منذ بداية جائحة كوفيد، شهد الاقتصاد العالمى والمصرى سلسلة من الصدمات الاستثنائية التى دفعت معدلات التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود. زاد من أزمة الاقتصادى المصرى التدهور الكبير والسريع لقيمة الجنيه المصرى.

وبحلول منتصف عام 2022، بلغ التضخم 9.1% فى الولايات المتحدة، وسجل رقماً مزدوجاً قياسياً وصل إلى 10.

7% فى منطقة اليورو. وكانت هذه المستويات بعيدة عن المعدل المستهدف فى السياسات النقدية البالغ 2%. فى البداية، كانت البنوك المركزية مترددة فى الاستجابة لارتفاع الأسعار، نظراً للظروف الاستثنائية التى فرضتها الجائحة العالمية، ومخاطر حدوث انهيار اقتصادى أعمق. لكن، أصبح من الواضح أن ارتفاع التضخم لم يكن ظاهرة قصيرة الأجل، وهو ما دفع صناع السياسات للرد بقوة لخفض معدلات التضخم نحو المستويات المستهدفة.

وفى الولايات المتحدة، قام مجلس بنك الاحتياطى الفيدرالى برفع أسعار الفائدة الرسمية بمقدار 525 نقطة أساس إلى 5.5%. وشرع البنك المركزى الأوروبى فى تنفيذ دورة تشديد قياسية برفع سعر إعادة التمويل الرئيسى بمقدار 450 نقطة أساس إلى 4.5%. بالإضافة إلى ذلك، بدأت البنوك المركزية فى عكس مسار عمليات الشراء الكبيرة للأصول التى تم تنفيذها خلال جائحة كوفيد لضخ السيولة فى النظام المالى.

وأدت هذه السياسات النقدية إلى تشديد الأسواق المالية فى الاقتصادات المتقدمة. يُعد مؤشر الأوضاع المالية فى الاقتصادات المتقدمة من بين المقاييس المفيدة ويوفر مؤشراً مجدياً من خلال الجمع بين المعلومات المتعلقة بأسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل، فضلاً عن هوامش الائتمان وأسعار الأسهم. ويُبين المؤشر أن الأسواق كانت فى أعلى مستويات التشديد فى أكتوبر 2023. ومع ذلك، فى ظل تعزيز معدلات التضخم اتجاهاتها الهبوطية واطمئنان المحللين للمستويات الإيجابية المسجلة للتضخم، بدأت الأسواق فى استيعاب نهاية دورات التشديد النقدى وتحسنت الأوضاع المالية.

وعلى المستوى المحلى تجتمع لجنة السياسة النقدية يوم 18 يوليو المقبل للنظر فى أسعار الفائدة، فى ظل تباطؤ معدلات التضخم خلال الفترة الماضية.

ويعتبر تحقيق استقرار الأسعار أحد الأهداف الأساسية للبنك المركزى المصرى حسب اختصاصاته فى إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة، وفقاً لقانون البنك المركزى رقم 194 لسنة 2020.

لتحقيق استقرار الأسعار يقوم البنك المركزى حالياً بتحويل إطار سياسته النقدية إلى نظام مرن لاستهداف التضخم حيث تعمل توقعات التضخم كهدف وسيط.

والتضخم هو ارتفاع فى المستوى العام لأسعار السلع والخدمات، ويعتبر الرقم القياسى لأسعار المستهلكين (CPI) هو المؤشر الأكثر شيوعاً واستخداماً، حيث يتتبع مستوى متوسط أسعار السلع والخدمات التى تستهلكها الأسرة، وبذلك فإن معدل تغير الرقم القياسى لأسعار المستهلكين فى المتوسط وبمرور الوقت يمثل التضخم.

وسجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذى أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى 10 يونيو 2024، سالب 0.7% فى مايو 2024 مقابل 2.7% فى ذات الشهر من العام السابق و1.1% فى أبريل 2024. وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم العام للحضر 28.1% فى مايو 2024 مقابل 32.5% فى أبريل 2024.

وسجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين، الذى يعده البنك المركزى، سالب 0.8% فى مايو 2024 مقابل 2.9% فى ذات الشهر من العام السابق و0.3% فى أبريل 2024. وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم الأساسى 27.1% فى مايو 2024 مقابل 31.8% فى أبريل 2024.

وهذا التراجع فى فى معدلات التضخم، إلى جانب التحديات التى يوجهها الاقتصاد المصرى داخلياً وخارجياً، والتوترات الجيوسياسية ستجعل لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى، تستمر فى تثبيت أسعار الفائدة حتى تتم السيطرة على التضخم وربما تتجه لخفض أسعار الفائدة خلال الربع الأخير من العام الحالى إذا ما تحسن وضع الاقتصاد المحلى، وتراجعت معدلات التضخم.

ويرى تحليل لبنك قطر الوطنى أن الأوضاع المالية ستستمر فى التحسن هذا العام على خلفية تخفيضات أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطى الفيدرالى والبنك المركزى الأوروبى، إلا أنها ستظل فى المنطقة المقيدة خلال الأرباع القليلة القادمة.

ويرى البنك أن هناك عاملين رئيسيين لاستمرار تقييد الأوضاع المالية، العامل الأول هو أنه على الرغم من التوقع أن تبدأ البنوك المركزية الكبرى فى خفض أسعار الفائدة فى عام 2024، إلا أنها ستكون حذرة فى وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة. وقد انخفضت آخر المستويات المسجلة للتضخم الرئيسى من ذروتها البالغة 9.1% و10.7% على التوالى، فى الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، إلى 3.5% و2.4%. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تستمر معدلات التضخم فى الاقتراب نحو مستوى 2% المستهدف فى ظل ضعف النمو الاقتصادى.

ويتوقع QNBأن بنك الاحتياطى الفيدرالى سيسمح بخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس إلى 5.0% والبنك المركزى الأوروبى بمقدار 100 نقطة أساس إلى 3.5% بحلول نهاية العام. ومع ذلك، فإن وتيرة تخفيض أسعار الفائدة هذه تعنى ضمناً أن أسعار الفائدة المرتفعة نسبياً ستظل كما هى خلال الأرباع القليلة القادمة.

ويضيف QNBأن ثانى العوامل هو استمرار البنك المركزى الأوروبى وبنك الاحتياطى الفيدرالى فى استنزاف السيولة فى الأنظمة المصرفية من خلال عكس مسار عمليات توسيع الميزانية العمومية التى تم تنفيذها خلال جائحة كوفيد. وللتخفيف من عواقب الجائحة، كانت البنوك المركزية فى الاقتصادات المتقدمة قد قامت بشراء كميات كبيرة من الأصول المالية من الأسواق. وقد تم تنفيذ هذه الاستراتيجية، التى يطلق عليها «التيسير الكمى»، بهدف ضخ السيولة فى النظام المالى، فضلاً عن المساهمة فى خفض أسعار الفائدة طويلة الأجل.

من أجل تطبيع الحجم غير المسبوق لميزانيته العمومية الناتج عن التيسير الكمى، بدأ بنك الاحتياطى الفيدرالى تخفيض الميزانية العمومية فى يونيو 2022، وقد خفض حجمها حتى الآن بمقدار 1.3 تريليون دولار أمريكى من الذروة البالغة 8.9 تريليون دولار أمريكى. وبالمثل، انخفضت أصول النظام الأوروبى (البنك المركزى الأوروبى بالإضافة إلى البنوك المركزية الوطنية فى منطقة اليورو) بمقدار 2 تريليون يورو من ذروتها البالغة 8.8 تريليون يورو. وستستمر عملية التطبيع هذه خلال عام 2024، مما سيقلل من السيولة الزائدة فى النظام المالى.

ويؤدى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض مستويات السيولة فى النظام المالى إلى تقييد توافر الائتمان للقطاع الخاص. تظهر أحدث استطلاعات الإقراض المصرفى فى الولايات المتحدة ومنطقة اليورو أن البنوك التجارية مستمرة فى تشديد معايير الإقراض الخاصة بها. علاوة على ذلك، تتقلص أحجام ائتمان القطاع الخاص فى أكبر اقتصادين متقدمين.

