مبادئ «غير غربية» لنظام عالمي سلمي
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
سودهيندرا كولكارني
ترجمة: قاسم مكي
على الهند والصين اللجوء إلى المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لإصلاح النظام العالمي السائد غير الديمقراطي وغير العادل.
قبل سبعين عاما شهد العالم حدثا جللا في تاريخ العلاقات الدولية، فقد تعاونت الهند والصين وانضمت إليهما لاحقا البلدان الأخرى المستقلة حديثا في آسيا وأفريقيا لإيجاد مفهوم جديد في السياسة الدولية تمَيَّز عن عنصرية وغطرسة القوى الاستعمارية في الغرب.
تدعو المبادئ الخمسة للتعايش السلمي أو «بانشيل» باللغة السنسكريتية كل البلدان إلى إلزام نفسها في السياسة الخارجية وممارستها بالاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.
ليس مفاجئا أن هذه المبادئ المستنيرة كانت تمثل الشكل المتبلور لحكمة اثنتين من أعظم وأعرق حضارات العالم في آسيا.
تعود جذور المبادئ الخمسة للتعايش السلمي إلى فلسفات الطاوية والكونفوشية والبوذية الصينية والتي نشأت أصلا في الهند. ومع تميزها وفرادتها تلتقي هذه الفلسفات عند اعتقاد مشترك تؤكد عليه وهو وجوب احترام التنوع الذي يشكل جزءا ضروريا وصميميا من المجتمعات البشرية، كما تؤكد في الوقت ذاته على تعزيز الانسجام والتعاون والوحدة ضمن التنوع المتشعِّب. في السنسكريتية كلمة «بانش» في «بانشيل» تعني خمسة وكلمة «شيل» السلوك الفاضل.
كما ليس صدفة أيضا وجود تزامن معين في تبني كل من الهند والصين المبادئ الخمسة الحكيمة ثم تضمينها لاحقا في اتفاقية ثنائية عام 1954.
كان السياق العالمي وقتها مدعاة لأن يتوق الجنس البشري إلى الحكمة بعد خروجه من مرجَل حربين عالميتين مرعبتين.
كلا الحربين سببهما التنافس الضاري والصراع من أجل الهيمنة على العالم بين القوى الاستعمارية الغربية، حققت الهند استقلالها في 1947 من حكم بريطانيا بعد 200 عاما من الكفاح الشاق تحت قيادة المهاتما غاندي. وبعد عامين من ذلك أنهت الصين «مائة عام من الإذلال» بواسطة القوى الاستعمارية بانتصار الثورة تحت قيادة ماو زيدونج. وبوصفهما البلَدَين الأكثر سكانا في العالم كان يتوقع منهما رسم مسار جديد لتعايش سلمي لعالمٍ تَعِبَ من الحروب والعنف مع تطلّع إلى الازدهار المشترك في سلام وتعاون.
هنالك عامل تاريخي ثالث جعل من الضروري تشكل المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، ففور انتهاء الحرب العالمية الثانية دُفِع المجتمع العالمي إلى حقبة جديدة من الانقسام والخلاف مع بداية الحرب الباردة.
الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لم يبدآ فقط سباق تسلح نووي خطر ولكنهما أيضا سعيا إلى استقطاب البشرية في كتلتين متنافستين. شكَّل ذلك خطرا جديدا للسلم العالمي، كما هدد أيضا استقلال وسيادة بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية التي حررت نفسها من قبضة الاستعمار، كما ليس أقل ضررا حقيقة أن الحرب الباردة قلصت فرص التعاون الدولي مما جعل من الصعب للبلدان النامية والأقل نموا السعي وراء النمو الاقتصادي والاجتماعي السريع ومحاربة الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية لشعوبها.
زُرعت بذور المبادئ الخمسة للتعايش السلمي بواسطة زعيمين يفكران ويخططان للمستقبل هما رئيس الوزراء الصيني شو ان لاي ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو.
