الإسلامية الأفغانية باستغلال كابول لتكون مصدر تهديد بشكل أو بآخر لإسلام آباد وغيرها. ونحن نرى ذلك بشكل واضح من خلال تشغيل شركة هندية لميناء تشاربهار الإيراني باتجاه دول وسط آسيا.
فالإعلان الأخير الذي تم بين نيودلهي وطهران عن تشغيل هذا الميناء المهم ولمدة عشر سنوات؛ سيلقي بتداعيات جيوسياسية خطيرة على كل من الصين وباكستان وربما على دول الخليج، إذ إنه سيوفر نافذة لكل من أفغانستان ودول وسط آسيا بعيدا عن ميناءي كراتشي وجوادر الباكستانيين، مما سيحرم باكستان من الإطلالة على أفغانستان ووسط آسيا، ويقدم هذه الفرصة لخصمها اللدود الهند، ومن خلفه سيحرم الصين من استراتيجية الطريق والحزام الواحد. أما على صعيد الخليج فإنه سيقدم الغاز الإيراني وربما غاز مناطق وسط آسيا وتحديدا تركمانستان، كبديل عن غاز بعض دول الخليج.
ما زاد الغضب الأفغاني أكثر هو التململ الباكستاني من شق قناة أفغانية على نهر جيحون لجرّ المياه إلى آلاف الهكتارات الأفغانية لريّها، الأمر الذي يشي بثورة زراعية مهمة في الشمال الأفغاني الذي يبعد مئات الكيلومترات عن الأراضي الباكستانية، ويقول الأفغان بأن إسلام آباد منعت تصدير الإسمنت الذي يستخدم في بناء مثل هذه القنوات، وذلك بحجة أن ذلك ربما يساعد في بناء سدود مقبلة على الأنهار الأفغانية، ومنها نهر كونار الذي سيهدد برأيها كمية المياه الواصلة إلى باكستان، وهو أمر لم يتحمله الأفغان، بل وصل الأمر إلى قول أحدهم لي في كابول: "إن خلاف إسلام آباد لم يعد مع حكومة طالبان أو مع حكومة إسلامية في كابول، إن خلافها الحقيقي مع حكومة قوية مستقلة ذات قرار وطني".
وصل الأمر إلى قول أحدهم لي في كابول: "إن خلاف إسلام آباد لم يعد مع حكومة طالبان أو مع حكومة إسلامية في كابول، إن خلافها الحقيقي مع حكومة قوية مستقلة ذات قرار وطني"
على باكستان أن تعي تماما أن مياها كثيرة جرت بعد الغزو الغربي لأفغانستان بقيادة أمريكا، وأن تحالفها طوال تلك الفترة ضد طالبان أفغانستان، لا يمكن تناسيه أفغانيا بهذه السهولة، ويحتاج وقتا لتندمل تلك الجروح الغائرة. كما على باكستان أن تعي تماما أن الجيل الأفغاني الجديد في كابول ليس كالجيل القديم الذي كان مواليا لها، ولديها عليه أفضال كثيرة، مما يجعله محكوما بالولاء لها، فالجيل الشبابي الأفغاني الجديد في كابول لا تربطه روابط قوية بباكستان، وإن كانت تربطه، فبمقدار وقوف الشرائح الباكستانية معه في قتاله ضد الأمريكيين، لقد بات هذا معيارا مهما في الحكم على الجهات التي يتعامل معها الجيل الأفغاني الحاكم.
بالمقابل فإن على الإمارة الإسلامية في كابول أن تعي أن التعويل على علاقات تكتيكية مع الدول الأخرى لا يمكن الرهان عليه، يضاف إليه بأن قهر الجغرافيا يفرض على كابول وإسلام آباد الكثير من التعاون وتناسي الخلافات التكتيكية، خصوصا مع التشاطر العرقي والديني والمذهبي الكبير بينهما، وبجانب هذا تحديات كثيرة يطول الحديث عنها في هذا المقال، فكما قال المثل البشتوني "إن الماء لا يمكن فصله بالعصا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الباكستانية طالبان علاقات باكستان افغانستان علاقات طالبان مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإمارة الإسلامیة طالبان أفغانستان القوات الغربیة طالبان باکستان إسلام آباد الأمر الذی فی کابول مع حکومة لا یمکن
إقرأ أيضاً:
كيف تؤثر الصواريخ بعيدة المدى على حرب أوكرانيا؟
قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أمريكية قوية لضرب أهداف داخل روسيا، يمكن أن يجعل مئات المنشآت العسكرية للكرملين في مرمى الضربات، وفقا لمحللين ومسؤول تحدثوا لصحيفة "تايمز" البريطانية.
وكان البيت الأبيض قد منح أوكرانيا في السابق إذناً باستخدام أنظمة صواريخ تكتيكية للجيش ضد القوات الروسية على طول حدودها بالقرب من خاركيف ثاني مدنها الاستراتيجية.ومع ذلك، ظلت حذرة بشأن فرض عقوبات على استخدامها ضد أهداف أخرى داخل روسيا، بسبب مخاوف من أن تؤدي هذه الخطوة إلى صراع مباشر بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وموسكو.
أوكرانيا المُقيّدة جاء قرار بايدن، الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ التوترات بين موسكو وواشنطن، بعد أكثر من عام من النداءات اليائسة من كييف. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قد قال إن أوكرانيا مجبرة على محاربة روسيا المسلحة نووياً "بيد واحدة مقيدة خلف ظهرها".
