الجديد والقديم والمنقرض في الموسيقى العُمانية المعاصرة
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
على الرغم من عدم تجاوز هذه القراءة في معجم موسيقى عُمان التقليدية الحرفين الأولين ( أ. ب) إلا أن قائمة المنقرضات وشبه المنقرضات من فنون الغناء والآلات التقليدية يبدو أنها طويلة وأثرها قد تعمق. وكما ذكرت وأكرر حان الوقت لدراسة هذا الواقع وتقييم المتغيرات فيه والمستجدات عليه، واتخاذ الإجراءات المناسبة، ذلك إن في كل باب من أبواب هذا المعجم هناك منقرضات، ومتابعتها وحصرها في هذه المقالات المتواضعة يجعل هذه المقالات تطول ويتسلل إليها التكرار، لهذا سأختمها بهذا المقال.
والأسباب التي تؤثر سلبًا في اعتقادي على استدامة توارث أنماط الموسيقى التقليدية متنوعة، وقد ذكرت بعضها بشكل مباشر في المقالين السابقين، ولكن المهم هو العمل على وقف أسباب انقطاع عملية التوارث والانقراض. من هنا يبدو أن تنويع خارطة الفعاليات والأنشطة الموسيقية التي تلبّي احتياجات الواقع الفني المتنوع التوجهات والمرجعيات الفنية والجمالية قديمها وحديثها أمر يبدو ملحًا، فإلى جانب الحاجة إلى فعاليات تستهدف المحافظة على التراث الموسيقي، هناك حاجة ملحة أيضا إلى أخرى تستهدف التوجهات الفنية الإبداعية الجديدة والحديثة التي تسعى أن تضع لنفسها قدما ومسارا فنيا في الثقافة العُمانية المعاصرة، فالمهم ليس إنتاج أغنية هنا أو هناك بل استمرار مشروعات فنية إبداعية متكاملة وصناعة هوية فنية وجمالية متجددة. ولو تجلس اليوم مع أي فنان شاب وتطلب منه الغناء فلن يسمعك في معظم الحالات أي أغنية عُمانية فيما بعض الفرق تكرر نفسها في كل مناسبة. ورغم هذا أعرف هنا في محافظة ظفار على الأقل عددا من المطربين المستمرين في مشاريعهم وإنتاج ونشرها أغانيهم ذاتيًا، وهي أغان جميلة ورائعة، ومنشورة بوسائل وإمكانيات متواضعة على اليوتيوب، وبعض هؤلاء مستمر منذ سنوات وبعضهم توقف لعدم القدرة على تحمّل تكاليف التسجيل والنشر وغياب الحفلات والمهرجانات والمشاركات التي مردودها المادي ولو كان متواضعًا يساعد على استمرار المشروع الفني معنويًا على الأقل سواء كان تقليديًا محافظًا أو حديثًا في قوالبه الفنية وأساليب أدائه. ومع أنه قد يعتمد بعض الفنانين والفرق على القدرات الذاتية في إنتاج ونشر أعمالهم في مواقعهم الإلكترونية الخاصة، إلا أن هذا يبقى متواضعًا أمام إمكانيات المؤسسات الرسمية. في المقابل أتطلع إلى أن تساهم الإذاعات والقنوات الإعلامية التقليدية والإلكترونية في صناعة المحتوى الموسيقي العُماني وإنتاج أعمال غنائية عُمانية جديدة بجودة عالية، فحسب معلوماتي أن المحتوى الموسيقي العُماني الإلكتروني هو الأضعف في المنطقة.
وفي هذه المناسبة لا أريد القول إن القديم ينقرض والجديد إذا ظهر لا يقوى على الاستمرار، ولكن بالفعل المشاريع الموسيقية الحديثة تواجه مشكلتي الظهور والتمكين، فيما يواجه التقليدي مشكلتي البقاء والاستمرار. إن فِرق الموسيقى التقليدية لا تستقطب حسب معلوماتي مخرجات التعليم الموسيقي من العازفين والمطربين، وهي حتى الآن غير مهيأة لهذا الاستقطاب، بل أن الخريج نفسه قد لا يكون متدربًا على أداء وممارسة أنماط الغناء التقليدي.. وهذا مشكلة أخرى.