أثناء زيارة شو ان لاي الأولى والتاريخية إلى الهند أصدر مع رئيس الوزراء الهندي بيانا مشتركا يوم 28 يونيو 1954 قدما فيه للعالم رؤية جديدة للتفاعل الثنائي ومتعدد الأطراف. ضُمِّنَت هذه الرؤية لاحقا في إعلان مؤتمر باندونج بإندونيسيا والذي شارك فيه 29 بلدا إفريقيا وآسيويا في أبريل 1955، وحصلت لاحقا على اعتراف شامل عندما تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في عام 1957.
لا شك أن المبادئ الخمسة للتعايش السلمي صالحة لكل زمان. مع ذلك بعد سبعة عقود لاحقا وبعد أن دخلت في قاموس الدبلوماسية الدولية يجب علينا أن نسأل أنفسنا في هدوء: هل تحولت هذه المبادئ إلى القاعدة التي تحدد العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين؟ الإجابة الواضحة هي لا.
ذلك يعود أساسا إلى أن القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة تبذل آخر محاولة لها للحفاظ على هيمنتها الدولية. وعلى الرغم من أن النفوذ الاقتصادي لهذه القوى ربما يتدهور إلا أن قوتها العسكرية الجماعية وسيطرتها على المؤسسات المالية العالمية ووسائل الإعلام لا زالت منيعة. وهي لإيمانها بالتفوق المتأصل لنظامها السياسي معتادة على التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان التي تتبع نموذجا مختلفا للحكم ومسارا مغايرا للتنمية، وعلى الرغم من أنها هي نفسها ظلت أسوأ المنتهكين لحقوق الإنسان في التاريخ الحديث إلا أنها تقدم المواعظ للبلدان الأخرى في هذه القضية.
القوى الغربية أيضا تبذر بذور الصراع وسط البلدان النامية ولا تضيع أية فرصة لشن حروب العدوان والاحتلال غير القانوني أو المساعدة في شنها. إنها تتواطأ لإيجاد كتلة عسكرية جديدة معادية للصين في آسيا والتي ستكون مدمرة إذا نجحت، أحد الأمثلة الصارخة لتدخلها في الشؤون المحلية للدول الأخرى محاولتها الاستفزازية لمنع إعادة التوحيد السلمي للصين الكبرى وتايوان.
ومن الواضح أن مسؤولية إصلاح نظام الحوكمة السائد غير الديمقراطي وغير العادل في ضوء المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لا يمكن تحقيقه بدون المشاركة النشطة للصين والهند، وهما المروِّجتان الأصليتان لهذا المفهوم النبيل. هل ستستجيب نيودلهي وبكين لنداء التاريخ، باختصار هاهنا ثلاثة أفكار يجب علينا تحويلها إلى أفعال.
أولا، لن يكون بمقدور الهند والصين أن تقدما معا مساهمة لها معنى لإيجاد نظام عالمي غير غربي وتعاوني وسلمي وديمقراطي بدون تحسين العلاقات الثنائية المتوترة حاليا. من أجل هذا هما بحاجة إلى إيجاد حل معقول ودائم للنزاع الحدودي بينهما، هذا ليس مستحيلا إذا أعادا اكتشاف حكمة حضارتيهما التي أنجبت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، هذه الحكمة الحضارية ستمكنهما من لعب دور كبير في إعادة تشكيل تاريخ آسيا والعالم.
ثانيا، خلافا لوضعهما قبل سبعين عاما الصين والهند كلتاهما اليوم وإلى حد بعيد متقدمتان اقتصاديا وتقنيِّا وأقوى تأثيرا في الدبلوماسية الدولية. يجب أن تتعاونا في حل النزاعات وإصلاح البنية المالية العالمية وتقديم العون التنموي للبلدان المحتاجة وتقوية صوت جنوب العالم.
