لجريدة عمان:
2024-07-09@19:06:25 GMT

تهافتُ الوعي مَهْلَكة

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

لا شك أن للإنسان طاقات شتى يمكن سردها وتفصيل منطلقاتها وآثارها وإمكاناتها، لكن لا أعظم من ثنائية العقل والكلام، وإن كان الحديث عن العقل لا يقبل الأنماط المختلفة فإن للنطق أنماطا شتى تحملها الكلمة منطوقة أو مكتوبة أو حتى إشارة للتعبير عن مدلولات متعارف عليها، وكما يمكن لنا تخيل طاقة هذه الثنائية أوان توافق الشريكين (العقل والكلام) للخير والسلام وإعمار الكون بما فيه من مخلوقات عديدة ومكونات مختلفة، يمكن كذلك تخيل كمية الدمار أوان اختلافهما، أو أوان توجيههما لغير ذلك، فما المراد بالدمار المتخيل حال تصادم الشريكين أو حال استغلال أحدهما للآخر؟

لعلّ التنمر ظاهرة لها نصيب من سلبيات فشل التوافق بين كل من العقل والكلام حين يعبّر إنسان ما أو مجموعة من الناس عن لحظة انفعال قد يكون منطلقها الغيرة أو الحسد أو حتى مجرد تهالك في الوعي الفكري والأخلاقي حيث لا يحسن المرء حينها توظيف مهارات العقل في الربط المنطقي والتحليل الفكري للنتيجة فيتعجل في نطق أو كتابة أو تعبير عن انفعال ما قد يؤدي إلى كثير مما لا يمكن تصوره من آلام نفسية، وانفعالات عصبية، أو حتى تلبس للشعور بالتمييز أو الطبقية أو العنصرية، فضلا عما قد يتسع من آثار أخرى ناتجة عن تأخر الكلام عن منطق العقل، وتأخر التلقي عن مسار الوعي لينتهي الأمر بمشكلات أكبر متضمنة تحريضا أو تفريقا أو شحنا انفعاليا يصل في بعض آثاره إلى العنف أو الجريمة.

ورغم أن التنمر في الأصل مصطلح حديث يعبّر به تربويا عن «أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر، أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة، وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًّا أو لفظيًّا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ» وفقا لتعريف منظمة اليونيسف، فإنه تجاوز الأطفال ليشمل الأقليات والفئات الخاصة وغيرهم من الأفراد أو حتى الجماعات التي من الممكن أن تقع ضحية لاستهداف اجتماعي ممنهج بغية إسقاط الحضور الاجتماعي، والعزلة المؤقتة أو الدائمة الناتجة عن فعل التنمر، وقد سمعنا وقرأنا كثيرا عن حالات انكفاء وتقهقر؛ فردية أو جماعية جراء التنمر المُستهدِف هدم الشخصية، ذلك الانكفاء قد يتمثل في عزلة وصمت، وقد يتجاوز ذلك إلى ردود فعل أقوى يمكن أن تصل إلى الانتحار (كما حدث مؤخرا مع مراهقة فلسطينية في الخامسة عشرة من عمرها مصابة بالبهاق تعرَّضت للتنمر طويلا مما دفعها إلى إنهاء حياتها) ويمكن أن تتمثل في أعمال عنف موجهة ضد الأفراد والجماعات أو حتى المؤسسات إن وافق ذلك التنمر والاستهداف من جهة هشاشة في الثقة وضعفا في الوعي لدى الجهة الأخرى.

وإن شئنا مواجهة هذه الظاهرة -الناتجة عن تأخر استيعاب الوعي رسائل العقل أو تعطيلها لتغليب قوة التعبير السلبية الجارحة- فلا مناص من العودة لأسبابها ومبرراتها التي يأتي في صدارتها الفراغ. إن حالة الفراغ هي بيئة مناسبة لإرسال واستقبال التنمر إذ تمنح المتنمر فسحة الاستهداف وتصيّد الأخطاء والضحايا، كما تلقي على الضحايا سطحية الوعي وضعف الثقة وهشاشة رد الفعل، ومن المؤسف أن تدعم التقنية الحديثة متضمنة وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي ظاهرة التنمر الممنهج ليصير بالإمكان تعميق أثر التنمر عبر سرعة النشر وعموميته، إضافة إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي الحالية في تزييف الحقائق وتلبس الحالات لنجد صوتا حقيقيا هو غير حقيقي في الواقع، ومشهدا مدججا بأدلة بصرية متضمنة شخصيات أو وقائع هي غير حقيقية في الواقع، وقد يقول قائل هنا: إن التقنية قادرة على تبين الحقيقة بعد التقصي والبحث، وهو قول حق لولا أنه لم يضع اعتبارا لسرعة إحداث الأثر بعد وقوع الأمر، ولم يضع اعتبارا أو أهمية لما لا يمكن إعادته سيرته الأولى، أو جبره كأن لم يكن كالألم وترسبات الغصة والخذلان والانكسار والانطفاء حتى ولو ثبت الزيف بعد أمد، كما لا يمكن إعادة ميت للحياة سواء كان هذا الميت جسدا أو روحا أو طاقات معرفية فكرية اجتماعية.

