الأسبوع:
2025-03-28@08:23:09 GMT

مأزق أردوغان

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

مأزق أردوغان

رغم أن تركيا تملك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، وتمتلك موقعًا استراتيچيًّا هامًّا تربط به بين القارات الثلاثة آسيا وإفريقيا وأوروبا، فإنها تعرضت لخذلان أعضاء الناتو، خاصة أمريكا وفرنسا واليونان وألمانيا. ويمكن تلخيص الخلاف مع أمريكا في إمداد حزب العمال الكردستاني بأسلحة حديثة من قِبل واشنطن، مع دعم مباشر لما يُسمى حركة سوريا الديمقراطية الكردية، وهي الظهير السياسي لهذا الحزب، وأوقفتِ الولايات المتحدة الأمريكية التعاون مع تركيا في إنتاج طائرات إف ٣٥ احتجاجًا على حصول أنقرة على صفقة صواريخ إس ٤٠٠ من روسيا.

وتتخذ فرنسا موقفًا عدائيًّا ضد تركيا على أسس دينية وتاريخية. وفيما تَعتبر تركيا حماس حركةَ مقاومةٍ وطنيةً، يَعُدها الاتحاد الأوروبي وأمريكا منظمةً إرهابية. وفي ظل تلك التباينات برز الدور الهام لتركيا بعد الخلافات الكبيرة لدول الناتو مع روسيا، حيث تُعَد تركيا الدولةَ الأهم استراتيچيًّا في الحرب ضد روسيا، لقربها من موسكو أولًا، ولوجود قواعد عسكرية للناتو في تركيا ثانيًا مثل قاعدة انجرليك. وضعت كل تلك التحديات رجب طيب أردوغان في مأزق كبير: فإما أن ينخرط مع حلف الناتو بالحرب القادمة على روسيا وتصبح الأراضي التركية ميدانَ حرب، مما يعرِّضها للدمار بشكل كامل إذا ما استُخدمت أسلحة الدمار الشامل في الحرب القادمة.. أو أن ينسحب من حلف الناتو، وهو ما يعني وضع بلاده في مواجهة شامله مع الحلف. يضيق إذًا الخناق على أردوغان الذي يحاول حتى الآن لعب دور الوسيط الدولي بين روسيا ودول الناتو، وقاد مبادرة مبكرة للسلام بين الطرفين ولكنها فشلت للتعنت الأمريكي، وتشير الدلائل إلى عدم السماح لأردوغان بلعب هذا الدور حال اندلاع الحرب. ويرى المراقبون أن أردوغان أمامه فرصة وحيدة وهي تشكيل حلف عسكري وسياسي جديد يدعو للسلام ويقف ضد نشوب حرب عالمية ثالثة، وهو الحلف الذي يتشكل من دول لا تقع تحت العباءة الأمريكية أو الروسية، ويشبه حركة عدم الانحياز التي أسستها دول العالم الثالث في مؤتمر باندونج عام 1955، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه نظرًا لتشكيل هذا الحلف من معظم دول عدم الانحياز التي يأتي على رأسها: تركيا، مصر، السعودية، باكستان، جنوب إفريقيا، إندونيسيا، بنجلاديش، البرازيل، الهند.وهذا الحلف هو المخرج أيضًا لتلك الدول التي ستمارس عليها الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطًا عسكرية وسياسية واقتصادية للانضمام لتحالفها ضد روسيا في الحرب القادمة، خاصة وأن دولة مثل السعودية التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم ستكون مطمعًا للسيطرة الأمريكية الأوروبية، إضافة إلى جميع الممرات البحرية في منطقتنا العربية باعتبارها طريق سلاسل الإمداد العالمية. مأزق أردوغان إذًا هو صورة مصغرة لمأزق جميع تلك الدول، وإن كان أكثرها تعقيدًا.

المصدر: الأسبوع

إقرأ أيضاً:

نهاية وهم السلطان: تركيا بين إرادة الشعب ومأزق الطاغية

في زمنٍ تتكاثف فيه مظاهر التشظي والهشاشة تحت وطأة أنظمةٍ تتقن فنون السيطرة، يبرز رجب طيب أردوغان ليس كحاكمٍ مستبدٍّ فحسب، بل كظاهرةٍ تُجسد انزياحات السلطة الحديثة، التي لم تعد ترتكز على القمع المباشر، بل على هندسة الطاعة وإنتاج الولاء عبر آلياتٍ مُركّبة. هذا الواقع المأزوم الذي تعيشه تركيا اليوم ليس وليد الصدفة، بل هو امتدادٌ لعقودٍ من التحولات البنيوية في علاقتها بالدولة، بالعسكر، بالمجتمع، وبالخارج.

