تحليل: استغلال نقاط الضعف نهج حوثي لمواجهة الردع الأميركي
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
في خضم التصعيد اللافت الذي تنتهجه مليشيا الحوثي، ذراع إيران في اليمن، لضرب الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، يبرز تساؤل بالغ الأهمية حول كيف ينبغي للولايات المتحدة أن ترد على هذا التصعيد في ظل عدم نجاح نهجها الحالي في التعامل مع هذا التهديد في الشرق الأوسط؟
معهد دول الخليج العربية في واشنطن وعبر تحليل نشره قبل أيام، أكد أن عمليات الاعتقالات التي نفذها الحوثيون بحق موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وعودة ارتفاع حدة الهجمات البحرية ضد السفن التجارية بعد تراجعها خلال شهر رمضان الفائت، تؤكد أن الحوثيين يصعدون ويتطلعون إلى توسيع حربهم مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وتشير تقارير المخابرات الأمريكية إلى أن الحوثيين يتواصلون مرة أخرى مع حركة الشباب في الصومال بشأن نقل الأسلحة، وتستمر الجماعة الحوثية في البحث عن طرق لتوسيع نطاق وصولها، مما يهدد السفن في مناطق بعيدة مثل البحر الأبيض المتوسط.
تصعيد وتوسع
التحليل الذي حمل عنوان "الحوثيون يصعدون الحرب ويوسعونها" أعده الباحث جريجوري د. جونسن، عضو سابق في فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن. يشغل حاليًا منصب المدير المساعد لمعهد الصراع المستقبلي في أكاديمية القوات الجوية الأمريكية، يؤكد أن ما يجري من تصعيد حوثي ومحاولة لتوسيع نطاق هجماتهم، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً، فهذا هو النهج الذي اتبعه الحوثيون خلال حروبهم الستة المتعاقبة ضد الحكومة اليمنية أثناء فترة الرئيس علي عبد الله صالح من 2004 إلى 2010. ويشير التحليل، إلى أن "الحوثيين سيواجهون انتكاسة، مثل وفاة مؤسسهم في عام 2004، أو تدمير مزارعهم، ومن ثم يعودون لتجميع صفوفهم والهجوم مرة أخرى".
وأشار التحليل إلى أن القاسم المشترك بين كل هذا هو الصيغة البسيطة المتمثلة في التصعيد والتوسع. فحرب الحوثيين الأولى، من يونيو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول 2004، تركزت إلى حد كبير في محافظة صعدة الشمالية. وبحلول عام 2005، كان القتال قد انتشر إلى محافظة عمران المجاورة. ثم، على مدى العامين التاليين، زحفت جنوبًا حتى تمكن سكان صنعاء من سماع القصف. اليوم، بالطبع، يسيطر الحوثيون على جزء كبير من شمال اليمن. ولكن في حين تغير عدو الجماعة من الرئيس صالح إلى الولايات المتحدة، فإن استراتيجيتها لم تتغير. ولا يزال الحوثيون يتطلعون إلى تصعيد الحرب وتوسيع نطاقها.
استراتيجية حوثية
وتشير تصرفات الحوثيين، منذ مطلع يونيو الجاري، إلى الكيفية التي سيحاولون بها القيام من أجل التصعيد والتوسع.
أولاً، سوف يتطلع الحوثيون إلى زيادة عدد الهجمات. كلما زاد عدد الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يطلقونها، زادت احتمالية نجاحهم في الضربة.
ثانياً، سيتطلع الحوثيون إلى استخدام أسلحة وأشكال جديدة من الهجمات. ومن المرجح أن يحصلوا على مساعدة من إيران في هذا الأمر، والتي قد تستخدم الحوثيين لاختبار منصات أسلحة جديدة.
ثالثاً، بما أن الحوثيين هددوا بالفعل، فسوف يحاولون توسيع أهدافهم إلى ما وراء البحر الأحمر وإلى المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. كلما اتسعت المنطقة المستهدفة، كان تأثيرها أكبر.
