لجريدة عمان:
2025-04-02@09:19:36 GMT

مبادئ «غير غربية» لنظام عالمي سلمي

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

سودهيندرا كولكارني

ترجمة: قاسم مكي

على الهند والصين اللجوء إلى المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لإصلاح النظام العالمي السائد غير الديمقراطي وغير العادل.

قبل سبعين عاما شهد العالم حدثا جللا في تاريخ العلاقات الدولية، فقد تعاونت الهند والصين وانضمت إليهما لاحقا البلدان الأخرى المستقلة حديثا في آسيا وأفريقيا لإيجاد مفهوم جديد في السياسة الدولية تمَيَّز عن عنصرية وغطرسة القوى الاستعمارية في الغرب.

تدعو المبادئ الخمسة للتعايش السلمي أو «بانشيل» باللغة السنسكريتية كل البلدان إلى إلزام نفسها في السياسة الخارجية وممارستها بالاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.

ليس مفاجئا أن هذه المبادئ المستنيرة كانت تمثل الشكل المتبلور لحكمة اثنتين من أعظم وأعرق حضارات العالم في آسيا.

تعود جذور المبادئ الخمسة للتعايش السلمي إلى فلسفات الطاوية والكونفوشية والبوذية الصينية والتي نشأت أصلا في الهند. ومع تميزها وفرادتها تلتقي هذه الفلسفات عند اعتقاد مشترك تؤكد عليه وهو وجوب احترام التنوع الذي يشكل جزءا ضروريا وصميميا من المجتمعات البشرية، كما تؤكد في الوقت ذاته على تعزيز الانسجام والتعاون والوحدة ضمن التنوع المتشعِّب. في السنسكريتية كلمة «بانش» في «بانشيل» تعني خمسة وكلمة «شيل» السلوك الفاضل.

كما ليس صدفة أيضا وجود تزامن معين في تبني كل من الهند والصين المبادئ الخمسة الحكيمة ثم تضمينها لاحقا في اتفاقية ثنائية عام 1954.

كان السياق العالمي وقتها مدعاة لأن يتوق الجنس البشري إلى الحكمة بعد خروجه من مرجَل حربين عالميتين مرعبتين.

كلا الحربين سببهما التنافس الضاري والصراع من أجل الهيمنة على العالم بين القوى الاستعمارية الغربية، حققت الهند استقلالها في 1947 من حكم بريطانيا بعد 200 عاما من الكفاح الشاق تحت قيادة المهاتما غاندي. وبعد عامين من ذلك أنهت الصين «مائة عام من الإذلال» بواسطة القوى الاستعمارية بانتصار الثورة تحت قيادة ماو زيدونج. وبوصفهما البلَدَين الأكثر سكانا في العالم كان يتوقع منهما رسم مسار جديد لتعايش سلمي لعالمٍ تَعِبَ من الحروب والعنف مع تطلّع إلى الازدهار المشترك في سلام وتعاون.

هنالك عامل تاريخي ثالث جعل من الضروري تشكل المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، ففور انتهاء الحرب العالمية الثانية دُفِع المجتمع العالمي إلى حقبة جديدة من الانقسام والخلاف مع بداية الحرب الباردة.

الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لم يبدآ فقط سباق تسلح نووي خطر ولكنهما أيضا سعيا إلى استقطاب البشرية في كتلتين متنافستين. شكَّل ذلك خطرا جديدا للسلم العالمي، كما هدد أيضا استقلال وسيادة بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية التي حررت نفسها من قبضة الاستعمار، كما ليس أقل ضررا حقيقة أن الحرب الباردة قلصت فرص التعاون الدولي مما جعل من الصعب للبلدان النامية والأقل نموا السعي وراء النمو الاقتصادي والاجتماعي السريع ومحاربة الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية لشعوبها.

زُرعت بذور المبادئ الخمسة للتعايش السلمي بواسطة زعيمين يفكران ويخططان للمستقبل هما رئيس الوزراء الصيني شو ان لاي ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو.

أثناء زيارة شو ان لاي الأولى والتاريخية إلى الهند أصدر مع رئيس الوزراء الهندي بيانا مشتركا يوم 28 يونيو 1954 قدما فيه للعالم رؤية جديدة للتفاعل الثنائي ومتعدد الأطراف. ضُمِّنَت هذه الرؤية لاحقا في إعلان مؤتمر باندونج بإندونيسيا والذي شارك فيه 29 بلدا إفريقيا وآسيويا في أبريل 1955، وحصلت لاحقا على اعتراف شامل عندما تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في عام 1957.

