لجريدة عمان:
2025-04-23@06:56:30 GMT

مبادئ «غير غربية» لنظام عالمي سلمي

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

سودهيندرا كولكارني

ترجمة: قاسم مكي

على الهند والصين اللجوء إلى المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لإصلاح النظام العالمي السائد غير الديمقراطي وغير العادل.

قبل سبعين عاما شهد العالم حدثا جللا في تاريخ العلاقات الدولية، فقد تعاونت الهند والصين وانضمت إليهما لاحقا البلدان الأخرى المستقلة حديثا في آسيا وأفريقيا لإيجاد مفهوم جديد في السياسة الدولية تمَيَّز عن عنصرية وغطرسة القوى الاستعمارية في الغرب.

تدعو المبادئ الخمسة للتعايش السلمي أو «بانشيل» باللغة السنسكريتية كل البلدان إلى إلزام نفسها في السياسة الخارجية وممارستها بالاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.

ليس مفاجئا أن هذه المبادئ المستنيرة كانت تمثل الشكل المتبلور لحكمة اثنتين من أعظم وأعرق حضارات العالم في آسيا.

تعود جذور المبادئ الخمسة للتعايش السلمي إلى فلسفات الطاوية والكونفوشية والبوذية الصينية والتي نشأت أصلا في الهند. ومع تميزها وفرادتها تلتقي هذه الفلسفات عند اعتقاد مشترك تؤكد عليه وهو وجوب احترام التنوع الذي يشكل جزءا ضروريا وصميميا من المجتمعات البشرية، كما تؤكد في الوقت ذاته على تعزيز الانسجام والتعاون والوحدة ضمن التنوع المتشعِّب. في السنسكريتية كلمة «بانش» في «بانشيل» تعني خمسة وكلمة «شيل» السلوك الفاضل.

كما ليس صدفة أيضا وجود تزامن معين في تبني كل من الهند والصين المبادئ الخمسة الحكيمة ثم تضمينها لاحقا في اتفاقية ثنائية عام 1954.

كان السياق العالمي وقتها مدعاة لأن يتوق الجنس البشري إلى الحكمة بعد خروجه من مرجَل حربين عالميتين مرعبتين.

كلا الحربين سببهما التنافس الضاري والصراع من أجل الهيمنة على العالم بين القوى الاستعمارية الغربية، حققت الهند استقلالها في 1947 من حكم بريطانيا بعد 200 عاما من الكفاح الشاق تحت قيادة المهاتما غاندي. وبعد عامين من ذلك أنهت الصين «مائة عام من الإذلال» بواسطة القوى الاستعمارية بانتصار الثورة تحت قيادة ماو زيدونج. وبوصفهما البلَدَين الأكثر سكانا في العالم كان يتوقع منهما رسم مسار جديد لتعايش سلمي لعالمٍ تَعِبَ من الحروب والعنف مع تطلّع إلى الازدهار المشترك في سلام وتعاون.

هنالك عامل تاريخي ثالث جعل من الضروري تشكل المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، ففور انتهاء الحرب العالمية الثانية دُفِع المجتمع العالمي إلى حقبة جديدة من الانقسام والخلاف مع بداية الحرب الباردة.

الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لم يبدآ فقط سباق تسلح نووي خطر ولكنهما أيضا سعيا إلى استقطاب البشرية في كتلتين متنافستين. شكَّل ذلك خطرا جديدا للسلم العالمي، كما هدد أيضا استقلال وسيادة بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية التي حررت نفسها من قبضة الاستعمار، كما ليس أقل ضررا حقيقة أن الحرب الباردة قلصت فرص التعاون الدولي مما جعل من الصعب للبلدان النامية والأقل نموا السعي وراء النمو الاقتصادي والاجتماعي السريع ومحاربة الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية لشعوبها.

زُرعت بذور المبادئ الخمسة للتعايش السلمي بواسطة زعيمين يفكران ويخططان للمستقبل هما رئيس الوزراء الصيني شو ان لاي ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو.

أثناء زيارة شو ان لاي الأولى والتاريخية إلى الهند أصدر مع رئيس الوزراء الهندي بيانا مشتركا يوم 28 يونيو 1954 قدما فيه للعالم رؤية جديدة للتفاعل الثنائي ومتعدد الأطراف. ضُمِّنَت هذه الرؤية لاحقا في إعلان مؤتمر باندونج بإندونيسيا والذي شارك فيه 29 بلدا إفريقيا وآسيويا في أبريل 1955، وحصلت لاحقا على اعتراف شامل عندما تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في عام 1957.

لا شك أن المبادئ الخمسة للتعايش السلمي صالحة لكل زمان. مع ذلك بعد سبعة عقود لاحقا وبعد أن دخلت في قاموس الدبلوماسية الدولية يجب علينا أن نسأل أنفسنا في هدوء: هل تحولت هذه المبادئ إلى القاعدة التي تحدد العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين؟ الإجابة الواضحة هي لا.

ذلك يعود أساسا إلى أن القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة تبذل آخر محاولة لها للحفاظ على هيمنتها الدولية. وعلى الرغم من أن النفوذ الاقتصادي لهذه القوى ربما يتدهور إلا أن قوتها العسكرية الجماعية وسيطرتها على المؤسسات المالية العالمية ووسائل الإعلام لا زالت منيعة. وهي لإيمانها بالتفوق المتأصل لنظامها السياسي معتادة على التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان التي تتبع نموذجا مختلفا للحكم ومسارا مغايرا للتنمية، وعلى الرغم من أنها هي نفسها ظلت أسوأ المنتهكين لحقوق الإنسان في التاريخ الحديث إلا أنها تقدم المواعظ للبلدان الأخرى في هذه القضية.