ختاما: لا بد من تعزيز الوعي بكثير من قوة المعرفة، لا بد من تفهم وتقبل المختلف مع إدراك قوة التكامل المبني على ذلك الاختلاف، ثم شغل العقل بما ينبغي الانشغال به من أولويات متعلقة بالإنسان والتنمية بعيدا عن تشتيت الرأي العام وشغل العامة بتوافه عتيقة يعرف الكل مغبّتها، وسخائف مستهلكة لفظها التاريخ كما لفظها الواقع المعاصر، لا بد من إدراك وإدانة أي توجه لتصنيع معارك وهمية «طواحين الهواء» استنزافا لطاقة الأفراد والمجتمعات في نزاعات تافهة وتصادمات يومية لصرفهم (قصدا أو جهلا) عن أولويات وطنية، مجتمعية إنسانية جديرة بالتحليل والنقاش والتدبر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أو حتى

إقرأ أيضاً:

نور حازم: مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء هدفه نشر الوعي البيئي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تحدثت نور حازم، منسق مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء، عن انطلاق فاعليات الدورة الأولى لمهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء، قائلة إن المهرجان يهدف إلى نشر الوعي البيئي ويركز على موضوع التحول العادل فيما يتعلق بالبيئة، موضحة أن المهرجان يضم أفلاما من دول عدة غير مصر، كالجزائر والمغرب والعراق، كما يقوم بتسليط الضوء على الفئات المهمشة في المجتمع، والتي تتأثر بالتغير المناخي فضلا عن كيفية الأخذ بأيدي هذه الفئات إلى التحول العادل «أي التحول إلى الصناعات والأشغال الخضراء».

وأضافت «حازم»، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «صباح الخير يا مصر» تقديم الإعلاميين جومانا ماهر ومحمد الشاذلي عبر القناة الأولى والفضائية المصرية، أنه يتم اختيار الأفلام التي تشارك في المهرجان من خلال ثلاث معايير أساسية، وهم المعيار السينيمائي، والمسئول عنه أحمد نبيل مدير السينما وأيضاً المعيار الاجتماعي الذي يحدد مدى اجتماعية الفيلم والمسئولة عنه ياسمين حسين باحثة اجتماعية، والأخير هو البيئي، والمسئول عن تغطية القضايا البيئية بشكل موضوعي، وتسليط الضوء على تأثير تغير المناخ، فضلاى عن دقة المعلومات.

وأكدت منسق مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء، أنه ليس بالضرورة أن يقدم الفيلم حل للمشكلة المطروحة، لأنه بالفعل توجد أفلام تسلط الضوء على المشكلة وتلهم الناس في التفكير لحلها كما توجد أفلام تقدم حلولا بشكل مباشر.

وتتطلع، إلى انطلاق المهرجان كل عام في نفس التوقيت، علاوة على إنشاء تعاون مع مهرجانات أخرى مع توسيع الدول المشاركة مثل حوض البحر المتوسط، مضيفة أن تخصص المهرجان في السينما أكثر ما يميزه، فلا يوجد مهرجان مختص بملف البيئة فقط.

كما أوضحت، أنهم قبل انطلاق المهرجان قد أطلقوا فاعلية تسمى سينما خضراء من خلال عرض الأفلام التي تتم في مراكز ثقافية ولكن كانت معظم هذه الأفلام مترجمة، مضيفة أنه في الدورة الثانية سيتم التكامل بين الدورتين حتى يتم تحقيق أكبر عدد من مشاهدة الأفلام.

مقالات مشابهة

  • الأسطورة ومساءلة الوعي
  • نصائح القومي للطفولة والأمومة لمساعدة الأطفال في التغلب على التنمر
  • مؤشرات إيجابية لتحسن الوعي تجاه الصحة النفسية في سلطنة عمان
  • “زين” عزّزت الوعي بأهمية حماية البيئة البحرية
  • "رواء".. مبادرة مجتمعية لسقيا الماء في الأحساء
  • امتلاك (الوعي) أحد مفاتيح سنن التغيير الجذري..
  • تعزيز الوعي بالقيادة المرورية الآمنة
  • خبير تقنية يوضح تأثيرات الذكاء الاصطناعي على العقل البشري
  • إطلاق الدورة الثانية لمجلس الشباب العربي للتغير المناخي
  • نور حازم: مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء هدفه نشر الوعي البيئي