فَرَضَ اللهُ عَلَينا الْحَجَّ مَعَ الْاِسْتِطَاعَةِ، وَجَعَلَهُ نَافِلَةً بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا».
وَالْحَجُّ إِلى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، إِحْيَاءٌ لمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ حِينَ نَادَى بِالْحَجِّ لِيَأْتُوا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ • وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
وَفِي الْحَجِّ مَنَافِعُ شَتَّى، قَالَ تَعَالَى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، وَأَجْمَلَهَا رَبُّنَا – جَلَّ وَعَلَا – وَلَمْ يُحَدِّدْهَا ، لِيَدْخُلَ فِيْهَا ما لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى.
وَأَعْظَمُ مَنَافِعِ الْحَجِّ، وَأُسُّ أَسَاسِهَا، هُوَ : الْإِخْلَاصُ وَالتَّوْحِيدُ، وَالْبَرَاءُ مِنَ الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ؛ وَلِهَذَا بَدَأَ اللهُ بِهِ، فَقَالَ: (أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا). وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ.
فَالْحَجُّ يُعَرِّفُكَ بِاللهِ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ، فَهُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، فَاحْذَرْ أَنْ تَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِ اللهِ إِلى غَيْرِهِ أَوْ تَتَعَبَّدَ .
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ مِنْ خَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ رَبِّكُم: حَجًّا مَبْرُورًا لَا رِيَاءَ فِيهِ وَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا سُمْعَةَ، عَلَى هَدْي نَبِيِّ الْأُمَّةِ الْقَائِلِ: : «خُذُوا عَنِيَّ مَنَاسِكَكُمْ»، لَا يَشُوبُهُ مُخَالَفَةٌ وَلَا بِدْعَةٌ، وَصَاحِبُهُ هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى مَكَّةَ لِوَاذًا، وَيَحُجُّونَ بِلَا تَصْرِيحٍ بَعِيدُونَ عَنْ مَسَالِكِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
وَقَدْ أَوْضَحَتْ هَيْئَةُ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّهَابُ إِلَى الْحَجِّ دُونَ أَخْذِ تَصْرِيحٍ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ، فِي بَيَانٍ أَصْدَرَتْهُ، وَمِمَّا جَاءَ فِيهِ مُلَخَّصًا:
لَقَدْ شَرَّفَ اللهُ – عَزَّ وَجَلَّ – هَذِهِ الْبِلَادَ الطَّيِّبَةَ الْمُبَارَكَةَ – الْمَمْلَكَةَ الْعَرَبِيَّةَ السُّعُودِيَّةَ – قِيَادَةً وَشَعْبًا، بِخِدْمَةِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، فَقَامَتْ بِمَسْؤُولِيَّتِهَا هَذِهِ – بِحَمْدِ اللهِ – خَيْرَ قِيَامٍ، وَتَجَلَّى ذَلِكَ: فِي مَشْرُوعَاتِ التَّوْسِعَةِ الْمُتَتَالِيَةِ وَتَنْفِيذِ الْبُنَى التَّحْتِيَّةِ، وَشَقِّ الطُّرُقَاتِ وَالْأَنْفَاقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّصِلُ بِالْخِدْمَاتِ الْمُقَدَّمَةِ لِقَاصِدِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ.
كَمَا تَجَلَّى ذَلِكَ : فِي الْأَنْظِمَةِ وَالتَّعْلِيمَاتِ الَّتِي تَهْدِفُ إِلَى تَرْتِيبِ اسْتِقْبَالِ الْحُجَّاجِ وَالْعُمَّارِ وَالزُّوَّارِ، وَمِنْ ذَلِكَ: اسْتِخْرَاجُ تَصْرِيحِ الْحَجِّ.
وَقَدِ اطَّلَعَتْ هَيْئَةُ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا عَرَضَهُ مَنْدُوبُو ( وِزَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَوِزَارَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالْهَيْئَةِ الْعَامَّةِ لِلْعِنَايَةِ بِشُؤُونِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ) مِنْ تَحَدِّيَاتٍ وَمَخَاطِرَ عِنْدَ عَدَمِ الْاِلْتِزَامِ بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيحِ، إِزَاءَ ذَلِكَ تُوَضِّحُ الْهَيْئَةُ إِنَّ الْإِلْزَامَ بِاسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ مُسْتَنِدٌ إِلَى مَا تُقَرِّرُهُ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ مِنَ التَّيْسِيرِ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْقِيَامِ بِعِبَادَتِهِمْ وَشَعَائِرِهِمْ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
كما إِنَّ الْاِلْتِزَامَ بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيحِ لِلْحَجِّ هُوَ مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، وَقَالَ: «عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، كُلُّهَا تُؤَكِّدُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَحُرْمَةِ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ.
