جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-29@15:48:36 GMT

خط الدفاع الأول لحماية المال العام

تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT

خط الدفاع الأول لحماية المال العام

 

 

خالد بن حمد الرواحي

يُعَدُ المال العام المورد الأساسي لتحقيق الاستقرار وبناء وتنمية أي دولة، لذا، يجب على الدول كافةً أن تولي اهتمامًا كبيرًا لحماية وصيانة ورقابة مواردها، ومن هنا كانت حماية المال العام من الأمور المُهمة التي تشغل الجميع، خاصة في مؤسسات القطاع العام التي تتمتع بأهمية كبيرة.

ويرتبط تعزيز قيم النزاهة والشفافية ونظم المساءلة في القطاع العام ارتباطًا وثيقًا بالبنية المؤسسية السليمة والأجهزة الرقابية القوية والفاعلة التي تتمتع بالاستقلالية والمهنية.

إضافة إلى ذلك، تسعى السلطة التنفيذية لمنع أجهزتها وموظفيها من ارتكاب الأخطاء أو إساءة استخدام الموارد وحمايتها من الضياع والاختلاس. وذلك عن طريق إصدار تعليمات تحدد الإجراءات اللازمة للتأكد من دقة بياناتها المالية والمحاسبية. بوجود هذه التعليمات الملزمة لجميع الأجهزة الحكومية والموظفين، يمكن حماية الأموال العامة واكتشاف أية مخالفة أو انحراف في وقت مُبكر.

وتُعد دوائر التدقيق الداخلي أجهزة إنذار مُبكر للتعرف على الأخطاء والمخالفات، كونها عنصراً جوهرياً وأساسياً لضمان الأداء المالي الصحيح في دوائر الجهاز الإداري للدولة، خاصةً في ظل حجمه الكبير وتعدد أساليبه وإجراءاته العملية، وكثرة تنظيماته الإدارية وزيادة عدد العاملين فيه وتنوع خدماته.

وبالنظر إلى ذلك، يُستدعى التدقيق الداخلي الحاجة إلى تطوير كفاءة الأداء المالي وتوفير الحماية المناسبة للأموال العامة. كما يتضمن التدقيق مُراجعة الأنظمة الرقابية الحالية، مما يُسهّل تنفيذ الأعمال الإدارية بكفاءة وفعالية عالية، ويُقدم الدعم للإدارة العليا في اتخاذ القرارات على أي مستوى. ومع التركيز المُتزايد على استخدام مؤشرات قياس وتقييم وتحسين الأداء، يظهر أن التدقيق الداخلي يُسهم أيضًا في مراجعة الأنظمة الرقابية الحالية، مما يسهل تحقيق كفاءة وفعالية الأداء المالي لتحقيق أهداف المؤسسة.

والتدقيق الداخلي بشكل مبسط، عبارة عن عملية مستقلة مهنية منظمة وموضوعية، تعمل على الرقابة والتأكد من صحة عمليات الجهة الحكومية، وإضفاء الثقة والمصداقية عليها، من خلال تقرير يصدره الشخص المخول للقيام بتلك المهام، والذي يجب أن يكون على قدر عالٍ من الكفاءة والاستقلالية.

من جهة أخرى، تتمثل أهمية استقلالية مُمارسة المدقق الداخلي لعمله في الحفاظ على قدرته على القيام بمهامه بحرية تامة، بعيدًا عن الضغوط التي تُهدد كفاءته وقدرته على القيام بالمهام الموكلة إليه. وتُحقق هذه الاستقلالية من خلال ارتباط التدقيق الداخلي بمستوى إداري في قمة الهيكل التنظيمي للمؤسسة. ومع ذلك، تتأثر استقلالية وحدات التدقيق الداخلي في الجهات الحكومية، حيث لا تتمتع بمقومات الاستقلالية المناسبة بشكل كامل نظرًا لأنها جزء من الهيكل التنظيمي للجهة الحكومية، وبالتالي فإن استقلاليتها عامة.

علاوة على ذلك، لا توجد إدارة أو هيئة مستقلة تنضوي تحتها وحدات التدقيق الداخلي، مما يعني أن الإدارة العليا في الوزارة أو في الإدارات الأخرى قد تفرض عقوبات على موظفي التدقيق الداخلي أو تحرمهم من بعض حقوقهم، مما يؤدي إلى إضعاف استقلاليتهم. بالإضافة إلى ذلك، التشريعات لا تمنح أية حصانة للعاملين في هذه الوحدات.

ويكتسب التدقيق الداخلي أهمية خاصة في القطاع العام، حيث يُعتبر خط الدفاع الأول لحماية المال العام وضمان استخدامه بطريقة أمثل، وتقديم أفضل الخدمات لأفراد المجتمع المحلي. كما يُعتبر التدقيق الداخلي أداة فعالة في تطوير السياسات وزيادة الكفاءة الإنتاجية، مما يسهم في تعزيز مختلف قطاعات المجتمع بالفائدة.

