لجريدة عمان:
2024-09-30@11:14:55 GMT

مبادئ «غير غربية» لنظام عالمي سلمي

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

سودهيندرا كولكارني

ترجمة: قاسم مكي

على الهند والصين اللجوء إلى المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لإصلاح النظام العالمي السائد غير الديمقراطي وغير العادل.

قبل سبعين عاما شهد العالم حدثا جللا في تاريخ العلاقات الدولية، فقد تعاونت الهند والصين وانضمت إليهما لاحقا البلدان الأخرى المستقلة حديثا في آسيا وأفريقيا لإيجاد مفهوم جديد في السياسة الدولية تمَيَّز عن عنصرية وغطرسة القوى الاستعمارية في الغرب.

تدعو المبادئ الخمسة للتعايش السلمي أو «بانشيل» باللغة السنسكريتية كل البلدان إلى إلزام نفسها في السياسة الخارجية وممارستها بالاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.

ليس مفاجئا أن هذه المبادئ المستنيرة كانت تمثل الشكل المتبلور لحكمة اثنتين من أعظم وأعرق حضارات العالم في آسيا.

تعود جذور المبادئ الخمسة للتعايش السلمي إلى فلسفات الطاوية والكونفوشية والبوذية الصينية والتي نشأت أصلا في الهند. ومع تميزها وفرادتها تلتقي هذه الفلسفات عند اعتقاد مشترك تؤكد عليه وهو وجوب احترام التنوع الذي يشكل جزءا ضروريا وصميميا من المجتمعات البشرية، كما تؤكد في الوقت ذاته على تعزيز الانسجام والتعاون والوحدة ضمن التنوع المتشعِّب. في السنسكريتية كلمة «بانش» في «بانشيل» تعني خمسة وكلمة «شيل» السلوك الفاضل.

كما ليس صدفة أيضا وجود تزامن معين في تبني كل من الهند والصين المبادئ الخمسة الحكيمة ثم تضمينها لاحقا في اتفاقية ثنائية عام 1954.

كان السياق العالمي وقتها مدعاة لأن يتوق الجنس البشري إلى الحكمة بعد خروجه من مرجَل حربين عالميتين مرعبتين.

كلا الحربين سببهما التنافس الضاري والصراع من أجل الهيمنة على العالم بين القوى الاستعمارية الغربية، حققت الهند استقلالها في 1947 من حكم بريطانيا بعد 200 عاما من الكفاح الشاق تحت قيادة المهاتما غاندي. وبعد عامين من ذلك أنهت الصين «مائة عام من الإذلال» بواسطة القوى الاستعمارية بانتصار الثورة تحت قيادة ماو زيدونج. وبوصفهما البلَدَين الأكثر سكانا في العالم كان يتوقع منهما رسم مسار جديد لتعايش سلمي لعالمٍ تَعِبَ من الحروب والعنف مع تطلّع إلى الازدهار المشترك في سلام وتعاون.

هنالك عامل تاريخي ثالث جعل من الضروري تشكل المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، ففور انتهاء الحرب العالمية الثانية دُفِع المجتمع العالمي إلى حقبة جديدة من الانقسام والخلاف مع بداية الحرب الباردة.

الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لم يبدآ فقط سباق تسلح نووي خطر ولكنهما أيضا سعيا إلى استقطاب البشرية في كتلتين متنافستين. شكَّل ذلك خطرا جديدا للسلم العالمي، كما هدد أيضا استقلال وسيادة بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية التي حررت نفسها من قبضة الاستعمار، كما ليس أقل ضررا حقيقة أن الحرب الباردة قلصت فرص التعاون الدولي مما جعل من الصعب للبلدان النامية والأقل نموا السعي وراء النمو الاقتصادي والاجتماعي السريع ومحاربة الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية لشعوبها.

زُرعت بذور المبادئ الخمسة للتعايش السلمي بواسطة زعيمين يفكران ويخططان للمستقبل هما رئيس الوزراء الصيني شو ان لاي ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو.

أثناء زيارة شو ان لاي الأولى والتاريخية إلى الهند أصدر مع رئيس الوزراء الهندي بيانا مشتركا يوم 28 يونيو 1954 قدما فيه للعالم رؤية جديدة للتفاعل الثنائي ومتعدد الأطراف. ضُمِّنَت هذه الرؤية لاحقا في إعلان مؤتمر باندونج بإندونيسيا والذي شارك فيه 29 بلدا إفريقيا وآسيويا في أبريل 1955، وحصلت لاحقا على اعتراف شامل عندما تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في عام 1957.

لا شك أن المبادئ الخمسة للتعايش السلمي صالحة لكل زمان. مع ذلك بعد سبعة عقود لاحقا وبعد أن دخلت في قاموس الدبلوماسية الدولية يجب علينا أن نسأل أنفسنا في هدوء: هل تحولت هذه المبادئ إلى القاعدة التي تحدد العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين؟ الإجابة الواضحة هي لا.

