لا ترغب الدول الغربية في المجازفة بالتعاون مع تونس في مجالات الهجرة والأمن، وذلك رغم إحباطها التطورات غير الديمقراطية التي طرأت على تونس بعد تولي الرئيس التونسي "الشعبوي" قيس سعيد السلطة، وفقا للتقرير نشره موقع "ناشونال إنترست".

وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن تونس تستعد لانتخابات رئاسية من المرجح أن يفوز فيها الرئيس الشعبوي الحالي قيس سعيد، وقد كان سعيد الذي التقى مؤخرا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ ويبدو أنه متأثر بشكل متزايد بروسيا، مصدر إحباط للولايات المتحدة وأوروبا.

ومع ذلك؛ يمكن أن تجلب الولاية الثانية فرصة لتطبيق الدروس المستفادة على مدى السنوات الخمس الماضية، حتى وإن كان التحدي الشاق المتمثل في حماية حقوق الإنسان لكل من التونسيين والمهاجرين غير الشرعيين سيبقى قائما.

واعتبر الموقع أن علاقة تونس الراسخة مع الغرب قد اهتزت في عهد سعيد، فعلى مدى السنوات العديدة الماضية، أجرى سعيد إصلاحا سلطويا شاملا لمؤسسات البلاد، تاركًا العواصم الغربية غير متأكدة من كيفية الرد، فمن ناحية، من شأن خفض دعمها المادي أن يشير إلى رفض هذه الإجراءات غير الديمقراطية، ومن ناحية أخرى، فإن اتهامات سعيد بـ"التدخل" و"التآمر" الغربيين قد نجحت في تجريد أوروبا والولايات المتحدة من النفوذ، وقد عمل الصراع في الشرق الأوسط الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لصالح سعيد من خلال تأجيج المشاعر المعادية للغرب في البلاد.


ولكن على مستوى آخر؛ تتواصل الشراكات بين تونس والغرب على قدم وساق، فقد قادت إيطاليا الجهود المبذولة للشراكة مع تونس بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي، لا سيما فيما يتعلق بالهجرة ولكن أيضًا كجزء من "نهج 360 درجة" للمساعدة في تنمية أفريقيا المعروف باسم خطة ماتي، وقد أثارت مذكرة التفاهم الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وتونس في تموز/يوليو 2023 انتقادات وكذلك ارتباكًا عندما أعادت تونس مبلغ 60 مليون يورو من الدفعة الأولى إلى بروكسل، وأدت هذه السلسلة من الأحداث في نهاية المطاف إلى قيام الاتحاد الأوروبي بصرف 150 مليون يورو كدعم للميزانية، وفقا للتقرير.

وذكر الموقع أنه في الوقت نفسه، كان على الولايات المتحدة أن تخطو بحذر منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر نتيجة دعمها الثابت لإسرائيل، ومع ذلك، وجدت الحكومة الأمريكية أن شركاء المجتمع المدني التونسي، وخاصة الشركاء المحليين - بما في ذلك الشركات الصغيرة - لا يريدون تفويت فرصة الحصول على الأموال الأمريكية.

ويبدو أن المبدأ العام بين الجهات الفاعلة الغربية هو: الاستمرار في الانخراط، حتى لو كان الأمر صعبا، ووفقا لهذا التفكير، فإن مثل هذا السلوك البراغماتي سيساعد العلاقة في نهاية المطاف على تجاوز الأوقات الصعبة ويمنع تونس من الاندماج الكامل في مجال النفوذ الروسي والصيني على المدى الطويل، حسب التقرير.

الحفاظ على العلاقات بأي ثمن؟
وأوضح الموقع أن إيطاليا بالأخص تشعر بقلق خاص بشأن استقرار تونس، فالبلدان يشتركان في تاريخ متشابك ولا يفصل بينهما سوى 200 ميل فقط، وقد بدأت أعداد كبيرة من المهاجرين مؤخرا في النزول من تونس باتجاه الشواطئ الإيطالية، ومع ذلك؛ فقد انخفض عدد الوافدين إلى إيطاليا من هذا الطريق في الأشهر الأخيرة مع تعاون إيطاليا وتونس في مراقبة الحدود، ولكن بسبب عدم وجود تدابير تهدف صراحةً إلى معالجة حقوق المهاجرين وحمايتهم، يُنظر إلى إيطاليا على أنها متواطئة في انتهاك حقوق المهاجرين.