وُلد أردوغان في 26 فبراير 1954 في إسطنبول، وتعود أصوله إلى ريزة، مدينة البحر الأسود التي كانت معقلًا للعائلات المحافظة ذات الارتباط العاطفي بالخلافة العثمانية. تخرّج في ثانوية الأئمة والخطباء عام 1973، ثم درس الاقتصاد في جامعة مرمرة، لكنه لم يكن اقتصاديًا بقدر ما كان لاعبًا بارعًا في المناورات السياسية. صعوده من بلدية إسطنبول عام 1994 إلى قمة هرم الدولة عام 2002 لم يكن مجرد انتصارٍ انتخابي، بل كان تحولًا في بنية الحكم نفسها، حيث أزاح العسكر بالتدريج، وخلق نظامًا يُعيد إنتاج نفسه عبر شبكاتٍ اقتصاديةٍ ودينيةٍ وإعلاميةٍ متداخلة.

لا يمكن فهم هذه الهيمنة دون العودة إلى إرث “الكمالية”، التي صنعت دولةً حديثةً ولكن على قاعدةٍ استبدادية، حيث ظل الجيش هو الحَكَم النهائي في الصراعات الداخلية.
حين جاء أردوغان، لم يسعَ إلى تفكيك هذا النموذج، بل إلى إعادة توجيهه لمصلحته. استخدم الديمقراطية كأداة عبور، وحين رسّخ سلطته، بدأ في تفريغها من محتواها، تمامًا كما فعلت الأنظمة السلطوية الأخرى، التي تتقن لعبة “الانتخابات بلا ديمقراطية”.

ما يميز مشروعه ليس فقط استبداده، بل قدرته على تطويع خصومه وإعادة تعريف “العدو” وفق الحاجة السياسية. في البداية، كان الجيش هو الخصم، وبعد تحييده، صار الأكراد هم العدو الداخلي، ثم جاء الدور على المعارضة العلمانية. الآن، ومع اقتراب زوال الهالة التي أحاط بها نفسه، يلوّح مجددًا بفزاعة “المؤامرة الخارجية”، متهمًا الغرب و”القوى غير المرئية” بمحاولة إسقاطه.

المواطن التركي اليوم يعيش حالةً من التشظي النفسي بين تطلعاته نحو الديمقراطية، والواقع القمعي الذي يرسّخه النظام. لم يعد الاستبداد يُمارَس عبر أدوات القهر المباشر فقط، بل عبر خلق واقعٍ زائف، تُعاد فيه صياغة الأحداث والتاريخ والرموز.
الإعلام الرسمي والموجه لا يكتفي بتبرير السياسات، بل يعمل على إنتاج “ذاكرة مشروطة”، تُعيد تعريف الوطنية، العدو، وحتى مفاهيم العدالة والحرية.

في هذا السياق، يمكن فهم التناقضات في الخطاب الشعبي التركي: كيف يمكن أن يكون أردوغان زعيمًا إسلاميًا، بينما ابنه متورطٌ في قضايا فسادٍ مرتبطةٍ بداعش؟ كيف يمكن أن يدّعي الاستقلال عن الغرب، بينما تركيا عضوٌ في الناتو وقواعده تنتشر على أراضيها؟ كيف يمكن أن يُنظّر ضد “الهيمنة الاقتصادية”، بينما الاقتصاد التركي رهينةٌ للبنوك الدولية؟ هذا ليس تناقضًا بالمعنى التقليدي، بل هو نتيجة “هسيس” طويل من التلاعب الإدراكي، حيث يصبح القمع غير مرئي، ويتحول الخضوع إلى قناعةٍ داخلية، بل وإلى جزءٍ من الهوية الوطنية نفسها.