ووفقًا للائحة التنفيذية للقانون المالي، تختص وحدات التدقيق الداخلي دون غيرها بمراجعة سندات الصرف، والتحقق من أن الإنفاق تم وفقًا للتشريعات والإجراءات المالية، بالإضافة إلى مراجعة القيود المحاسبية. تعطي هذه المهام أهمية كبيرة للتدقيق الداخلي ووحداته، حيث تتفرد بالرقابة القبلية الشاملة وتمثل نوعًا من الرقابة الذاتية. ينعكس أثر هذه الرقابة على أداء جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، الذي يتولى الرقابة الخارجية اللاحقة للصرف بالعينة. هذا في حين أن إدارات التدقيق الداخلي في الجهات الحكومية ما زالت اختصاصاتها تقتصر على التدقيق المالي فقط ولا تشمل التدقيق الإداري.

وفي ذات السياق، يؤدي غياب التدقيق الداخلي في بعض الأحيان إلى انتشار الرشوة والفساد، وظهور المحسوبية، وتأخير العمل، وعدم التوازن في أنظمة العمل اليومي، مما يُكلف ميزانية الدولة ملايين الريالات. بالإضافة إلى ذلك، يُؤدي الغياب إلى تآكل حقوق بعض الموظفين على حساب مصالح موظفين آخرين، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان المؤسسات لجزء كبير من مواردها البشرية، وتسجيل خسائر سنوية على حساب مصالح بعض المستفيدين والمتعاملين داخل وخارج تلك المؤسسات.

لذلك، أنشأت الجهات الحكومية الخاضعة لأحكام القانون المالي إدارة للتدقيق الداخلي ضمن سلطتها التنفيذية وفقًا للمادة (9) من القانون المالي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (47/98). تم تحديد اختصاصات وحدات التدقيق الداخلي بموجب القرار الوزاري رقم (80/99) الصادر عن وزارة المالية، وتم إلغاء القرار السابق المشار إليه بصدور اللائحة التنفيذية للقانون المالي بالقرار الوزاري رقم 118/2008. واجبات هذه الإدارات تتمثل في التحقق من تنفيذ القوانين واللوائح والقرارات والإجراءات المالية المعمول بها.

وعليه.. فإنِّه من الأهمية بمكان تعزيز استقلالية دوائر التدقيق الداخلي في الجهات الحكومية وتوفير الضمانات الكافية لها، من خلال تبعيتها لوزارة المالية. يجب تعزيز استقلالية المدقق الداخلي من خلال إنشاء نظام خاص بهم، وتنظيم دورات تدريبية داخلية وخارجية متخصصة في مجال التدقيق الداخلي. كما ينبغي تشجيع المدققين للحصول على شهادات مهنية في مجال التدقيق، وتعريفهم بالتشريعات الرقابية العامة، والتشريعات المتعلقة بجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بشكل خاص.

علاوة على ذلك، من الضروري توجيه الاهتمام إلى تأهيل وتدريب وتطوير الكوادر الرقابية العاملة في وحدات التدقيق الداخلي، وتوفير المخصصات والمتطلبات اللازمة لهم، خاصة مخصصات التدريب.

وأخيرًا.. ينبغي السعي لانتقاء الموظفين الذين يعملون في دوائر التدقيق الداخلي من بين أصحاب الكفاءات والمهارات والمؤهلات المناسبة، ومن الضروري تعزيز تطوير الأداء في إدارات التدقيق الداخلي ليشمل كل من التدقيق الإداري والمالي، مع تعزيز رقابة الأداء بأساليب مشابهة للرقابة الخارجية، مع أهمية تعزيز قدرة المدققين الداخلين على اكتشاف الاستثناءات والأنماط غير المألوفة عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، وهذا بدوره سيُعزز من تحقيق مستوى عالٍ لحماية المال العام في عصر التكنولوجيا بالتالي سيُعَظِّمُ الثقة في المؤسسات العامة ويُسهم في تحقيق التنمية المُستدامة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«تصفير البيروقراطية» يُطلق مرحلة جديدة من النمو

أبوظبي (وام)

أخبار ذات صلة مجلس محمد بن زايد يستضيف محاضرة: «إعادة تصور التعليم المبكر» الإمارات الأولى عربياً في «التفكير الإبداعي» و«المعرفة المالية»

