أزمة التلفزيون القومي: بشاعة الصوت والصورة والمعنى
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
لو غاب التلفزيون الرسمي السوداني فجأة عن الأثير ولم يعد موجوداً لما خسر السودانيون شيئاً قط، وربما استفادوا من توفير المال المهدر والطاقات الخائبة المودعة في مخازنه دون مواهب ودون مهارات ودون ابداع ودون مردود إيجابي.
أسهم هذا الجهاز الضخم سيء السمعة، والمثقل بالعاملين الفائضين عن الحاجة وأنصاف الموهوبين، في تشويه وعي السودانيين بذاتهم وخلق صورة نمطية خاطئة لهم عن أنفسهم، وهذه الصورة متحركة بشكل تلقائي مع الأصل الذي تبدو عليه شريحة محدودة من مواطني السودان تعيش في الخرطوم ولا تمثل أياً من مراكز الكتل السكانية في البلاد.
بعبارة أخرى فإن التلفزيون الرسمي (المسمى قومياً) لا يعيد تقديم صورة السودانيين في شمال السودان بملابسهم المحتشمة رجالاً ونساء، ولا يقدم صورة سكان ولاية الجزيرة مثلاً أو ولاية نهر النيل (إلا في برامج الغناء الشعبي) ولا يمثل أقاليم سنار والنيل الأزرق والنيل الأبيض، وكردفان، ودارفور والشرق.
غني عن القول إنه لا زي الرجال المشار إليه ولا زي النساء المذكور يأتي ضمن نسق محدد ومعلوم من الشروط الفنية، أو تلك التي تعبر عن الهوية/ الهويات القومية.
آخر الاجتهادات كان في عهد المدير الأسبق الراحل الطيب مصطفى الذي ألزم العاملين الذين يظهرون على الشاشة -وهذا ما يبدو لنا كمشاهدين- بالجلباب والعمامة (المنقولتان من صعيد مصر) للرجال، وبالثوب (المنقول من غرب افريقيا) والمسمى -بوضع اليد- بالثوب السوداني، والحجاب الذي يغطي الشعر.
تراجع الالتزام بهذا الزي كلما زادت الفترة ابتعاداً عن عهد المهندس الطيب مصطفى حتى إذا سقطت حكومة الإنقاذ، طار الحجاب عن الشعر (الحقيقي أو المستعار) ولبس الرجال الباروكة (والكلمة التي تعني الشعر المستعار مستعارة هي الأخرى من الفرنسية) وصار التلفزيون يستضيف سيدات في زي رجال ورجال في أزياء نساء، وذكور ببواريك و(مسائر) وحدوات حصان وإسماعيل التاج وحجوج كوكا! حتى جاء زمن صار التلفزيون- والذي حصل على اسمه أصلاً من خليط مزاوجة كلمتي الصورة والبث باللغة الإنجليزية، وعلى اسمه غير المتداول باللغة العربية من المشاهدة (المرئي/ الإذاعة المرئية) – صار يستضيف فيه أناساً بلا صور ولا وجوه معلنة في مشهد (انصرافي) لا يعبر إلا عن أزمة لم يعد العلاج معها ممكناً إلا بالهدم وطرح الأنقاض بعيداً في مكب النفايات.
***
هل تمثل هذه الأزياء ولابسيها قوميات أهل السودان؟ هل تمثل تلك الملابس المجموعة على عجل وبلا ترتيب النوبيين أو الجعليين أو الشايقية أو الحلاويين أو الكلاكلات أو الجموعية أو الكبابيش أو الجوامعة أو دار حامد أو الهبانية أو الشكرية أو الهدندوة أو البني عامر أو الأنقسنا أو الفونج أو الفور أو البرتي أو الزغاوة أو النوبة أو البرتي أو البزعة؟
تلفزيون من هذا بالضبط؟
مدير التلفزيون نفسه ضحية للتأطير (Framing) الذي صنعه التلفزيون بكثرة الطرق والاستعادة والتكرار، وفي غياب كتابة نظرية تضع الأسس الهادية للرسالة الإعلامية المنوط بالجهاز العظيم تقديمها.
تاريخ التوظيف في التلفزيون مرتبط بشريحة محددة من أبناء أحياء محددة في أم درمان والعاصمة، وفي غياب النظرية منح هؤلاء طابعهم الشخصي للصورة التلفزيونية المتعارف عليها للرجل والمرأة. هكذا صنع المذيعون (الخنافس) في السبعينيات الصورة النمطية للشاب السوداني، وصنعت المذيعات والمغنيات بفساتينهن القصيرة وشعرهن المستعار صورة الشابة المتحضرة، بينما تم تأطير صورة المواطن في شخص يرتدي الجلابية والعمامة أو الطاقية ويتحدث بلهجة أهل نهر النيل (على أساس أن هذه هي اللهجة السودانية) وتم اغلاق الباب أمام الجميع.