رابعاً، وما يتصل بذلك، سوف يتطلع الحوثيون إلى البناء على محور المقاومة الإيراني من خلال الشراكة مع الجماعات التي، رغم أنها ليست بالضرورة متحالفة أيديولوجياً، لديها أهداف مماثلة على المدى القصير، مثل حركة الشباب الصومالية. كلما زادت التهديدات التي يمكن أن يشكلها الحوثيون للولايات المتحدة داخل المنطقة، زادت فرص نجاحهم.
ولكن ربما يكون أكثر سبل التصعيد الخمسة إثارة للقلق هو ما يمكن أن نطلق عليه نهج "استغلال نقاط الضعف". وهذا ما فعله الحوثيون من خلال اعتقال العاملين في الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية ومن ثم ربطهم بما تسميه الجماعة بشكل مثير للسخرية حلقات التجسس. يمكن للحوثيين الضغط على الولايات المتحدة من خلال الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية، مما يزيد بشكل أساسي من مخاطر الصراع.
حذر أميركي
يشير التحليل إلى أن كل هذا يخلق مشكلة للولايات المتحدة، التي سعت منذ البداية إلى بذل أقل قدر ممكن للتخفيف من هجمات الحوثيين، لافتاً إلى أن الكثير من هذا الحذر، بطبيعة الحال، هو نتيجة لمحاولة تجنب الانجرار إلى حرب إقليمية أوسع، لكنه وضع الولايات المتحدة أيضًا في موقف لا تحسد عليه للرد على هجمات الحوثيين بدلاً من الاستيلاء على زمام المبادرة.
في أكتوبر ونوفمبر 2023، عندما بدأ الحوثيون مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر، استقرت الولايات المتحدة على نهج دفاعي فقط، فأسقطت صواريخ الحوثيين وطائراتهم بدون طيار. وفي يناير 2024 عندما أصبح من الواضح أن الدفاع وحده لم يكن كافياً، أصدرت الولايات المتحدة تحذيراً عاماً، ثم بدأت في تنفيذ ضربات محدودة على نقاط انطلاق الحوثيين في اليمن.
ويضيف تحليل معهد دول الخليج العربية في واشنطن: "على مدى الأشهر الستة الماضية، كان هذا هو النمط إلى حد كبير: يطلق الحوثيون صواريخ أو طائرات بدون طيار على السفن التجارية، وتقوم الولايات المتحدة بإسقاطها. ثم، في كثير من الأحيان، تشن هجمات مضادة ضد أهداف الحوثيين في اليمن. وكما قال قادة البحرية الأمريكية مؤخراً لوكالة أسوشيتد برس، فإن هذه هي "المعركة البحرية الأكثر كثافة التي واجهتها البحرية منذ الحرب العالمية الثانية". ولكن على الرغم من كل النجاحات التكتيكية في إسقاط هجمات الحوثيين، فإن الولايات المتحدة لم تحقق أهدافها الأوسع المتمثلة في ردع الحوثيين عن تنفيذ هجمات أو إضعاف الجماعة إلى درجة أنها تصبح غير قادرة على تنفيذ هجمات مستقبلية.
وبدلاً من ذلك، يقوم الحوثيون –كما حدث في الماضي– بالتصعيد ويسعون إلى توسيع الحرب. تجد الولايات المتحدة نفسها الآن في وضع مماثل لما كانت عليه قبل ستة أشهر: كيف ينبغي لها أن ترد على هجمات الحوثيين عندما لا ينجح نهجها الحالي؟
خيارات أميركية
يؤكد الباحث د. جونسن عبر التحليل أن النهج الدفاعي الوحيد الذي تنتهجه الولايات المتحدة لم ينجح؛ إلى جانب نهج الضربات العسكرية المحدودة. وهذا يترك الولايات المتحدة أمام خيارين غير جذابين بنفس القدر. فإما أن تستمر في نهجها المتمثل في الدفاع عن الشحن التجاري والقيام بضربات دورية على أهداف الحوثيين في اليمن على أمل أن يتغير شيء ما، أو التصعيد لتتناسب مع الحوثيين.
