الإشراف من طهران.. علاقة ودٍّ بين القاعدة والحوثي لضرب أمن الجنوب
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
مطلع مايو الماضي، كشف تقرير نشرته صحيفة التليغراف البريطانية عن عقد مليشيا الحوثي- ذراع إيران، شراكة غير متوقعة مع فرع تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن، لشن هجمات على المحافظات الجنوبية المحررة من سيطرتهم.
الشراكة المتجددة بين الطرفين ظهرت بشكل كبير للعلن، من خلال قيام المليشيا الحوثية بتزويد القاعدة بعدد من الطائرات دون طيار التي تصل إليهم من إيران لأجل تعزيز هجماتهم ضد القوات الجنوبية بشكل رئيس.
مساندة رسمية
ولم تكتف العلاقة بالدعم فقط بل وصلت إلى المساندة القتالية بشكل علني، وهي ليست بالشيء الجديد. فما حدث أواخر الأسبوع الماضي، هو شن مليشيا الحوثي هجمات على قوات دفاع شبوة لفك حصار عناصر تنظيم القاعدة المحاصرين في منطقة "شعب أمعزيفة" في مديرية مرخة السفلى الواصلة بين محافظتي شبوة والبيضاء الخاضعتين لسيطرة الحوثيين.
ووفقاً لبيان صادر عن قوات دفاع شبوة فإن القوات المشاركة في عملية تعقب عناصر إرهابية في مديرية مرخة السفلى تعرضت لهجوم جوي وبري أثناء تعقب وملاحقة عناصر وقيادات تابعة لتنظيم القاعدة، موضحاً أن طائرة بدون طيار تابعة للحوثيين شنت قصفاً على القوات إلى جانب تحرك مجاميع أخرى في الحدود بين شبوة والبيضاء لفك الحصار عن العناصر الإرهابية.
التنسيق المشترك بين الحوثيين والقاعدة ليس الأول خصوصاً في جانب الدعم الجوي وتوفير طائرات دون طيار، ففي مايو الماضي، نفذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية سبع هجمات بطائرات بدون طيار على القوات الجنوبية في شبوة وأبين.
وفقاً للمعلومات فإن سبب التدخل الحوثي لإنقاذ القاعدة في مديرية مرخة السفلى، هو وجود قيادات بارزة في التنظيم انتقلت من البيضاء بحماية حوثية إلى وادي "شعب أمعزيفة" أقامت معسكرا تدريبيا هناك تمهيدا لشن عمليات إرهابية ضد قوات دفاع شبوة والعمالقة المتمركزة على طول الشريط الحدودي مع البيضاء، وكذا شن عمليات داخل المناطق الآمنة في شبوة لإثارة الفوضى وإقلاق السكينة العامة.
وسربت مصادر مقربة من تنظيم القاعدة خلال شهر مايو الماضي، حصول تنظيم القاعدة على أكثر من 40 طائرة بدون طيار- إيرانية الصنع- من قبل قيادات بارزة في مليشيا الحوثي وعبر وسطاء محليين في محافظة البيضاء.
دعم إيراني سخي
ومن المرجح أنه تم الحصول على هذه الطائرات بدون طيار من خلال دعم خارجي، نظراً للقدرة التقنية المحدودة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في تطوير طائرات بدون طيار خاصة به. وحافظ أبو أسامة الدياني، وهو زعيم جهادي يمني مقرب من زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الراحل خالد باطرفي، على علاقة وثيقة مع الحوثيين وسهل الحصول على هذه الأسلحة.
وإلى جانب الطائرات بدون طيار، قدم الحوثيون للقاعدة في شبه الجزيرة العربية الدعم اللوجستي بما في ذلك الصواريخ الحرارية ومعدات الاستطلاع وغيرها. ويتجاوز هذا التعاون مجرد توريد الأسلحة، ويشير إلى مستوى أعمق من التعاون بين المجموعتين.
ويؤكد الكثير من الباحثين في شؤون الجماعات الإرهابية أن الدعم الحوثي للقاعدة جاء بتوجيهات إيرانية عليا، خصوصا وأن الأب الروحي للتنظيم الإرهابي في اليمن سيف العدل، يتواجد في طهران ويدير العلاقة بين الطرفين. يرتبط اهتمام سيف العدل بفرع القاعدة في اليمن بعدة عوامل، منها الصفقة التي أبرمت مع إيران للإفراج عنه في عام 2015، مقابل الإفراج عن الملحق الثقافي الإيراني. وهذا الاهتمام لا يمكن اعتباره مجرد رد جميل، بل يشير إلى علاقة استراتيجية تعززها حاجة القيادة العامة إلى فرع قوي وفعال، وهو ما يبدو أن الفرع اليمني يوفره بدعم وتنسيق إيراني عبر ذراعهم في اليمن المتمثل بمليشيا الحوثي.
ويؤكد المتحدث باسم القوات الجنوبية، المقدم محمد النقيب، أن العمليات الإرهابية المشتركة التي تنفذها عناصر القاعدة ومليشيا الحوثي، تكشف مدى العلاقة الوطيدة والتحالف الاستراتيجي بينهما، مشيرا إلى أن زعيم القاعدة المدعو سيف العدل المقيم في إيران هو المحرك الرئيس لهذا التحالف الذي أصبح علنياً ضد المناطق الجنوبية.