إن تسجيل بعض أنماط الغناء في قائمة التراث العالمي ليس كافيًا لحمايتها وصونها ما لم يتم اتخاذ محليًا إجراءات حماية وطنية. والجدير بالملاحظة في هذه المناسبة هو اختفاء أداء غناء البرعة في صلالة حسب التقاليد الفنية التراثية على الرغم من أن البرعة من فنون الغناء التي طالتها يد التسجيل في قائمة التراث العالمي. وفي هذا السياق أيضا يمكن الإشارة إلى التغرود المنقرض تماما رغم تسجيله في القائمة الدولية المشار إليها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ممكن وضع قائمة حماية محلية لأنماط الغناء المهددة بالانقراض؟ وهل ممكن ايضا وضع قائمة حماية تراث الفرق والأفراد أصحاب المنجزات الموسيقية الوطنية؟. ولا أعني هنا تسجيل قائمة فحسب بل أن المدرج فيها هو الذي يستوجب على الدولة عبر مؤسساتها المتخصصة حماية تراثه الفني وضمان استمراره وتوارثه بكل وسائل الحماية والدعم والمساندة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية يدعو لإطلاق جائزة سنوية لأفضل بحث علمي لبناء الإنسان
أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي جمهورية مصر العربية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، على أهمية توظيف الفقه الإسلامي وأصوله في مواجهة التحديات المعاصرة التي تعيق بناء الإنسان، مثل العولمة الثقافية والغزو الفكري وفقدان الهوية.
وأشار عياد، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر العلمي الخامس لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، تحت عنوان "بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة"، إلى أن التحديات الراهنة التي تعيق مهمة بناء الإنسان تشمل أيضًا "فوضى الفتاوى" والتغيرات الجيوسياسية، مؤكدًا أن المؤسسات الدينية كالأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف تبذل جهودًا كبيرة في نشر الوسطية ومواجهة الأفكار المنحرفة، قائلا "لا بد من تعاون مؤسسي شامل لتكثيف الجهود في حماية الإنسان وتحصينه بالإيمان والمعرفة والانتماء".
واستعرض مفتي الجمهورية جهود الفقهاء التاريخية في مراعاة مصالح الإنسان عبر قواعد مثل "سد الذرائع" و"فقه الأولويات"، مشيرًا إلى أن هذه المنظومة مكّنت الفقه الإسلامي من التكيف مع متغيرات العصر، مؤكدا أن خصائص المرونة والسعة في الفقه جعلته قادرًا على استيعاب النوازل وضمان استقرار المجتمعات".
وطرح عياد خلال مشاركته بالمؤتمر عدة مبادرات علمية ومجتمعية، منها: إعداد "معلمة بناء الإنسان في ضوء الفقه الإسلامي" وذلك بالتعاون بين دار الإفتاء وكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وإطلاق جائزة سنوية لأفضل بحث علمي يسهم في تأصيل مفاهيم بناء الإنسان، وتطوير مناهج جامعية متخصصة في "فقه بناء الإنسان" تجمع بين الأبعاد التشريعية والمقاصدية، اضاف إلى إصدار سلسلة كتب مبسطة تستهدف الشباب لتوضيح دور الفقه في مواجهة التحديات المعاصرة، داعيا إلى تعزيز مشاركة كليات الشريعة في الفعاليات التوعوية، قائلًا: "التحديات تتطلب تضافر الجهود الأكاديمية والمجتمعية لترسيخ القيم الدينية والإنسانية".
وينعقد المؤتمر العلمي الخامس لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، اليوم برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تحت عنوان"بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة"، بمشاركة نخبة من العلماء والباحثين، للتباحث حول رؤى مبتكرة تعزز بناء الإنسان وتصنع الحضارة في مواجهة تحديات العصر، وإبراز دور المنظومة التشريعية في تحقيق مقتضيات بناء الإنسان وتفعيل خطط التنمية المستدامة، إضافة إلى محاولة استخلاص حلول نوعية ومبتكرة قادرة على تحقيق حياة كريمة للإنسان نابعة من رؤية الدولة المصرية.