ذلك يعود أساسا إلى أن القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة تبذل آخر محاولة لها للحفاظ على هيمنتها الدولية. وعلى الرغم من أن النفوذ الاقتصادي لهذه القوى ربما يتدهور إلا أن قوتها العسكرية الجماعية وسيطرتها على المؤسسات المالية العالمية ووسائل الإعلام لا زالت منيعة. وهي لإيمانها بالتفوق المتأصل لنظامها السياسي معتادة على التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان التي تتبع نموذجا مختلفا للحكم ومسارا مغايرا للتنمية، وعلى الرغم من أنها هي نفسها ظلت أسوأ المنتهكين لحقوق الإنسان في التاريخ الحديث إلا أنها تقدم المواعظ للبلدان الأخرى في هذه القضية.

القوى الغربية أيضا تبذر بذور الصراع وسط البلدان النامية ولا تضيع أية فرصة لشن حروب العدوان والاحتلال غير القانوني أو المساعدة في شنها. إنها تتواطأ لإيجاد كتلة عسكرية جديدة معادية للصين في آسيا والتي ستكون مدمرة إذا نجحت، أحد الأمثلة الصارخة لتدخلها في الشؤون المحلية للدول الأخرى محاولتها الاستفزازية لمنع إعادة التوحيد السلمي للصين الكبرى وتايوان.

ومن الواضح أن مسؤولية إصلاح نظام الحوكمة السائد غير الديمقراطي وغير العادل في ضوء المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لا يمكن تحقيقه بدون المشاركة النشطة للصين والهند، وهما المروِّجتان الأصليتان لهذا المفهوم النبيل. هل ستستجيب نيودلهي وبكين لنداء التاريخ، باختصار هاهنا ثلاثة أفكار يجب علينا تحويلها إلى أفعال.

أولا، لن يكون بمقدور الهند والصين أن تقدما معا مساهمة لها معنى لإيجاد نظام عالمي غير غربي وتعاوني وسلمي وديمقراطي بدون تحسين العلاقات الثنائية المتوترة حاليا. من أجل هذا هما بحاجة إلى إيجاد حل معقول ودائم للنزاع الحدودي بينهما، هذا ليس مستحيلا إذا أعادا اكتشاف حكمة حضارتيهما التي أنجبت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، هذه الحكمة الحضارية ستمكنهما من لعب دور كبير في إعادة تشكيل تاريخ آسيا والعالم.

ثانيا، خلافا لوضعهما قبل سبعين عاما الصين والهند كلتاهما اليوم وإلى حد بعيد متقدمتان اقتصاديا وتقنيِّا وأقوى تأثيرا في الدبلوماسية الدولية. يجب أن تتعاونا في حل النزاعات وإصلاح البنية المالية العالمية وتقديم العون التنموي للبلدان المحتاجة وتقوية صوت جنوب العالم.

ثالثا، على كل من الهند والصين إلى جانب أعضاء المجتمع الدولي الآخرين جعل الأمم المتحدة أداة فعالة لتطبيق المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. هذا دون شك سيقود البشرية إلى التنمية للجميع والعدالة للجميع والأمن للجميع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الهند والصین

إقرأ أيضاً:

سفارات غربية تطلب حماية أمنية إضافية.. ومطار بيروت يعمل بأدنى طاقته

ذكرت «الأخبار» أن الأجهزة الرسمية تلقّت طلبات رسمية من سفارات غربية بتعزيز إجراءات الحماية لمقراتها ومنازل الموظفين فيها، وقد زادت الاتصالات بعدما شنّ العدو الغارة الكبيرة على الضاحية الجنوبية. وانتشر الجيش في محيط السفارة الأميركية في عوكر، بينما اتُّخذت إجراءات إضافية حول سفارات عدد من الدول التي عبّر الدبلوماسيون فيها عن خشيتهم من تعرضهم لهجمات كردة فعل على ما يحصل. وتلقّى عدد كبير من اللبنانيين الذين يحملون جنسيات أخرى رسائل تحثّهم على المغادرة فوراً، مع منحهم وسائل اتصال للحصول على المساعدة في حال تعذّر الحصول على فرصة للسفر. كما جرت اتصالات سريعة مع السلطات القبرصية لفتح جسر جوي بحيث تقوم طائرات بنقل الركاب من مطار بيروت إلى لارنكا قبل نقلهم إلى وجهاتهم الأخيرة. واستعدّت السلطات القبرصية لاحتمال حصول عمليات إجلاء تتم عبر البحر.
في المقابل، لا يزال مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يعمل بشكل طبيعي، بالحدّ الأدنى من طاقته، بفعل وقف شركات الطيران العالمية رحلاتها من وإلى لبنان باستثناء 4 منها فقط، وأعلن رئيس المطار المهندس فادي الحسن لـ«الشرق الأوسط»، أن «الشركات التي ما زالت تعمل بشكل طبيعي هي طيران الشرق الأوسط (الخطوط الجويّة اللبنانية)، والخطوط العراقية، وشركة (أور إيرلاينز) العراقية، وشركة الطيران الإيراني»، مشيراً إلى أن «السبب الرئيس لتعليق الرحلات هو المخاطر الأمنية التي ارتفعت في الأيام الأخيرة جرّاء العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان»، مؤكداً في الوقت نفسه أنه «لا توجد عمليات إجلاء لرعايا أجانب عبر المطار، بل رحلات تجارية عادية».
وتحدّث رئيس المطار عن «تدنّي نسبة رحلات المغادرة والوصول لأكثر من النصف». وقال الحسن: «في الأيام التي سبقت الحرب، كان هناك 70 رحلة مغادرة وعدد مماثل في الوصول، أما الآن فلا يتجاوز عدد الرحلات 35 رحلة يومياً، منها 30 رحلة لطيران (الميدل إيست) فقط». وأمل أن «يبقى مطار بيروت بعيداً عن الخطر ومفتوحاً أمام المسافرين بما يخدم مصلحة لبنان وكلّ الدول التي لها رعايا على الأراضي اللبنانية».

