تونس والأجندة الغربية.. هل تضحي أوروبا بحقوق الإنسان من أجل مكافحة الهجرة؟
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
لا ترغب الدول الغربية في المجازفة بالتعاون مع تونس في مجالات الهجرة والأمن، وذلك رغم إحباطها التطورات غير الديمقراطية التي طرأت على تونس بعد تولي الرئيس التونسي "الشعبوي" قيس سعيد السلطة، وفقا للتقرير نشره موقع "ناشونال إنترست".
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن تونس تستعد لانتخابات رئاسية من المرجح أن يفوز فيها الرئيس الشعبوي الحالي قيس سعيد، وقد كان سعيد الذي التقى مؤخرا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ ويبدو أنه متأثر بشكل متزايد بروسيا، مصدر إحباط للولايات المتحدة وأوروبا.
واعتبر الموقع أن علاقة تونس الراسخة مع الغرب قد اهتزت في عهد سعيد، فعلى مدى السنوات العديدة الماضية، أجرى سعيد إصلاحا سلطويا شاملا لمؤسسات البلاد، تاركًا العواصم الغربية غير متأكدة من كيفية الرد، فمن ناحية، من شأن خفض دعمها المادي أن يشير إلى رفض هذه الإجراءات غير الديمقراطية، ومن ناحية أخرى، فإن اتهامات سعيد بـ"التدخل" و"التآمر" الغربيين قد نجحت في تجريد أوروبا والولايات المتحدة من النفوذ، وقد عمل الصراع في الشرق الأوسط الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لصالح سعيد من خلال تأجيج المشاعر المعادية للغرب في البلاد.
ولكن على مستوى آخر؛ تتواصل الشراكات بين تونس والغرب على قدم وساق، فقد قادت إيطاليا الجهود المبذولة للشراكة مع تونس بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي، لا سيما فيما يتعلق بالهجرة ولكن أيضًا كجزء من "نهج 360 درجة" للمساعدة في تنمية أفريقيا المعروف باسم خطة ماتي، وقد أثارت مذكرة التفاهم الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وتونس في تموز/يوليو 2023 انتقادات وكذلك ارتباكًا عندما أعادت تونس مبلغ 60 مليون يورو من الدفعة الأولى إلى بروكسل، وأدت هذه السلسلة من الأحداث في نهاية المطاف إلى قيام الاتحاد الأوروبي بصرف 150 مليون يورو كدعم للميزانية، وفقا للتقرير.
وذكر الموقع أنه في الوقت نفسه، كان على الولايات المتحدة أن تخطو بحذر منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر نتيجة دعمها الثابت لإسرائيل، ومع ذلك، وجدت الحكومة الأمريكية أن شركاء المجتمع المدني التونسي، وخاصة الشركاء المحليين - بما في ذلك الشركات الصغيرة - لا يريدون تفويت فرصة الحصول على الأموال الأمريكية.
ويبدو أن المبدأ العام بين الجهات الفاعلة الغربية هو: الاستمرار في الانخراط، حتى لو كان الأمر صعبا، ووفقا لهذا التفكير، فإن مثل هذا السلوك البراغماتي سيساعد العلاقة في نهاية المطاف على تجاوز الأوقات الصعبة ويمنع تونس من الاندماج الكامل في مجال النفوذ الروسي والصيني على المدى الطويل، حسب التقرير.
الحفاظ على العلاقات بأي ثمن؟
وأوضح الموقع أن إيطاليا بالأخص تشعر بقلق خاص بشأن استقرار تونس، فالبلدان يشتركان في تاريخ متشابك ولا يفصل بينهما سوى 200 ميل فقط، وقد بدأت أعداد كبيرة من المهاجرين مؤخرا في النزول من تونس باتجاه الشواطئ الإيطالية، ومع ذلك؛ فقد انخفض عدد الوافدين إلى إيطاليا من هذا الطريق في الأشهر الأخيرة مع تعاون إيطاليا وتونس في مراقبة الحدود، ولكن بسبب عدم وجود تدابير تهدف صراحةً إلى معالجة حقوق المهاجرين وحمايتهم، يُنظر إلى إيطاليا على أنها متواطئة في انتهاك حقوق المهاجرين.
