قادة سطر التاريخ سيرتهم بحروف من ذهب
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
ناصر العبري
أنجبت سلطنة عُمان على مدى تاريخها الخالد المجيد عددا من الشخصيات العظيمة التي ساهمت في رقي الحركة الفكرية والثقافية والعسكرية والاجتماعية والسياسية والحضارية فيها، ولا بُد أن نظهر هذه الشخصيات من خلال وسائل الإعلام والمناهج الدراسية وأن تقام الأمسيات والندوات تخليدا لدورهم وتضحياتهم تجاه الوطن العزيز.
اليوم أتناول بعض المعلومات من سيرة قائد خدم وطنه وسلطانه بكل إخلاص وتفانٍ، وكانت أياديه البيضاء تمتد للمحتاجين، كما إنه دائمًا يوصي بالتمسك بالتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، إنه المرحوم الفريق الركن خميس بن حميد بن سالم الكلباني رحمة الله عليه، وُلِد الفريق الركن خميس بن حميد بن سالم الكلباني في 7 يوليو سنة 1947 في بلدة العارض بولاية عبري في محافظة الظاهرة، وكان له شرف الانخراط في الجيش السلطاني العماني بتاريخ 27 يونيو سنة 1961 ومنح رتبة ضابط في 12 أبريل سنة 1973، وبعد ذلك تدرج- رحمة الله عليه- في الرتب العسكرية تباعًا وشغل عدة مناصب إلى أن حصل على رتبة فريق في 12 ديسمبر عام 1990؛ حيث عُين حينها رئيسًا للأركان في الجيش السلطاني العُماني، وهو أيضاً رئيس للاتحاد العماني للرماية ورئيس جمعية الجيش السلطاني العُماني.
وأثناء التحاقه بقوات السلطان المسلحة حضر العديد من الدورات خلال الفترة من 1975 وحتى عام 1990 داخل السلطنة وخارجها، وأهمها الدورات العسكرية الحتمية ودورات في اللغة الإنجليزية وفي وسائل التعليم بالمملكة المتحدة ودورة القيادة والأركان في السودان، وكانت آخر الدورات في الكلية الملكية للدراسات الدفاعية بالمملكة المتحدة في 3 يناير عام 1990 وحتى 7 ديسمبر عام 1990.
وقاد- رحمة الله عليه- العديد من الوحدات والتشكيلات أثناء خدمته في الجيش السلطاني العُماني، منها أنه كان قائدا للجيش السلطاني العماني قبل صدور المرسوم السلطاني بتعيينه رئيسا لأركان الجيش السلطاني العماني في 12 ديسمبر عام 1990، وشغل منصب رئيس أركان الجيش السلطاني العماني إلى أن وافته المنية ظهر يوم السبت 20 ربيع الآخر 1424 للهجرة الموافق 21 يونيو عام 2003، وكان- رحمة الله عليه- زار عددًا من الدول العربية الشقيقة والدول الأجنبية الصديقة؛ حيث ترأس وفودًا رسمية إلى هذه الدول، وقد حصل رحمة الله عليه على 22 وسامًا عسكريًا.
إن هؤلاء القادة الوطنيين نماذج مُشرِّفة ينبغي أن يُحتذى بها، وأن نُربّي أبناءنا على معرفة تاريخ وسير هؤلاء المخلصين، الذين منحوا الوطن جُل عمرهم، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل رفعة وازدهار وطننا الحبيب.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ولادة الدينار الإسلامي.. أول حرب عملات في التاريخ العربي
تعتبر النقود واحدة من أهم الاختراعات البشرية التي أسهمت في تطور الحضارات وتبادل المنافع بين الشعوب.
وتعكس العملة أو النقود أهم مراحل التطور الثقافي والحضاري والاقتصادي للأمم، فوجود عملة خاصة بحضارة أو دولة ما هو دليل على قوتها وتميزها الحضاري والثقافي عن غيرها من الأمم، وما يظهر من كتابات ورسوم على هذه العملات يعكس الوجه الثقافي للأمة أو الدولة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حين حُظر الصيام.. كيف صمد الأتراك في وجه التضييق الديني؟list 2 of 2إليك وصفة البيض التركي.. سحور مختلف يمنحك الغذاء والطاقة الكافية على مدار اليومend of list بداية عصر النقود في العالم العربيمرت النقود بمراحل عديدة في المنطقة العربية، بدءا من المقايضة، وصولا إلى العملات المعدنية والورقية. ومع ظهور الإسلام، شهدت النقود تحولا جذريا في شكلها وقيمتها، حيث أصبحت تعكس الهوية العربية الإسلامية والقيم الاقتصادية والحضارية للأمة الجديدة.
