بوابة الوفد:
2024-07-01@18:25:49 GMT

رحيل البحر

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

ارتطم جسدى الزائد كيلوجرامات بفعل الاكتئاب ــ كما أخبرتنى الطبيبة النفسية التى لجأت إليها بعد رحيلك ــ على مقعدى الأثير فى المقهى المجاور لبوابة السلامة الخشبية الضخمة ذات الأذرع الحديدية الطويلة من أعلى.. المثبتة على شكل شراع يتسلل من خلال فتحاته الضوء موحيًا للغادين والراحلين أسفله بالاطمئنان..

المقهى العتيق قابع فى محطة الحياة الصاخبة بالقطارات التى تذهب بعيدًا بلا عودة.

. جلست منهكة لا أقوى على فعل شيء سوى التحديق بلا هدف فى الجالس أمامى على الطاولة المقابلة.. لم أستوعب فى البداية صراخه فى وجهى واتهامى أننى أراقبه.. جاء النادل العجوز مهرولًا طالبًا الصفح لى.. ثم انتحى به جانبًا وهمس فى أذنه ببضع كلمات وجدته بعدها يأتى إليّ بخطى بطيئة ثم ربت على كتفى رافعًا يده إلى السماء داعيًا بالرحمة والمغفرة لزوجى الحبيب يسرى شبانة ابن سناء، بعد أن نكست رأسى وقلت له فى همس اسم ماما سناء والدته لكى يدعو له باسمها فيحظى بالجنة بجوارها.

أخبرنى النادل العجوز وهو يرقينى واضعًا يديه المعروقتين على مقدمة رأسى أنه زبون جديد ودع للتو حبيبًا، وجلس فى المقهى بعد أن نصحه المجربون بجدوى الجلوس فى هذا المقهى العجيب القادر على شفاء الحزن ومرارة الفقد.

الأفكار تتزاحم فى عقلى المتعب.. لم أستوعب بعد رحيلك على الرغم من مرور عامين، لم نكن ملائكة فى علاقتنا.. شكوتك وشكوتنى.. عاتبتك وعاتبتنى.. خاصمتنى كثيرًا وصالحتنى وكذلك فعلت، ولكنها هى الحياة التى عشناها سويًا.. سنوات عمرنا بحلوها ومرها بكفاحها ولحظات البهجة فيها.. بذكريات مصيف العائلة المكون من غرفتين ويستضيف خمس عائلات من الأشقاء الحبايب.. دعوتى لك أن نتمشى على البحر بعد أن تصلى صلاة المغرب كعصفورين يطيران بأجنحة صغيرة فى سعادة ورضا فتبتسم فى صمت من رومانسيتى.. كم كنت قليل الكلام يا يسرى.

زرتك أمس الأول مع أحمد ودينا وشقيقتك حنان.. طوال الطريق تحدثنا عن ارتفاع الأسعار مع حرارة الجو.. عن أغنية عمرو دياب الجديدة، وصفعته التعسة لشاب لم يقدر صعيديته وكرامته فذهب ليلتقط صورة بائسة مع مطرب مغرور، تكلمنا فى قيمة الجنيه مقابل الدولار، تكلمنا وثرثرنا كثيرًا فى كل شيء إلا أنت.. حضورك الطاغى فى الصدور كان كفيلا بأن يخرس عشرات الكلمات من التأبين والطبطبة، وملحوظة عن عشقك لأغانى نجاة الصغيرة.

فى ثانى أيام العيد اجتمع إخوتك أحمد وشريف وأبلة ميمى وإيناس وفيفى وحنان وسيد ابن عمك الذى تعتبره فى منزلة أخيك وابنته الجميلة سهيلة وأولادها فى بيتك يا يسرى.. فى بيتنا.. شعرنا جميعًا أن روحك تلف المكان فتعطيه هدوءا غريبا.. دون الحديث عنك بالمرة.

لم أشعر كم مر من الوقت وأنا ما زلت جالسة على مقعدى الأثير فى المقهى المجاور لبوابة السلام الخشبية الضخمة.. ولأعدد القطارات التى رحلت بعضها مصحوبة بصخب مشيعيها، والبعض الآخر فى صمت لفراغ المكان بعد غلق أبوابها.

التساؤلات تعصف فى ذهنى فتربكه، أتساءل هل حقًا رحلت؟ هل رحل البحر بموجاته وصباحاته وشمسه الدافئة؟ هل رحل البحر بأمواجه العاتية وأعاصيره؟.. كنت أنت البحر يا يسرى.. عشت فى خضم أيامك.. أحب وأغامر وأنحنى للتيارات المعاكسة.. حتى لا ينكسر شراعى الصغير.

أخيرًا قررت النهوض والمغادرة.. لملمت أشيائى البسيطة.. وردة حمراء بغصن أخضر داكن، منديل حرير مطرز مكتوب على أطرافه بخيط أزرق جميل كلمات الصوفى الكبير الحلاج:

فما لى بُعْدٌ بَعْدَ بُعْدِكَ بَعْدَما

تَيَقـَّنْتُ أنّ القرب والبُعد واحد

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رحيل البحر الطبيبة النفسية

إقرأ أيضاً:

حقيقة رحيل بعض لاعبي الأهلي 

ماجد محمد

كشف الإعلامي وليد سعيد ان في الفترة الحالية النادي الأهلي لن يوافق على أي عروض لرحيل لاعبي الفريق.

وقال سعيد، في تغريدة له عبر منصة أكس :” جميع العروض التي وصلت للاعبي النادي الأهلي في فترة الانتقالات الحالية بعيدة عن الموافقة بسبب قلة القيمة المادية للعروض “.

كما أضاف سعيد أن النادي الأهلي حاليا لن يقوم ببيع أي لاعب إلا في حال وصول عرض بقيمة جيدة ومرضية.

مقالات مشابهة

  • المسجد والمتحف
  • بارولين لم يفشل ورسائل مناسبة في المكان المناسب
  • رسميا.. رحيل الثلاثي عن برشلونة
  • بعد محمود علاء.. رحيل مدافع جديد عن الزمالك
  • حقيقة رحيل بعض لاعبي الأهلي 
  • الوكالة الحضرية للخميسات تخرج عن صمتها وترد على منتقدي مقهى الرانبون بسيدي علال البحراوي
  • قراءة لقصيدة اغتراب للشاعرة (آمال صالح)
  • تهديدات واتاوات وابتزاز.. ماذا يحصل في المتنبي؟
  • المراقبة الضريبية بعين المكان... تحصيل 5,8 مليارات درهم من المداخيل في 2023
  • أستاذ آثار: مسجد «بدر الطابية» تحفة معمارية في أسوان