ثالثا، على كل من الهند والصين إلى جانب أعضاء المجتمع الدولي الآخرين جعل الأمم المتحدة أداة فعالة لتطبيق المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. هذا دون شك سيقود البشرية إلى التنمية للجميع والعدالة للجميع والأمن للجميع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الهند والصین
إقرأ أيضاً:
مهرجان بانوراما الفيلم الأوروبي يُعلن عن أفلام أقسامه الخمسة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلن مهرجان بانوراما الفيلم الأوروبي في دورته السابعة عشر التي تقام في الفترة من 28 نوفمبر حتى الـ ٧ من ديسمبر المقبل - والذي تُعرض فعالياته في سينما زاوية، وسينما الزمالك وبعض من العروض في سينما أركان وبوينت ٩٠ - عن برنامج البانوراما لهذا العام الذي يحتوي أربعين فيلماً مقسم إلى ٥ أقسام هي :
أفلام قسم الأرض، وهو القسم الذي يعرض الأفلام التي تتحدث عن أبطال مُقيّدين بالأعراف الاجتماعية أو الظروف الاقتصادية أو الديناميكيات العائلية، حيث يظهر أبطالها متجذرين بقوة في الأرض و يصارعون الظروف المفروضة عليهم.
ونستعرض فيها أفلام ( آرماند، الفتاة ذات الابرة، الاحتضار، الفلاحون، محبب للنفس، عصفور في المدخنة، عند السقوط، أضواء صغيرة، توكسيك).
أما قسم الهواء، ونشاهد أبطاله رافضين التجذر، يطوفوا في الهواء وتتوق أنفسهم إلى أن يصبحوا في مكان آخر أو يصبحوا أشخاص آخرين.
ويضم هذا القسم أفلام ( بيرد، جزيرة نيت، بارثيوني، الطاووس، سلام عليك يا ماريا، الماده، التخطي، أماني النجوم، عمرو سيدريك - إذا يوماً صار الأمر غريباً).
وفي قسم أفلام الماء، نجد بطلنا مُبحرًا بين تيارات الزمن، يصارع من أجل الحفاظ على الماضي أو حماية المستقبل.
ونشاهد في هذا القسم أفلام ( داهومي - العوده، بريدية من المدينة الفاضلة، فرصه كهرومائية، ثماني بطاقات، تدفق، جولي تلتزم الصمت، كان ياما كان في إحدى الغابات، صمت المنطق، الكوكب ب، الموسيقى التصويرية للانقلاب، عندما ينبثق النور).
وتأتي أفلام قسم النار، لترينا البطل مسكونًا بشعلة داخلية، يبحث عن الانتقام أو الخلاص.
وتضم أفلام ( الأشباح، الارض المحروقة، رسائل صقلية، أبناء، الكونت دي مونت كريستو، حمام الشيطان، العودة، الحجرة المجاورة، سكون الريح).
كما تضم البانوراما هذا العام في برنامجها الخاص مجموعة من الأفلام قصيرة لليوس كاراكس الذي تنوع في أفلامه فيخرج فيلمًا ويقوم ببطولة الآخر، ويعرض له في البرنامج فيلمي ( أسطورة مدينة وليس أنا).
يُقام مهرجان بانوراما الفيلم الأوروبي بدعم من الاتحاد الأوروبي، وبالتعاون مع اتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية (يونيك). ينظمه كل من سينما زاوية وأفلام مصر العالمية، تحت رعاية المركز القومي.
ومن ضمن شركاء البانوراما هذا العام: المعهد الإيطالي، القنصلية البريطانية، المعهد الفرنسي، سفارة فنلندا، المركز الثقافي النمساوي، معهد ثربانتس، معهد جوته، سفارة النرويج، سفارة بلجيكا، سفارة سويسرا، سفارة إسبانيا، سفارة بولندا، سفارة السويد، سفارة الدنمارك، سفارة التشيك، والمراكز التشيكية بمصر.