وتمتعت الجزيرة العربية بموقع مميز بين حضارات العالم القديمة، وكان يمر بها العديد من طرق التجارة العالمية آنذاك، وكانت مكة مركزا تجاريا مهما، وهو الأمر الذي أتاح لها الاتصال بالعديد من الدول والحضارات مثل الحضارتين البيزنطية والفارسية.
وكان نتيجة هذا التواصل معرفة العرب بالمسكوكات والنقود التي تسكها هذه الدول، والتعامل بها قبل أن يتطور الأمر لقيام العرب بإصدار مسكوكات أولية خاصة بهم.
ويذكر لنا التاريخ عددا من الدول العربية المبكرة التي ضربت المسكوكات مثل مملكتي سبأ، وحضرموت في اليمن ومملكة الأنباط في الأردن حسب ما يذكر الباحث عبد الحق العيفة في دراسة قيّمة له بجامعة اليرموك الأردنية تحت عنوان "تطور النقود في التاريخ الإسلامي".
كان الدينار البيزنطي والدرهم الكسروي الفارسي هما العملتين المستخدمتين في الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية على التوالي. وكانت كلتا العملتين مستخدمتين في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام واستمرتا كذلك في السنوات الأولى للدولة الإسلامية حتى العصر الأموي، وفقا لدراسة تحت عنوان "نبذة مختصرة عن النقود في الإسلام وتقدير قيمة الدرهم والدينار" للباحث منصور زارا نجاد منشورة على منصة "ريسرتش جيت".
إعلان الدينار البيزنطيأصدرت الإمبراطورية البيزنطية عملة "السوليدوس" الذهبية، أو "النوميسما" أو "الدينار البيزنطي" كما هو متعارف عليه، التي استخدمت في المقام الأول للمعاملات الكبيرة مثل دفع الضرائب.
وكانت دور السك في أنطاكية والإسكندرية تزود المقاطعات الجنوبية بمعظم العملات المتداولة. وورثت الدولة الإسلامية الناشئة هذا النظام النقدي الفعال، وأجرت عليه تغييرات طفيفة خلال عقودها الأولى، وفقا لمتحف المتروبوليتان للفنون.
كانت العملة البيزنطية الأساسية هي الذهب، إذ حمل الدينار البيزنطي على وجهه الأمامي 3 أباطرة -هرقل في المنتصف محاطًا بابنيه قسطنطين وهيراكلون، مرتدين تيجانًا متوجة بالصليب ويحمل كل منهم كرة صغيرة عليها صليب.
وتميزت هذه العملات بجودتها العالية ونقوشها باليونانية، وكان وزنها القياسي 4.33 غرامات، وفقا لمنصة "الوعي الإسلامي" وكذلك دراسة معمقة للدكتورة وجدان علي بمنصة "التراث الإسلامي".
الدراهم الكسروية الفارسيةأما النوع الثاني فهو الدراهم الفضية الساسانية، المعروفة بالكسروية، حيث حملت صورة كسرى عظيم الفرس على أحد وجهيها، وصورة النار المقدسة عند الفرس على الوجه الآخر.
وكانت هناك أنواع متعددة من الدراهم، من أبرزها الدراهم الطبرية التي بلغ وزن كل منها 8 دوانق، والدراهم البغلية بوزن 4 دوانق، حيث يُعد الدانق مكيالًا إسلاميًّا كان يُستخدم في الوزن والكيل أثناء العصور الإسلامية، ووزنه يعادل سدس الدرهم، وفقا للباحث عبد الحق العيفة في دراسته المذكورة آنفا.
تشير البحوث التاريخية إلى عدم سك أي نقود خلال عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو الخليفة الأول أبي بكر الصديق (رضي الله عنه).
وكانت أول محاولة لصك نقود عربية إسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، حيث أدرك الفاروق مبكرًا أن العملة ليست مجرد أداة اقتصادية، بل تعكس هوية الدولة الناشئة.
إعلانفي عهد عمر بن الخطاب، ضُربت الدراهم على نسق الدراهم الكسروية، مع إضافة عبارات عربية مثل "الحمد لله" و"محمد رسول الله". واستمر هذا النهج في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، حيث ضُربت الدراهم في طبرستان ونُقش عليها بالخط الكوفي "باسم الله ربي".