وأشار إلى أن حكومة سعيد تواصل أيضًا اتخاذ خطوات لإثبات أنه حتى مع التعاون مع الغرباء، فإنه لا يزال مسيطرًا على الوضع، ففي أوائل شهر أيار/مايو، وبعد زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، قامت قوات الشرطة بإزالة العديد من مخيمات المهاجرين من العاصمة التونسية وطردهم إلى الحدود بعنف. ووفقًا لبعض التقارير، وفي اليوم نفسه، ألقت السلطات القبض على سعدية مصباح، رئيسة منظمة مناهضة للعنصرية والحاصلة على جائزة من وزارة الخارجية الأمريكية، وتأتي هذه الإجراءات كجزء من حملة أكبر لتصوير المهاجرين كعدو خارجي يمكن لسعيد أن يحمي البلاد منه، وبالتالي تبرير حملته القمعية ضد المعارضة.

وبيّن الموقع أن تعاون إيطاليا مع حكومة سعيد، والذي يستمر بغض النظر عن هذه المعاملة الوحشية، يضع الولايات المتحدة في موقف صعب إلى حد ما، فتحدي روما لن يؤدي إلا إلى خلق انقسامات بين الدول الغربية، وهو ما سيسعى سعيد إلى استغلاله، ويجب على واشنطن أن تسير على خط رفيع بين التحدث علنًا ضد انتهاكات حقوق الإنسان وبين عدم التناقض مع حلفائها الأوروبيين. وكقاعدة عامة، ونظرًا إلى أن واشنطن أقل قلقًا من أوروبا بشأن عدم الاستقرار في تونس، فقد كانت أقل ترددًا في التحدث علنًا ضد ممارسات النظام القمعية، ويبدو حاليًا أن الخيار الأكثر براغماتية لمواصلة التعاون قد انتصر.

وقال الموقع إن الولايات المتحدة تواصل العمل بشكل وثيق مع الجيش التونسي، وهذا يشكل علاقة مربحة للطرفين، فواشنطن تعتبر تونس شريكًا أمنيًا قيّمًا في القارة الأفريقية؛ حيث يثير تنامي النشاط الجهادي وإضعاف النفوذ الغربي في منطقة الساحل المجاورة قلقًا متزايدا.

وأضاف أنه في الوقت نفسه؛ يقدّر الجيش التونسي التدريب والمعدات التي يتلقاها من الولايات المتحدة وسيعاني ماديًا من دونها، ورغم بعض التحركات التي فُسِّرت على أنها محاولات لتسييس الجيش، إلا أن سعيِّد على الأرجح غير راغب في تعريض هذا التعاون للخطر لأن ذلك قد يكلفه دعم الجيش، وهكذا، ومثلما يقبل المساعدة من إيطاليا والاتحاد الأوروبي بينما يظهر في الوقت نفسه أنه سيتعامل مع المهاجرين بالطريقة التي يختارها، يسمح سعيد بهدوء باستمرار تقليد طويل من النفوذ الأمريكي على الجيش التونسي بينما يصر على أنه لن يسمح بالتدخل الأجنبي في البلاد.


ومن الناحية العملية؛ فإن هذا يعني أنه على الرغم من سوء معاملة المهاجرين، فإن الغرب يواصل التعاون مع تونس، ويشمل ذلك تحسنًا ملحوظًا في إضفاء الطابع الاحترافي على قوات الأمن وأنشطة مثل إصلاح العدالة الجنائية، كما تقود إيطاليا، باستثمارات من ألمانيا والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، عملية تطوير كابل الكهرباء تحت الماء في البحر المتوسط كجزء من التحول العالمي بعيدًا عن النفط والغاز. ولكن قدرة الغرب على التأثير على مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس لا تزال غير واضحة إلى حد كبير، حسب التقرير.

