الحرب الصاخبة على غزة والجريمة الصامتة في الضفة
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “83”
#الحرب الصاخبة على #غزة والجريمة الصامتة في الضفة
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
على مدى المائتين وستين يوماً الماضية، من عمر العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، والتي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا ولم تنته عملياتها ولم تتوقف غاراتها، والتي أدت إلى استشهاد وإصابة قرابة 150 ألف فلسطيني، وتدمير أكثر من 80% من بيوتهم ومساكنهم، ومحالهم ومتاجرهم، ومساجدهم ومدارسهم، وأسواقهم ومخابزهم، وطرقهم وشوارعهم، وغيره مما أحدثته الحرب الظالمة، وطحنته الغارات الهمجية، ويشهد عليها العالم ويسكت، ويراقبها ويسجل وقائعها ويعرف تفاصيلها، ويدرك عنفها ويعرف أبعادها، ويعلن مخاوفه من نتائجها، ويحذر من انتشارها واتساع إطارها.
إلا أنه يقف عاجزاً ولا يقوى على فعل شيءٍ ضد حكومة الكيان الصهيوني، التي يرى عدوانها، ويدرك تمردها، ولا يستطيع إجبارها على وقف العدوان، والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي، والتوقف عن الحرب المجنونة التي تستهدف الفلسطينيين جميعاً، وتحاول القضاء على جميع مظاهر الحياة في قطاع غزة، وتدمير كل مقوماتها الإنسانية والمدنية، رغم أن هذه الحرب قد ألحقت بالدول الداعمة أضراراً بليغة، وكبدتها خسائر اقتصادية فادحة، وعرضت استقرار بلادها للخطر، وأثرت على صورتها الدولية وعلاقاتها السياسية.
انشغل العدو الصهيوني إلى جانب الحرب الصاخبة الطاحنة الشديدة الضرووس في قطاع غزة، بعدوانٍ منظم منسق، ودائمٍ مستمر، ضد القدس والضفة الغربية، أرضاً وسكاناً، وحجراً وشجراً، وتراثاً وحضارةً، وتاريخاً ووجوداً، ومقدساتٍ ومزاراتٍ، وقبورٍ ومقاماتٍ، وهو عدوانٌ متأصلٌ جداً وقديمٌ متجددٌ دائماً، وينفذ وفق مخططاتٍ وبرامجٍ، وتصوراتٍ وأحلامٍ، وأماني وطموحاتٍ، إلا أنه يجري بهدوءٍ وصمتٍ، ودون جلبةٍ أو صوتٍ، خلال انشغال العالم بالحرب الصاخبة المدوية على قطاع غزة، اعتقاداً منهم أن أحداً لن يلتفت إليهم أو ينتبه إلى ممارساتهم، أو يعترض على سياستهم، أو يصغي السمع إلى صرخات الفلسطينيين واستغاثاتهم.
الحقيقة التي يجب أن ندركها نحن الفلسطينيين، ويعرفها العالم كله، عرباً ومسلمين وغيرهم، أن الحرب الإسرائيلية على القدس والضفة الغربية لا تقل أبداً في خطورتها وضراوتها، وشدتها وقسوتها، وأبعادها وتداعياتها، ومستقبلها وآثارها، عن الحرب المشتعلة في قطاع غزة، والتي رغم عنفها وصخبها وخطورتها، إلا أنها لا تستطيع أن تخفي أن العين الإسرائيلية، والأطماع اليهودية، مفتوحة إلى أبعد مدى على القدس والضفة الغربية، التي يطلق عليها الإسرائيليون اسم “يهودا والسامرة”، كما يطلقون على القدس اسم “أور شاليم”، وعلى المسجد الأقصى المبارك “جبل الهيكل”، ويتطلعون إلى هدمه وبناء “هيكل سليمان” الثالث مكانه وعلى أنقاضه.
خلال الأشهر التسعة الماضية، تفرغت الحكومة اليمينية المتشددة لتنفيذ مخططاتها في مدينة القدس والضفة الغربية، وتولى الوزيران اليمينيان المتطرفان ايتمار بن غفير بصفته وزيراً للأمن الوطني الإسرائيلي، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بصفته وزيراً في وزارة الحرب، مهمة قضم الأراضي الفلسطينية، وتشريع بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة، وتوسيع العديد من المستوطنات القائمة، والموافقة على تشريع البؤر الاستيطانية وتخصيصها بميزانياتٍ كبيرة، لتتمكن من البناء والتوسع واستيعاب مئات المستوطنين، وكانت الحكومة الإسرائيلية قد وافقت على إلغاء قانون إعادة الارتباط، الذي سمح لهم بإعادة تنشيط الاستيطان في شمال الضفة الغربية.
وخلال المدة نفسها قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي مئات الشبان الفلسطينيين، في المواجهات وخلال الاجتياحات وعلى نقاط التفتيش والحواجز الأمنية، وتعمد قتل العشرات بتهمة الاشتباه بتفيذ عمليات طعنٍ أو دهسٍ، واعتقل ما يزيد عن تسعة آلاف فلسطيني، واجتاح مراتٍ عديدة مدن جنين ونابلس وقلقيلية ومخيماتها، وخربها وعاث فساداً فيها، إذ قصفها من الجو بطائراتٍ حربيةٍ، واستهدف أهلها بطائراتٍ مسيرةٍ وصواريخ موجهةٍ، وجرف شوراعها وخرب طرقها، ودمر مبانيها، وحرق مساجدها، وغَيَّرَ معالمها، وعطل شبكات المياه والكهرباء والهاتف ومجاري الصرف والبنى التحتية.
