لجريدة عمان:
2024-11-25@05:28:23 GMT

تهافتُ الوعي مَهْلَكة

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

لا شك أن للإنسان طاقات شتى يمكن سردها وتفصيل منطلقاتها وآثارها وإمكاناتها، لكن لا أعظم من ثنائية العقل والكلام، وإن كان الحديث عن العقل لا يقبل الأنماط المختلفة فإن للنطق أنماطا شتى تحملها الكلمة منطوقة أو مكتوبة أو حتى إشارة للتعبير عن مدلولات متعارف عليها، وكما يمكن لنا تخيل طاقة هذه الثنائية أوان توافق الشريكين (العقل والكلام) للخير والسلام وإعمار الكون بما فيه من مخلوقات عديدة ومكونات مختلفة، يمكن كذلك تخيل كمية الدمار أوان اختلافهما، أو أوان توجيههما لغير ذلك، فما المراد بالدمار المتخيل حال تصادم الشريكين أو حال استغلال أحدهما للآخر؟

لعلّ التنمر ظاهرة لها نصيب من سلبيات فشل التوافق بين كل من العقل والكلام حين يعبّر إنسان ما أو مجموعة من الناس عن لحظة انفعال قد يكون منطلقها الغيرة أو الحسد أو حتى مجرد تهالك في الوعي الفكري والأخلاقي حيث لا يحسن المرء حينها توظيف مهارات العقل في الربط المنطقي والتحليل الفكري للنتيجة فيتعجل في نطق أو كتابة أو تعبير عن انفعال ما قد يؤدي إلى كثير مما لا يمكن تصوره من آلام نفسية، وانفعالات عصبية، أو حتى تلبس للشعور بالتمييز أو الطبقية أو العنصرية، فضلا عما قد يتسع من آثار أخرى ناتجة عن تأخر الكلام عن منطق العقل، وتأخر التلقي عن مسار الوعي لينتهي الأمر بمشكلات أكبر متضمنة تحريضا أو تفريقا أو شحنا انفعاليا يصل في بعض آثاره إلى العنف أو الجريمة.

ورغم أن التنمر في الأصل مصطلح حديث يعبّر به تربويا عن «أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر، أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة، وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًّا أو لفظيًّا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ» وفقا لتعريف منظمة اليونيسف، فإنه تجاوز الأطفال ليشمل الأقليات والفئات الخاصة وغيرهم من الأفراد أو حتى الجماعات التي من الممكن أن تقع ضحية لاستهداف اجتماعي ممنهج بغية إسقاط الحضور الاجتماعي، والعزلة المؤقتة أو الدائمة الناتجة عن فعل التنمر، وقد سمعنا وقرأنا كثيرا عن حالات انكفاء وتقهقر؛ فردية أو جماعية جراء التنمر المُستهدِف هدم الشخصية، ذلك الانكفاء قد يتمثل في عزلة وصمت، وقد يتجاوز ذلك إلى ردود فعل أقوى يمكن أن تصل إلى الانتحار (كما حدث مؤخرا مع مراهقة فلسطينية في الخامسة عشرة من عمرها مصابة بالبهاق تعرَّضت للتنمر طويلا مما دفعها إلى إنهاء حياتها) ويمكن أن تتمثل في أعمال عنف موجهة ضد الأفراد والجماعات أو حتى المؤسسات إن وافق ذلك التنمر والاستهداف من جهة هشاشة في الثقة وضعفا في الوعي لدى الجهة الأخرى.

وإن شئنا مواجهة هذه الظاهرة -الناتجة عن تأخر استيعاب الوعي رسائل العقل أو تعطيلها لتغليب قوة التعبير السلبية الجارحة- فلا مناص من العودة لأسبابها ومبرراتها التي يأتي في صدارتها الفراغ. إن حالة الفراغ هي بيئة مناسبة لإرسال واستقبال التنمر إذ تمنح المتنمر فسحة الاستهداف وتصيّد الأخطاء والضحايا، كما تلقي على الضحايا سطحية الوعي وضعف الثقة وهشاشة رد الفعل، ومن المؤسف أن تدعم التقنية الحديثة متضمنة وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي ظاهرة التنمر الممنهج ليصير بالإمكان تعميق أثر التنمر عبر سرعة النشر وعموميته، إضافة إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي الحالية في تزييف الحقائق وتلبس الحالات لنجد صوتا حقيقيا هو غير حقيقي في الواقع، ومشهدا مدججا بأدلة بصرية متضمنة شخصيات أو وقائع هي غير حقيقية في الواقع، وقد يقول قائل هنا: إن التقنية قادرة على تبين الحقيقة بعد التقصي والبحث، وهو قول حق لولا أنه لم يضع اعتبارا لسرعة إحداث الأثر بعد وقوع الأمر، ولم يضع اعتبارا أو أهمية لما لا يمكن إعادته سيرته الأولى، أو جبره كأن لم يكن كالألم وترسبات الغصة والخذلان والانكسار والانطفاء حتى ولو ثبت الزيف بعد أمد، كما لا يمكن إعادة ميت للحياة سواء كان هذا الميت جسدا أو روحا أو طاقات معرفية فكرية اجتماعية.