ويُعتقد أن بايدن، الذي يترك منصبه في 20 يناير (كانون الثاني)، أخبر كييف أنه يمكنها في البداية استخدام صواريخ "أتاكمز" (ATACMS)، التي يبلغ مداهاً 190 ميلاً، لضرب القوات الروسية والكورية الشمالية في منطقة كورسك بغرب روسيا.
احتلت أوكرانيا مساحات من منطقة كورسك منذ أن شنت توغلاً مفاجئاً في أغسطس (آب).
ومن غير الواضح ما إذا كانت واشنطن ستسمح لأوكرانيا بضرب أهداف أخرى في مدى الصواريخ الأمريكية مثل القواعد الجوية وشركات صناعة الدفاع والمقر العسكري ومستودعات الأسلحة. وتم استخدام "أتاكمز" لأول مرة من قبل الولايات المتحدة في حرب الخليج عام 1991.
The Moscow Times looks at how the Biden administration's major policy change could affect the situation on the battlefield.https://t.co/AhNtlHm0aj
— The Moscow Times (@MoscowTimes) November 18, 2024 ما هي صواريخ أتاكمز؟صواريخ "أتاكمز" هي صواريخ باليستية تكتيكية أمريكية الصنع، صممت لتوفير ضربات دقيقة بعيدة المدى على أهداف استراتيجية. يتم إطلاقها عبر منظومات راجمات الصواريخ مثل HIMARS وMLRS، وتتميز بقدرتها على استهداف مواقع حيوية على مسافات تصل إلى 300 كيلومتر، مما يجعلها فعالة ضد مراكز القيادة، البنية التحتية العسكرية، ومستودعات الذخيرة.
تعتمد هذه الصواريخ على أنظمة توجيه بالقصور الذاتي والـ"جي بي إس"، ما يمنحها دقة عالية في إصابة الأهداف.
وتشكل صواريخ "أتاكمز" إضافة نوعية للقوات الأوكرانية، حيث توفر قدرات هجومية جديدة تمكنها من استهداف العمق الروسي بشكل دقيق من دون الحاجة إلى طائرات.
يوجد أيضاً عدد من المدن الروسية الكبرى في النطاق، بما في ذلك فورونيج، التي تعد موطناً لقاعدة جوية عسكرية كبرى، ونوفوروسيسك، موقع منشأة بحرية رئيسية. وقد تتعرض مصافي النفط والمصانع ومحطات الطاقة الروسية للتهديد، مما يرفع تكلفة الحرب على موسكو.
Large explosions ???? are seen at a major ammunition depot, GRAU arsenal in Karachev in the Bryank Oblast of Russia, located 115km from Ukraine ????????
There is a possibility this is the first ATACMS strike on Russia during the war pic.twitter.com/EYnHADljHu
ومع ذلك، يعتقد أن الكرملين قد نقل بالفعل بعض المعدات العسكرية، مثل الطائرات المقاتلة، إلى قواعد خارج النطاق. هناك أيضاً عدم يقين بشأن عدد الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى التي تمتلكها أوكرانيا تحت تصرفها.
وقال وزير خارجية ليتوانيا غابريليوس لاندسبيرجيس: "لن أفتح الشمبانيا بعد لأننا لا نعرف العدد الفعلي لعدد الصواريخ التي تمتلكها أوكرانيا".
يمكن لبريطانيا وفرنسا إخبار كييف بأن بإمكانهما استخدام صواريخ "ستورم شادو"، التي يبلغ مداها 155 ميلاً، لشن ضربات داخل روسيا.
وكان كلا البلدين مترددين في منح أوكرانيا إذناً من دون موافقة الولايات المتحدة على "أتاكمز". وسبق أن استخدمت كييف صواريخ بريطانية لضرب منشآت بحرية روسية في شبه جزيرة القرم المحتلة.
ويقول محللون إن الضربات على أهداف أعمق داخل روسيا من غير المرجح أن تنهي الحرب، لكنها يمكن أن تنقذ أرواح عدد لا يحصى من المدنيين الأوكرانيين من خلال جعل من الصعب على موسكو إطلاق صواريخ على البلدات والمدن.
وقال مايكل كوفمان، وهو زميل كبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن: "القرار يأتي متأخراً، ومثل القرارات الأخرى في هذا السياق، قد يكون الأوان قد فات لتغيير مسار القتال بشكل كبير".
#UkraineWar | Biden's decision to approve US ATACMS missiles for strikes inside Russia signals a major policy shift, increasing global tension as the war intensifies.#JoeBiden #USMilitary #UkraineConflict #RussianUkrainianWar https://t.co/JF5LIeAV8i pic.twitter.com/x1CgusnTsG
— Deccan Chronicle (@DeccanChronicle) November 18, 2024وأضاف: "كانت الضربات بعيدة المدى دائماً جزءاً من اللغز وتم شحنها بشكل مفرط مع التوقعات في هذه الحرب".
وقالت ماريا إيونوفا، وهي نائبة أوكرانية، إنه بينما رحبت كييف بقرار بايدن، فإن الضربات بعيدة المدى لم تكن "رصاصة فضية".
وأوضحت إيونوفا، عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوكراني، أن كييف بحاجة إلى "درع جوي فوق أوكرانيا، والمزيد من التدريب، والمزيد من المدربين العسكريين الغربيين في أوكرانيا، والمزيد من العقوبات ضد موسكو".