ويشير الباحث، إلى أنه "من المؤسف بالنسبة للولايات المتحدة أن أياً من الخيارين لا يتمتع باحتمال كبير للنجاح. إن النهج الأمريكي الحالي لا ينجح، والمزيد من نفس الشيء لن يردع الحوثيين أو يحط من قدرهم. ومن ناحية أخرى، فإن زيادة الهجمات العسكرية هي بالضبط ما يريده الحوثيون. يريد الحوثيون حربًا أوسع وأكثر توسعًا مع الولايات المتحدة - ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها مفيدة لهم محليًا وإقليميًا، وجزئيًا لأن الحوثيين يعتقدون أنهم قادرون على الصمود وتحمل المزيد من الألم مقارنة بالولايات المتحدة.
ويؤكد الباحث د. جونسن في ختام تحليله: " كما هو الحال دائماً في اليمن، لا توجد إجابات سهلة أو واضحة بالنسبة للولايات المتحدة".
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: الولایات المتحدة للولایات المتحدة هجمات الحوثیین الأمم المتحدة أن الحوثیین فی الیمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
معهد أمريكي: ميناء الحديدة بوابة تهريب الأسلحة الإيرانية.. وسقوط الحوثيين أسرع من سقوط الأسد
انتقد معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة، بشدة، اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي، مع استمرار الأخيرة في استخدام ميناء الحديدة لأغراض عسكرية وتهريب مواد ممنوعة، مشيرًا إلى أنه في حال حدوث أي تنسيق مع القوات الحكومية وإسنادها جوًّا لتحرير المدينة، ستنهار الجماعة أسرع مما انهار حكم بشار الأسد في سوريا.
وأوضح المعهد، في قراءة له بشأن التطورات في اليمن، خصوصًا في ظل التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية، أن استمرار سيطرة هذه المليشيا على مدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر يعزز المخاطر التي تهدد الأمن البحري.
وأكد أن "ميناء الحديدة كان ولا يزال شريان حياة لمليشيا الحوثيين في اليمن"، مشيرًا إلى أن المليشيا تتلقى أسلحة إيرانية أكثر تطورًا تصل إلى مدينة الحديدة عبر طرق تهريب تمر عبر سلطنة عُمان.
ولأن مليشيا الحوثي تدرك أهمية الميناء لبقائها، فهي تعمل جاهدة للحفاظ على سيطرتها عليه، وفقًا للمعهد.
دعايات حوثية بدعم قطري
وعلى الرغم من أن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً حظيت بدعم كبير من السعودية والإمارات ضد مليشيا الحوثي بهدف تحرير الميناء، إلا أن الدعاية الإعلامية للجماعة تصاعدت بشكل كبير، "مدعومة بوسائل إعلام قطرية مثل الجزيرة، التي كانت تُقدِّم آنذاك عداء قطر للسعودية والإمارات على أنه حقيقة".
وزعمت هذه الدعاية أن "تكلفة إخراج الحوثيين من الحديدة ستكون باهظة، خصوصًا إذا تسببت في تعطيل عمل الميناء ووصول المساعدات الإنسانية"، وهو ما قبله "التقدميون في الحزب الديمقراطي، واليساريون الأوروبيون، ومعظم العاملين في المجال الإنساني".
وأضاف المعهد: "هنا تدخلت الأمم المتحدة ساعيةً إلى حوار بين أطراف النزاع لتخفيف المعاناة الإنسانية. وتُوِّجت هذه الجهود في ديسمبر 2018 باتفاقية ستوكهولم، التي اشترطت –ضمن بنود أخرى– على الحوثيين السماح لطرف ثالث محايد بإدارة الميناء، واستخدام عائداته لدفع رواتب القطاع العام".