عجز التلفزيون عن تقديم الصورة الحقيقية للسودانيين وعجز المسئولون عنه عن رسم صورة منتقاة ومقصودة لذاتها للشخصية السودانية أي فشل في ال (Presentation) وقام بتقديم صورة مصطنعة (Representation) على عجل من المتعاونين (البوابة السرية للتعيين) والقادمين بالواسطة من أقارب السابقين.
بالمقابل صنع هذا النمط غير المدروس من التصنيع الاجتماعي للحقيقة (Social Construction of Reality) صورة مضادة بلهاء تبينت في الديكور الأخرق في البرامج الثقافية والتراثية والتي تعتمد على الإفراط في تقديم الأدوات التقليدية، التي يتم حشدها في الاستديوهات في ساعات البث المقدمة تبرعاً وخصماً على ساعات أبناء أم درمان وبعض أحياء العاصمة. هذا التشويه يصنع تصوراً مضاداً في الذهن بأن الحقيقة السودانية غير الممثلة للعاملين في التلفزيون تعادل القبح والتخلف.
خمسون عاماً من غياب الرؤية والنظرية صنعت جمهوراً مغيباً يظن أن هذه الصورة التي يقدمها التلفزيون تمثله وبالتالي فإن أي محاولة لإعادة التفكير أو المراجعة تعتبر مساساً بالثوابت.
هذا الجمهور المغيب يريد الحفاظ على الصورة الثابتة التي ظل يصنعها التلفزيون بالتكرار والكسل وغياب الرؤية والفكرة، وهي ذات الصورة التي طردته -هو نفسه- من أمام الشاشة الفضية ليتسمر -حين تتوفر الكهرباء- أمام القنوات العربية فيلتقط الشباب القشور من طريقة تصفيف الشعر والحديث في الهواتف والرقص، فيما تلتقط الفتيات النطق المختلف لحروف الجيم وطريقة تبادل التحايا والماكياج الملون غير الملائم للبشرة السودانية والطقس المحلي (الذي هو خليط الشمس والغبار والصعوط الذي يصنعه الإنسان).
هكذا استحق التلفزيون السوداني بجدارة لقب صندوق الحمقى (Idiot Box) الذي منحه الغربيون لتلفزيوناتهم الراقية وذات الهدف والرسالة.
*مقطع مختصر من مقالة مطولة *
محمد عثمان إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
شاهد بالفيديو والصور| طوفان هائل وسيل عرمرم يجتاح العاصمة صنعاء.. وهذا ما حدث قبل ساعات قليلة من الآن موثقاً بالصوت والصورة
يمانيون/ صنعاء شهدت العاصمة صنعاء اليوم، حشدا مليونيا في مسيرة “مع غزة ولبنان.. دماء الشهداء تصنع النصر”.
وأكدت الجماهير التي خرجت تحت الأمطار استجابة لدعوة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن دماء وتضحيات الشهداء هي مصدر قوة الشعب اليمني وهي من صنعت المجد والنصر لليمنيين وعززت صمودهم في مواجهة أعداء الأمة الإسلامية.
وأدانت استمرار أمريكا في استخدام حق النقض “الفيتو” لعرقلة قرار إيقاف الحرب على غزة والشعب الفلسطيني.. مؤكدة أن هذا الفيتو يكشف مجدداً أن أمريكا هي الشريك والداعم الأساسي لاستمرار حرب الإبادة الصهيونية في غزة.
ودعت الشعوب العربية والإسلامية إلى التحرك الفاعل واتخاذ موقف قوي لإيقاف حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من قبل الكيان الصهيوني المجرم، والتنديد بموقف وعرقلة الإدارة الأمريكية لأي قرار أو جهود دولية لإيقاف العدوان الصهيوني على غزة.
وجددت الحشود المليونية، التأكيد على استمرار موقف اليمن القوي والثابت المناصر لغزة والشعبين الفلسطيني واللبناني ومقاومتهم الباسلة، ومواصلة المضي على خطى الشهداء في العطاء والبذل والتضحية لردع كل طواغيت العصر.
ورددت الهتافات المؤكدة على أن دماء الشهداء الأبرار هزمت دول الاستكبار، وأن مشروع شهيد القرآن أفشل مشروع الشيطان.. مؤكدة أن أمريكا سبب الحروب ورأس العدوان على غزة ولبنان، وعدوة كل الشعوب.
وهتفت بالشعارات المناهضة لقوى العدوان والاستكبار العالمي، والمؤكدة على أن يمن العزة والإسلام أسقط هيبة إبراهام، مجددة التأكيد على جهوزية الشعب اليمني لخوض معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، نصرة لفلسطين ولبنان.