السيناريوهات طويلة الأجل
وأشار الموقع إلى أنه رغم أن الولاية الثانية مضمونة لسعيد، إلا أن استقرار البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة ليس مضمونًا. فمن ناحية، لا يتضح مدى الدعم الذي يحظى به؛ حيث يبدو أن العديد من التونسيين قد اقتنعوا بخطابه السيادي الذي يعد فيه بفصل تونس عن اعتمادها على الغرب، ويتجلى ذلك بوضوح في مسار سياساته الاقتصادية التي سعت باستمرار إلى تعزيز هذه الرؤية.

ومن ناحية أخرى، ساهم القمع السياسي الشديد في غياب النقد الصريح وندرة استطلاعات الرأي العام ذات المصداقية، كما أن الرد الأخير على سلسلة الاعتقالات التي طالت محامين وصحفيين أدلوا بتصريحات ناقدة؛ حيث نظم المحامون والصحفيون والقضاة إضرابات وأصدروا بيانات تدين بشكل غير مباشر معاملة الحكومة لزملائهم، كشف عن استمرار استعداد بعض فئات الشعب للدفاع عن حرية التعبير، وفقا للتقرير.

واختتم الموقع التقرير بالقول إنه برغم أن الشعب التونسي لا يزال يضمر قدرا لا بأس به من الشك تجاه الغرب، ولا يزال سعيد يُظهر أنه سيتعامل مع المحاور التي يختارها هو، بما في ذلك إيران، فإن فترة رئاسته الثانية ستسفر على الأرجح عن استمرار التعاون مع الغرب، ولكن لا يزال يتعين على الغرب إيجاد طريقة لتحقيق التوازن بين الأمن والمنافسة الإستراتيجية وقيم حماية حقوق الإنسان على المدى الطويل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية تونس قيس سعيد أوروبا إيطاليا إيطاليا تونس أوروبا قيس سعيد صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة حقوق الإنسان التعاون مع الموقع أن لا یزال

إقرأ أيضاً:

محافظ الغربية يشهد فعاليات وأنشطة المبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الإنسان

شهد اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، يرافقه الدكتور محمود عيسى نائب المحافظ، فعاليات المبادرة الرئاسية “بداية جديدة لبناء الإنسان”، التي أقيمت صباح اليوم بمدرسة كفر الزيات الثانوية الصناعية الميكانيكية العسكرية والتي تهدف إلى تحسين جودة حياة المواطنين من خلال تطوير الإنسان المصري، وتعزيز التنمية المستدامة في جميع المجالات، بحضور العميد وائل فتحي المستشار العسكري للمحافظة، اللواء أركان حرب محمد شاهر قائد قطاع الغربية لمدارس التأسيس العسكري ،المهندس ناصر حسن وكيل وزارة التربية والتعليم بالغربية .

تضمنت الفعاليات برنامجاً متكاملاً بدء بعرض مدارس التأسيس العسكري نفذه طلاب المدرسة، أظهروا فيه مستوى عالٍ من الانضباط والعمل الجماعي ، أعقبة عرضاً رياضياً مميزاً قدمه الطلاب ، حيث أظهر الطلاب مهارات رياضية متميزة ومستوى عالياً من اللياقة البدنية والانضباط. وتنوع العرض بين التدريبات البدنية الجماعية والتمارين الفردية، مما عكس روح العمل الجماعي والتعاون بين الطلاب.

وأشاد المحافظ بالأداء المتميز للطلاب، مؤكداً أن الأنشطة الرياضية تلعب دوراً مهماً في تعزيز القيم الإيجابية كالانضباط، المثابرة، وروح التحدي، إلى جانب دورها في بناء جسم صحي وعقل متوازن يساعد على تحقيق النجاح في مختلف جوانب الحياة.

وحرص اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، على تفقد المعامل الحديثة داخل المدرسة والتي تضم 54 فصلاً دراسياً موزعة على 9 تخصصات نوعية تشمل: فني تبريد، فني آلات كهربائية، فني تركيبات كهربائية، فني حاسبات، فني إلكترونيات، فني تشغيل، وفني تحكم صناعي.