وقال مصدر دبلوماسي، في سفارة دولة غربية كبرى لـ«الشرق الأوسط»، إن السفارة «ما زالت تنصح رعاياها بمغادرة لبنان على وجه السرعة عبر الرحلات التجارية المتاحة، لكنّها لم تعمد حتى الآن إلى عمليات الإجلاء القسري». وأشار إلى أن «عمليات الإجلاء في عام 2006 كانت صعبة ومعقّدة ومكلفة للغاية، نتمنى ألّا نعيد التجربة نفسها، وأن يبادر مواطنونا إلى السفر الآن عبر مطار بيروت الدولي ما دام الوضع يسمح بذلك حتى الآن، لكنّ هذا الاحتمال وارد جداً»، لافتاً إلى أن «الآلاف ما زالوا في لبنان وهم من أصول لبنانية ويعتقدون أنهم في مناطق آمنة».
وأضاف المصدر الدبلوماسي: «في حال ارتفاع الخطر فإننا وضعنا الخطط الهادفة إلى التدخل والإجلاء سواء عبر البحر باتجاه قبرص، أو من جسر جوّي طارئ».
وعمّا إذا كانت هناك ضمانات إسرائيلية للدول الغربية بعدم إقفال مطار بيروت أو مهاجمته، نفى وجود أي ضمانات. واستطرد قائلاً: «من غير المعروف كيف تتطوّر الأمور، والوضع يخضع للتقييم ساعة بساعة».
وكشف مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»، أن «معظم السفارات الأجنبية وضعت بالتعاون مع الجيش اللبناني خططاً لإجلاء رعاياها عند الضرورة، عبر المرافئ البحرية لكنّها لم تنفّذ أي خطة حتى الآن»، مؤكداً أن «الأمر يعود لأسباب عدّة أبرزها أن المطار ما زال بالخدمة ويمكن السفر عبره بطريقة طبيعية، كما أن السفارات تعتبر أن الأمور لا تزال مضبوطة وأن إسرائيل تضرب أهدافاً عسكرية محددة لـ«حزب الله»، ما يعني أن الخطر غير محدق».
ولفت المصدر الأمني إلى أن «خطط الإجلاء ستشمل المرافئ البحرية، أي مرفأ بيروت وجونية وسلعاتا وطرابلس، وأن الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية جاهزة لتقديم التسهيلات عندما يحين وقت إجلاء الرعايا الأجانب».

مقالات مشابهة

  •   ميناء الفاو الكبير.. الانتهاء من كافة فقرات مشروع الارصفة الخمسة 
  • لهذا السبب سلمي أبو ضيف تتصدر التريند
  • بينها أمريكا وبريطانيا.. إعلان للحكومة اليمنية و6 دول غربية ضد الحوثيين.. وموقف صريح بشأن الوحدة اليمنية
  • أكثر من مليار دولار مبيعات البنك المركزي إلى مصارف أحزاب الفساد خلال الأيام الخمسة الماضية
  • بن غربية: المفروض كان اقتحام المصرف المركزي من 4 محاور وليس من الباب
  • معلومات عن مبادرة قطرية ومصرية لوقف الحرب.. السيسي لميقاتي: ندعم الحلّ السلمي للنزاع
  • الحوار الوطني: المبادئ بوصلتنا توافقات فعالة لتقديم حلول ناجزة لقضايا الوطن 
  • روسيا والجزائر تؤكدان أهمية تسوية النزاعات عبر الأساليب القائمة على مبادئ القانون الدولي
  • سفارات غربية تطلب حماية أمنية إضافية.. ومطار بيروت يعمل بأدنى طاقته
  • 12 دولة غربية تعرب عن قلقها من تصاعد عنف المستوطنين في الضفة