شراكة استراتيجية
في تحليل نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية مؤخراً، أكد أنَّ قائد تنظيم القاعدة الجديد في اليمن، سعد العولقي، الذي عُين خلفاً لخالد باطرفي، حريص على استمرار العلاقة الجوهرية بمليشيا الحوثي، وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين. وأوضح التحليل، الذي أعده الباحث عاصم الصبري، أنَّ التنظيم مستمر في عدم خوض أي معارك مفتوحة مع جماعة الحوثيين رغم الضغوطات التي يتعرَّض لها التنظيم من قبل الحوثيين بشأن استئناف العمليات الداخلية في الجنوب.
التحليل قدم تفصيلات كثيرة وخطيرة، عن آفاق التعاون وتاريخه وحاضره ومستقبله، بين الحوثي والقاعدة، بصور مختلفة ومصالح مشتركة، ويشير إلى أنَّ هذا الأمر محلّ خلاف كان بين قيادات "القاعدة"، لكن التيار المناصر "للتعاون" مع الحوثي، ثم مع إيران، يقوده المصري سيف العدل الزعيم الفعلي للتنظيم، والمقيم في إيران.
التحليل أوضح أنَّ هناك عاملاً آخر مهماً ساعد العولقي على تولي قيادة تنظيم "القاعدة"، وهو نفوذ سيف العدل، المقيم في إيران. فخلال اعترافات سابقة لقيادات بارزة في تنظيم القاعدة جراء ضبطها في اليمن من بينهم المدعو العوفي، أكد أن هناك تعاونا وعلاقة قوية بين التنظيم والحوثيين.
ويرى المراقبون أن استراتيجية الشراكة بين الطرفين قائمة على مبادئ أساسية تتمثل في توفير الحوثيين أماكن آمنة لقيادات وعناصر التنظيم، وتم تحديد مناطق في محافظة البيضاء لتكون معاقل محمية. وكذا توفير الدعم اللوجيستي من مال وأسلحة وعتاد للتنظيم مع الإفراج عن عناصرهم وقيادتهم المحتجزة في سجون صنعاء من قبل سيطرة الحوثيين. في المقابل يلتزم التنظيم بعدم شن أي هجمات أو عمليات داخل مناطق الحوثيين، وتقديم كل الدعم الاستخباراتي عن تحركات القوات الجنوبية والحكومية في المناطق الجنوبية. وكذا توجيه الهجمات صوب المناطق المحررة لإظهارها غير آمنة ومستقرة وأنها تغرق في الفوضى والإرهاب.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: القوات الجنوبیة تنظیم القاعدة بین الطرفین القاعدة فی بدون طیار سیف العدل فی الیمن
إقرأ أيضاً:
كيف تلقت إيران رسالة ترامب من الهجمات الأميركية على الحوثيين؟
طهران– في تطور ينقل رسائل إلى خارج اليمن، شن الجيش الأميركي، الليلة الماضية، غارات على مواقع لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في العاصمة صنعاء وصعدة والبيضاء بأمر من الرئيس دونالد ترامب الذي توعد الجماعة بالجحيم، وقال، إن أي "قوة إرهابية" لن تمنع السفن الأميركية من الإبحار بحرية.
يأتي ذلك بعد إعلان الحوثيين، أنهم سيستأنفون استهداف السفن الإسرائيلية في الممرات البحرية بالمنطقة ردا على منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر، وذلك بعد توقف هجماتهم إثر دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي تطور لافت، ذهب الجانب الأميركي هذه المرة بعيدا في اعتبار طهران مسؤولة عن سلوك الحوثيين، إذ ركزت المواقف الأميركية على ما سمته "دعما إيرانيا للحوثيين" ووصفت العملية بأنها رسالة لآيات الله في طهران.
من جانبه، وصف ترامب الحوثيين بـ"المجرمين المدعومين من إيران"، وحذر الأخيرة من مغبة مواصلة دعمها للجماعة اليمنية، قائلا "إنه إذا هددت طهران الولايات المتحدة، فإن أميركا ستحملكم المسؤولية الكاملة، ولن نكون لطفاء في هذا الشأن".
الرد الإيراني
في المقابل، سارع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إلى تذكير الخصم الأميركي بأنه لا يحق لواشنطن "إملاء" إرادتها على سياسة طهران الخارجية، ودعا -في منشوره على منصة إكس- الولايات المتحدة إلى "وقف قتل الشعب اليمني".
إعلانفي السياق، أدان المتحدث باسم الخارجية الإيراني إسماعيل بقائي، العدوان الأميركي والبريطاني على اليمن بأشد العبارات، واعتبره "انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية" وأنه يأتي دعما للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
عسكريا، نفى القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي، أي دور لبلاده في تنظيم أو وضع سياسات جبهة المقاومة بمن فيها الحوثيون في اليمن، مؤكدا أنهم "يتخذون قراراتهم الإستراتيجية والعملياتية بأنفسهم".