وأشار إلى أن حكومة سعيد تواصل أيضًا اتخاذ خطوات لإثبات أنه حتى مع التعاون مع الغرباء، فإنه لا يزال مسيطرًا على الوضع، ففي أوائل شهر أيار/مايو، وبعد زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، قامت قوات الشرطة بإزالة العديد من مخيمات المهاجرين من العاصمة التونسية وطردهم إلى الحدود بعنف. ووفقًا لبعض التقارير، وفي اليوم نفسه، ألقت السلطات القبض على سعدية مصباح، رئيسة منظمة مناهضة للعنصرية والحاصلة على جائزة من وزارة الخارجية الأمريكية، وتأتي هذه الإجراءات كجزء من حملة أكبر لتصوير المهاجرين كعدو خارجي يمكن لسعيد أن يحمي البلاد منه، وبالتالي تبرير حملته القمعية ضد المعارضة.
وبيّن الموقع أن تعاون إيطاليا مع حكومة سعيد، والذي يستمر بغض النظر عن هذه المعاملة الوحشية، يضع الولايات المتحدة في موقف صعب إلى حد ما، فتحدي روما لن يؤدي إلا إلى خلق انقسامات بين الدول الغربية، وهو ما سيسعى سعيد إلى استغلاله، ويجب على واشنطن أن تسير على خط رفيع بين التحدث علنًا ضد انتهاكات حقوق الإنسان وبين عدم التناقض مع حلفائها الأوروبيين. وكقاعدة عامة، ونظرًا إلى أن واشنطن أقل قلقًا من أوروبا بشأن عدم الاستقرار في تونس، فقد كانت أقل ترددًا في التحدث علنًا ضد ممارسات النظام القمعية، ويبدو حاليًا أن الخيار الأكثر براغماتية لمواصلة التعاون قد انتصر.
وقال الموقع إن الولايات المتحدة تواصل العمل بشكل وثيق مع الجيش التونسي، وهذا يشكل علاقة مربحة للطرفين، فواشنطن تعتبر تونس شريكًا أمنيًا قيّمًا في القارة الأفريقية؛ حيث يثير تنامي النشاط الجهادي وإضعاف النفوذ الغربي في منطقة الساحل المجاورة قلقًا متزايدا.
وأضاف أنه في الوقت نفسه؛ يقدّر الجيش التونسي التدريب والمعدات التي يتلقاها من الولايات المتحدة وسيعاني ماديًا من دونها، ورغم بعض التحركات التي فُسِّرت على أنها محاولات لتسييس الجيش، إلا أن سعيِّد على الأرجح غير راغب في تعريض هذا التعاون للخطر لأن ذلك قد يكلفه دعم الجيش، وهكذا، ومثلما يقبل المساعدة من إيطاليا والاتحاد الأوروبي بينما يظهر في الوقت نفسه أنه سيتعامل مع المهاجرين بالطريقة التي يختارها، يسمح سعيد بهدوء باستمرار تقليد طويل من النفوذ الأمريكي على الجيش التونسي بينما يصر على أنه لن يسمح بالتدخل الأجنبي في البلاد.
ومن الناحية العملية؛ فإن هذا يعني أنه على الرغم من سوء معاملة المهاجرين، فإن الغرب يواصل التعاون مع تونس، ويشمل ذلك تحسنًا ملحوظًا في إضفاء الطابع الاحترافي على قوات الأمن وأنشطة مثل إصلاح العدالة الجنائية، كما تقود إيطاليا، باستثمارات من ألمانيا والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، عملية تطوير كابل الكهرباء تحت الماء في البحر المتوسط كجزء من التحول العالمي بعيدًا عن النفط والغاز. ولكن قدرة الغرب على التأثير على مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس لا تزال غير واضحة إلى حد كبير، حسب التقرير.
السيناريوهات طويلة الأجل
وأشار الموقع إلى أنه رغم أن الولاية الثانية مضمونة لسعيد، إلا أن استقرار البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة ليس مضمونًا. فمن ناحية، لا يتضح مدى الدعم الذي يحظى به؛ حيث يبدو أن العديد من التونسيين قد اقتنعوا بخطابه السيادي الذي يعد فيه بفصل تونس عن اعتمادها على الغرب، ويتجلى ذلك بوضوح في مسار سياساته الاقتصادية التي سعت باستمرار إلى تعزيز هذه الرؤية.
ومن ناحية أخرى، ساهم القمع السياسي الشديد في غياب النقد الصريح وندرة استطلاعات الرأي العام ذات المصداقية، كما أن الرد الأخير على سلسلة الاعتقالات التي طالت محامين وصحفيين أدلوا بتصريحات ناقدة؛ حيث نظم المحامون والصحفيون والقضاة إضرابات وأصدروا بيانات تدين بشكل غير مباشر معاملة الحكومة لزملائهم، كشف عن استمرار استعداد بعض فئات الشعب للدفاع عن حرية التعبير، وفقا للتقرير.