وانتهى التقرير إلى التوقع بأن يؤدى انخفاض السيولة جراء تطبيع الميزانيات العمومية للبنوك المركزية وأسعار الفائدة المقيدة إلى الحفاظ على الأوضاع المالية المشددة خلال الأرباع القليلة القادمة. وهذا من شأنه أن يحد من توافر الائتمان للشركات والأسر، وسيسهم فى تحقيق نمو اقتصادى أقل من الاتجاه السائد.

تؤكد التقارير المحلية والدولية إلى أن البنك المركزى المصرى سيستمر فى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغير هذا العام، على أن يبدأ التخفيض فى مطلع العام المقبل 2025

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: فى الولایات المتحدة لأسعار المستهلکین البنوک المرکزیة الأوضاع المالیة الرقم القیاسى أسعار الفائدة معدلات التضخم نقطة أساس إلى

إقرأ أيضاً:

نتيجة اجتماع البنك المركزي تحسم الجدل.. مصرفي يوضح أسباب تثبيت سعر الفائدة

كشف ماجد فهمي، الخبير المصرفي ورئيس بنك التنمية الصناعية، عن أسباب تثبيت سعر الفائدة على الإيداع والإقراض خلال أول اجتماعات البنك المركزي لعام 2025، وذلك بعد إعلان لجنة السياسة النقدية منذ قليل قرارها بالإبقاء على سعري العائد على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75%، على الترتيب، وكذلك الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%.

نتيجة اجتماع البنك المركزي اليوم وأسباب تثبيت أسعار الفائدة

وأوضح «فهمي»، في تصريحاته لـ«الوطن»، أن نتيجة اجتماع البنك المركزي اليوم، وهو أول اجتماعاته للعام 2025، كانت شبه محسومة، حيث كان من المرجح الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية للحفاظ على الودائع ومدخرات المصريين في البنوك بعائد مرتفع، إلى جانب دورها في استمرار خفض معدلات التضخم وفقًا للبيانات الرسمية المعلنة.

اجتماع البنك المركزي الأول لعام 2025 وحالة عدم يقين عالمي

وأشار إلى أن قرار تثبيت أسعار الفائدة في أول اجتماعات البنك المركزي لهذا العام لم يكن بمعزل عن التطورات العالمية، حيث تسود حالة من عدم اليقين الاقتصادي سواء في الدول المتقدمة أو النامية. وأضاف أن البنوك المركزية العالمية لن تبدأ جميعها في خفض الفائدة، إذ إن بعضها سيتريث قبل تبني سياسة نقدية أكثر تيسيرًا، بخلاف الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا والمركزي الأوروبي.

توقعات أسعار الفائدة واجتماعات البنك المركزي

وأشاد الخبير المصرفي بقرار تثبيت الفائدة عند مستوياتها الحالية وسط الضبابية التي تحيط بمعدلات النمو العالمي والتضخم، قائلًا: «تحسبًا لأي تطورات اقتصادية عالمية، ورأينا منذ صعود ترامب للمشهد السياسي العالمي العديد من التغيرات المتلاحقة».

مقالات مشابهة

  • للمرة السابعة | أسباب تثبيت سعر الفائدة .. تفاصيل
  • لماذا لجأ البنك المركزي لـ تثبيت سعر الفائدة؟ برلماني يجيب
  • مصر تقرر تثبيت الفائدة للمرة السابعة على التوالي
  • نتيجة اجتماع البنك المركزي تحسم الجدل.. مصرفي يوضح أسباب تثبيت سعر الفائدة
  • لماذا أبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير اليوم؟
  • تعرف على أسباب تثبيت لجنة السياسات التقدية لأسعار الفائدة في اجتماع اليوم
  • اجتماع البنك المركزي المصري.. أسعار الفائدة على بعد خطوات من التثبيت أو الخفض
  • خلال ساعات.. البنك المركزي يحسم سعر الفائدة.. وهذه توقعات المحللين
  • اليوم.. البنك المركزي يحسم مصير أسعار الفائدة في أول اجتماعاته لعام 2025
  • خبير مصرفي يكشف توقعات أسعار الفائدة في اجتماع البنك المركزي غدًا