دشن برنامج تصفير البيروقراطية الحكومية، الذي أطلقته حكومة الإمارات في نوفمبر 2023، مرحلة جديدة من العمل الحكومي المترابط والاستباقي تسهم بإحداث نقلة نوعية بمنظومة الإجراءات الحكومية وتقديم جيل مستقبلي من الخدمات المتكاملة والذكية التي تعزز الارتقاء بتنافسية القطاعات الاقتصادية وبيئة الأعمال محققة مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي.
ويهدف البرنامج، الذي يسهم في تعزيز مرونة الإجراءات الحكومية، إلى إلغاء ما لا يقل عن 2000 إجراء حكومي وخفض نحو 50% من المدد الزمنية للإجراءات والوصول إلى إجراءات هي الأبسط والأسرع والأسهل والأكثر كفاءة في تقديم الخدمات الحكومية في مختلف القطاعات لاسيما الاقتصادية.
ويمثل البرنامج إضافة نوعية لجهود تحقيق محاور ومستهدفات مئوية الإمارات 2071، ويسعى إلى ترجمة المؤشرات الوطنية في رؤية «نحن الإمارات 2031».
وأدركت الإمارات مبكراً أهمية إطلاق المبادرات الاستثنائية التي عززت مكانتها الرائدة عالمياً في سهولة ممارسة الأعمال والمرونة والاستباقية في تقديم الخدمات الحكومية، انطلاقاً من رؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة والعمل على تقديم خدمات تعزز جودة الحياة حتى وصلت إلى الحكومة الرقمية وتصدرت الإمارات أهم مؤشرات التنافسية العالمية، وتقدمت إلى المركز الـ7 عالمياً في القوة التنافسية للدول في عام 2024. 
وتواصل الإمارات إطلاق المشاريع التحويلية الاستراتيجية التي تسهم في تعزيز فعالية الإجراءات الحكومية، التي تقدمها الوزارات والجهات الاتحادية في الدولة من خلال تطوير الكفاءات والمواهب الوطنية وتزويدها بمهارات المستقبل للوصول إلى مستويات متقدمة من الكفاءة والجودة والمرونة في منظومة الإجراءات الحكومية بالدولة.
وتعمل وزارة الاقتصاد في إطار برنامج تصفير البيروقراطية الحكومية على تعزيز تجربة المتعاملين الراغبين في الحصول على الخدمات المتنوعة التي تقدمها الوزارة وتحسين الخدمات الحكومية وتطويرها، بما يسهم في تقديم خدماتها بشكل سهل وبسيط وسريع من دون التأثير على الجودة والفعالية بما يلائم حاجة المتعاملين من أفراد وشركات.
وتواصل الوزارة جهودها لتنفيذ خطة عمل تمتد إلى نهاية العام الحالي 2024، بما يتماشى مع الخطة التنفيذية العامة لبرنامج تصفير البيروقراطية في الدولة، والتي ستُختتم بعملية تقييم شاملة لقياس أثر تطبيق التحسينات المنفذة وستنعكس إيجابياً على زيادة نسبة سعادة المتعاملين، وذلك تماشياً مع تحقيق مستهدفات رؤية «نحن الإمارات 2031» بأن تصبح حكومة دولة الإمارات الأذكى والأكثر سرعة ومرونة والمنظومة الأكثر ريادية وتفوقاً في العالم.

مرونة وتنافسية 
وتطور وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة إجراءاتها وعدداً من خدماتها لتعزيز مرونة وتنافسية القطاع الصناعي وبما يدعم جهود تعزيز ريادة وتنافسية دولة الإمارات، حيث يعمل فريق تصفير البيروقراطية في الوزارة منذ أبريل الماضي ضمن خطة زمنية تستمر حتى سبتمبر المقبل لتطوير إجراءات الخدمات المحددة للمرحلة الأولى من البرنامج وتسريع تصميمها وتنفيذها في إطار جهود الوزارة، لتعزيز كفاءة وفاعلية وسرعة تقديم الخدمات واعتماد أدوات مبتكرة تعزز التطور والتحسين المستمر.
وتستهدف الوزارة تقديم أعلى مستوى من الاستباقية عبر خدمات رقمية 100 % والوصول إلى خدمات تعزز نمو وتنافسية القطاع الصناعي، بالتواؤم مع نموذج تطوير الخدمات الحكومية «خدمات 2.0»، الذي أطلقه برنامج الإمارات للخدمة الحكومية المتميزة لتعزيز الريادة الإماراتية في توفير أفضل تجارب المتعاملين.
وتواصل وزارة الطاقة والبينة التحتية تطوير الخدمات وتقليص وإلغاء غير الضروري من الخطوات وابتكار أنماط جديدة للإجراءات الحكومية يؤدي الأخذ بها للارتقاء بتجربة المتعاملين.

مقالات مشابهة

  • بنك باركليز يتوقع تخلي الاحتياطي الفيدرالي عن «التشديد الكمي» دون اضطرابات في أسواق المال
  • فيتنام: تسارع نمو إجمالي الناتج الداخلي إلى 6.4 % في النصف الأول من العام
  • ترامب يعد بإنشاء قبة حديدية غير مسبوقة لحماية أمريكا في "ولايته المقبلة"
  • «تصفير البيروقراطية» يُطلق مرحلة جديدة من النمو
  • البنك المركزي يوقف عمليات التحويل الداخلي .. تعرف على البدائل والانعكاسات على أسعار الصرف .. خبراء الاقتصاد يتحدون
  • تقرير برلماني يوصى بتعديل تشريعي لقانون سوق رأس المال لدعم صناديق الملكية الخاصة
  • مصرف ليبيا المركزي ينضم إلى بنك التسويات الدولي بهدف تعزيز الاستقرار المالي
  • «المالية»: سددنا 25 مليار دولار من الدين العام منذ مارس الماضي
  • سعر الدولار.. الأخضر يختتم تعاملات العام المالي «2023 - 2024» بمفاجأة
  • وكيل الداخلية يؤكد ضرورة تحقيق التكامل في تنفيذ المهام والجاهزية التامة لحماية الأمن الداخلي