بهدف جمع قادة طرفي صراع السودان .. تحرك أفريقي في المساحة الشاغرة
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
في أحدث تحرك لإنهاء الحرب الدائرة في السودان، أعلن مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي، عن لجنة عليا، تهدف لإتمام لقاءات مباشرة بين قادة الجيش السوداني وقادة الدعم السريع.
وأعاد تشكيل اللجنة الأفريقية، رفيعة المستوى، الحديث عن احتمال حدوث لقاء بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، ومدى قدرة الاتحاد على جمع الغريمين.
ولم تنحصر تحركات الاتحاد الأفريقي الأخيرة، في محاولة جمع قادة الطرفين، إذ دان التكتل التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراع في السودان، وكشف عن لجنة لرصد الجهات المتورطة في عمليات الإمداد العسكري للطرفين.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عثمان المرضي، أن الاتحاد الأفريقي، أكثر المنظمات معرفة بالواقع السوداني، "بحكم أن ما جرى في السودان تكرر قبل ذلك في دول أفريقية عدة".
وقال المرضي لموقع الحرة، إن "الاتحاد الأفريقي أكثر إدراكا من غيره، بالمسارات الممكنة والمحتملة لإنهاء الحرب في السودان، من واقع أنه تدخل قبل ذلك في نزع فتيل صراعات مشابهة، جرت في القارة السمراء، بذات المنوال".
وأشار إلى أن "دول الاتحاد الأفريقي لها مصلحة في توقف الحرب السودانية، تفاديا للتداعيات الكارثية المحتملة، بما في ذلك المجاعة التي حذرت منها منظمات دولية، مما قد يؤثر على تلك الدول".
وأضاف أن "تحركات الاتحاد الأفريقي أشبه بتدخلات طبيب يحاول علاج مرضاه من خلال تجارب ذاتية، أو من خلال توظيف بلازما المتعافين أو ما يعرف ببلازما النقاهة، التي تؤخذ من مريض تعافى، لعلاج مريض آخر، يعاني نفس الأعراض، أو من أعراض مشابهة".
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "الاتحاد الأفريقي شعر أن الأزمة السودانية باتت منسية، وأن المبادرات المطروحة لها تكاد تكون توقفت، بما في ذلك منبر جدة بالسعودية، ولذلك حاول التحرك في المساحة الشاغرة".
وتوقع أن "تثمر تحركات الاتحاد الأفريقي لجمع قيادات وسيطة من الجيش والدعم السريع، ولو من خلال لقاءات ومحادثات غير مباشرة، من واقع أن هناك ضجرا وسخطا وسط قطاعات كبيرة من السودانيين جراء استمرار الحرب".
ورحبت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" بتحركات الاتحاد الأفريقي، ودعت في بيان إلى ضرورة توحيد المبادرات المطروحة لحل الأزمة السودانية، مشيرة إلى أن المعاناة التي يعيشها السودانيون تستوجب تسريع الحل السلمي للأزمة.
ترحيل لاجئين سودانيين "بشكل غير قانوني" من مصر.. ماذا يقول القانون الدولي؟ قالت منظمة العفو الدولية في تقرير، الأربعاء، إن مصر اعتقلت بشكل جماعي آلاف اللاجئين الفارين من الحرب في السودان ورحَلتهم بشكل غير قانوني.وأثار هذا التقرير تساؤلات بشأن مدى قانونية اعتقال وترحيل مصر اللاجئين الفارين من الحرب، وكيفية تنظيم القانون الدولي لأوضاع اللاجئين في الدول المستقبلة لهم.
في المقابل، قلل المحلل السياسي، لؤي عبد الرحمن، من جدوى مبادرة وتحركات الاتحاد الأفريقي، ووصف تلك التحركات بأنها "محاولة لتسجيل موقف".
وقال عبد الرحمن لموقع الحرة، إن "الاتحاد الأفريقي أراد أن يشير إلى أنه يتابع الأزمة السودانية، وأنه حريص على حلها، وعلى وضع حد للحرب الدائرة في السودان".
ورجح المحلل السياسي "فشل تحركات الاتحاد الأفريقي الساعية لإنهاء الأزمة السودانية، من واقع أن الحكومة السودانية تنظر إلى الاتحاد على أساس أنه وسيط غير محايد".
وأضاف: "الحكومة السودانية تتهم الاتحاد الأفريقي بأنه منحاز إلى قوات الدعم السريع، ولذلك لا أتوقع أن تمضي مبادرته وتحركاته إلى الأمام".
ولفت عبد الرحمن إلى أن "الحكومة السودانية تعوّل على منبر جدة بالسعودية لإنهاء الحرب الدائرة في السودان، إذ تفاعلت مع المنبر وتوصلت إلى اتفاق سابق مع قوات الدعم السريع، قبل أن تنهار المفاوضات".
ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو 2023، اتفاقا في مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية".
ويتبادل الطرفان الاتهامات بعدم تنفيذ الاتفاق. بينما يشترط الجيش تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في 11 مايو كشرط للعودة إلى طاولة التفاوض من جديد.
ويشير المرضي إلى أن "الاتحاد الأفريقي يملك أدوات مؤثرة لإنجاح مبادرته، إذ يمكنه إنهاء تعليق عضوية السودان، كبادرة لحث الحكومة السودانية للتعاطي مع مبادرته الساعية لحل الأزمة السودانية".
وكان الاتحاد الأفريقي علق عضوية السودان، عقب استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر 2021 وإطاحته حكومة رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك.
وأضاف "إذا أعاد الاتحاد الأفريقي السودان إلى قائمة الدول المنضوية تحت لوائه، فيمكن أن يدفع ذلك السودان نحو التعاطي مع المبادرة الأفريقية، ويمكن أن تنخرط في لقاءات، ولو بطريقة غير مباشرة مع قادة الدعم السريع.
وتوقع أن "تسهم التحركات الأفريقية في إنعاش مفاوضات منبر جدة التي توقفت لشهور، خاصة أن الاتحاد يملك، بجانب منظمة إيغاد، تمثيلا في المنبر، مما يشجعه على حث الطرفين للعودة إلى جدة".
واستبعد أستاذ العلوم السياسية، أن تنجح المبادرة الأفريقية في جمع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في لقاء مباشر، "على الأقل في الوقت القريب، بسبب تباعد مواقف الرجلين".
وفشلت مبادرة قادتها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، في يناير الماضي، لجمع البرهان وحميدتي في لقاء مباشر، رغم موافقة الرجلين على اللقاء من حيث المبدأ.
وقاطع البرهان قمة هيئة "إيغاد" التي استضافتها أوغندا في 18 يناير، لمناقشة الشأن السوداني، اعتراضا على دعوة قدمتها الهيئة إلى حميدتي للمشاركة في القمة.
اللاجئون السودانيون في إثيوبيا.. مصير غامض وسط الرصاص والأدغال في صورة أخرى لمعاناة المتضررين من الحرب السودانية، يواجه أكثر من 6 آلاف لاجئ سوداني، بينهم أكثر من ألفي طفل، واقعا مريرا في غابات "أولالا" الإثيوبية، وفق تنسيقية اللاجئين السودانيين.ويلفت عبد الرحمن إلى أن "تحركات الاتحاد الأفريقي تقابلها الحكومة السودانية بشكوك كبيرة، "بما في ذلك اتهامها بعض دول الاتحاد بالتورط في إيصال العتاد العسكري إلى قوات الدعم السريع".
وأضاف قائلا "الحكومة السودانية تتهم أوغندا، بأنها كانت معبرا لنقل الأسلحة إلى تشاد ومنها إلى قوات الدعم السريع، مما يقلل إمكانية أن تتعاطي الحكومة السودانية مع التحركات الأفريقية".
وأسفرت الحرب، التي اندلعت في 15 أبريل من العام الماضي عن مقتل عشرات الآلاف، بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.
لكن ما زالت حصيلة قتلى الحرب غير واضحة، فيما تشير بعض التقديرات إلى أنها تصل إلى "150 ألفا" وفقا للمبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو.
كما سجل السودان أكثر من 10 ملايين نازح داخل البلاد، بينهم أكثر من 7 ملايين شخص نزحوا بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع العام الماضي.
ودفعت الحرب حوالي مليونين ونصف مليون شخص إلى الفرار إلى الدول المجاورة. كما دمرت إلى حد كبير البنية التحتية للبلاد التي بات سكانها مهددين بالمجاعة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الحکومة السودانیة قوات الدعم السریع الأزمة السودانیة فی السودان عبد الرحمن أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
البراءة من الدماء ورفض الوحشية- الحرب السودانية وصراع المصالح
لا شيء يمكن أن يبرر هذا السقوط المريع في مستنقع العنف، ولا شيء يمنح أحدًا الحق في العبث بأرواح الأبرياء، سواء كان ذلك باسم السلطة أو الشرعية أو حتى الدفاع عن الوطن. السودان، الذي كان يومًا موطنًا للتعايش والتسامح، أصبح اليوم ساحةً مفتوحةً لحرب لا ترحم، تحرق الأخضر واليابس، وتغرق البلاد في مستنقع الفوضى والموت.