لا شك أن المبادئ الخمسة للتعايش السلمي صالحة لكل زمان. مع ذلك بعد سبعة عقود لاحقا وبعد أن دخلت في قاموس الدبلوماسية الدولية يجب علينا أن نسأل أنفسنا في هدوء: هل تحولت هذه المبادئ إلى القاعدة التي تحدد العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين؟ الإجابة الواضحة هي لا.

ذلك يعود أساسا إلى أن القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة تبذل آخر محاولة لها للحفاظ على هيمنتها الدولية. وعلى الرغم من أن النفوذ الاقتصادي لهذه القوى ربما يتدهور إلا أن قوتها العسكرية الجماعية وسيطرتها على المؤسسات المالية العالمية ووسائل الإعلام لا زالت منيعة. وهي لإيمانها بالتفوق المتأصل لنظامها السياسي معتادة على التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان التي تتبع نموذجا مختلفا للحكم ومسارا مغايرا للتنمية، وعلى الرغم من أنها هي نفسها ظلت أسوأ المنتهكين لحقوق الإنسان في التاريخ الحديث إلا أنها تقدم المواعظ للبلدان الأخرى في هذه القضية.

القوى الغربية أيضا تبذر بذور الصراع وسط البلدان النامية ولا تضيع أية فرصة لشن حروب العدوان والاحتلال غير القانوني أو المساعدة في شنها. إنها تتواطأ لإيجاد كتلة عسكرية جديدة معادية للصين في آسيا والتي ستكون مدمرة إذا نجحت، أحد الأمثلة الصارخة لتدخلها في الشؤون المحلية للدول الأخرى محاولتها الاستفزازية لمنع إعادة التوحيد السلمي للصين الكبرى وتايوان.

ومن الواضح أن مسؤولية إصلاح نظام الحوكمة السائد غير الديمقراطي وغير العادل في ضوء المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لا يمكن تحقيقه بدون المشاركة النشطة للصين والهند، وهما المروِّجتان الأصليتان لهذا المفهوم النبيل. هل ستستجيب نيودلهي وبكين لنداء التاريخ، باختصار هاهنا ثلاثة أفكار يجب علينا تحويلها إلى أفعال.

أولا، لن يكون بمقدور الهند والصين أن تقدما معا مساهمة لها معنى لإيجاد نظام عالمي غير غربي وتعاوني وسلمي وديمقراطي بدون تحسين العلاقات الثنائية المتوترة حاليا. من أجل هذا هما بحاجة إلى إيجاد حل معقول ودائم للنزاع الحدودي بينهما، هذا ليس مستحيلا إذا أعادا اكتشاف حكمة حضارتيهما التي أنجبت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، هذه الحكمة الحضارية ستمكنهما من لعب دور كبير في إعادة تشكيل تاريخ آسيا والعالم.

ثانيا، خلافا لوضعهما قبل سبعين عاما الصين والهند كلتاهما اليوم وإلى حد بعيد متقدمتان اقتصاديا وتقنيِّا وأقوى تأثيرا في الدبلوماسية الدولية. يجب أن تتعاونا في حل النزاعات وإصلاح البنية المالية العالمية وتقديم العون التنموي للبلدان المحتاجة وتقوية صوت جنوب العالم.

ثالثا، على كل من الهند والصين إلى جانب أعضاء المجتمع الدولي الآخرين جعل الأمم المتحدة أداة فعالة لتطبيق المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. هذا دون شك سيقود البشرية إلى التنمية للجميع والعدالة للجميع والأمن للجميع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الهند والصین

إقرأ أيضاً:

تراجع عالمي في نشاط المصانع بسبب رسوم ترامب

أظهرت استطلاعات عالمية نشرت الثلاثاء أن المصانع في أنحاء العالم، من اليابان إلى بريطانيا إلى الولايات المتحدة، شهدت تراجعا في نشاطها في شهر مارس مع تأهب الشركات للرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، لكن بعضها شهد انتعاشا في سباق توصيل السلع إلى العملاء قبل تطبيق الإجراءات الجديدة.

ومن المقرر أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب غدا الأربعاء عن مقترح للرسوم الجمركية فيما أطلق عليه "يوم التحرير"، بعد فرض رسوم على الألمنيوم والصلب والسيارات، بالإضافة إلى زيادة الرسوم الجمركية على جميع السلع من الصين.