القوى الغربية أيضا تبذر بذور الصراع وسط البلدان النامية ولا تضيع أية فرصة لشن حروب العدوان والاحتلال غير القانوني أو المساعدة في شنها. إنها تتواطأ لإيجاد كتلة عسكرية جديدة معادية للصين في آسيا والتي ستكون مدمرة إذا نجحت، أحد الأمثلة الصارخة لتدخلها في الشؤون المحلية للدول الأخرى محاولتها الاستفزازية لمنع إعادة التوحيد السلمي للصين الكبرى وتايوان.

ومن الواضح أن مسؤولية إصلاح نظام الحوكمة السائد غير الديمقراطي وغير العادل في ضوء المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لا يمكن تحقيقه بدون المشاركة النشطة للصين والهند، وهما المروِّجتان الأصليتان لهذا المفهوم النبيل. هل ستستجيب نيودلهي وبكين لنداء التاريخ، باختصار هاهنا ثلاثة أفكار يجب علينا تحويلها إلى أفعال.

أولا، لن يكون بمقدور الهند والصين أن تقدما معا مساهمة لها معنى لإيجاد نظام عالمي غير غربي وتعاوني وسلمي وديمقراطي بدون تحسين العلاقات الثنائية المتوترة حاليا. من أجل هذا هما بحاجة إلى إيجاد حل معقول ودائم للنزاع الحدودي بينهما، هذا ليس مستحيلا إذا أعادا اكتشاف حكمة حضارتيهما التي أنجبت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، هذه الحكمة الحضارية ستمكنهما من لعب دور كبير في إعادة تشكيل تاريخ آسيا والعالم.

ثانيا، خلافا لوضعهما قبل سبعين عاما الصين والهند كلتاهما اليوم وإلى حد بعيد متقدمتان اقتصاديا وتقنيِّا وأقوى تأثيرا في الدبلوماسية الدولية. يجب أن تتعاونا في حل النزاعات وإصلاح البنية المالية العالمية وتقديم العون التنموي للبلدان المحتاجة وتقوية صوت جنوب العالم.

ثالثا، على كل من الهند والصين إلى جانب أعضاء المجتمع الدولي الآخرين جعل الأمم المتحدة أداة فعالة لتطبيق المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. هذا دون شك سيقود البشرية إلى التنمية للجميع والعدالة للجميع والأمن للجميع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الهند والصین

إقرأ أيضاً:

وزير الشؤون النيابية: مصر ستظل دائمًا نموذجًا فريدًا في التآخي والتعايش السلمي

تقدم المستشار محمود فوزي، بالتهنئة إلى البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وللمصريين الأقباط داخل مصر وخارجها.


وأكد المستشار محمود فوزي، أن الوحدة الوطنية تُعد الركيزة الأساسية التي تجمع أبناء الشعب المصري بكل أطيافه، مشددًا على أن مصر ستظل دائمًا نموذجًا فريدًا في التآخي والتعايش السلمي بين جميع أبنائها، في ظل ما تتمتع به من تاريخ عريق ومجتمع متماسك يسوده روح المحبة والسلام. وإن المواطنة هي شعار الدولة المصرية


مشيرًا إلى أن قوة مصر الحقيقية تكمن في تلاحم شعبها ووحدة صفوفه، مؤكدًا أن ما يجمع المصريين من روابط راسخة عبر التاريخ هو الأساس الذي تبني عليه الدولة حاضرها ومستقبلها، وأن تعزيز مبادئ المواطنة والتعايش المشترك يأتي في صدارة أولويات الدولة، إيمانًا بأن الاستقرار ينطلق من وحدة المجتمع وتماسكه.


جاء ذلك بحضور المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، قداس عيد القيامة المجيد، بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وذلك بحضور الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، والدكتور عمرو طلعت، وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، والدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، والدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، والدكتور سامح الحفني، وزير الطيران المدني، السيد المهندس محمد الشيمي، وزير قطاع الأعمال، ومحمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم،


كما جاء ذلك بحضور أيضًا المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، والنائب محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب، والنائبة فيبي فوزي، وكيل مجلس الشيوخ، والمستشار بولس فهمي، رئيس المحكمة الدستورية العليا، والدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة.

مقالات مشابهة

  • المملكة والهند ترحبان بتوسيع مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي الهندي والتنسيق بينهما في المنظمات والمحافل الدولية
  • رشيد يدعو مسؤولي ديالى لخدمة أبناء المحافظة وتعزيز التعايش السلمي
  • محادثات غربية مرتقبة بشأن أوكرانيا وبوتين يعلّق على مقترح زيلينسكي
  • محافظ أسوان يُعزّي هاتفيًا مطران طيبة وكاهن أسوان في وفاة بابا الفاتيكان
  • انطلاق برنامج المبادئ والمرتكزات الموجّهة للسياسة الداخلية والخارجية للدولة
  • وزير الشؤون النيابية: مصر ستظل دائمًا نموذجًا فريدًا في التآخي والتعايش السلمي
  • بروفيسور بريطاني: الحداثة ليست غربية والخبراء الدوليون أدوات استعمارية
  • "مستوى جديد من التدهور".. وسائل إعلام غربية تؤكد "تصرف الاتحاد الأوروبي ككتلة فاشية"
  • بدء النسخة التاسعة لبرنامج المبادئ والمرتكزات الموجهة لسياسة الدولة
  • عاجل:- السفير الصيني في واشنطن يدعو للتعايش السلمي ويحذر من تداعيات الحرب التجارية