ولفت المعهد إلى أن "الحوثيين خرقوا الاتفاق منذ البداية، وأصروا على الاحتفاظ بموظفيهم في الميناء، مما خلق وضعًا تدفع فيه الأمم المتحدة رواتب موظفين تابعين للحوثيين".
أسلحة وممنوعات
وكشف المعهد عن حزمة من الأخطاء والتجاوزات التي تخللت نظام التفتيش الأممي للسفن المتجهة إلى ميناء الحديدة، مما أسهم في تعزيز قدرات المليشيا، رغم أن هذا النظام، من وجهة نظر المعهد، يعد نموذجاً للحلول غير الفعالة.
وقال المعهد: "نظام التفتيش الذي أنشأته الأمم المتحدة كان نموذجًا للحلول التي تفضل الرمزية على الفعالية، وهو أسلوب تتبعه الأمم المتحدة دائماً؛ إذ كانت السفن تتوجه إلى جيبوتي للتفتيش قبل الإبحار إلى الحديدة، ثم تصدق الأمم المتحدة أن مفتشيها لم يجدوا سوى بضائع إنسانية على كل سفينة".
لكن الثغرة كانت واضحة، وفقًا للمعهد، حيث "يمكن للسفن التي ترفض التفتيش التوجه مباشرة إلى الحديدة وتفريغ حمولتها – غالباً أسلحة وممنوعات أخرى – لعمال الميناء الحوثيين، الذين ينقلونها بسرعة".
وأشار المعهد إلى أن "اتفاقية ستوكهولم كان لها هدف آخر"، حيث "وفرت ذريعة لتجنب العمل العسكري"، وهي الذريعة التي تجلت في ادعاءات "العالم بأن الاتفاقية حلّت مشكلة تهريب الأسلحة عبر الحديدة، وأن نقص المساعدات الإنسانية لم يعد مبررًا لشن معركة وشيكة".
واستغلت مليشيا الحوثي وحليفتها إيران هذا المشهد الضبابي للسعي إلى "تأمين ميناء الحديدة"، في حين كانت القوات المشتركة "متحفزة للاستيلاء على المدينة"، بعدما توغلت في أجزاء منها قبل اتفاقية ستوكهولم في ديسمبر 2018.
وأوضح المعهد أن "المناورات السياسية حول الحديدة أدت إلى تعزيز نفوذ الحوثيين وزيادة التهديد الذي يشكلونه على الملاحة البحرية"، بدلاً من تحقيق السلام.
وأكد أنه في حال كانت هناك جدية لدى "الولايات المتحدة والإمارات والسعودية ومصر والشركاء الدوليين في إنهاء تهديد الحوثيين، فعليهم التخلي عن وهم نجاح اتفاقية ستوكهولم، وسد الثغرة التي تجعل التفتيش اختياريًّا".
واقترح المعهد على "الولايات المتحدة وحلفائها فرض حصار على الحديدة، والسماح فقط للسفن التي تخضع لعمليات تفتيش حقيقية بالمرور، بدلًا من اللجوء إلى تحركات عسكرية غير فعالة، مثل الدوريات البحرية التي وصفها بأنها غير مجدية، والتي اتبعها بايدن".
وشدد على ضرورة التنسيق مع القوات الحكومية اليمنية لدعمها جوًّا من قِبَل الولايات المتحدة، ما "يمكنها من التقدم نحو الحديدة والسيطرة عليها"، خصوصًا أن "الحوثيين غير محبوبين في الحديدة"، كما أن "قبضتهم ضعيفة وسينهار تحكمهم في المدينة المينائية أسرع مما انهار حكم بشار الأسد في حلب ودمشق خلال الهجوم الأخير لهيئة تحرير الشام".
واختتم التقرير بالقول: "اليمن جاهز لبداية جديدة، واليمنيون مستعدون وينتظرون أن يلحق الحوثيون بحزب الله إلى غياهب النسيان".