وحذر سلامي –في كلمة أمام حشد من كوادر الحرس الثوري- "أعداء إيران بأن أي تهديد يتحول إلى الفعل سيواجه برد صارم وحازم ومدمر من جانبنا"، مضيفا "لن نبدأ الحروب، لكن إذا هُددنا من أي جهة فسيكون ردنا حاسما ومصيريا".
خطوة ذكية
ويرى مراقبون إيرانيون في موقف سلامي خطوة ذكية تجنب طهران التداعيات السياسية والقانونية لما تقوم به جماعة الحوثي ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية في البحر الأحمر وتدحض الاتهامات الإقليمية باتخاذ إيران الحليف اليمني أداة لاستهداف منافسيها، ناهيك عن إطلاق العنان للحوثيين باستهداف المصالح الأميركية في البحر الأحمر.
ويأتي تنسيق الموقف الأميركي الرامي إلى ربط سلوك الجانب اليمني بسياسات إيران ملحقا عمليا لما ورد في رسالة ترامب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي والتي خيّره فيها بين التفاوض أو استخدام الخيار العسكري في حال لم يتم إبرام اتفاق يمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية.
المواقف الأميركية تبدو غاية في الصراحة بربط سلوك الحوثيين بالجانب الإيراني والمطالبة بإنهاء ما تعتبره واشنطن دعما إيرانيا لجماعة الحوثي، وتأتي متناسبة مع التسريبات الإعلامية عن رسالة ترامب إلى المرشد الإيراني ومطالبته بوقف دعم طهران لفصائل المقاومة، كشرط مسبق لأي اتفاق بشأن الملف النووي.
إعلان
حلقة ضعيفة
من ناحيته، يقرأ السفير الإيراني الأسبق في لندن جلال ساداتيان، الهجوم الأميركي على اليمن في سياق سياسة العصا التي رفعها ترامب منذ فوزه بالرئاسة 2024 على العديد من الدول والقوى الشرقية والغربية، موضحا، أنه بعد إخفاقه في ترحيل سكان قطاع غزة أو حلحلة الأزمة الأوكرانية وجد ترامب في الساحة اليمنية الحلقة الأضعف لعرض عضلاته في الشرق الأوسط.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الدبلوماسي الإيراني السابق إلى أن مهاجمة اليمن تأتي لترهيب فصائل المقاومة الأخرى وتحذيرها من مغبة استئناف عملياتها ضد الكيان الصهيوني، موضحا، أن ترامب يراهن على تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع تل أبيب لدمج الأخيرة في الإقليم والقضاء على القضية الفلسطينية.
وخلص إلى أن ترامب يتعمد استخدام تسليح نوعي لخرق التحصينات في اليمن ليبعث رسالة إلى الجانب الإيراني بإمكانية استخدامها مرة أخرى في المنطقة، على غرار تكرار سياسة الاغتيالات بحق القادة الحوثيين والتي سبق وطبقها الكيان الإسرائيلي على قادة المقاومة في كل من لبنان وقطاع غزة.
الضغوط القصوىويرى مراقبون، أن الهجوم الأميركي على اليمن لم يكن جديدا ولا فريدا من نوعه، إذ سبق وتعرضت صنعاء لهجمات أميركية وبريطانية وإسرائيلية مماثلة، ويفترض أن تكون قد توقعته قبل إعلانها استئناف عملياتها في البحر الأحمر، وأن تكون قد حضّرت له ردا أو ردودا تعتقد شريحة من الإيرانيين، أن الأيام القليلة المقبلة ستكشف عنها.
من جانبه، يعتبر الباحث الإيراني في الشؤون الأمنية محمد قادري، أن الهجوم على اليمن موجه إلى طهران قبل أن يستهدف عمليات الحوثيين في البحر الأحمر، وأنه يأتي في سياق سياسة الضغوط القصوى التي استأنفها ترامب على إيران لإرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى قادري أن البرود الإيراني في التعامل مع رسالة ترامب الأخيرة إلى المرشد الأعلى، علي خامنئي، قد أزعج البيت الأبيض الذي يفسر إعلان الحوثيين باستئناف عملياتهم في البحر الأحمر ردا ساخرا على مطالبته طهران بقطع دعمها لفصائل المقاومة.
إعلانوفي رأي قادري، فإن الهجوم العسكري على اليمن والاتهامات الأميركية لطهران بتحريض الحوثيين سينعكس سلبا على ما تعول عليه واشنطن من بوابة سياسة تبادل الرسائل مع طهران، مضيفا، أن نوعية وكيفية الرد اليمني على الهجوم الأميركي سيحدد الخطوات الأميركية اللاحقة في المنطقة.
واستبعد المتحدث نفسه، أن يوقف الجانب اليمني عملياته في البحر الأحمر قبل كسر الحصار عن غزة، مؤكدا أن طهران وصنعاء سيعتبران أيّ خفض أو وقف للعمليات في البحر الأحمر رسالة ضعف قد تزيد واشنطن جرأة للتمادي في شن هجمات أخرى على سيادتهما.