أما في عهد الخليفة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فقد ضُربت السكة في البصرة دون تغييرات كبيرة، إلى أن جاء العصر الأموي، ليشهد تحولًا جذريًّا في النظام النقدي الإسلامي، وفقا للباحث محمد العناسوة في دراسته "المسكوكات مصادر وثائقية للمعلومات في التاريخ الإسلامي".
ولادة الدينار الإسلاميلم تكن ولادة الدينار الإسلامي مجرد خطوة اقتصادية، بل كانت إعلانًا عن الاستقلال السياسي والثقافي للدولة الإسلامية، مما أثار صدامًا مع الإمبراطورية البيزنطية.
فخلال حروب عبد الملك بن مروان لإقرار حكمه، اضطر إلى عقد هدنة مع الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني، تضمنت دفع ألف دينار أسبوعيًّا لمنع الاعتداءات على الثغور الشامية، وفقا لتقرير سابق للجزيرة نت.
وعندما قرر عبد الملك تعريب العملة، أثار ذلك غضب جستنيان، الذي هدد بإصدار دنانير تحمل عبارات مسيئة للنبي (صلى الله عليه وسلم). وردًّا على ذلك، أمر عبد الملك بسك الدينار الإسلامي الذهبي، مانعًا تداول الدنانير البيزنطية، مما أدى إلى إنهاء الهدنة وإعلان الحرب.
وانتهت المواجهة بانتصار الدولة الإسلامية، التي لم تكتف بصد الهجوم، بل شنت حملات توغل في الأراضي البيزنطية بقيادة محمد بن مروان، ثم عبد الله بن عبد الملك، حتى بلغت ذروتها بمحاولة حصار القسطنطينية عام 99هـ.
وأصبح الدينار الإسلامي العملة الرسمية في الدولة الإسلامية، مستخدمًا في التجارة الداخلية والخارجية، وبلغ تأثيره الاقتصادي ذروته، حتى أصبح يُعرف باللاتينية باسم "المانكوس".
يمكن إجمال تأثير سك الدينار الإسلامي على الاقتصاد المحلي والعالمي في ذلك الوقت بالنقاط التالية وفقا للمصادر السابقة فضلا عن مقالة للدكتور عادل زيتون في مجلة العربي (عدد 508):
إعلان الاستقلال الاقتصادي عن الإمبراطورية البيزنطيةقبل سكّ الدينار الإسلامي، كانت الدولة الإسلامية تعتمد على العملات البيزنطية (الدنانير الذهبية) والساسانية الفارسية (الدرهم الفضي) في تجارتها. وتم سكّ عملة إسلامية مستقلة عام 77 هجرية وقد ساعد ذلك في إنهاء التبعية الاقتصادية للبيزنطيين وتعزيز السيادة الاقتصادية للدولة الإسلامية.
توحيد النظام النقدي في العالم الإسلاميأدى سكّ الدينار الإسلامي إلى إنشاء نظام نقدي موحد في العالم الإسلامي يعتمد على الدنانير والدراهم الإسلامية وهو ما ساهم في تسهيل التجارة الداخلية والخارجية بين مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
التأثير على التجارة العالميةأصبحت العملات الإسلامية معروفة بجودتها ووزنها الدقيق، وبالذات الدينار الإسلامي الذي تميز بثبات وزنه وعياره ونقائه على امتداد قرون عدة، وخلقت له مكانة عالمية وسمعة دولية مما زاد من الثقة به في الأسواق العالمية.
واستخدمت هذه العملات العربية الإسلامية في التجارة مع أوروبا، الهند، والصين.
وحلّ الدينار الإسلامي تدريجيا محل العملات البيزنطية في مختلف مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تعزيز القوة الاقتصادية للدولة الإسلاميةزاد سكّ الدينار الإسلامي من قوة الاقتصاد، حيث أصبحت الضرائب والجزية تُدفع بالعملة الإسلامية كما ساعد في تطوير التجارة والأسواق، وجذب المزيد من التجار الأجانب.
نشر الثقافة الإسلامية في النظام المالياحتوى الدينار الإسلامي على نقوش عربية فقط، مما عزز انتشار اللغة العربية وأظهر الاستقلال الثقافي. وتضمنت العملات عبارات دينية مثل "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، مما عزز الهوية الإسلامية في الاقتصاد.
واليوم، يظل الدينار الإسلامي رمزا للإرث الحضاري الإسلامي ودليلا على الابتكارات الاقتصادية التي قدمتها الحضارة الإسلامية للعالم.