كما سمحت حكومة الاحتلال أو غضت الطرف عن مستوطنيها الذين اعتادوا الاعتداء على القرى والبلدات الفلسطينية، بعد أن قام بن غفير بتسليحهم، وشجعهم على إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين، ولم تعترض حكومتهم على قيامهم بحرق السيارات وإشعال النار في أشجار الزيتون والبساتين، واقتحام المزارع والحظائر وسرقة المواشي والأغنام أو تسميمها وقتلها.
أما المسجد الأقصى فما زال يتعرض يومياً لعمليات اقتحامٍ منظمة من قبل المستوطنين والأحزاب والمجموعات المتطرفة، التي تصر على تأدية الصلاة والطقوس الدينية اليهودية في باحاته، بعد قيام الجيش والشرطة بإخراج المصلين الفلسطينيين منه، وتمكين المستوطنين من اقتحامه والدخول إليه، في الوقت الذي تمنع سلطات الاحتلال المواطنين الفلسطينيين في أيام الجمعة والأيام العادية من الدخول إلى المسجد والصلاة فيه، ولا تتردد الشرطة الإسرائيلية في اقتحام الحرم، والدخول بأحذيتها وأسلحتها إلى صحن المسجد، وإطلاق النار والقنابل الدخانية والمسيلة للدموع على جموع المصلين لإجبارهم على إخلاء المسجد وباحاته.
إنها حربٌ واحدةٌ لا تختلف أهدافها في قطاع غزة عنها في القدس والضفة الغربية، ففي الساحتين يرتكب العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين أفظع الجرائم، لكن حجم الدم المهراق في غزة يصرف الأنظار عن المؤامرات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية، والعدو الذي يعرف انشغال العالم بحربه على غزة، يسابق الزمن ويحرق المراحل سعياً وراء تنفيذ أغلب المشاريع والمخططات، لكن يقيناً، ما بقي الشعب الفلسطيني ومقاومته، فإن ظنونه ستخيب، ومخططاته ستفشل، ومشاريعه ستتبدد، ولن يحقق شيئاً مما يحلم به.
استانبول في 23/6/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى غزة القدس والضفة الغربیة فی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
تقرير فلسطيني: الاحتلال يغير القوانين في الضفة بما فيها القدس للاستيلاء على الأراضي
قال تقرير أعده المكتب الوطني الفلسطيني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان إن تبريرات سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين شطري مدينة القدس المحتلة جاءت متناقضة في ظل عمليات التهويد، ومخططات الاستيطان.
وأوضح المكتب، في تقرير الاستيطان الأسبوعي الصادر، اليوم السبت 23 نوفمبر 2024، وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية وفا، أن الخطة الخمسية التي صادقت عليها سلطات الاحتلال في شهر أغسطس من العام الماضي، بنحو 4 مليارات شيكل، بحجة تطوير شرق القدس، قد تبخرت في ظروف الحرب، والفوارق تعمقت، وكان آخرها ما نشرته بشأن مزايدة لإنشاء مستوطنة جديدة في بيت صفافا، تطلب فيها تقديم مقترحات لشراء حقوق الأرض التي تبلغ مساحتها حوالي 11 دونما، لبناء حي يتضمن حوالي 200 وحدة استيطانية.
وأضاف أن الاحتلال يمارس شتى عمليات التضييق على المواطنين الفلسطينيين، بهدف تغيير الواقع الديمغرافي في مدينة القدس، بحيث تنخفض نسبتهم الى اجمالي السكان في المدينة بشطريها من 40 بالمئة الى 20 بالمئة، من خلال هدم البيوت، التي تمارس على نطاق واسع.
وأشار التقرير إلى أن سلطات الاحتلال تخطط هذه الأيام لهدم حي البستان في القدس الشرقية، وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، حيث هدمت بلدية الاحتلال في القدس قبل أسبوعين 7 شقق سكنية، ومركزا مجتمعيا صغيرا، وأجبرت أكثر من 30 مواطنا على ترك منازلهم، مستغلة حينها توقيت الانتخابات الرئاسية الأمريكية للهروب من انتقادات وإدانات المجتمع الدولي، كما تتعرض بلدة سلوان لاستهداف منهجي، خاصة أحياء البستان، ووادي الربابة ووادي قدوم، لقربها من المسجد الأقصى، لتنفيذ مخططات الاحتلال بهدمها، لإنشاء ما تسمى بـ«الحدائق التوراتية»، وما تسمى بـ«حديقة الملك» على أنقاض المنازل، وعلى أراضي أصحاب الحي، حيث وضع المتطرف بن غفير سياسة هدم المنازل، والتطهير العرقي في القدس على جدول أعمال وزارته.
ولفت إلى أن لجنة وزارية إسرائيلية في الضفة الغربية تبحث هذه الأيام مشروع قانون من شأنه تغيير شروط تملك الأراضي، فقد عرض عضو الكنيست عن «الصهيونية الدينية» موشيه سولومون مشروع قانون على اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، يمكن المستوطنين من شراء أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، بصورة مباشرة ودون قيود، أي تغيير شروط شراء الأراضي.
اقرأ أيضاًالاحتلال الإسرائيلي يواصل محاولاته لاقتحام بلدة الخيام.. وتصعيد بري وجوي كبير جنوب لبنان
سامح عسكر عن «مجزرة بيروت»: الاحتلال الإسرائيلي يرد على مقتل قواته بالانتقام من المدنيين
الاحتلال الإسرائيلي يصدر تحذيرات جديدة لإخلاء 3 مبان في بيروت