لطالما كان الاقتصاد هو السلاح الأهم بيد أردوغان. في سنواته الأولى، روّج لنموذج “النهضة الاقتصادية”، حيث شهدت تركيا ارتفاعًا في معدلات النمو والاستثمار، لكن هذا الانتعاش لم يكن قائمًا على إنتاجٍ حقيقي، بل على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، والديون، والخصخصة العشوائية. مع تعاظم الأزمة الاقتصادية، بدأ المواطن التركي يواجه الوجيف الحقيقي للواقع: تراجع الليرة، ارتفاع معدلات البطالة، وتضخم لم يعد ممكنًا تغطيته بالشعارات. المفارقة أن الدولة، التي كانت تُسوَّق كنموذجٍ إسلاميٍّ ناجح، باتت اليوم مثالًا لانهيارٍ اقتصاديٍّ لا يختلف كثيرًا عما شهدته دولٌ أخرى تحكمها أنظمةٌ مشابهة.

لم يكن الفساد مجرد عرضٍ جانبيٍّ لحكم أردوغان، بل كان جزءًا من بنيته العميقة. تورّط نجله، بلال أردوغان، في شبكةٍ معقدةٍ من الفساد، حيث وُجهت له اتهاماتٌ بالتعامل مع داعش في بيع النفط، فضلًا عن استغلاله علاقات والده لعقد صفقاتٍ مشبوهة. هذه الفظاعات لم تكن استثناءً، بل كانت انعكاسًا لمنظومةٍ رأت في الدولة مشروعًا عائليًا. أما على المستوى الدولي، فقد كانت حادثة خاشقجي مثالًا حيًا على البراغماتية الأردوغانية. كان يمكن لتركيا أن تمنع الجريمة، لكنها لم تفعل، لأن الحدث كان كنزًا استراتيجيًا. سمحت بهدوءٍ، ثم استخدمته كورقة مساومة، وهذا يعكس عقليةً ترى السياسة كمزيجٍ من الاستغلال والمساومة لا أكثر.

ما يحدث اليوم في تركيا ليس مجرد أزمةٍ سياسيةٍ عابرة. منذ 19 مارس، والاحتجاجات تتصاعد، خاصةً بعد موجة الاعتقالات التي طالت أكثر من 100 شخص، بينهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وهو المنافس الأبرز لأردوغان. هذه الاعتقالات، إلى جانب تصعيد الخطاب ضد “القوى الخارجية”، تكشف أن النظام بات في مأزقٍ وجودي، حيث لم تعد أدواته القديمة كافيةً لضبط الشارع. ما يزيد المشهد تعقيدًا هو الحراك الذي تقوده الأحزاب اليسارية، مثل الحزب الشيوعي التركي وحزب العمال، حيث لم تعد المعارضة مقتصرةً على النخب السياسية، بل باتت أكثر شعبيةً وتجذرًا.
هنا، يبرز السؤال الجوهري: هل بدأت الإمبراطورية تتداعى؟

ليست تركيا وحدها في هذا المأزق، بل هو جزءٌ من أزمةٍ أوسع، حيث تتهاوى مشاريع “الإسلام السياسي السلطوي” واحدًا تلو الآخر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون السقوط وشيكًا، أم أن أردوغان سيجد طريقةً أخرى لإعادة إنتاج سلطته كما فعل مرارًا؟

المؤكد أن المشهد التركي لم يعد كما كان. هناك هسيسٌ جديدٌ في الأفق، وحسيسُ غضبٍ بدأ يتشكل في الشارع. في لحظاتٍ كهذه، لا تُصنع التحولات فقط عبر الصراعات السياسية، بل عبر وعيٍ جديدٍ ينشأ بين أنقاض الأكاذيب، التي طالما تم تسويقها كحقائق.

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • بوتين يتعهد بالدفاع عن مصالح روسيا
  • عطلة عيد الفطر في تركيا 9 أيام
  • روسيا تحذر من الصدام مع حلف الناتو
  • نهاية وهم السلطان: تركيا بين إرادة الشعب ومأزق الطاغية
  • “الناتو” محذرا روسيا من مهاجمة بولندا: ردنا سيكون مدمرا
  • ستواجه برد مدمر.. الناتو يحذر روسيا من مهاجمة بولندا
  • أردوغان يكشف "مفاجأة".. من قدم الوثائق التي أدانت إمام أوغلو؟
  • رئيس حزب مصر 2000: نتنياهو في مأزق حقيقي بسبب تمر إحتياطي جيش الاحتلال
  • موقف تركيا الحازم يضع اليونان في مأزق
  • طرد شبكة القيادة الأوروبية.. توتر جديد بين روسيا وحلف الناتو | تفاصيل