أعلنها بوضوح أنا بريء من هذه الدماء، ولا أحمل سلاحًا غير قلمي، فهو أبلغ ما أملك للدفاع عن الحقيقة وفضح الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء. إن من يناصر هذه الوحشية أو يجد لها مبررًا، فهو فاجر مسرف، مجرد من الإنسانية، ولا يليق بأن يكون جزءًا من هذا الوطن العظيم، الذي لن يبنى إلا على أسس العدل والكرامة والاحترام المتبادل.
السودان بين مطرقة العنف وسندان المصالح الخارجية
مع اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، دخل السودان نفقًا مظلمًا من الوحشية التي لم تشهدها البلاد حتى في أسوأ مراحل تاريخها. الجيش السوداني، الذي يفترض أن يكون درعًا يحمي الوطن، وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع قوات الدعم السريع، ليصبح المدنيون وقودًا لهذه المعركة القاتلة. الأسلحة التي تنهال على رؤوس الأبرياء ليست فقط محلية الصنع، بل هي نتاج دعم خارجي واضح، يأتي من دول مثل إيران وتركيا، اللتين ضختا صواريخ متطورة وطائرات مسيرة وأسلحة فتّاكة، دون أن تعير أي اهتمام لما تخلفه هذه الأدوات القاتلة من مآسٍ ودمار.
لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح: هل الأمر مجرد حرب بين طرفين، أم أن السودان بات مسرحًا لصراع دولي بالوكالة؟
وحشية لا حدود لها: الأسلحة المحرّمة والمرتزقة
مع تصاعد المواجهات، لجأ الجيش السوداني إلى استخدام أسلحة محرّمة دوليًا، بينها الذخائر العنقودية والأسلحة الكيميائية، في محاولة لتعويض خسائره العسكرية. هذه التصرفات ليست مجرد انتهاك للقوانين الدولية، بل هي خيانة صريحة لأبسط المبادئ الأخلاقية. استخدام هذه الأسلحة لا يعني سوى شيء واحد: أن الهدف لم يعد فقط حسم المعركة، بل تدمير العدو بأي وسيلة، حتى ولو كان الثمن هو إبادة الأبرياء.
ولم يقتصر الأمر على الأسلحة، بل شهدت ساحات القتال دخول المرتزقة إلى المشهد لتعويض الانشقاقات والخسائر البشرية المتزايدة في صفوف الجيش. هؤلاء المقاتلون الذين جُلبوا من دول أخرى، يقاتلون لأجل المال، وليس من أجل السودان، مما يحوّل الحرب إلى سوق مفتوح للقتل والاستغلال، حيث تختلط المصالح السياسية مع الجشع الدموي.
الصمت الدولي: تواطؤ أم عجز؟
أمام كل هذه الفظائع، يقف المجتمع الدولي في موقع المتفرج. الأمم المتحدة، التي من المفترض أن تكون صوت الضمير العالمي، لا تزال عاجزة عن اتخاذ أي خطوات جادة لوقف المجازر. القوى الكبرى تتحدث عن "القلق العميق"، لكنها لا تتجاوز الإدانات الكلامية، في الوقت الذي تستمر فيه الأسلحة بالتدفق، والدعم العسكري بالتصاعد، والضحايا بالتزايد.
الأخطر من ذلك هو تجاهل ملف المحاسبة الدولية. رغم أن قادة الجيش السوداني يواجهون اتهامات بجرائم حرب، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لم تستطع حتى الآن التحرك بفعالية، بينما تواصل السلطات السودانية رفضها التعاون مع أي جهود للتحقيق في هذه الجرائم، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب، ويؤكد أن العدالة ليست سوى وهم بالنسبة لضحايا هذه الحرب.
البراءة من الدماء موقف أخلاقي لا يحتمل المساومة
باسم الإنسانية، وباسم كل القيم التي تحفظ للإنسان كرامته، أعلن براءتي من هذه الحرب، ومن كل ما أفرزته من وحشية، ومن كل الأطراف التي أسهمت في تحويل السودان إلى ساحة قتل مفتوحة. أنا لا أملك سوى قلمي، وهو السلاح الوحيد الذي أؤمن به في مواجهة الظلم والكذب والتضليل.
إن من يبرر هذه الجرائم، أو يصمت عنها، هو شريك في سفك الدماء، وهو فاجر مسرف، منزوع الرحمة، لا يمكن أن يكون ابنًا لهذا الوطن العظيم. السودان لم يكن يومًا أرضًا للمذابح، ولن يكون كذلك. إننا نرفض أن نُختطف باسم الصراع، ونرفض أن يُزج بنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، سوى أننا ندفع ثمن طموحات الطغاة وأوهام المتحاربين.
السودان يستحق السلام، لا المقابر الجماعية. السودان يستحق مستقبلاً لا تلطخه الدماء، بل تبنيه العدالة والحرية والكرامة.
zuhair.osman@aol.com