وقال ترامب إنه لن تفلت أي دولة من الرسوم الجمركية التي يخشى صانعو السياسة أن تكون أحدث ضربة للاقتصاد العالمي الذي لم يكد يتعافى من جائحة كوفيد-19، ويعاني من مخاوف عدم الاستقرار السياسي والحروب.

وأظهرت استطلاعات مؤشر مديري المشتريات، وهو مقياس للمعنويات الاقتصادية يحظى بمراقبة عن كثب، أن نشاط المصانع في آسيا تراجع في معظمه في مارس بعد أن أضرت الرسوم المرتقبة وضعف الطلب العالمي، بمعنويات الأعمال.

وانخفض نشاط المصانع في اليابان بأسرع وتيرة له في عام، وتسارعت وتيرة تراجع نشاط المصانع في كوريا الجنوبية، وأشارت بيانات إلى ضعف نشاط المصانع في تايوان أيضا.

لكن الصين ظهرت كاستثناء، وأظهر النشاط في ثاني أكبر اقتصاد في العالم انتعاشا مع إسراع المصانع بتوصيل البضائع إلى العملاء قبل سريان الرسوم الجمركية الأميركية.

وفي الولايات المتحدة نفسها التي توسع فيها نشاط المصانع في الشهرين الأولين من العام، انكمش التصنيع، وتراجع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي لمعهد إدارة التوريدات إلى 49.0 من 50.3 في فبراير.

وحين تكون قراءة مؤشر مديري المشتريات أقل من 50 فهذا يشير إلى انكماش. وانخفض المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة إلى أدنى مستوياته منذ مايو 2023.

وقال جوليان إيفانز-بريتشارد، الخبير الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس، لوكالة رويترز، إن النتائج تشير إلى أن الصناعة الصينية تستفيد من "استباق الرسوم الجمركية"، لكنه أضاف "لن يمر وقت طويل قبل أن تتحول الرسوم الأميركية من رياح مواتية إلى عائق".

كما اعتُبر نشاط الطلبات محددة السعر سلفا عاملا مؤثرا محتملا في انتعاش الصناعة التحويلية في أوروبا التي تعاني منذ فترة طويلة، حيث ارتفع الإنتاج لأول مرة منذ عامين، حسبما أظهر مؤشر مديري المشتريات لمنطقة اليورو التي تضم 20 دولة.

وقال سيرس دي لا روبيا، كبير الاقتصاديين في بنك هامبورغ التجاري، "ربما يرتبط جزء كبير من هذه الحركة بالطلبات المحددة السعر سلفا من الولايات المتحدة قبل فرض الرسوم الجمركية، مما يعني أنه من المتوقع حدوث بعض ردود الفعل العكسية في الأشهر المقبلة".

وشهدت ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، أول زيادة في إنتاجها منذ نحو عامين، وخفت حدة الانكماش في فرنسا. لكن المُصنعين البريطانيين عانوا من صعوبات في شهر مارس بعد أن ساهم تهديد الرسوم الجمركية والزيادات الضريبية الوشيكة في تراجع الطلبات الجديدة وانحسار التفاؤل.

ولا يزال المستثمرون يشعرون بالتوتر، لكن الأسهم العالمية ارتفعت اليوم الثلاثاء بعد المكاسب التي حققتها وول ستريت ليلا، وصعد الذهب إلى أعلى ذروة على الإطلاق.

لكن مؤشرات أخرى أظهرت الثلاثاء تراجعا، ونمت صادرات كوريا الجنوبية بوتيرة أبطأ من المتوقع، وأظهر مسح تانكان الياباني الذي يحظى بمتابعة عن كثب أن معنويات كبار المصنعين في اليابان سجلت أدنى مستوى في عام واحد.

مقالات مشابهة

  • تراجع عالمي في نشاط المصانع بسبب رسوم ترامب
  • قتلى جراء انفجار في مصنع للألعاب النارية بالهند
  • تكتيكات يمنية تكسر الطغيان الأمريكي
  • شقيقة الفنانة إيناس النجار تنعيها بكلمات مؤثرة: سلمي لي على بابا
  • تحذيرات غربية لإدارة ترامب من تداعيات التصعيد في البحر الأحمر على الأمن الدولي
  • نهاد أبو غربية فلسطيني قاوم الاحتلال بالتعليم
  • مجلس النواب: الإفراج عن النائب «حسن جاب الله» خطوة إيجابية لدعم سيادة القانون
  • القوى السياسية ترفض تأجيل الانتخابات البلدية
  • مفتي الهند: أخلاق رمضان يجب أن تستمر معنا طوال العام
  • تجليس مفريان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الجديد في الهند مار باسيليوس جوزيف