وَالْاِلْتِزَامُ بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيحِ مِنَ الطَّاعَةِ فِي الْمَعْرُوفِ، يُثَابُ مَنِ الْتَزَمَ بِهِ، وَيَأْثُمُ مَنْ خَالَفَهُ، وَيَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الْمُقَرَّرَةَ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ.
كما اطَّلَعَتِ الْهَيْئَةُ عَلَى الْأَضْرَارِ الْكَبِيرَةِ وَالْمَخَاطِرِ الْمُتَعَدِّدَةِ حَالَ عَدَمِ الْاِلْتِزَامِ بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيحِ مَا يُؤَثِّرُ عَلَى سَلَامَةِ الْحُجَّاجِ وَصِحَّتِهِمْ.
وَذَلِكَ يُوَضِّحُ: أَنَّ الْحَجَّ بِلَا تَصْرِيحٍ لَا يَقْتَصِرُ الضَّرَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ عَلَى الْحَاجِّ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَمَنِ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا أَنَّ الضَّرَرَ الْمُتَعَدِّيَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنَ الضَّرَرِ الْقَاصِرِ، قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
وَبِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ إِيْضَاحُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّهَابُ إِلَى الْحَجِّ دُونَ أَخْذِ تَصْرِيحٍ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ حَجَّ فَرِيضَةٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُكَلَّفُ مِنِ اسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ عَدَمِ الْمُسْتَطِيعِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: ال ا ل ت ز ام ع ل ى ال ال أ م ر ال ب ی ت ت ع ال ى
إقرأ أيضاً:
الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة يستعرض تجربة مصر في الإصلاح الإداري
شارك الدكتور صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، اليوم السبت، المتحدث الرئيسي في المؤتمر السنوي الذي تنظمه رابطة السياسات العامة والإدارة في الشرق الأوسط AMEPPA بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، بالتعاون مع مشروع الحوكمة الاقتصادية الممول من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية بالقاهرة تحت عنوان «الإدارة العامة والسياسات العامة المتغيرة».
تبني استراتيجية قادرة على الصمود
ويتبنى المؤتمر نهجا مبتكرا واستراتيجية قادرة على الصمود، بحضور الدكتور أحمد دلال، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الدكتورة نهى المكاوي، عميد كلية الشؤون العالمية والسياسات العامة بالجامعة، الدكتور أحمد درويش، وزير التنمية الإدارية الأسبق، الدكتورة ليلى البرادعي، رئيس الجمعية وأستاذ ورئيس قسم السياسة العامة والإدارة بالجامعة الأمريكية، السيد شون جونز، مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر، بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والدكتور أحمد طنطاوي، رئيس مركز الابتكار التطبيقي التابع لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ممثلا عن وزير الاتصالات، وأعضاء الجمعية من عدد من الدول.وشهدت الجلسة الافتتاحية كلمة مسجلة للدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
وأكد رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة اهتمام الدولة المصرية بإصلاح الجهاز الإداري، حيث بذلت الحكومات المتعاقبة جهوداً كثيرة في هذا الصدد، وأبرز هذه الجهود ما قامت به الحكومة المصرية في عام 2014، حتى تم تبني خطة الإصلاح الإداري ضمن استراتيجية للدولة لـ التنمية المستدامة 2030، بهدف الوصول إلى جهاز إداري كف وفعال ومحوكم يستطيع القيام بدوره التنموي ويعلي من رضاء المواطن، وهو ما تم ترجمته في محاور الخطة التنفيذية الخمسة للإصلاح الإداري.
محاور خطة الإصلاح الإداريوأبرز الدكتور صالح الشيخ، الدعم القوي الذي تحظى به عملية الإصلاح الإداري من القيادة السياسية، مستعرضًا محاور خطة الإصلاح الإداري التي تم وضعها بعد رفع واقع الإدارة العامة في الجهاز الإداري للدولة، وتم وضع محاور الخطة بشكل يحقق استهداف دقيق لعلاج المشكلات الإدارية، ولرفع كفاءة وحوكمة الجهاز الإداري للدولة.استعرض ما تم من إجراءات إصلاحية شاملة على مستوى المحاور الخمسة، وهو ما أسهم في تأمين تجربة انتقال الوزارات والمؤسسات المركزية إلى الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة بشكل سلس دون التأثير على سير العمل بهذه المؤسسات.
كما تطرق إلى محاور خطة الإصلاح الإداري للفترة من 2025- 2030 والجاري الانتهاء من إعدادها.
وأشاد الشيخ بدور موظفي الجهاز الإداري للدولة وما يقدمونه من خدمات، مؤكدا على أهمية حسن معاملة المواطنين، وأن ما تحقق في ملف الإصلاح الإداري وإن كان كثيراً إلا أن الطموحات أكبر والآمال المعقودة على إحراز المزيد من التقدم في هذا الملف أكثر اتساعاً ورحابه.