وأشاد المحافظ بالمستوى المتميز للمدرسة وتجهيزاتها الحديثة التي تتماشى مع أحدث التقنيات التعليمية والتدريبية، خاصة في ظل تطبيق منهجية “الجدارات”، التي تركز على تنمية المهارات العملية والعلمية للطلاب، بما يؤهلهم للحصول على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية ومواكبة متطلبات سوق العمل.

وأكد اللواء أشرف الجندي أن التعليم الفني يمثل ركيزة أساسية في خطة الدولة لتنمية الموارد البشرية، مشيراً إلى أهمية الاستثمار في الطلاب وتطوير مهاراتهم ليصبحوا قوة إنتاجية متميزة تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية. كما أشاد بجهود إدارة المدرسة وهيئة التدريس في إعداد الطلاب وفق معايير الجودة التعليمية، داعياً إلى مواصلة العمل لرفع كفاءة العملية التعليمية وتعزيز روح الإبداع والابتكار لدى الطلاب.

واستمرت الجولة بتفقد  ملتقى التوظيف مؤكدا أن المحافظة تحرص على اتاحة فرص عديدة للشباب، كما شهد الجندي جلسة الابتكار وريادة الاعمال وجلسة التوجيه والإرشاد ومرسم التربية الفنية مشيدا بمهارات الطلاب ، وأكد محافظ الغربية، خلال مشاركته في فعاليات مبادرة “بداية”، أن تعزيز قيم التكافل الاجتماعي والتعاون بين أفراد المجتمع يُعد جزءاً أساسياً من رؤية الدولة لبناء مجتمع متماسك ومتكاتف وفي خطوة تعكس الجانب الإنساني للمبادرة، تم توزيع 250 كرتونة مواد غذائية على الطلاب غير القادرين بهدف تخفيف الأعباء عن أسرهم وتقديم الدعم اللازم لهم لضمان استمرارهم في العملية التعليمية دون معوقات.

وأشار المحافظ إلى إننا نسعى دائماً إلى تنفيذ المبادرات التي تدمج الجوانب التعليمية مع الجوانب الإنسانية، لأن بناء الإنسان لا يقتصر على التعليم فقط، بل يشمل توفير بيئة متكاملة تضمن له حياة كريمة وتحفزه على النجاح والتفوق”.

وخلال تفقده للفعاليات، أشاد اللواء أشرف الجندي بمستوى التنظيم والتفاعل الكبير من الطلاب. وأكد أن مبادرة “بداية” تعكس رؤية الدولة في بناء الإنسان المصري، مشيراً إلى أهمية مثل هذه الأنشطة في تعزيز الروح الوطنية وبناء أجيال واعية قادرة على تحقيق التنمية المستدامة. وأضاف المحافظ: “نسعى دائماً لتوفير بيئة تعليمية متكاملة تدعم الابتكار والتفوق، لأن بناء الإنسان هو أساس بناء الوطن”.

مقالات مشابهة

  • تعليم الغربية تتابع مبادرة كنوز " ضمن مبادرة"بداية جديدة لبناء الإنسان
  • قيادي بـ«مستقبل وطن»: الإفراج عن 54 من أبناء سيناء يعزز الاستقرار الاجتماعي والتنموي
  • حزب مصر 2000: الجمهورية الجديدة تولي أهتمامًا غير مسبوق بحقوق الإنسان
  • دراسة بحثية.. الهجرة غير النظامية والأزمة الديموغرافية في أوروبا «تحديات وفرص»
  • محافظ الغربية يشهد فعاليات وأنشطة المبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الإنسان
  • محافظ الغربية يوزع 250 كرتونة مواد غذائية على الطلاب ضمن مبادرة «بداية»
  • الهجرة الدولية: قرابة 788 مهاجرًا في ليبيا أغلبهم مسجلين في المنطقة الغربية
  • محافظ الغربية يشهد سلسلة متنوعة من الفعاليات والأنشطة ضمن مبادرة بداية
  • بينها الإعدام والاختفاء القسري.. موقف مصر من 9 اتفاقيات دولية خاصة بحقوق الإنسان
  • إنقاذ عشرات المهاجرين في صحراء الحمادة الحمراء