وأشار بيان صادر عن المسيرة ألقاه قائد كتائب الوهبي اللواء بكيل الوهبي، إلى أن العدو الصهيوني يواصل حرب الإبادة الجماعية بحق إخواننا الفلسطينيين في قطاع غزة للشهر الثاني من السنة الثانية، بمشاركة ودعم أمريكي كامل ومساندة من بعض الدول الأوروبية والغربية، ومازال يمارس إجرامه كذلك في الضفة الغربية ولبنان، في ظل تخاذل وصمت عربي وإسلامي وأممي مخزٍ ومهين.
وأكد استمرار الخروج الأسبوعي بمسيرة مليونية، استجابةً لله سبحانه وتعالى، وجهاداً في سبيله، وابتغاءً لمرضاته، ومساندين للشعبين الفلسطيني واللبناني بلا كلل ولا ملل، ولا تراجع ولا فتور، حتى النصر بإذن الله.
وأوضح البيان، أنه في ختام الذكرى السنوية للشهيد، وبكل إيمانٍ وثباتٍ على المبادئ التي ضحى من أجلها الشهداء، نؤكد استمرارانا في رفع رايةِ الجهاد في سبيل الله، والتمسك بكتابه العظيم، وإعلاء كلمته، تحت راية الأعلام الهداةِ إلى دينه، دون تردد أو تراجع.
وأضاف “وبكل ما أوتينا من قوة حتى لو اجتمع علينا كل أشرار العالم، متأسين بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾”.
وتوجه بالحمد والشكر لله والثناء عليه سبحانه وتعالى على ما منّ به علينا من انتصارات متواصلة، والتي كان آخرها إجبار حاملة الطائرات الأمريكية (إبراهام لينكولن) على الفرار بعد أن ضربها الله على أيدي مجاهدي قواتنا المسلحة.
ودعا البيان، مجاهدي القوات المسلحة إلى مواصلة ضرباتهم للمجرمين بكل قوة، حتى النصر بإذن الله.. وأضاف “أمام الانكشاف والسقوط المتواصل الذي أظهر الوجه الأشنع والإجرامي لأمريكا باستخدامها (الفيتو) أمام مشروع قرار مجلس الأمن الذي يدعو للوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وأمام فشل وعجز مجلس الأمن مجدداً في إيقاف الإبادة الجماعية في غزة لأكثر من عام وشهر نؤكد استمرار الجهاد في سبيل الله في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس حتى وقف العدوان على غزة ولبنان؛ كون ذلك هو الخيار الوحيد والسليم للدفاع عن أنفسنا وعن أمتنا.
كما دعا شعوب الأمة العربية والإسلامية إلى التحرك في هذا الخيار الذي أثبت الواقع أن لا خيار لنا سواه.
وأدان واستنكر الاساءات المتكررة والمستمرة لمقدساتنا من قبل النظام السعودي، والتي كان آخرها استخدام أشكال مشابهة للكعبة المشرفة خلال تنظيمه لحفلات المجون والتعري فيما يسمى بموسم الترفيه، في خطوة مستفزة لمشاعر كل المسلمين، بهدف ضرب قدسيتها في عيون أبناء الأمة، تمهيداً لاستهدافها من قبل اليهود الذين لا يخفون نواياهم ومخططاتهم للسيطرة عليها من خلال ما يسمونه بمشروع “إسرائيل الكبرى”.
وجدد البيان، الدعوة لأبناء شعبنا ولكل شعوب أمتنا وكل الشعوب الحرة والكريمة لمواصلة مقاطعة البضائع والسلع والمنتجات الصهيونية والأمريكية وتكثيف فعاليات المساندة للشعبين الفلسطيني واللبناني والاحتجاج على الإجرام الصهيوني والأمريكي بحقهما.
إلى ذلك تلى المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد يحيى سريع بيانا أعلن فيه عن تنفيذ القوات المسلحة عملية عسكرية استهدفت قاعدة “نيفاتيم” الجوية التابعة للعدو الإسرائيلي في منطقة النقب جنوبي فلسطين المحتلة.
وأوضح أن القوة الصاروخية نفذت العملية بصاروخ باليستي فرط صوتي “فلسطين 2″، وأن العملية حققت هدفها بنجاح.. مؤكدا أنه ورداً على جرائم العدو الصهيوني في غزة ولبنان ستواصل القوات المسلحة اليمنية عملياتها العسكرية، وأن هذه العمليات لن تتوقف إلا بوقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة ووقف العدوان على لبنان.
https://www.yamanyoon.com/wp-content/uploads/2024/11/مسيرة-حاشدة-في-السبعين.mp4 https://www.yamanyoon.com/wp-content/uploads/2024/11/بيان-المسيرة.mp4 https://www.yamanyoon.com/wp-content/uploads/2024/11/بيان-القوات-المسلحة-23-1.mp4