ختاما: لا بد من تعزيز الوعي بكثير من قوة المعرفة، لا بد من تفهم وتقبل المختلف مع إدراك قوة التكامل المبني على ذلك الاختلاف، ثم شغل العقل بما ينبغي الانشغال به من أولويات متعلقة بالإنسان والتنمية بعيدا عن تشتيت الرأي العام وشغل العامة بتوافه عتيقة يعرف الكل مغبّتها، وسخائف مستهلكة لفظها التاريخ كما لفظها الواقع المعاصر، لا بد من إدراك وإدانة أي توجه لتصنيع معارك وهمية «طواحين الهواء» استنزافا لطاقة الأفراد والمجتمعات في نزاعات تافهة وتصادمات يومية لصرفهم (قصدا أو جهلا) عن أولويات وطنية، مجتمعية إنسانية جديرة بالتحليل والنقاش والتدبر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أو حتى

إقرأ أيضاً:

تعرّف على العقل المدبر لأكثر الهجمات تعقيدا ضد القوات الأمريكية خلال حرب العراق

كشفت عدد من الصحف الأمريكية، عبر تقارير لها، أن "غارة جوية إسرائيلية على سوريا، مؤخرا، قد أسفرت عن مقتل علي موسى دقدوق"، وهو الذي يعرف بكونه قائدا كبيرا في حزب الله اللبناني، وساعد في هجمات ضد القوات الأمريكية خلال حرب العراق.

من بين الصحف شبكة "إن بي سي"، التي أوردت تصريحا لمسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية كشف عن الغارة الجوّية، فيما لم توضّح أي تفاصيل تخصّ الغارة، سواء فيما يتعلق بالزمان أو المكان، أو ما إذا كانت قد استهدفت دقدوق بشكل محدد. فيما لم يرد المتحدث باسم البنتاغون، على طلب الشبكة الأمريكية للتعليق. 

وفي السياق نفسه، كان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أبرز في حديثه لوكالة "فرانس برس" في الـ11 من الشهر الجاري، أنّ "دقدوق مسؤول ملف الجولان في حزب الله أصيب جراء غارة إسرائيلية، استهدفت منطقة السيدة زينب، جنوب دمشق، في الـ10 من نوفمبر".

وبحسب المرصد نفسه، فإن الغارة استهدفت مبنى تقطنه عائلات لبنانية، وعناصر من حزب الله، وأسفرت عن مقتل تسعة أشخاص بينهم قيادي آخر من الحزب، من دون تحديد هويته". فيما قال مصدر أمني لبناني لـ"فرانس برس" إنّ "دقدوق أصيب، لكنه لم يقتل".

من هو دقدوق؟
انضم دقدوق إلى حزب الله اللبناني، خلال عام 1983، وبعد فترة وجيزة تمّ تعيينه لقيادة وحدة العمليات الخاصة للحزب في لبنان، وذلك وفقا لمعلومات نشرها معهد دراسات الحرب، في وقت سابق.

دقدوق، سرعان ما ارتقى في الرتب بقلب حزب الله، وعمل على تنسيق العمليات في قطاعات كبيرة من لبنان، وكان أيضا مسؤولا عن تنسيق الأمن الشخصي لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، الذي استشهد في غارة جوية للاحتلال الإسرائيلي، عام 2024 الجاري.

وكان الجيش الأمريكي أعلن القبض على دقدوق، خلال تموز/ يوليو من عام 2007، في جنوب العراق. فيما أكدت الولايات المتحدة أنه "يعتبر عنصرا في حزب الله، جاء إلى العراق، من أجل تدريب عناصر بمساعدة فيلق القدس، وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني".

الولايات المتحدة، اتّهمت دقدوق بـ"بالضلوع في هجوم حصل في كانون الثاني/ يناير 2007 في مدينة كربلاء، جنوب بغداد، وقتل فيه مسلحون جنديا أمريكيا، وخطفوا أربعة آخرين، قبل أن يقتلوا لاحقا".

آنذاك، قالت الولايات المتحدة إن "قيادة حزب الله اللبناني أرسلت دقدوق في عام 2005 إلى إيران، من أجل العمل مع فيلق القدس على تدريب متطرفين عراقيين".


العراق أطلق سراحه
وقبيل انسحابها من العراق خلال عام 2011، كانت واشنطن قد أعلنت عن تسليم دقدوق إلى السلطات العراقية، وذلك عقب حصولها على ضمانات من الحكومة العراقية، بأنه "سوف يلاحق على جرائمه". حيث كان دقدوق آخر معتقل تسلّمه الولايات المتحدة إلى بغداد، قبل أن تنسحب من البلاد.

وفيما أوضح مسؤول أمريكي طلب عدم كشف اسمه، آنذاك، لـ"فرانس برس" أن "الحكومة العراقية رفضت أي حديث عن ترحيله إلى غوانتانامو". وقرّرت المحكمة الجنائية المركزية العراقية في 2012 إطلاق سراح دقدوق "لعدم توفر أي دليل لإدانته، ليعود لبيروت بعدها".

مقالات مشابهة

  • نصائح لطفلك لمواجهة التنمر.. 8 علامات تشير إلى تعرضه لسلوكيات عدوانية
  • شيخ العقل: لتكثيف جهود المجتمع الدولي من اجل وقف العدوان
  • "اختلافنا مش بيفرقنا".. حملة تهدف إلى مكافحة التمييز والتنمر ضد الأطفال
  • تفاصيل إطلاق حملة «اختلافنا مش بيفرقنا» لمكافحة التنمر وتعزيز ثقافة التقبل
  • تعرّف على العقل المدبر لأكثر الهجمات تعقيدا ضد القوات الأمريكية خلال حرب العراق
  • النزعة الإنسانية
  • أين تقف .. مع مليشيات الجيش أم مليشيا الدعم السريع؟
  • التنمر الالكتروني.. كتاب جديد للأستاذ الدكتور عمار عباس الحسيني
  • 9 عادات خبيثة تضعف العقل.. احذر منها
  • القراءة في عقل الأزمة