واختتم الموقع التقرير بالقول إنه برغم أن الشعب التونسي لا يزال يضمر قدرا لا بأس به من الشك تجاه الغرب، ولا يزال سعيد يُظهر أنه سيتعامل مع المحاور التي يختارها هو، بما في ذلك إيران، فإن فترة رئاسته الثانية ستسفر على الأرجح عن استمرار التعاون مع الغرب، ولكن لا يزال يتعين على الغرب إيجاد طريقة لتحقيق التوازن بين الأمن والمنافسة الإستراتيجية وقيم حماية حقوق الإنسان على المدى الطويل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية تونس قيس سعيد أوروبا إيطاليا إيطاليا تونس أوروبا قيس سعيد صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة حقوق الإنسان التعاون مع الموقع أن لا یزال
إقرأ أيضاً:
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المهاجرين في تاريخ المدينة
تحتفل مدينة أمستردام بمرور 750 عامًا على تأسيسها من خلال تنظيم فعاليات متنوعة، تشمل نحو 300 نشاط موزعة بين مهرجانات محلية وحفلات ومعارض وعروض موسيقية. وتعد "قصص الوصول" أحد المعارض البارزة هذا العام، حيث يتم عرض جدارية في مركز للاجئين تعكس دور المهاجرين في تاريخ المدينة.
اعلانيسرد المعرض ماضي أمستردام وحاضرها من خلال دمج قصص طالبي اللجوء مع صور تاريخية تبرز كيف ساهم المهاجرون في ازدهار المدينة. ويمثل هذا المعرض ردًا غير مباشر على تصاعد الخطاب المعادي للهجرة في هولندا، بعد صعود اليمين المتشدد إلى الحكم.
Relatedمعرض جديد في أمستردام يكشف عن روائع الفن البرونزي الآسيوي شاهد: الآلاف يحتفلون بيوم التوليب في أمستردام وسط أكثر من 200 ألف زهرة معارضة في أمستردام لنقل بيوت الدعارة من "الحي الأحمر" إلى مجمّع في الضواحيمن بينها أمستردام ولندن ومدريد.. التغير المناخي يُهدّد نصف المدن الكبرى في العالموأكد توم فان دير مولن، المؤرخ الفني، أن تاريخ المدينة يظل مرتبطًا بالمهاجرين الذين ساهموا في تشكيل هويتها، وأضاف أن النقاش حول الهجرة جزء من نقاش طويل بدأ منذ قرون. بينما ترى الفنانة أليينا يلدز، التي ساهمت في إنشاء الجدارية، أن تنوع الثقافات في المدينة جعلها أكثر غنىً وتماسكًا.
يُذكر أن أمستردام، التي تأسست في 1275 عندما منح الكونت فلوريس الخامس سكانها امتيازات جمركية، أصبحت مدينة عالمية ومركزًا للتجارة والابتكار، ولعب المهاجرون دورًا كبيرًا في تحقيق هذا النجاح.
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية في خطوة غير مسبوقة.. طهران تفتح معرضاً يضم أبرز لوحات الفن الغربي من بينها أعمال لبيكاسو وفان غوخ ميلانو تستضيف معرض يوشيتاكا أمانو.. من الرسوم المتحركة إلى ألعاب الفيديو عملية سرقة جريئة.. تفجير باب معرض فني وسرقة أعمال شهيرة للفنان آندي وارهول في هولندا لوحاتمعرضنمو اقتصاديتاريخأمستردام/سكيبولالهجرةاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة وصواريخ حزب الله تنهمر على تل أبيب يعرض الآن Next رومانيا تبدأ التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وسط منافسة بين 13 مرشحاً يعرض الآن Next مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائيلية بعمان يعرض الآن Next زيلينسكي: تدمير قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب يهدد الأمن الغذائي في دول مثل مصر وليبيا ونيجيريا يعرض الآن Next مفاوضات "كوب 29" للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة تمويل مكافحة تغير المناخ اعلانالاكثر قراءة 2,700 يورو لكل شخص.. إقليم سويسري يوزع فائض الميزانية على السكان إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات بعد أيام من اختفائه جرائم حرب وإبادة: قادة صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من الجنائية الدولية.. تعرف عليهم؟ تحذير أوروبي شديد اللهجة لأوربان: دعوة نتنياهو انتهاك للالتزامات الدولية حب وجنس في فيلم" لوف" اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تدمرضحاياإسرائيلقطاع غزةالصحةالاتحاد الأوروبيأزمة المناخاعتداء إسرائيلعاصفةحركة حماسالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024